(المؤتمر الإقتصادي) … جدلية رفع الدعم ..! بقلم : إبراهيم عربي

إختتم أمس المؤتمر الإقتصادي الأول للحكومة الإنتقالية أعماله بعد (ثلاثة ايام) من المناقشات والمداولات وخرج ب(160) توصية فشلت لجنة الصياغة في دمجها، وقد صاحبت جلسات المؤتمر فصل من الفوضي والعشوائية والمقاطعات ، هددت بعض لجان المقاومة كل من يطالب برفع الدعم بالطرد خارج قاعة المؤتمر، وقد تمسكت بموقفها وقالت إنها حارسة مطالبها ، ولذلك قادت لأن تتغلب (ظاهرة أركان النقاش) بالمؤتمر علي العلمية والمنهجية .
تلك ذكرتني بقصة صاحبنا الكلس الذي هدد القابلة إذا ولدت زوجته هذه المرة بنت مثل (الثلاثة) مرات السابقة سيقطع راسها ، الحمد لله طلعت المرة دي (ولد) فانطلقت الزغاريد فهاج الرجل مفتخرا (هلا هلا علي الجد الزمن دا حقك إلا تحرسو بضراعك) ، فكان ذلك بالضبط ما إنطبق علي المؤتمر الإقتصادي الذي جاءت مخرجاته تحت التهديد والوعيد .
ولذلك من الطبيعي أن يفشل الخبراء والمختصون في تقديم عصف ذهني متخصص بالإجابة علي السؤال لماذا رفع الدفع أو الإبقاء عليه في هذه الأجواء الملغومة ؟، فالمؤتمر نفسه جاء عقب (ثلاثة) تأجيلات ، ومن بين المخرجات فقد أوصي المؤتمر بترشيد دعم الوقود (البنزين والجازولين) مع الإبقاء علي دعم السلع والخدمات (القمح والكهرباء والغاز والأدوية) .
ولكن مع الأسف ليست تلك (كل الحقيقة) ، إذ لم تبت المخرجات بالفصل بصورة قاطعة وواضحة (رفع الدعم) حسب روشتة صندوق النقد الدولي الذي توافقت عليها حكومة حمدوك مع إدارة الصندوق مما يرفع سقوفات الجدل في التنفيذ لاسيما وأن التوصيات بذاتها تم تسليمها لرئيس الوزراء هكذا دون الإشار  إلي (رفض رفع الدعم)، وأعتقد بذلك يكون للدكتور عبد الله حدوك حق (المواءمة التنفيذية) .
سياسة رفع الدعم ، أو ترشيد الدعم ، أو الإبقاء علي الدعم ، كما خرجت بها توصيات المؤتمر، أصبحت بذاتها جدلية طويلة المدي تراوح مكانها ، وبالطبع لها مدارس مختلفة ونظريات وتجارب عملية متباينة التطبيق (البخيت يشوف في أخوه) ، بالطبع لن تتوقف تلكم الجدلية عند روشتة صندوق النقد الدولي فحسب والتي أعلنت الحرية والتغيير (قحت) رفضها القاطع لها وبل ألبت عليها ظاهريا من خلال تلكم اللافتات داخل قاعة المؤتمر (لا أوافق علي رفع الدعم) ، مع الأسف لم يخرج المؤتمر ببيان يؤكد ذلك .
ولذلك أعتقد أن المؤتمر نجح في ممارسة (سياسة تعليف القطيع) ، إذ خرج بتوصياته ولم يقل واضحا (رفض رفع الدعم) ولكنه إستعاض عنها بترشيد دعم (البنزين والجازولين) مع الأبقاء علي دعم (القمح والكهرباء وغاز الطهي والأدوية) ، فأبقي علي هذه التوصيات في يد رئيس الوزراء عبر آلية مع البحث عن طريقة مثلي لتعظيم الإيرادات الذاتية للبلاد .
المتابع يجد أن حكومة الإنتقالية قد فشلت عاما كاملا دون إقامة المؤتمر الإقتصادي القومي الأول ، ولذلك ظلت (تسع) أشهر دون ميزانية لإدارة دولاب الدولة بسبب الجدل المحتدم دوما بينها وحاضتها السياسية الحرية والتغيير (قحت) ، قبل أن تتأزم الأوضاع بزيادة المرتبات بنسبة تجاوزت 500% مما قاد لرفع التضخم لأكثر من 180% ، فأصبحت زيادة المرتبات بذاتها كارثة هل تستطيع الحكومة التراجع عنه أم الإبقاء عليها هكذا؟ ، وفي سبيل ذلك الحكومة مطالب بتحري العدالة بين مكونات المجتمع ، ولذلك تلزمها خطوة أخري لمضاعفة مرتبات (القطاع الخاص) بذات الكيفية في القطاع العام ، وإلا ستكون ليست هنالك عدالة مما يعني هزيمة شعار الثورة (حرية ، سلام وعدالة) .
أعتقد الإبقاء علي دعم (القمح والكهرباء والأدوية والغاز) لن يحقق العدالة للجميع لا سيما وأن أكثر من 60% من الشعب السوداني يعتمد في غذائهم علي الذرة بأنواعها المختلفة ، فهل ستدعم الحكومة الذرة أيضا أسوة بالقمح ؟ وإلا لن تتحقق العدالة المنشودة ، فضلا أن معظم الريف بمحليات البلاد المختلفة ليست لها حظا في الكهرباء والغاز والدواء المدعوم إلا نادرا ، كيف تحقق الحكومة العدالة لهؤلاء ؟، وكثيرهم لا يجد الوقود المدعوم فكيف تتم تنفيذ عمليات ترشيد الدعم حتي يجدوا حقوقهم منها كاملة .
علي العموم نخشي ألا تبارح مخرجات المؤتمر عاصمة البلاد لا سيما وأن المؤتمر لم يجعل للولايات حظا وافرا من المداولات وهي أهم مستويات الحكم ، ولكل ولاية خصوصيتها وتستحق مؤتمر إقتصادي خاص بها ، ولذلك إنخفص صوتها بالمؤتمر أسوة بصوت المركز المرتفع من دوي لجان المقاومة التي جاءت بها تلكم الجماعة (قنبلة موقوتة) كادت أن تعصف بالمؤتمر نفسه لولا حكمة رئيس الوزراء بسياسته (المرنة) .
صاحبت جلسات المؤتمر تصاعد الأزمات بصورة حادة وتزايد الصفوف طلبا للرغيف والوقود والغاز وتذبذب الكهرباء ، ولذلك كله جاءت مخرجات المؤتمر بهذا الشكل دون صياغة ، تماما كما خلت التوصيات من الخروج ببيان مشترك للمؤتمر يعضد موفق المؤتمر البت في كثير من المهددات ، بينما غاب عنه شركاء السلام فقد جاءت مشاركتهم خجولة علي إستحياء وتلك خطوة أعتقد سيكون لها ما بعدها وربما تكون (قنبلة موقوتة) .
عمود الرادار .. الثلاثاء 29 سبتمبر 2020 .

التعليقات مغلقة.