دردشه اقتصاديه (٥): الذهب بين نظرية القيمه الجوهرية الكامنة Intrinsic Value ( IV) و القيمه الذاتية Subjective Value (SV) عبدالرحمن عبدالله محمد
ماسة نيوز
انقسم اهل الاقتصاد بين مؤيد للرجوع الى نظام نقدي مرتبط بالذهب “Gold Based Monetary System” كما كان عليه الامر قبل قرار الرئيس الامريكي نيكسون بفك ارتباط الدولار بالذهب في سبعينات القرن الماضي، و بين معارض لربط النظام النقدي بالذهب. هذا الاختلاف قاد كل طرف الى تقديم دفوعاته النظرية لتبرير موقفه. وفِي هذا الإطار حاول الطرف المعارض لربط العملات بالذهب (دعونا نطلق عليه الفريق B) بالتشكيك في الذهب و محاولة تسويق فكرة ان الذهب لم يعد السلعة الأكثر أمانا في عالم اليوم.
قدم الفريق B مجموعه من الانتقادات للذهب و من اهم هذه الانتقادات زعمهم انه ليس للذهب قيمة جوهرية كامنة في ذاته
“Gold has no intrinsic value”
تعتبر نظرية ال Intrinsic Valu امتدادا لنظرية ال Labor Theory of Value وهي النظرية التي وضع قواعدها دايفيد ريكاردو في العام ١٨١١، و اعتمد عليها المفكر كارل ماركس عام ١٨٤٨ في كتابه الأكثر شهره و جدلا The Communist Manifesto. تقوم النظرية على فكرة ان قيمة السلعه في السوق تعتمد على عدد العمال الذين ساهموا في إنتاجها اضافة لقيمة المواد التي استهلكت لإنتاج السلعه. فكلما زاد عدد العمال كلما زادت ال intrinsic value للسلعه. وقد استعمل ماركس هذه النظرية للتدليل على كيفية استخدام اصحاب الأموال حاجة الطبقة العاملة وذلك بإعطائهم أجورا تقل عن مساهمتهم في ال Intrinsic Value للسلع التي ينتجونها، وهذا ما اسهم في تضاعف ثروات الاثرياء على حساب عرق العمال، ومن ثم اعتدم ماركس على هذه النظرية لتفسير ظاهرة عدم التكافؤ في الثروات Wealth Inequality.
ثم تطور مصطلح ال IV و اصبح النظام الراسمالي يستخدمه للدلاله على القيمة الحقيقية للأصول (Assets) و تميزها عن القيمه السوقيه. فمثلا اذا ارادت شركه X الاستحواذ على شركه Y، فإنها لا تلجأ الى تقييم سعر Y بالقيمة السوقيه ، وأنما تحاول ان تقيم ال IV للشركه Y و من ثم معرفة الفارق بين هذا السعر و السعر السوقي (اذا كان ال IV اعلى فان سعر السهم يعرف بانه Discounted Price اما اذا كان سعر السوق اعلى من ال IV فيقال ان سعر سهم الشركه premuim price).
نعود الان الى تهمة ان الذهب ليس لديه IV, ماذا تعني هذه الفرضيه؟ تعني باختصار ان الذهب سلعة لا تستمد سعرها من معادلة تسعير منطقية تخضع لتكلفة الانتاج و ربما العرض و الطلب، وهذا ما يسهل المضاربة على أسعار الذهب و ربما أدى الى هزة النظام النقدي حال ربطه بالذهب.
يرد أنصار الذهب (الفريق A) على هذه الانتقادات بالتنبيه الى ان نظرية ال IV قد تم التشكيك فيها بواسطة العالم النمساوي كارل منجر في العام ١٨٧١ عندما قدم نظرية ال Subjective Value (SV) ، ومن حينها اصبح ينظر للعالم كارل منجر على انه واضع الأسس النظرية لمدرسة الاقتصاد النمساوية. يقول منجر في نظريته ان السلع تستمد قيمتها من أهميتها بالنسبة للمستهلك، و المتعة التي تجلبها له و مدى حاجة المستهلك لها في لحظة معينه. لذلك فان النساء في الهند مثلا يتبارين لاقتناء الذهب خاصة لحفلات الاعراس، فقطع الحلي الذهبيه التي تقتنيها العروس في تعني لها الكثير لدرجة انها يمكن ان تدفع اي مبلغ مقابل الحصول على الذهب الذي ستتزين به في حفل زفافها. فقرار السعر في هذه الحاله هو قرار ذاتي (Subjective)لا يخضع لتكلفة انتاج الذهب او قيمة ساعة عمل الصائغ الذي قام بتشكيل الحلي الذهبيه.
استطاع انصار منجر ان يبرهنوا ان الدولار الامريكي و غيره من العملات النقدية لا تخضع لنظرية ال IV بقدر خضوعها لل SV, فارتفاع سعر الين امام الدولار او انخفاض سعر اليوان امام اليورو لا يعني بالضروره ان هذا هو السعر الحقيقي لهذه العملات، فلا يمكن تفسير ذلك من خلال ال IV. فإذا كان الامر كذلك بالنسبة للعملات، فلماذا يعاب على الذهب عدم خضوعه لنظرية ال IV، فالذهب ليس استثناء عن بقية العملات التي اثبتت عدم خضوعها لل IV. يضيف أنصار الذهب ان ربط الذهب بالعملات ليس أمرا يسيرا في عالم تعقد نظامه النقدي، لكنه ليس أمرا مستحيلا.
لقد عكف الاتحاد الاوروبي على دراسة جدوى إصدار اليورو وقام مختصون بإجراء سلسلة من الدراسات و البحوث استغرق اكمالها اكثر من تسعة أعوام، لذلك فان انصار الذهب متفقون على ان خطوة اعادة الذهب الى النظام النقدي تتطلب قدرا مماثلا من الدراسات و البحوث لتوضيح طريقة تسعيره و تقييمه عبر العملات المختلفة و الاجابه على الكثير من التساؤلات الفنية. انه من المهم التذكير ان الذهب ليس عنصرا دخيلا على النظام النقدي، فكل البنوك المركزيه في العالم تحتفظ في اصولها بقدر من الذهب اضافة الى الدولار وبعض العملات الاخرى. بل ان الاحتياطي الفيدرالي الامريكي (الذي يمثل البنك المركزي في امريكا) لديه كميات ضخمة من الذهب مخزنة في Fort Knox و West Point ويقوم بإقراض الذهب للبنوك المركزية عبر ال Bank for International Settlements في بازل (سويسرا) و ان هذا الإقراض يكون ورقيا دون الحاجه الى ال Physical Transaction. إذن فالذهب لم يغب عن المشهد النقدي مطلقا.
التعليقات مغلقة.