(الحكومة والحلو) … سياسية إرباك الخصم ..! بقلم : إبراهيم عربي
اعتقد ليس دقيقا إن أطلقنا عليها (إنهيار أو فشل) ، لأنها ورشة (غير رسمية) لتقريب وجهات النظر والوصول لتفاهمات أو قواسم مشتركة تهدف الوساطة للبناء عليها لجولة مفاوضات رسمية مقبلة بين طرفين أصلا مختلفين حول (العلمانية وفصل الدين عن الدولة) ، يتوقع ان تحتضنها جوبا قريبا .
خرجت الورشة برؤية من (سبع نقاط) تم الإجماع عليها من قبل الطرفين وبعض النقاط مختلف حولها وبالطبع أصبحت مكان خلاف وليس فشل أو إنهيار لمخرجات الورشة ، وما يطمئن أهل السودان أن الطرفين أكدا تمسكهما بتسوية خلافاتهما عبر طاولة المفاوضات .
ولذلك ليس منطقيا ولا أخلاقيا وليس من العدل والإنصاف أن نحمل رئيس الوفد الفريق شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة مسؤولية الإختلافات حول بعض النقاط ، لأنها تعبر عن وجهة نظر الحكومة وهو فقط يمثلها وليس ذلك رأيه الشخصي ، وبذات المنطق لا تعتبر النقاط المتفق عليها تعبر عن الرؤية الشخصية لعمار آمون رئيس وفد الحركة الشعبية – شمال (الحلو) بل تعبر عن رؤية الحركة المعلن ، رغم أن رئيسا الوفدين معا مواطنين ينحدران من ذات الرقعة الجغرافية جنوب كردفان / جبال النوبة مكان الإختلاف والإتفاق ضمن القضايا القومية الأخري .
وبناء عليه تمثلت نقاط الإتفاق بين الطرفين في الإعتراف بأهمية الدين في حياة الشعب السوداني ، الحاجة إلي ضمانات لعدم إستغلال الدين لأغراض سياسية أو آيديلوجية ، مراعاة العلاقة بين الأديان لا سيما بشان الأحوال الشخصية والعادات والتقاليد والقوانين الأخري المستمدة من القانون العام والمبادي فوق الدستورية ، الإعتراف بدولة المواطنة والحرية والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات ، تضمين الحقوق والحريات في الدستور لحماية الجميع ، الإعتراف بوحدة الشعب السوداني وتعدد ثقافاته ودياناته وأعراقه ، حيادية الدولة من كافة الأديان والوقوف منها علي مسافة واحدة .
بينما إختلف الطرفان حول كيفية إقرار وتنفيذ فصل الدين عن الدولة ، مع العلم بأن إتفاق مسارات الجبهة الثورية بجوبا مع الحكومة ، ربط مسألة فصل الدين عن الدولة بالمؤتمر الدستوري لإستفتاء الشعب أو ممثليهم بشأنها ، خلافا لمجموعة الحلو والتي تريد الأتفاق حالا علي فصل الدين عن الدولة دون إستفتاء وظلت تمارس بموجبها التكتيكات السياسة (سباسة إرباك الخصم) .
قالت الحركة إنها لا تثق في آليات الإستفتاء ، ومتمسكة بما تم التوقيع عليه بين الدكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء الفترة الإنتقالية وعبد العزيز الحلو رئيس الحركة في اتفاق أديس ابابا في الثالث من سبتمبر الماضي ، بينما إعتبرت الحكومة ذلكم الإتفاق (سياسيا) ، وبالطبع أي أتفاق سياسي يحتاج إلي تفاوض حقيقي يوضح رؤى الطرفين للوصول للمسائل الوفاقية والخلافية معا ، وبكل تأكيد لا يعني توقيع حمدوك علي الإتفاق قبول الحكومة بالأمر دون التفاوض عليه ، وهذا مانص عليه الإتفاق بين الطرفين نفسه .
وبالتالي تصبح المعضلة كبيرة جدا في التفاوض بين الطرفين مالم يحدث تنازلات حفاظا علي حقوق الجميع ، ولذلك جاءت العملية مكان رفض من قبل وفد الحكومة المشارك في الورشة ، وقالت أن البنود غير المتفق عليها تتجاوز أعمال الورشة ، ولذلك لا أعتقد الرفض ينسب هنا للفريق كباشي كما ذهبت الحركة في بيانها .
ولكن إعتقد أن بيان الحركة الشعبية – شمال (الحلو) الممهور باسم كوكو محمد جقدول الناطق الرسمي باسم وفدها المفاوض ، (بيان سياسي تكتيكي) يعبر عن موقف الحركة سياسيا وتمسكها بموقفها المعلن عن (فصل الدين عن الدولة) وبالطبع تتطلع المسألة للمزيد من التنازلات ، فالبيان خطوة لها ما بعدها من بنود التفاوض لا سيما بشان الترتيبات الأمنية والتي ستقاتل فيها الحركة الشعبية للإبقاء علي جيشها لأطول فترة ممكنة قد تتجاوز المرحلة الإنتقالية وهي تعلم أنها ستجد صعوبة في ظل وجود تركيبة الجيش ضلعا اساسيا في الشراكة علي السلطة وخصوم آخرين سيتمسكون بما أتفق عليه .
ولذلك اعتقد فشل او نجاح مثل هذه الورش تصدر تقييمها جهات الإختصاص وليست أطراف النفاوض ، لاسيما وان هذه الورشة حشدت لها جوبا جيدا من المُسهِّلين والخبراء والمختصين ، من مجموعة السياسات والقوانين الدولية العامة ، والمركز الأفريقي للحلول البنَّاءَة للنزاعات وإستشاريين من شركاء التنمية وفريق الوساطة لعملية السلام في السُّودان .
بينما مثل وفد الحكومة الفريق شمس الدين كباش عضو المجلس السيادي للحكومة الإنتقالية رئيسا للوفد ، وزير العدل في الحكومة الإنتقالية الدكتور نصر الدين عبد الباري ووزير الحكم الإتحادي الدكتور يوسف ادم الضي ، ومحمد حسن التعايشي عضو المجلس السيادي ناطقا باسم الوفد ، بينما مثل الحركة الشعبية عمار آمون دلدوم الامين العام للحركة رئيسا للوفد وكوكو محمد جقدول ناطقا بإسم الوفد وآخرين .
علي العموم أعتقد ما توصلت إليه الورشة من مخرجات نقاط قوة وليست نقاط ضعف وستدفع بالعملية السلمية إلي الامام ، لا سيما وأن المجتمع سيمثل كرت ضغط للطرفين بعيدا التكتيكات السياسية (سياسة إنهاك الخصم) التي ظل يلعب عليها الطرفين لكسب الجولات بالنقاط .
عمود الرادار … الثلاثاء الثالث من نوفمبر 2020 .
التعليقات مغلقة.