خطاب حميدتي .. وملامح  شكل القادم

تحليل سياسي / الطاهر أبوجوهرة

الخطاب الذي قدمه الفريق حميدتي خلال تابين أحد قادة حركات دارفور – تم إغتياله مؤخراً – يعتبر خطاباً مفصلياً يرسم بجلاء سيناريوهات وملامح المشهد القادم على بلاط المسرح السياسي .. صحيح ..  الكثيرون من الكتاب والمهتمين على وسائل التواصل  تعاملوا مع الخطاب بسياقات متشابة مثل التي ظلوا ينظرون بها الي خطابات الجنرال حميدتي في كثير من المناسبات،  نظرات لا تخلوا من السطحية والسخرية والتبخيس دون التعمق في الإشارات الخطيرة والمهمة التي ظل يرسلها الرجل خلال خطاباته منذ سقوط النظام .. ولكن .. إذا وقفنا بتدبر وتامل وتشريح نجد خطاب حميدتي هذه المرة جاء مختلفا اجتهد من خلاله ان يرسل اشارة واحدة تحمل قطع كثيرة  متفاوتة ، هذه الاشارة تقول ماعدت كقطعة شطرنج بين أصابع فطاحلة المركز .. بمعنى آخر .. خطاب تحرر وإستقلال تام له ما بعده بالتاكيد .. أول ما يجذب الإنتباه هذه المرة لخطاب حميدتي أنه جاء في مناسبة تابين أحد قادة حركة جيش تحرير السودان جناح مني أركوي تم إغتياله مؤخراً بدارفور، ومشاركة حميدتي في هذه المناسبة لها مدلولات ورسائل أهمها أن عودة  العلاقات بين الدعم السريع وحركات دارفور أنبسطت لحدود أوسع من ضوابط وضعتها برتكولات سلام جوبا بل ربما وصلت لمرحلة تفاهمات متقدمة، وهذا يؤكد مارشح من تسريبات خلال مفاوضات جوبا بان أبناء دارفور بما فيهم الدعم السريع بجانب حركة الحلو وعقار قد تواثقوا في حضور رئيس حكومة جنوب السودان أن لايقتتلوا مستقبلاً كابناء هامش مع بعض مطلقاً، مهما تقاطعت المسببات وهذا يبلور شكل الحراك بكلياته في المرحلة القادمة، وهكذا حرص حميدتي من خلال خطابه أن يبلور عملياً أنه على تواثقه وملتزما : (هم دايرننا نكون في الخلا نتقاتل بيناتنا في وادي هور ولكن ده تاني مابيحصل) ومضمون النص بانه على الجيش أن يطلع بمهامه من اليوم أذا كان يريد مواصلة المشوار .. ثمة ملاحظات أخرى من حيث التوقيت الزماني للخطاب فاننا نجد مقدمات وأحداث ومقاطع كثيرة تناولتها وسائل التواصل كانت محل شك ألا أن خطاب حميدتي الأخير جاء واكدها بجلاء بان المؤسسة العسكرية في هذا التوقيت ليست على قلب رجل واحد وأن هناك تفاوتات وتباينات واضحة أجملها حميدتي في جملة عدم الإعتراف برتبته من داخل القوات النظامية وهذا يمثل قاصمة بالنسبة له .. من حيث التوقيت الزماني جاء الخطاب في ميعاد صعب بالنسبة للقوات المسلحة التي تعيش أجواء شبه حربية في الحدود الشرقية مع أثيوبيا وتعتبر قوات الدعم السريع الساعد الأيمن للجيش خلال السنوات الأخيرة وبحديث حميدتي يعني القوات المسلحة عليها سد الفراغ وهذا ما يمكن يفسر لحدما  تواجد القوات المصرية من خلال التدريبات المشتركة مؤخراً بين الجيشين.. ثم .. تداعيات زيارة الفريق حميدتي لتركيا كانت حاضرة بطريقة ما في في بواطن الخطاب حيث يجوز التفسير بأن حميدتي قصد بأن يحرج القائد العام للجيش ويثنيه من الإنخراط في طريق التصور المصري لعلاج  الأزمة مع إثيوبيا بالابتعاد عن ما يوتر الاجواء خاصة بعد تمكن الجيش من إسترداد أراضي واسعة من الفشقة وهذا يمثل وجهة تظر الحكومة التركية بالابتعاد عن الحرب، وإذا نظرنا من زاوية منفرجة لتواجد بعض رموز النظام السابق بتركيا الذين بدورهم لايرغبون في التورط فيي حرب مع إثيوبيا وهم يعرفون مواضع القوة والضعف  داخل القوات المسلحة وبالتالي سحب الدعم السريع من المشهد العسكري ولو مؤقتا فهذا يثتي البرهان ومجموعته من التماهي مع وجهة المحور المصري لأنه في هذا التوقيت لا تستطيع القوات المسلحة بخوض حرب بمعزل عن قوات الدعم السريع .. يلاحظ أن الفريق من خلال حديثه قصد أن يفرغ مابكنانته من اسنة وتفاعلات ليضع الكرة فوق غطاء مكشوف متجاوزاً الأعراف العسكرية بلا تحفظ (زمن الغطغطة والدسديس انتهى) (هم بيقولوا لي ماتتكلم لكن بتكلم) وهذا ما أعتبرته المؤسسة العسكرية تجاوزات وخروج عن ضوابط وأعراف المهنة .. وهنا نجد السؤال الذي يطرح نفسه هل الفريق حميدتي على هذه الدرجة من اللامبالاة بالنظم العسكرية أم ثمة أشياء من حولة يستشعرها أملت عليه بتاجوز البرتكولات العسكرية حيث الحديث للناطق الرسمي باسم الجبش فقط ؟ الاجابة يضعها حميدتي بلاتحفظ عندما يقول انهم مستسخرين  عليه موقع الرجل الثاني في الدولة ثم يمضي ليضع النقاط عاى الحروف عندما يشير  بأن هناك من يعتقد ان وظيفة نائب الرئيس مخصصة لجهة محددة حين قال متسائلا عن ذنبه ليتم شيطنته والتقليل من شأنه : (هؤلاء يرون المناصب القيادية حصرياً على جهات معينة وأشخاص بعينهم) ثم قفز مستخدماً الكرت الأكثر ضغطا وتاثيراً : (عن بكرة أبيهم كانوا مجتمعين لفض الاعتصام انا البقيت السبب ودعمت الشعب والان أصبحت عدو للشعب )

وتابع (إختصرو دوري في أن أكون مقاتلاً في الخلا أقابل ناس الحلو ومناوي جبريل،لكن نحن تاني ما بتنغشى) .. إذن .. من السياقات يتضح بجلاء حجم التقدم والمتغيرات التي طرات على شخصية حميدتي حيث لأول مرة يقحم مباشرة في خطابه الخلل القائم في مسارات توزيع الثروة والسلطة المسبب الأساسي لكل الحروب التي أندلعت في البلاد، وهذا ما يفسر بجلاء ويؤكد تلاحم المسافة بين حميدتي والحركات المطلبية خاصة في دارفور .. ولايستبعد مع مرور الأيام أن يصل هذا التلاحم مرحلة التنسيق العسكري .. نلاحظ إذا دققنا في محتوى الخطاب بكلياته نخرج بان قائد الدعم السريع على اعتاب مرحلة جديدة وموقف يختلف عن مواقفه السابقة الداعمة للحكومة في المركز لان كل هذه المسوغات والاستنكارات التي ترجمها تشير بانه اصبح شخص غير مرغوب فيه في المؤسسة العسكرية وبالتالي لابد من وجهة جديدة غير مستبعدة وهي التلاحم الكلي مع حركات دارفور.

التعليقات مغلقة.