(المؤتمر الوطني) … كابوس  ..! بقلم : إبراهيم عربي  

(المؤتمر الوطني … كابوس) ، حكاية تعود إلي منطقة (كابوس) الجبلية الوعرة جنوب شرق رشاد في ولاية جنوب كردفان ، منطقة يعتمد إقتصاد أهلها بصورة أساسية علي زراعة وتجارة الشطة (دنقابة) ، وبالطبع هم منتجون ولهم حظ وافر من النعم .
(كابوس) منطقة وعرة لا يمكن الوصول إليها إلا بشق الأنفس وتفتقر للتنمية والخدمات ، وفي سبيل ذلك بايع أهلها المؤتمر الوطني 2015 رغم إنتمائهم للحركة الشعبية ، وجاءهم والي جنوب كردفان وقتها المهندس آدم الفكي (فك الله أسره) جاء بوفده الكبير المزدوج ، وتمت دعوتنا نحن رهط من الإعلاميين لتغطية الحدث والوقوف علي الأوضاع بالمنطقة  .
المهم كان الإستقبال رائعا مع حرارة الجبال وعطسات الشطة (الدنقابة) ولها جلالة عسكرية مشهورة (نحن الشطة الدنقابة تكيل العين لمن تابا) ، كتب أهل كابوس علي لافتة قماش كبيرة أسفل الجبل (المؤتمر الوطني كابوس ..!) ، مما أثار سخط الوالي ، بالطبع عبارة مقصود بها (المؤتمر في كابوس) ولكنها عبارة (أخرجت عن سياقها) .
علي كل التسريبات والتكهنات من تحت كواليس مداولات مباحثات أبوظبي (السرية) بين الحكومة الإنتقالية وأمريكا وصفها الناس ب(الكابوس) ، قال بيان لمجلس السيادة الإنتقالي أن رئيس المجلس الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ووفده، أجروا مباحثات مثمرة في أبو ظبي مع الوفد الأميركي إستغرقت (ثلاثة) أيام ، ناقشت قضية رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ،  وحرمان السودانيين من (اللوتري الأمريكي) وقانون سلام دارفور، ومستقبل السلام (العربي – الاسرائيلي) ، بما يحفظ حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وفقاً لرؤية صفقة القرن (حل الدولتين) .
وبل ناقشت المباحثات الدور المأمول أن يلعبه السودان في سبيل تحقيق هذا السلام ، لاسيما وأنها منبع (اللاءات الثلاثة) وقد نجح الوفد في مناقشة أجندة المباحثات وحققت إختراقا في الملفات الثلاثة (رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وإعفائه من الديون والدعم المالي للسودان) ، غير أن المجلس أكد أن نتائج المباحثات سيتم عرضها ومناقشتها داخل أجهزة الحكم الانتقالي للوصول فيه لرؤية مشترك تحقق مصالح الشعب السوداني .
أكدت التسريبان أن الوفد لا سيما الرئيس البرهان ،قاتل قتالا شرسا وطنيا دفاعا عن مكتسبات بلاده حتي تجاوز الزمن المحدد لنهاية المباحثات (يومين) متمسكا بضرورة رفع السودان من القائمة السوداء الأمريكية أولا ومن ثم تعقبها مناقشة الترتيبات الأخري ، عازيا ذلك لتجارب كابوسية سابقة مع أمريكا .
غير أن الوساطة مددت المباحثات ليوم آخر ، ربما إشتغلت فيها المخابرات جيدا ، إذ لم تنم الليل ! وكما يقول أهلنا (الليل درق غطي الجبال) ، وأخيرا تم الإتفاق سياسيا علي مواصلة المباحثات (الامريكية – السودانية) بدولة افريقية الأسبوع المقبل ربما يوغندا التي جمعت بين (البرهان ونتنياهو) فبراير الماضي ، أو ربما مصر التي سبقت السودان في التطبيع وتتمسك بأحقيتها في المفاوضات وتبحث لها عن دور وبل موطئ قدم وبذلك تصبح المباحثات (كابوسا) .
علي كل كشفت التسريبات أن المقترحات شملت أن تدفع أمريكا (7) مليار دولار منها (3) مليار دولار نقدا  كوديعة تدفع للبنك المركزي و(2.5) مليار دولار سلع إستراتيجية (نفط وقمح) و(1.5) مليار مساعدات إنسانية ، والتزمت أمريكا بمساعدة السودان في الحصول على منح وقروض من الصناديق المالية العالمية وشطب الديون السودانية بعد رفع اسم البلاد من لائحة الإرهاب .
ولكن ماهي الفوائد التي ظلت تركض خلفها كل من الإمارات ومصر وأمريكا والمخابرات الإقليمية في شان السودان ؟ ولماذا صلاح قوش ؟ وكيف تجاوزت مطلوبات رفع السودان من القائمة السوداء لإضافة القضية (الفلسطينية – الإسرائيلية) ؟ ولماذا التطبيع مع إسرائيل ولماذا معاداتها ؟ هل يعني التفاوض القبول بان يكون السودان وطنا بديلا للفلسطينين إذا ضاقت بهم الارض بما رحبت ؟ ام ماهي الصفقة التي تم التباحث حولها بشأن القضية الفلسطينية ؟ ، لاسيما وان مطلوبات رفع السودان من القائمة لا تشمل التطبيع .
الواقع أن الرؤي السودانية تتباين حول القضية الفلسطينية وحول التطبيع مع إسرائيل ، وهي بالطبع ليست من إختصاصات الحكومة الإنتقالية ، ولكن لا يعني ذلك أن تربع الحكومة أياديها دون إكتساب الفرصة لتحقيق مكاسب ترفع عن الشعب السوداني العنت والمشقة في ظل الأوضاع التي وصلت إلي عنق الزجاجة ، وربما لذلك جاءت مطالبات الوفد بالحصانة الأمريكية لأعضاء الحكومة الإنتقالية لا سيما العسكريين في حالة تسليم الرئيس السابق البشير للمحكمة الدولية .
فيما كشفت المصادر أن الأحزاب العروبية والتقدمية (الشيوعي ، البعث ، الناصري وتفريعاتها) في تحالف الحرية والتغيير (قحت) ترفض بشدة التطبيع مع إسرائيل ، فضلا عن حزب الأمة ومعظم الأحزاب اليمينية ، بينما وافق تجمع المهنيين والمؤتمر السوداني والجبهة الثورية وحركات الكفاح المسلح علي التطبيع وتطالب بضرورة إتزان العلاقات الإقليمية والدولية بما يحقق مصالح دولة السودان في ظل تقاطعات المصالح المحلية والإقليمية والدولية .
وأعتقد لذلك ستظل مداولات (مباحثات ابوظبي .. كابوسا وان إسرائيل بذاتها كابوسا) وربما مثلما كتبت اللافته (المؤتمر الوطني .. كابوس ..!) ، وربما بعبعا مخيفا مثلما أصبح المؤتمر الوطني كابوسا لا يغادر عقلية نشطاء (قحت) ، فأصبح شماعة للفشل .
عمود الرادار … الخميس 24 سبتمبر 2020 .

التعليقات مغلقة.