قصة مأساوية لأشواق … ما بين مطرقة الحرب وسندان النزوح

تكتبها : سوسن المصباح

  • مدخل

إندلعت بالخرطوم الحرب التي كانت من صنع الإنسان بكل مأسيها وأهوالها، بعد أن كان الجميع في أمن وإستقرار، مما إضطر المواطنين في الخرطوم إلي النزوح واللجوء إلي أماكن أكثر أمناً من مرمي النيران والقذائف وتحليق الطيران.

·لا بيتاً ولا “عريشة”

ولكن الذين نزحوا واجهوا موسم الصيفحيث إرتفاع درجات الحرارة القصوى خاصة فى ولاية نهرالنيل والخريف الذى كثرت أمطاره هذا العام وكأنها دموع تبكى حال البلاد ثم شتاء قارس يلتحفون فيه السماء ويفترشون الأرض وهم أكثر حزناً علي أوضاعهم وفقدهم لأنفس رحلت وأخري فٌقدت.

نزحوا إلي أمكان لا يملكون فيها بيتاً ولا “عريشة”تقيهم حر الشمس أو قرصة الشتاء البارد، ظلوا يعيشون تحت برندات المدارس وداخل أسوار الداخليات وتحت مظلات الفصول.

ظلت الأسر النازحة تعيش فقط علي، بقايا كِسرة “ناشفة” أو قطعة خبرٍ باردة تمدها لهم منظمة طوعية أو إنسان خير، وبجانبهم قبضة حطب بالكاد تدفئ فصل أو برندة بمدرسة واسعة، هجرها التلاميذ أو الطلاب ورفعت عنها الأقلام.

عائلة “أشواق محمد زين” تلك المرأة ذات الأربعين عاماً، لم تكن تدرى أن الأقدار ستسوقها من محلية أم درمان بولاية الخرطوم إلي الشمال الجغرافي من البلاد وبالتحديد إلي مدينة عطبرة بولاية نهرالنيل كنازحة لا تعرف فيها أحداً. وليست لها صلة قربى لتقطن معه في تلك المدينة.

·الحذر لا يمنع وقوع القدر …. وقعت دانة بالمنزل وكانت الماساة

تعيش أشواق مع بناتها وأحفادها الأيتام في مدرسة لا يطمئن لها النازح أمناً، بعد رحلة نزوح طويلة ومعاناة ليحط بهم المطاف في هذه المنطقة التي لا تعرف فيها أحداً.

تقول أشواق إنها فى اليوم السبت 15 أبريل اليوم المشؤم كما أسمته أشواق وحرارة الشمش تلفح مع نيران الحرب الذي إندلعت فيه الحرب ودارت رحاها بين الجيش والدعم السريع وبخروج أول رصاصة حية، لم أكن بمنزلي فى الثورة الحارة وأحد وأربعين، وفي ردها علي سؤال أجابت كنت بمكان عملي حيث “أفرش الشاي” بسوق الحارة “18” تتحدث أشواق والدموع تملأ عينيها لم أتمكن من الذهاب للمنزل في ذلك اليوم من كثرة الرصاص والدانات التي ملأت سماء أمدرمان بسحب الدخان. فأضطرت إلي الزحفعلي الأرض علي ركبتي زحفاً للأصل إلي منزل أحد أقاربي في الحي نفسه وصوت الرصاص والمدافع والدانات يلاحقني، فظنت إنه الموت الأحمر ولا مفر منه حتى استطعت الوصول إلي منزل أقرباىئ فى الثورة الحارة “18” ومكثت معهم داخل المنزل.

ظلت أشواق قلبها مشغولاً باسرتها وأبناءها الأثنين الصغار وبناتها الأربعة وأحفادها بالثورة الحارة “41” لأنها لم تعلم مصيرهم ولا يعلمون عنها شئ ولا تدري ما يجرى لهم.

دون أن تتحكم في إرادتها نزلت دموع أشواق حارة علي خديها والعبرة تخنقها فالحذر لا يمنع وقوع القدر …. وقعت دانة بالمنزل فى غيابي ووجود أبنائي وأبناء بناتي فقتلت أطفال إحديبناتها وكانوا طفلينوقطعت رجلي زوج بنتها ثم توفى بعد لحظات، وهي تبكي وتقول وبنتي أصيبت في يدها وأجريت لها عملية فى مستشفي الجزيرة إسلانج بأمدرمانوأستخرجوا منها “الرايش” ولفترة طويلة كانت اليد متورمة وجسمها (شايل موية من الرايش) وهى شابة فى ريعان شبابها وتعافت بحمدالله بعد أن فقدت زوجها وإبنيها وتبقي لها ابن واحد فى العاشر من عمره وكان شاهداً على كل ما حدث لوالديه وإخوته) وكأنها تقول إن به حالة نفيسة من هول ما شاهد وراي.

·نظرة الألم والحزن العميق

قطعت أشواق مع من تبقي من أسرتها مسافة طويلة ليصلوا إلى هذه المدينة، وهم يواجهون المجهول وخطر الطريق فى ظل حرب دائرةوهي تقول جئنا بعد أن أصبح البقاء وسط النيران مستحيلاً نزحت إلى عطبرة مع أبنائي وأحفادي رغم أن أحد بناتى كانت حبلى وعلى وشك الوضوعوالحمدلله وضعت في عطبرة تركتها مع زوجها وأهله فى منزل أستاجروه لاحقاً. ولم أستطع البقاء معها كثيراً لأن المكوث (مع الناس متعب)

بنظرة لا تخلو من الألم والحزن العميق، أشواق، تقول : “رحلت إلى مدرسة حى المطار للبنين بمربع (12) بعطبرة مع بناتي الثلاثة وأبناهن الإثنين وأحفادي، تلك المدرسة التي تقع جوار جامع أحمد هلول مواجهة لسوق(12).

·مأساة أخري

تروى لنا أشواق قصة أخري وتقول زوجي أنفصل عني منذ سبعة أعوام وأنقطعت مصاريفه عنا…. فأصبحت أنا الرجل والأم والجدة فلجأت إلي تجارة الشاي.

)الجدة المكلومة ظلت حزينة لوفاة حفيديها وزوج إبنتها ولكنها صابرة ومؤمنة بقضاء الله وقدره حيث ما لآنت لها عزيمة وهي تقوم بتربية حفيد آخر لبنتها التي هي الأخري تركها زوجها بصغيرها وإختفى لجهة غير معلومة، إلي جانب أبناءها الإثنين الذكور وبناتها اللآئي لا يملكن مصدر دخل سوى عمل أمهن والأبناء الذكور صغار فى العمر يذهبون لسوق عطبرة ولا يجدون عملاً… فعملت علي بيع الشاي مرة أخري لكن العمل ليس متيسراً كما هو فى العاصمة الخرطوم حيث تقول أشواق إنها تعرف الناس هناك ويمكنهم مساعدتها ويمكنها الإستداتنة منهم.

أكبر أمنياتي أن أحصل على مكان يقي أبنائي وأحفادي شدة البرد القارص الذي لا يرحم، وطريقة لكسب العيش لسد رمقهم من الجوع الكافر… ولم تخف أشواق خوفها وهلعها علي بناتها وأبناءها من هول ما رأؤه في الخرطوم من نيران ورصاص ودانات وصواريخ وقالت إنها تظل مستيقظة حتي الفجر خوفاً عليهموتمنت أشواق أن ينصلح الحال وتعود الخرطوم آمنة وأن تقف الحرب إلي الأبد.

التعليقات مغلقة.