قوانين سبتمبر

قوانين مثيرة للجدل عُرفت في المحيط السياسي والاعلامي بـ(قوانين سبتمبر)، وحولها تساؤلات كثيرة: التسمية ؟ وهل لها علاقة بتجدد التمرد في جنوب السودان عام 1983 ؟ ومن كتبها ؟

التسمية

يعترض كثيرون على هذه التسمية– خاصة القضاة– باعتبارها غير دقيقة، فقد صدرت ثمانية قوانين (اثنان فقط منها في شهر سبتمبر)، يقول مولانا المكاشفي طه الكباشي في كتابه (تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان بين الحقيقة والإثارة): “إنّ تسمية هذه القوانين بقوانين سبتمبر تسمية كاذبة، والدليل على كذبها هو أنّ قانونين فقط من هذه القوانين الثمانية صدرا في سبتمبر1983، وهما قانون العقوبات وقانون أصول الأحكام القضائية”.

ومعروف أنّ باقي القوانين منها ما صدر قبل سبتمبر، كقانون الإجراءات الجنائية وقانون الإجراءات المدنية في (أغسطس1983م). ومنها ما صدر بعد سبتمبر وهو قانون الإثبات (أكتوبر1983م)، ومنها ما صدر بعد سنة 1983م، فقانون المعاملات المدنية صدر في(فبراير1984م)، وقانون الزكاة والضرائب صدر في (مارس 1984)، وقانون الهيئة القضائية صدر في (سبتمبر 1984م).

قوانين سبتمبر وتمرد الحركة الشعبية 1983

يعتقد الكثيرون– حسب ما تم نشره من معلومات مضللة– أن (قوانين سبتمبر) كانت السبب في حمل الجنوبيين للسلاح وتجدد القتال من جديد في جنوب السودان. هذه فرية الرد عليها سهل، فهذه القوانين صدرت في شهر سبتمبر، ولكن التمرد وتجدد القتال بدأ قبل ذلك بأربعة أشهر (مايو 1983).

يقول لام أكول في كتابه(ثورة إفريقية):”في السادس عشر من مايو 1983 تعرضت حامية بور والتي تتشكل من وحدة مكونة من (قوات الأنانيا) السابقة والمستوعبة، لهجوم من قبل قوة من القيادة الجنوبية للجيش في جوبا. وكانت مهمة القوة إخماد تمرد حامية بور بالقوة”.

ومعروف أن سبب التمرد هو رفض (الكتيبة 105) في بور نقلها إلى الشمال وتأخرت في تنفيذ التحرك وهو كما يرى لام أكول “على النقيض من نصوص اتفاقية أديس أبابا”.

وذكرت كارولاين فلوهر لوبان في كتابها(الشريعة والمشروع الحضاري في السودان): “ولعب د. جون قرنق دوراً فعالاً في تمرد الجيش في بور 1983 تمخض عنه ميلاد الجيش الشعبي لتحرير السودان قبيل إعلان قوانين سبتمبر”.

ويُؤكد أبيل ألير ذات المعلومة في كتابه (جنوب السودان التمادي في نقض المواثيق والعهود) بقوله: “وفي فجر السادس عشر من مايو 1983 وقع الهجوم على رئاسة الكتيبة في بور واستمر القتال طيلة ذلك اليوم ومسائه وفي فجر السابع عشر من مايو انسحبت الكتيبة (105) من المدينة في رحلة طويلة إلى حدود إثيوبيا”.

ووثق أبيل ألير لحظة الوصول لإثيوبيا والتقاء القادة وتوضيح الهدف المشترك لهم: “وكل ذلك ما يُسمى بـ (الأنيانيا2) عندما وصل ضباط وجنود الكتيبتين (104) و (105) حدود إثيوبيا في يونيو 1983، وأخذوا ينظمون صفوفهم، وكان يجمع بين القائد (قاي توت) والعقيد جون قرنق عدو مشترك هو حكومة السودان وآلتها الأمنية، ولم تطرأ فيما يبدو أي صعوبة في سبيل دمج جهودهما في منظمة واحدة”. ويقول روبرت أو. كولينز أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا، ومؤلف كتاب (تاريخ السودان الحديث): “فبعد أن كان النميري يواجه لجنة من السياسيين الجنوبيين الذين يحاولون الدفاع عن الحكم الذاتي للجنوب، وجد نفسه فجأة في مايو 1983، ليس في مواجهة  مقاتلي “أنيانيا” الهواة فحسب وإنما في مواجهة تمرد مسلح متمرس بقيادة ضباط جنوبيين شباب تلقوا التدريب في جيش نميري نفسه ولديهم عزيمة قوية على التخلص من نظامه”.

وذهب كولينز إلى أبعد من ذلك وهو أن حادث بور كان مخططاً (ودُبّر بليل)، إذ يقول: “بل إن قرنق نفسه قد أسس”الحركة الشعبية لتحرير السودان “رسمياً في أبريل 1983، كما أنه في سياق التحريض على تمرد بور بعد هذا بستة أسابيع كتب مسودة “مانفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان” والذي نُشر فيما بعد في 31 يوليو 198، وهو ما يعد أوضح برهان على أنه من الصعب اعتبار تمرد بور حادثة عفوية لأن أهدافها كانت موضع نقاش قبل وقوع التمرد بشهور”.

وأكّد نفس هذه المعلومات الواثق كمير في كتابه (جون قرنق.. رؤيته للسودان الجديد) ومنصور خالد في كتابيه (جنوب السودان في المخيلة العربية) و (أهوال الحرب وطموحات السلام: قصة بلدين).

إذاً لم يكن للتمرد وتجدد القتال في جنوب السودان علاقة بقوانين سبتمبر، إنما هي تفاصيل تخص بنود اتفاقية أديس أبابا للسلام الموقعة في 1972.

من كتب قوانين سبتمبر ؟

هناك مقولة متداولة، وربما بسبب الغرض السياسي، تقول أن كاتب قوانين سبتمبر هو الدكتور حسن الترابي، وللأسف انطلت هذه المقولة حتى على الباحثين والمؤلفين– خاصة الأجانب– فكاتبة في مقام كارولاين فلوهر لوبان مؤلفة (الشرع والمجتمع في السودان1986) و (الشريعة والمشروع الحضاري في السودان 2018)، وقعت في نفس الخطأ، فقالت في كتابها الأخير: “الترابي كان المهندس المتزعم لأسلمة السودان لدوره المحوري في إخراج قوانين سبتمبر 1983)، ورد عليهم منصور خالد في كتابه (أهوال الحرب وطموحات السلام: قصة بلدين)، معلقاً على قوانين سبتمبر والذين كتبوها قائلا: “اندفع النميري في سبتمبر1983لإصدار قوانينه المنسوبة للإسلام، والتي عكف على صوغها صبية قانونيون منقطعو العقال في الجهل والتخلف الفكري”.

وأكّد منصور خالد معرفته بخبرة الترابي القانونية، واستحالة أن يكون كاتبها، مع إبراز سبب تأييده لها عندما صدرت، فيقول منصور: “رحب الترابي– القانوني الضليع– بتلك القوانين العوجاء، لا لأنها تُعبّر عن الإسلام الحقيقي، فلو كانت لتولى هو إصدارها عندما أعاد صياغة قوانين السودان لكيما تتوافق مع الشريعة من موقعه كوزير للعدل ونائب عام، وإنما كمحاولة منه لقطع الطريق على نميري لكيما لا يتزيد عليه بالإسلام”.

والنميري كان حريصاً جداً ألا يُنسب إعلان وتطبيق الشريعة الإسلامية للحركة الإسلامية ولا لزعيمها حسن الترابي، لذا قام النميري بتكوين لجنة من ثلاثة أشخاص ليقوموا بكتابة هذه القوانين وهم: النيل أبو قرون وعوض الجيد محمد أحمد وبدرية سليمان، وحذّرهم من الاتصال بالترابي، أو مشاورته، بل أمر النميري ألا يسمع الترابي بهذه القوانين حتى تكمل لجنته عملها ويُعلنها الرئيس نميري، ويسمع الترابي وحركته مثل الباقين، بل تم عزل الترابي من النائب العام. والترابي كعادته لا يذكر الأسماء في حديثه، إلا أنه– وفي حادثة نادرة– ذكر أسماء الذين كتبوا قوانين سبتمبر، وتحدث عن إبعاد النميري له، فقد قال في حوار أجراه معه الكاتب المصري يوسف الشريف، ونشرته مجلة (أوراق عربية) بعد رفض (روز اليوسف)  المصرية نشره بحجة طول الحوار. ونشره في كتاب(السودان وأهل السودان: أسرار السياسة وخفايا المجتمع)، يقول الترابي في ذلك الحوار: “كان طلبتي من خريجي كلية الحقوق، وهم بدرية والنيل أبوقرون وعوض الجد، هم المسئولين عن سن تلك التشريعات، وكانت تعليمات نميري المشددة لهم ألا يطلعوني على أعمالهم. وعندما بدأت مرحلة الصياغة أسرع بقرار عزلي من منصب النائب العام وأحالني إلى الشئون الخارجية”.

وعضّد هذه المعلومات عبد الله علي إبراهيم في كتابه (صدأ الفكر السياسي السوداني) وهو يتحدث عن الإسلاميين و(قوانين سبتمبر) وذلك بقوله: “فقد تصالحوا مع تلك القوانين مع أنها لم تكن في أفق تفكيرهم أو دبارتهم، كما رأينا، ولأن أهلها لم يريدوا لهم حتى مجرد العلم بها. فقد قالت السيدة بدرية سليمان (التي هي المرأة قسيمة الرجلين في صياغة قوانين سبتمبره في عبارة لمنصور خالد) أن نميري حذّرهم من أن يطّلع الترابي، النائب العام، على عمل لجنتهم بقوله:”ما عايز دكتور الترابي يكون عارف هذه اللجنة.” ومباشرة وبعد أن أكملت اللجنة عملها: “وما كاد نميري يعلن قوانينه هذه حتى أزاح الترابي من سدة النائب العام وعيّنه مستشاراً سياسياً وبعث به إلى شأن هيّن في سلقط ملقط على الفور”. أو كما قال عبد الله علي إبراهيم.

ولكن لماذا أيّد الترابي قوانيناً لم يكتبها هو ولا حزبه؟ وما هو موقف الصادق المهدي؟ ومولانا الميرغني؟ ومحمود محمد طه؟