عثمان جلال _ يكتب_ التطبيع مع إسرائيل وتحالف الهاربين

 

(1)
الهدف الاستراتيجي لتهافت الأنظمة العربية للتطبيع مع اسرائيل استمرار عملية وأد واجهاض ثورات الشعوب العربية ضد النظم الاستبدادية الاقطاعية والعسكرية،ومنع الشعوب من تحقق ذاتها بإقامة النموذج الديمقراطي الأمثل، وقيادة حركة التنمية والنهضة الحضارية في المنطقة العربية فقد أدى تراكم استمرار الأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية إلى تخريب الاقتصاد الوطني، وردة عن شعارات الثورة الديمقراطية واستبداد سياسي مطلق بلغ حد التوريث في الحكم وبعث للنزعات الطائفية والقبلية، والهوياتية، وتأجيج للحروب الأهلية داخل الدول العربية، وفشلت الأنظمة العربية في مرحلة ما بعد الكولونيالية في بناء الأمة والدولة وكانت الثمرة ما يعرف في الفقه السياسية (بنموذج الدولة العربية المتفاقمة النمو)، وتجلى ذلك في حالة البينونة والتنافر العميق بين الشعوب والحكومات، لأن العلاقة الطبيعية في الدولة المكتملة البناء الدستوري والسياسي هي التماهي بين الشعوب والحكومات في وحدة وتناغم وانسجام.
(2).
التفكير العقلاني والحكمة السياسية توجب إنهاء حالة التنافر والبينونة بين الأنظمة العربية الاستبدادية ومجتمعاتهم وذلك بإدارة حوارات فكرية وسياسية عميقة بين هذه الانظمة والشعوب لاجتراح نظام عقد اجتماعي جديد في الحكم قوامه الحرية والديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات، ولكن ثالثة الاثافي وهروبا للإمام طفقت ذات الأنظمة الاستبدادية العربية الفاقدة للشرعية الاجتماعية الداخلية في إلتماس طوق النجاة والشرعية من الخارج، ومن ذات الدولة التي عبأت طاقات مجتمعاتها لمنازلتها ورميها في البحر، انها الردة الفكرية والأخلاقية في أعلى سقوفها، وحقا ومن يصحب الدنيا طويلا،، تقلبت على عينه حتى يرى كذبها صدقا فتهاوت الأنظمة العربية الاستبدادية في ابرام الاتفاقيات السرية والعلنية مع إسرائيل وفي مظانها أن التحالف مع أمريكا وإسرائيل سيكفل لها الاستمرارية المطلقة في الحكم، بعد أن أيقنت باستكانة وموات شعوبها تحت وطأة القهر والاستبداد الداخلي، ولكن إذا أراد الله أمرا هيا له الأسباب، حيث انفجرت الشعوب العربية في ثورات الربيع العربي المستمرة منذ العام 2011م والتي أطاحت ببعض الانظمة الاستبدادية الراسخة، وما إن بدأت شعوب دول الربيع العربي في حوارات الثورة الوطنية الديمقراطية واستعادة قوامتها في الحكم ،وقيادتها لمشاريع التنمية والنهضة الحضارية، حتى أدركت الأنظمة الملكية في منطقة الخليج العربي خطورة غرس معادلة الحكم الديمقراطية الجديدة في المنطقة العربية على عروشهم الواهنة، وأيضا ادركت إسرائيل خطورة قيادة الشعوب العربية للمواجهة الثقافية والحضارية مع كيانها المغتصب والتي تعني على المدى الاستراتيجي تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وانهاء التفوق الاسرائيلي الحالي وتحولها لدولة طبيعية في المنطقة (والاستدراك الاستراتيجي كيف يستمر التفوق الاستراتيجي لإسرائيل في المنطقة العربية والشرق الأوسط في ظل وجود أنظمة ديمقراطية في مصر والسودان وإيران، وتركيا وملكية دستورية في السعودية؟؟)

(3)
لذلك في اعتقادي الراسخ إن موجة التطبيع العربي الإسرائيلي الراهنة أشبه بتحالف الهاربين هدفها الاستراتيجي،إجهاض ثورات الشعوب العربية المتطلعة للديمقراطية، واستنساخ أنظمة اوتوقراطية موالية لاسرائيل، وضمان استمرار حكم الملكيات الاقطاعية في منطقة الخليج والجزيرة العربية، لأن العقل الإسرائيلي يدرك أن انعتاق وتحرر انسان منطقة الجزيرة العربية والشام من وطأة الاستبداد يعني تهديد حضاري ووجودي لكيانهم المغتصب، فآخر ثورة ثقافية وحضارية قادها المجتمع في هذه المنطقة الجيواستراتيجية كانت في العهد النبوي والخلافة الراشدة وتمت هزيمة اليهود ثقافيا وحضاريا واجلاؤهم من المنطقة العربية.
(4)
ان تهافت الحكومة السودانية الانتقالية للتطبيع مع إسرائيل يمثل لحاقا بركب الهاربين ومشروع ردة ثورية، والانكى أن بعض تنظيمات وقيادات قوى الحرية والتغيير تساق باللاوعي لانجاز مشروع هذا التحالف الاقليمي الشرير، والذي عندما يقضي وطره منها، سيجردها من الحاضنة الثورية، ويخلع عنها رداء الثورة الكذوب الذي ترتديه حاليا، ثم يخيرهم بين البقاء مجرد تكنوقراط في خدمة المستبد الجديد القادم، أو المغادرة من حيث أتوا تلاحقهم لعنات الشهداء، وشعارات الثورة التي نقضوا غزلها عروة بعد عروة.

التعليقات مغلقة.