الحقيقة والخيال حول حجم ومغزي حراك الشارع السياسي السوداني /د. فتح الرحمن القاضي
ماسة نيوز
بسم الله الرحمن الرحيم
ماهي دواعي الحراك ؟ وفيم الاتفاق والاختلاف؟ واين تتموضع قيم الثورة وأهدافها ؟!
شاءت الارادة الالهية ان تسعفني – بغير ترتيب مني- علي مواكبة حراك أطياف الشارع السوداني بشقيه ، اي مجموعة الميثاق االوطني والمجلس المركزي لقوي الحرية والتغيير، يوم أمس الخمس الموافق االحادي والعشرين من اكتوبر. وقد تسني لنا الوقوف علي طبيعة حراك الشارع واهدافه ومغزاه – بمعية الاستاذ محمد كامل عبد الرحمن- ابتداءا باعتصام القصر الجمهوري شمالا مروراً بشارع ممد نجيب قبالة مستشفي بن شيناء فمحطة البلابل جنوباً ثم تقاطع شارع الستين مع البلابل جنوبا وانتهاءا بتقاطع شارع الستين من الناحية الشمالية مع الشارع المؤدي الي كبري المنشية. وقد اتصلت جهودنا في الجولة التي امتدات من الساعة الواحدة ظهراً الي الساعة الساعة السادسة مساءا.في رصد طبيعة الحراك لمكونات قحط الاولي والثانية وتقدير الحجم فضلاً عن النظر في الشعارات المرفوعة والاستماع االي الهتافات التي يرفعها كل من طرفي الحرية والتغيير في ذكري ثورة اكتوبر.
ثم انني اجتهدت خلال يوم امس وطرفا من اليوم في متابعة القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاعلامي قبل ان ادلي بشهادتي المتواضعة هذه للتاريخ والتي ارجو أن اتشاطرها بكل امانة واخلاص بين ظهراني وسط سياسي شديد الاستقطاب عظيم الاحتقان مما يمكن ان يجلب غضب الكثيرين من الفرقاء الذين لا يهمهم شيئ سوي تعظيم حراكهم واكثار مؤيديهم لا بل افساح المجال امامهم لتجديد التفويض لاحكام السيطرة علي مقدرات الفترة الانتقالية رغم انتفاء مسوغات التفويض ؟!!. وفي هذا السياق دعوني استعرض ملاحظاتي في النقاط التالية:
كان من اكثر الاشياء غرابة التي تناهت الي سمعي خبر مفاده ان حجم حراك المجلس المركزي لقوي الحرية والتغيير بلغ نحو 9 مليون مواطن الامر الذي حفزني لاعداد هذا المقال والدفع به الي اوساط الراي العام ؟!. وبمقاربة بسيطه ينهار هذا الزعم للانهيار وهو زعم يشبه مبالغات تجار السوق في مضاعفة اسعار السلعة مائة ضعف لكي تنزل الي خمسون في المائة بعد ان يصيبك الاعياء في التفاوض وانت تحسب انك الكاسب الاكبر فيما يظل السعر الحقيقي يبلغ عشرات الاضعاف ؟!. فاذا ما جارينا هذا النوع من المنطق التفاوضي حول الرقم 9 مليون (او بالاحري 9 طويلة طالما كان الناس مغرمون في هذه الايام بالرقم 9) فسوف ينتهي بنا المطاف للزعم ان معظم سكان الخرطوم اثروا البقاء في منازلهم لزهدهم في اي منفعة تتحقق عبر نظام الحكم الحالي مما يضطرهم للمنافحة عنها وهذا يتبدي بوضوح في شوارع الخرطوم شبه الخالية من المركبات في 21 اكتوبر.
مع شيوع خطاب الكراهية قبيل واثناء وبعد الحادي والعشرين من اكتوبر وما افرزه من تعميق للمرارات والبغضاء في النفوس والاشارة هنا لافادات الاستاذ وجدي صالح المحامي، وبالتزامن مع سقوط العديد من القيم الراسخة في تراث العمل السياسي والاعلامي فقد شهدنا سقوطا مريعا لقناة االجزيرة والحدث وهيئة الاذاعة البريطانية وما سواها من القنوات الفضائية التي تناست مبادئ الاحتراف ورمت بقيم المهنية خلف ظهرها لتختلق ارقاما ووقائع ليس لها من سلطان . وان تعجب فاعجب للفيديوهات التي بثتها الجزيرة وزعمت انها تخص مواكب الشارع في حين انها لا صلة لها بالشارع السوداني من قريب أو بعيد ، وان تعجب فاعجب لبعض عاملي قناة الجزيرة الذين تفضلوا بايحاءات غير محمودة مفادها ان البحث عن الضعام هو سبب اقبال االجماهير علي اعتصام القصر في زمن المسغبة ؟؟ وحتي لو افترضنا ان اعتصام القصر يقتصر حصريا علي حركات الكفاح المسلح فهل فات علي الكثير من الناس ان هؤلاء القوم حملوا السلاح وخرجوا علي نظام الانقاذ طمعا في قيم العدالة الاجتماعية بعد ان سدت في وجوههم دروب الاصلاح وقدموا في سبيل ذلك ارتالا من الشهداء والمصابين وجابوا الصحاري والاحراش والوديان في سبيل قضاياهم العادلة حتي تحقق سلام جوبا والحال كذلك فماذا تعني لقيمات تقيم الاود في ساحة اعتصام القصر وقد قضوا اعواما يكابدون الجوع والعطش والمسغبة في سبيل تحرير االاوطان من جور السلطان ومع هذا ايصح ان يقال في حقهم انه يمكن شرائهم او استمالتهم بثمن بخس لقيمات من طعام ، انه لمما يؤسف له ان يتم اختزال قضايا دارفور وتصور ثورتها باعتبار كونها مجموعة قليلة تسعي للحصول علي فتات طعام في ميدان لاعتصام علي مشارف القصر الجمهوري. وان تعجب فاعجب للتغطية غير المتوازنة عبر قناة الحدث مما يقدح في احترافية ومهنية القناة. وان تعجب فاعجب لقناة ال BBC التي ذكرت اليوم في صدر عناوينها الخبرية ان مظاهرات الشارع بلغت مئات الالوف بينما بلغ اعتصام القصر المئات (مجرد مئات). إذا فقد تكشفت احداث الخرطوم وحراكها في الحادي والثلاثين وما قيبلها وما تلاها سقوطا مدويا ليس لقيم وعايير التنافس النزيه في العمل السياسي وانما شهدت قبل ذلك سقوطا مريعا لوسائل الاعلام وقنوات التلفزة العربية والعاالمية فضلاً عن انهيار قيم التعاطي الاعلامي الاخلاقي النزيه مع الاحداث مما يستلزم الاعتذار واللجوء لتجديد مواثيق تحكم العمل الاعلامي.
فيما يلي الحقيقة والخيال حول حجم حراك الشارع السياسي السوداني ومغزاه يمكنني ان اوجز باختصار مرئياتي حول ما جري في احداث 31 اكتوبر قيما يلي:
عند الساعة الواحدة ظهرا شهدنا تظاهرة محدودة بشارع محمد نجيب قبالة مستشفي بن سينا حيث بلغ قوام الحراك حوالي (3000) شخص جاءوا علي الارجل تتقدمهم مجموعة كبيرة من (المواتر) وقد انتظرنا حتي خلا الشارع ثم انطلقنا في سبيلنا.
عند الساعة الواحدة والنصف توقفنا قبالة اتحاد اصحاب العمل علي بعد عشرات الامتار حيث شهدنا مرور ما يقرب نحو(2500) فرد جلهم من الشباب تحف بهم العديد من المواتر وتتخللهم بعض السيارات ولما استفسرنا قيل لنا انهم في الطريق للاعتصام في ساحة الحرية (الساحة الخضراء سابقا) وقد مكثنا نحو نصف ساعة الي ان خف انسياب المتظاهرين ثم انطلقنا الي سبيلنا.
عند الساعة الرابعة والنصف سرنا علي امتداد شارع عبيد جنوب كبري كوبر الي ان وصلنا في نهاية المطاف الي محطة البلابل ولم يعترضنا معترض سوي 4 اطارات مشتعلة في تقاطع شارع المشتل مع عبيد ختم يحيط بها بعض المواتر ثم واصلنا جنوبا الي ان وصلنا محطة البلابل.
في حوالي الخامسة الا ربعا توجهنا شرقا من محطة البلابل الي شارع الستين وفي المسافة الفاصلة بين الشارعين شاهدنا مجمعة متفرقة من المتظاهرين علي ارجلهم ومنهم من كان يركب سيارات والعديد من راكبي المواتر وهم يتجهون قبالة محطة البلابل ويقدر عدد هؤلاء تقريبا بحوالي (2000) شخص .
اضطررنا للتوقف قليلا في تقاطع الستين مع البلابل الي ان تمكنا من اخذ المسار في اتجاه الشمال الجغرافي عبر شارع الستين وقد توقنا في ذلك التقاطع لبعض الوقت ومن ثم تقاطع الشرقي مع الستين و انتهاءا بمستشفي دريم حيث كان االمتظاهرون يشكلون تواجدا كثيفا بهذه التقاطعات مما اعاق الحركة وكانت هنالك بعض الاطارات المشتعلة ، لاحظنا العديد من الثوار يسيرون بارجلهم مع كثافة في عدد المواتر المتحركة جيئة وذهابا، وقد قدرنا الاعداد المرابطة في شارع الستين والمتحركة علي الطريق من تقاطع البلابل مع الستين جنوبا الي مستشفي دريم شمالا بحوالي (8000) شخص . وهكذا يصبح مجموع للمتظاهرين حسب تقديرنا حوالي (15500) شخص رغم انه يصعب تقدير العدد علي وجه الدقة نسبة لعدم تواجد المتظاهرين في موقع واحد مما يصعب مهمة تقدير اعدادهم واذاً يبقي هذا رقم افتراضي يحتمل نسبة من الزيادة .
عند تقاطع البلابل شاهدت مجموعة من الصبية يقدر عددهم باربعة وقد طلبوا مني حملهم الي الامام فلما اشرت عليهم بالركوب ركبوا ثم سالتهم الي اين يودون الذهاب فقالوا لي انهم جاءوا من حلة كوكو غير انهم نزلوا من العربة مسرعين قبل ان تتحرك الحركة وذلك بعد ان سمعوا الضجيج والفرقعات التي اصدرتها المواتر ففزعوا ونزلزا من العربة اذ حسبوا ان الشرطة بصدد الهجوم علي التظاهرة ولم تفلح جهودي في استعادتهم اذ عزمت ان اوصلهم بنفسي الي حلة كوكو في طريق عودتي الي منزلي ببحري وانا اذ اذكر هذا الموقف استدعي مناشداتنا العديدة بعدم السماح للاطفال والصبيان بالمشاركة في التظاهرات ، وانا اذ اقول بذلك لا احمل اي طرف المسئولية في خروج هؤلاء الاطفال من حلة كوكو الي محطة البلابل ولكنني اقدر انهم خرجوا بمعية تظاهرات الحاج يوسف بدافع الفضول من تلقاء انفسهم وهكذا وجدوا انفسهم في محطة البلابل ولما انفضت المسيرة باتوا يبحثون عن وسيلة للرجوع الي اهليهم وما زلت ادعو الله بان لا يكون قد اصابهم مكروه في طريق عودتهم الي ذويهم، وتبقي هذه فرصة لدعوة كافة الاطراف لكي تناي بالاطفال عن الانخراط في اي مخاطر محتملة.
في تقاطع البلابل مع الستين اشارت الي سيدة فاضلة طالبة مني ان اقوم بايصالها فرحبت بها وفي الطريق علمت بانها انفصلت من بقية اخواتها وانها تود الذهاب الي منزلها في بري فقلت لها لا باس هذت في طريقي فانا متجه الي الخرطوم بحري ، وفي الطريق تجاذبنا اطراف الحديث ولمست تبرمها واستيائها من الطريقة التي تم بها تنظيم التظاهرات هذا اليوم وقلت لها انني اشاطرك الاعتقاد بان هنالك سوءا في التنظيم وان شئنا التخفيف فلنقل كان هنالك نوعا من عدم التوفيق حيث كان في امكان الجهات المنظمة توحيد نقاط التقاء المسارات لتلتقي في موقع وسط مثل ساحة الحرية تقريباً . لقد كان مرجوا من السيد ايهاب مقرر لجنة ازالة التمكين والعضو االمنتدب لمؤسسة ساحة الحرية ان ينظم ملتقي جامع لكافة المسارات في الساحة الخضراء وان يهيئ اسباب الماء والشرب علي الاقل للمتظاهرين سيما وانهم قطعوا بارجلهم مسافات طويلة في عز الهجير ولكن لم يصار الي هذا الخيار وتركت المسيرات تجول هكذا مما اسهم في اضعاف اثرها وتبديد طاقات المتظاهرين ، ولو ترك السيد ايهاب هذه المهمة للاستاذ احمد ادم عربي مؤسس الساحة الخضراء الذي تمت اقالته قبل يومين فقط علي نحو مفاجئ لافلح في انجازها علي افضل وجه مع سجله الناصع الحافل بالانجاز ابان توليه ادارة الساحة الخضراء وهنا يحق لنا ان نتساءل لماذا تم اقاة السيد عربي من منصبه ؟!!. ولقد كان في امكان الجهات المنظمة بالتنسيق مع ادارة ساحة الحرية ان تشرف علي ادخال االمتظاهرين الي الساحة ونصب منصة للخطابة واتاحة الفرصة الي قادة الحرية والتغيير لمخاطبتها ولكن هذا لم يحدث ايضا . كما كان في امكان المنظمين نشر كاميرات الدرون لتصوير التظاهرة باكملها الامر الذي كان من شانه المساعدة في حصر التظاهرات وتقدير حجمها واعدادها بدلا من ترك الامور لاجتهاد الوسائط الاعلامية والقنوات الفضائية وما صاحبها من جدل متطاول ما زال دائراً حتي اللحظة بين جاهد في تضخيم التظاهرات أو مستصغر لشانها ؟!! مع استمرار البعض في التلاعب بالصور واشرطة الفيديو عبر التقنيات المتعارف عليها في تضخيم الاحداث والتظاهرات. وبلا شك ان هذه الاخطاء القاتلة من قبل الجهات المنظمة للحراك قد اسهمت في تبديد مظاهر قوة حراك الشباب مما جعل الحراك يبدو بهذا النحو المتواضع مما دفع اكثر من مراقب –عمار محمد ادم ليس اخرهم- للحكم علي الحراك بالفشل.
بالاشارة الي اعتصام القصر الذي قضينا فيه نحو ساعتين تقريبا منذ الساعة الثانية ظهر الخميس حتي الرابعة عصر ذات اليوم وهي المرة الاولي التي يتسني لي فيها زيارة موقع اعتصام القصر فيمكنني ان اذكر بايجاز بانني وجدت نفسي اما ما يمكن تسميته بالسودان المصغر ولا اريد ان استفيض في شرح ابعاد ومظاهر اعتصام القصر لانني سوف افرد له مساحة خاصة للشرح والتحليل. ولكن يمكنني القول انني اقدر اعداد المعتصمين بنحو 40 الف توزعوا علي مساحة ضخمة تمتد من الزاوية الجنوبية الشرقية للقصر الجمهوري شرقا الي وزارة المالية غربا ومن الناحية الجنوبية للقصر الجمهوري الي بنك ام درمان الوطني علي شارع القر جنوبا، ويبلغ عدد الخيم المنصوبة والفعاليات االمقامة نحو 100 منشط وفعالية مع وجود اللافتات التي توضح بجلاء طبيعة كل منشط وملتقي وخيمة. في ذلك النهار استمعت باناة الي صديقي ابراهيم الماظ في مخاطبة مشهورة بحركة العدل والمساواة ووجدت نفسي امارس العرضة علي ايقاع نقارة الرزيقات الحماسية وزعيمهم يحيي الجموع المحتشدة ثم استمعت الي طمبور الشايقية وربابة البطانه علي انغام فهيمة وغشيت الراب المنصوب في خيمة اخري ومخاطبة جماعة التحرير والعدالة وما لا يعد ويحصي من الفعاليات. جدير بالذكر ان اعتصام القصر ما زال مستمرا حيث يغشاه ما يقدر بعشرات الالوف يوميا مع دقة كبيرة في التنظيم والتامين بحيث انها لا تجاري مما يعكس براعة القائمين عليه. ومما اثار اعجابي حقا انني وجدت (فول اب قوي) وهو من البقوليات الشبيه بفول الصويا الذي يالفه الفه اهلنا في غرب السودان، وبما ان مولدي قد كان بمدينة الابيض فقد الفت (اب قوي) وواحببته منذ صغري ولذا حرصت علي شراء ما يكفي لاقامة الاود في ذلك النهار الحار ، وها انا اتناول اب قوي واستعين به وانا اخط هذا المقال المضني ؟!!. وقبل ان اختم يلزمني القول بانني صادفت شاحنه تحمل كميه من الموز وتوزعها علي الخيام بيد انني لم اصادف شيئا من ذلك وليتني حظيت ببعض الموز وعندها سوف اتناولها وانا اشكر الله وانا اردد الحمد لله الذي رزق الانسان والقرد وكلاهما يتناولون الموز ومن منكم لم يتناول الموز حتي يصبح تناوله وصمة يعير بها المعتصمون في ساحة القصر ان صادفوا شيئا منه مما يجعلهم في مرتبة (اصحاب السبت) ؟!!.وينسي نشطاء الحرية والتغيير ان جماهير المعتصمين قد رزقوا بشتي الوان الطعام الذي جلبه اهل الخير والاحسان، وكان مما تم جلبه من شركة كوفتي الكيك بالشاي الذي تناولناه وحمدنا الله عليه ودعونا لجالبه بالخير ونحن نترنم بدون ان يجرؤ انسان علي السخرية منا او يضعنا احد في مرتبة واحدة مع ماري انطوانيت التي طلبت من شعبها تناول الكيك عندما اشتكوا من انعدام الخبز.
بعد ان فرغنا من وصف المشاهدات التي صادفناه الخميس اول امس في 21 اكتوبر دعونا نستعرض بايجاز بعض الحقائق عبر الاجبة علي الاسئلة التالية جول ماهي دواعي الحراك لدي شقي الحرية والتغيير ، وفيم الاتفاق والاختلاف بين الجانبين وذلك حتي يتسني لنا الخروج برؤية كلية حول تفاصيل المشهد الثوري الماثل بين ايدينا:
يستهدف الحراك الحالي لمجموعة الميثاق الوطني تحريك دولاب الدولة الذي اصابه العطب وحل الحكومة التي منيت بالفشل مع توسيع قاعدة المشاركة لكي تستوعب بقية مكونات الحرية والتغيير بينما يسعي الطرف الثاني الي الابقاء علي الاوضاع كما هي من خلال منح الجكومة الحالية تفويض جديد للاستمرار في الحكم رغم انقضاء نحو نصف الفترة الانتقالية بدون ان يتم انجاز شيئ يذكر من اهداف الثورة.
طبيعة الطرح الذي تقدمت به كلا من الحرية والتغيير وضمنتها فيما يعرف بميثاق التوافق الوطني معروفة للكل كما ان الاطروحات التي تقدمت بها مجموعة المجلس المركزي تكاد تكون هي الاخري معروفة ولست في حوجه لاعادة تكرارها مرة اخري ولكن ما يمكن قوله ان المجموعتين تكادان تتفقان في معظم النقاط وان بدا االامر غير ذلك ، ويكمن الخلاف في ان مجموعة الميثاق تنادي بالعودة الي منصة التاسيس وتوسيع الشراكة وحل الحكومة القائمة نسبة لفشلها في تحقيق مطلوبات الفترة الانتقالية فضلا عن كونها لا تتسق مع معايير الوثيقة الدستورية التي تتحدث عن تكوين حكومة كفاءات في حين ان تشكيلة الحكومة الحالية هي عبارة عن شخصيات حزبية صارخة كاملة الدسم الي جانب المطالبة باقامة الانتخابات والتعجيل بها عن طريقة انتخابات مبكرة ان لزم الامر وانشاء المجلس التشريعي والمفوضيات ومؤسسات النظام العدلي. اما مجموعة الحرية والتغيير المجلس االمركزي فلا هم لها حاليا سوي استلام رئاسة المجلس السيادي من العسكريين حيث تختزل غالب اطروحتها هنا مع اثارة ضجيج اعلامي حول اقامة الحكم االمدني واستكمال مطلوبات الفترة الانتقالية فضلا عن توحيد المؤسسة العسكرية مع ايلولة الاشراف علي الاجهزة الامنية والشرطية للشق المدني.
في خضم هذا الصراع الدائر الذي يوشك ان يطيح بالفترة الانتقالية وبرنامجها للتغيير الثوري يجوز التساؤل بكل اخلاص حول النقطة المركزية وهي : اين تتموضع قيم الثورة وأهدافها في خضم هذا الصراع والتحشيد للشارع السياسي وذلك حتي يتسني لنا استيعاب الاهداف الحقيقة للصراع الدائر بين مجموعتي قحت الاولي والثاني: هذا السؤال يردنا ببساطة الي تامل مفردات الثورة التي تتمثل في (حرية سلام وعدالة) وامعان النظر فيها جيداً واستخدامها كمؤشرات للقياس للحكم علي مدي التقدم المحرز في برنامج الفترة الانتقالية حال وجود برنامج واضح المعالم متوافق عليه بين شركاء الفترة الانتقالي اذا امعنا النظر بكل امانة ومسئولية في مدي التقدم المحرز فسوف نتوصل الي الحقائق التالية:
يتمثل النجاح في اخراج السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب واخراج السودان من عزلته الدولية، بالاضافة الي اعفاء السودان من الديون، بيد ان هذا النجاح لم يخلو من تبعات قاسية من الناحية الاقتصادية عبر سياسة التحرير وتوحيد سعر الصرف ورفع الدولار الجمركي مما احدث اثار اقتصادية وخيمة ما زال الشعب يعاني منها
اما فيما يتعلق بجوانب الاخفاق العام وفي مقدمته الاخفاق المؤسسي فيمكن حصره في : الفشل في تكوين المجلس التشريعي، الاخفاق في انشاء المحكمة الدستورية ومجلس القضاء والنيابة مما اعاق تعيين رئيس واعضاء المحكمة الدستورية ورئيس القضاء والنائب العام ، العجز عن تشكيل المفوضيات المستقلة حسبما نصت عليه الوثيقة الدستورية، تفاقم المظالم المتعلقة باحكام لجنة ازالة التمكين مع انتفاء اليات الاستئناف الامر الذي ادي لاستشراء المظالم مما ادي لتفاقم الاضرار الواقعة علي الافراد والجماعات بيد ان هنالك نوع من الانفراج النسبي مع مباشرة لجنة الاستئناف علي مستوي الجهاز القضائي اعمالها وانصافها لمئات المفصولين تعسفيا.
وفيما يتوجب علي شقي قحط المسارعة للجلوس للتفاوض في اطار اللجنة السباعية المكونة حديثا والعمل علي تمتين الشراكة مع المكون العسكري في مجلس السيادة فضلا عن حل الحكومة الحالية والاستعاضة عنها بحكومة كفاءات فانه يتوجب علي شركاء الفترة االانتقالية بشقيهم االمدني والعسكري العمل علي مخاطبة الاسباب الجذرية للازمة الحالية وفي مقدمتها مشكلة شرق السودان ، وانفاذ اجندة الفترة الانتقالية ومواجهة التحديات والمهام المشار اليها باعلاه وهي مهام جليلة لم تزل قيد الانتظار. وان كان ذلك كذلك فحبا وكرامة والا فان السودان موعود بحراك ثوري جديد …
والله المستعان.
د. فتح الرحمن القاضي
مستشار في شئون العمل الطوعي والانساني وحقوق الانسان
الخرطوم في 22 اكتوبر 2021 م
التعليقات مغلقة.