الأبواب المغلقة _ ياسر عرمان و البحث عن صيغة ..!! بقلم _ محمد علي محمد

 

( النظرة للعلاقة بين دولتي السودان من ثقب الباب أم من بوابة التاريخ و الجغرافيا و الثقافة و المصالح ) هو عنوان لمحاضرة ألقاها الرفيق ياسر سعيد عرمان في ندوة نظمتها صحيفة الوطن بقيادة مايكل كرستوفر بجمهورية السودان ، بعنوان ( سلام السودان و أثره على إستقرار جنوب السودان ) و كعادته تحدث الرفيق ياسر بإستفاضة منقطعة النظير ، موضحا المداخل الصحيحة لعلاقات البلدين ، و الطرق التي تؤدي إلى إتحاد سوداني بين دولتين مستقلتين يحترم سيادة كل منهما ، هذا بإختصار ما قاله في هذه الندوة المهمة و أتمنى أن لا يكون إختصارا مخلا ، و التي أشار فيها للروابط التاريخية و الثقافية بين الشعبين مفصلا فيها تفصيل العارف و الحريص على مصلحة البلدين و أثر منبر جوبا ( مفاوضات السلام) في إصلاح الأخطاء التاريخية .
و قد يسألنا سائل عن دواعي إتحاد السودان و جنوب السودان ، و قد يحذرنا البعض من خطورة المغامرة ، و قد يشفق علينا المشفقون و يسألوننا التريث و البحث في أسباب فشل بضع محاولات وأدت في مهدها ، و كل هولاء محقون في أسئلتهم و تحفظاتهم ، لكننا ببساطة في -الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الرفاق -عقار – عرمان – جلاب ، قررنا أن نكف عن لعن الظلام و أن نضيء الشموع في وطننا بالسودان و جنوب السودان ، فقد آن الأوان لشعبينا أن يعبرا عن إرادتهما و أن يرتفع صوت خياراتهما ، أن الأوان أن نحرر عقل ووجدان و ضمير شعبنا من الإغلال التي تكبل إنسياب العلاقة الطبيعية بين السودان و جنوب السودان .
لم نكتب و نعلق على محاضرة الرفيق عرمان ، لكي نقول ذات الكلام العنتري الرنان و الشعارات البراقة التي أدت من قبل إلى وحدة فاشلة بين شمال و جنوب السودان ، و إنما كتبنا لكي نبحث معكم ، لكي نبحث جميعا عن صيغة أخرى جديدة للعلاقات بين بلدينا ، صيغة تعزز روابط الدم و التاريخ و الوجدان ،كما (وضحها و فصلها الأستاذ ياسر عرمان في محاضرته ذات القيمة و الرسالة) ، و تحقق الشراكة المتكافئة و التكامل الإيجابي في علاقات البلدين في جميع المجالات على أسس سليمة ، في الصحافة و الإعلام و الثقافة و الرياضة و الفكر و الفن و العلم ، و العلاقات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية … فهلموا علينا إلينا نبحث معا عن نموذج يحيي شعبينا و يدفع عنهما الشرور و غوائل الأيام … هلموا نبحث عن نموذج يرفع فيه كل منا شأن الأخر … نريد البحث عن صيغة للتنمية المشتركة في بلدينا …عن صيغة للقضاء على الفقر و الجهل و العوز و أمراض النفس و البدن … صيغة تحفظ وحدة ترابنا و شعبينا و يتحقق بها الأمن و السلام و التعايش و الحرية و العزة و الكرامة و الإنسانية لمواطنينا على إمتداد المليون ميل مربع .
نريد أن نبحث عن صيغة تتكامل فيها الشعوب قبل الأنظمة و يتحقق فيها الإحترام المتبادل القائم على المعرفة … صيغة تراعي تطورات العصر و تستفيد من تجارب الأخرين و تستوعب التعدد و التنوع و تستفيد منه … صيغة قد تصبح نموذجا أو نواة لمشروع أكبر في أفريقيا … صيغة نحتاج إليها ، و تحتاج إليها أجيالنا المقبلة .
فلنبحث معا عن أسلوب تتحول به الشعارات و الرؤى إلى واقع فعلي يشعر به الناس في واو و رمبيك و بور و النيل الأبيض و عطبرة و القضارف و سنار ..و ..و في معاشهم و يجنون ثماره و تتحدث به أرقام التجارة البينية و الإستثمارات و مشاريع البناء و التنمية و العمران بين البلدين .. صيغة ترفع فيها الحدود و تمد فيها الطرق و جسور الثقة بين البلدين و تكفل إنسياب تنقل السلع و البضائع و الأفراد و رؤوس الأموال ،و يعامل فيها السوداني بحق في جنوب السودان معاملة الجنوب سوداني ، و يعامل فيها الجنوب سوداني بحق معاملة السوداني ، … صيغة تتحقق فيها المعرفة و الإحساس بالأخر ، و ينعكس نتاج ذلك في مناهج الدراسة و برامج الإعلام في شتى مناحي الحياة بالبلدين .
هل كان علينا أن نبكي على اللبن المسكوب في ماضي العلاقات بين البلدين أم كان علينا أن نقيم المأتم و ننصب سرادقات العزاء على حال بلدينا اليوم أم كان علينا أن نجلس على حوائط الفشل و اليأس و القنوط أم أن ننساق وراء موجات الإحباط و نؤمن أن تغيير الحال من المحال و أنه لا سبيل إلى المستقبل .. أم كان علينا أن نبادر إلى حمل مسئولياتنا تجاه شعبينا ، شعب السودان العظيم ، و أن نفتح لها نوافذ الأمل و العمل و المعرفة ، و أن نهئ لأبناء بلدينا سبل التلاقي و الحوار الإيجابي البناء ، الذي لا يغفل التحديات العظام التي نواجهها و لا المشكلات القائمة ، و لكنه يطرح في الوقت ذاته بدائل المستقبل ، و لا يكتفي بالبكاء على اللبن المسكوب ، فتاريخ البلدين المشترك لم يكن كله عارا و ظلاما ، و ما به من سلبيات ليست سوى صفحات ينبغي أن تكون عابرة ، نتوقف عندها للبحث و الدرس و العظة ، غير غافلين عن سجل طويل مشترك من الثورة و النضال و التصاهر و التلاحم و التضامن و التعاطف ، و مسيرة كبرى مشتركة في العمل الشعبي و الفداء و التضحية ، تشهد عليها كل السواعد و العقول و الرفاق التي بنت و عمرت و ناضلت و إستشهدت و اضاءت العقل و الوجدان و الضمير في بلدينا .
نعلم أن الطريق طويل أمام أمالنا و أحلامنا و طموحاتنا و رؤانا ، و أن الصعاب كثيرة و أن الزاد قليل ، لكن يملؤنا التفاؤل و يحدونا الأمل (كما قالها و ما زال يرددها الرفيق ياسر عرمان منذ حملة الأمل و التغيير ) ، و يدفعنا الإيمان برؤية السودان الجديد ، و قضية السلام و المواطنة بلا تمييز ، إلى تحدي العقبات ( العنصرين و المتقزمين ) و خوض الصعاب .

التعليقات مغلقة.