الأبواب المغلقة ديمقراطية الثقافة بقلم / محمد علي محمد

 

السودان يتميز إنسانها بالكثير من الأشياء التي تجعله ينتمي أكثر لأفريقيا ، في طريقة تعامله مع فنونه الموسيقية و فنونه الإستعراضية الأخرى كالرقص و غيره . هذه المعالم لا شك بأنها ثقافة إفريقية بحتة ، فاذا ذهبت إلى أي مكان من القارة ووقفت و إنتبهت للنظام المظهري ( شكل الزينة و نوعية الأطعمة ) لوجدتها كلها متشابهة .
و إذا ذهبت إلى جنوب إفريقيا أو غانا او يوغندا قد تجد الناس يتعاطون العصيدة و يأكلون مسحوق الفول السوداني ، و هذا يدل على شكل من أشكال الترابط الموجود في كثير من الموروثات الإفريقية الممتدة .. هذه الثقافة لم تعط فرصة لتعبر عن نفسها بما فيه الكفاية ، في أن تدرس و ان تبحث و ان تكون جزء من الثقافة القومية . بمعنى نجدها في التلفاز او المذياع او في المكتوبات إلى أخره .
و من هنا يأتي التهميش ، و هذا التهميش ساهمت فيه الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان التي ظلت تكرس لثقافة واحدة ، و هي الثقافة العربية و لا أعلم ان كان هذا بوعي او دون وعي !! و هذا التهميش تم على حساب ثقافات سودانية إفريقية بحتة ، موجودة في هذا البلد ، و أقدم من الثقافة الوافدة – (الثقافة العربية ) و يبقى السؤال ما الذي يجب أن يفعله السودانيون بعد ثورته المجيدة لدرء خطر ثقافة واحدة ؟!.
يجب ان نتعامل كسودانيين بإعتبارنا مجتمعا متنوع لغويا ، ثقافيا ، دينيا ، أثنيا . هذا التنوع يجب أن يظهر في شكل الدولة بعد الثورة الشعبية و إسقاط نظام البشير ، و ان يكون ظاهرا في مفاهيمنا التعليمية ظاهرا في كثير من الطرق التي نطرح بها أنفسنا للأخرين ، مثلا العام الماضي كنت مشاركا في ( ملتقى الشباب العربي و الإفريقي) بجمهورية مصر العربية و تجاذبنا اطراف الحديث مع بعض المشاركين من دولة جنوب إفريقيا ، فوجدت أن وفدهم يضم الزنجي و الأبيض و الخليط و غيره فسألتهم عن سر تنوع هذا الوفد ، فأكدوا لشخصي أنهم عندما يذهبون إلى مؤتمر او ملتقى او أي نشاط رياضي ، يعكسون الوجه الحقيقي لجنوب إفريقيا ، يحرصون كل الحرص على حضور و تمثيل مثل هذه الإنماط سواء كان الأبيض او الأسود !
هنا في السودان نجد الغلبة للثقافة الافريقية ، لأن الأفريقية هي الثابت في السودان و العربية هي المتحركة ، لكن بقوة جهل بعض النخب ، و بقوة الإعلام المضلل ، و تأمر الساسة ، حاول الحكام السودانيون ان تكون الغلبة للثقافة العربية ، لكننا حين نرجع إلى الواقع و إلى الممارسات نجد أنه حتى الذين يدعون أن ثقافة السودان ، ثقافة عربية يواجهون بالإنكار من الدوائر العربية .
لكننا نعود و نقول أن هذه أحاديث سياسية و بالعودة إلى الواقع و إلى الممارسات في الفنون – مثل الموسيقى نجد انها لا تشبه كثيرا اي مقامات عربية .
انا لست ضد الثقافة العربية أو اي ثقافة أخرى ، فاذا كانت هنالك ثقافة عربية فمرحبا بها و يجب ان نعمل على ان تنمو و تتطور و تتحاور مع كل الثقافات الأخرى حتى تتساوى الفرص ، ليكون هنالك شكل من أشكال ديمقراطية الثقافة ، لأن وجود هذه الثقافات مع بعضها البعض و تحاورها عبر الزمن يتيح نمطا جديدا من الثقافة يمثل هذا البلد ( السودان ) و لعلنا نظلم الثقافة كثيرا حين نتعامل معها كمادة جامدة ، لأن تطور الثقافة هو مع الزمن و مع الإنسان و تحاور مع ثقافات اخرى تنمو و تزدهر ، تستلف أشياء و انماط من ثقافات اخرى و تضيفها لنفسها ، تهزم احيانا و تهزم مرات .
الثقافة جسم غريب به كثير من الألوان لا يمكنك ان تسيطر عليها او تقيدها ، لها منطقها الخاص عبر الزمن و لها إيقاعها المتفرد الذي ينتقل بين حامليها عبر الأسئلة التي يواجهونها ، و التحديات التي تلاقيهم . كل هذه الأشياء تسهم في صياغة الثقافة !! فليس هنالك من له اليد الطولي ليزيح الأخر ، هنالك منطق خاص و قد نكون متعجلين لو حاولنا تحديد شكل الثقافة في هذا البلد الأن ، لكن بمرور الزمن سيكون هنالك ما هو سوداني لكن يجب ان تتاح الفرص كاملة و الحرية الكاملة و السياسات الرشيدة لتنمية كل هذه الأنماط الثقافية … و بداخل هذه الثقافات يوجد الجميل و ايضا القبيح و علينا ان نحتفي بالأشياء الجميلة و نطورها و نتعلم منها ، هنالك انماط موسيقية جميلة انواع من الأطعمة ، هنالك مفاهيم جميلة حول القيم الإنسانية يمكن ان تتطور ، هنالك لغات يمكن ان تطور و ان تعلم ، لأن هذه اللغات حاملة لثقافات ، كل هذه الاشياء الجميلة تعبر عن تنوع الثقافات السودانية سواء كان منبع هذه الثقافات افريقي او عربي .
هذا ما يجب ان نحتفي به كثيرا ، و أذا كنا قد مارسنا التهميش او الإستغفال في يوم من الإيام فقد رأينا ما الذي يحدثه التهميش و الإقصاء بكافة اشكاله ، و يكون هنالك تزمر ، و يحدث حروبا ، و ينتج غبنا و تشتتا و تمزقا ، و يحدث كل هذا لأن هنالك شخص يرى أنه لم يجد حظه في فسيفساء السودان .

التعليقات مغلقة.