أهي قضية إنصرافية أم أن الدعم السريع بالفعل يمثل: (القندول الشنقل الريكة) لم يأمر حمدوك الآخرين بالبر وينسي نفسه ومجلس وزرائه الموقر؟! د. فتح الرحمن القاضي

ماسة نيوز: الخرطوم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رغم الاهمية العظمي التي انطوت عليها زيارة حمدوك لمقر الدعم السريع الا أنها لم تحظ بما تستحقه من النظر والتامل من حيث أبعاد الزيارة ودلالاتها ومغازيها الامر الذي يدعونا بشدة لإخضاها لتحليل معمق لعلنا نظفر باجابة شافية حول غايات الزيارة وأهدافها ومراميها. وفيما ينظر المشايعون لزيارة حمدوك والوفد المرافق له باعتبار كونها تمثل فتحاً عظيماً قمين بالاشادة والتقدير رغم الغموض الذي شابها مما دعا المحللون الي الزعم بان الغرض الاساسي للزيارة يتعلق باعادة هيكلة القوات المسلحة بما فيها دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة ، فان البعض الاخر ينظر للزيارة باعتبار كونها تمثل خطوة متعجلة وغير متزنة (Clumsy) وغير مدروسة علي نحو كاف مما يجعل منها مبادرة متهورة ؟!!.
زيارة حمدوك لمقر الدعم السريع التي اتت بلا مقدمات أدت لاثارة دهشة العديد من الاوساط السياسية والاعلامية وافرزت لغطاً كثيفا ما زال يتصاعد حتي لحظاتنا هذه ما بين مؤيد ومعارض خاصة وان خطاب حمدوك جاء خالياً من المضامين ماعدا اشارات عامة تصلح في مجال العلاقات العامة خلافاً لخطاب حميدتي الذي جاء قاطعاً ومحدداً من حيث تناوله للتحديات التي تعتري البلاد وهاهو الحزب الشيوعي ينتقد الزيارة قائلاً بأنها لن تضيف لحمدوك شيئاً، ولعلني أزيد علي ذلك بالقول بأن الزيارة، علاوة علي ذلك، سوف تنتقص من قدر حمدوك لا أكثر ؟! . مبعث الدهشة يكمن في أن المشتغلون بالشان السياسي باتوا يتساءلون في حيرة: هل تعتبر زيارة دولة رئيس الوزراء الي مقر الدعم السريع مجرد قضية إنصرافية تستهدف الهاء الامة السودانية عن الانشغال بالوان المعاناة العظمي التي يلاقونها في معاشهم وامنهم وصحتهم مع عجز الحكومة عن معالجة اسبابها، أم أن الدعم السريع بات يشكل بالفعل قضية ملحة وعاجلة بما يضعه في موضع (القندول الشنقل الريكة) الامر الذي يؤذن بانهيار الثورة وسقوط الحكومة الانتقالية وهو ما يحتم معالجة قضية الدعم السريع وتسوية أوضاعه علي نحو فوري بلا إبطاء ؟!!. ويتفرع عن هذا السؤال سؤال آخر لا يقل خطورة ان لم يتفوق وهو : لم يدعو حمدوك حميدتي وقواته بالبر في هذا التوقيت بالذات، غن صحت التسمية، بينما ينسي أن يحمل نفسه ومجلس وزرائه الموقر أولاً علي البر بهذا الشعب المسكين الذي طالت معاناته والناس لا تكاد تري بصيصاً من الامل ؟!.
لا يستطيع أحد ان يماري في أن قضية دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة تبقي أحد أهم مطلوبات ثورة دسمبر وذلك لانه لا يستقيم أن يحظي البلد الواحد باكثر من تشكيل عسكري او فلنقل جيش واحد فالجيش ينبغي ان يكون واحداً في ظل الدولة العصرية عملاً بالشعار القائل (جيش واحد شعب واحد) ، ولكن في ذات الوقت لا يمكن التعامل مع مآلات ومصائر قوات الدعم السريع التي تشكلت في ظل ظروف بالغة الحساسية والتعقيد علي هذا النحو الهتافي فما هكذا تورد الابل . هذا الزعم لا يقتصر علي مؤسسة الدعم السريع لوحدها وانما ينسحب بالضرورة علي كافة التشكيلات العسكرية التابعة لحركات الكفاح المسلح مع الفارق بين الحالتين بالطبع . الخوض في هذه المسائل ينطوي علي حساسية فائقة لانه نتناول مسائل ذات طبيعة امنية عسكرية تتعلق بالامن القومي للبلاد مما قد يحمل البعض علي القول علي سبيل الاعتراض : ومال المدنيين والخوض في هكذا مسائل تندرج في اطار اختصاص العسكريين، ولكن مع ذلك فان مسائل الامن القومي تبقي جزءاً لا يتجزأ من شئون الوطن وهمومه العامة مما يجعل منها موضع اهتمام بالغ بحيث يتشاطر التقرير في مصائرها كلاً من العسكريين والمدنيين معاً علي قدم المساواة.
ومع التأمين علي أهمية انجاز مهمة اعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتوحيد فصائلها بما في ذلك قوات الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح وفقاً للمسارات المتفق عليها في إطار برنامج الثورة للامن القومي فضلاً عن الترتيبات الامنية التي افرزتها اتفاقية جوبا للسلام ، وتلك امور لا خلاف عليها بالطبع، بيد ان انجاز مهام بالغة الحساسية والتعقيد كهذه لا يمكن التعامل معها علي هذا النحو السطحي علي مستوي الحركات المسلحة ناهيك عن قوات الدعم السريع. ولو كان ميسوراً ان تطلب هذه الامور بالتمني او تخدم بالشعارات لما اجتهد خبراء الامن الانساني علي مستوي العالم في ارساء نهج برامجي فائق الدقة يعرف ببرنامج نزع السلاح والتسريح واعادة الدمج DISARMAMENT , DEMOBILIZATION AND REINTEGRATION وهو البرنامج مألوف تحتكم اليه الدول والجماعات في التعامل مع سائر التشكيلات والفصائل العسكرية في حقب ما بعد النزاعات المسلحة (POST CONFLICT) وقد سعت الامم المتحدة الي تطويره واعتماده بادئ الامر في منطقة امريكا الوسطي حيث اتاحت لي الظروف فرصة التعرف عليه رفقة اخي الدكتور كمال هاشم المدير الاسبق لجامعة النيلين في منتصف التسعينات حيث قدر للسودان من بعد ان يفلح في تبني هذا االبرنامج واعتماده في شكله المؤسسي عبر تجربة (مفوضية نزع السلاح) علي يد المرحوم باذن الله الدكتور سلاف الدين صالح تقبله الله في الفراديس العلي من الجنان .
ومع جزيل التقدير لزيارة السيد حمدوك لمقر الدعم السريع بيد أن التعامل مع ملف الدعم السريع لا يمكن أن يتم عبر التفكير الرغائبي (WISHFUL THINKING ) او مجرد تبادل الزيارات والخطب المتبادلة وابداء حسن النوايا مع قادتها، وانما ينبغي اخضاع هذا الامر الي دراسة معمقة تتناول هذه القضية الشائكة علي نحو يضمن بالفعل انجاز احد اهم مطلوبات الثورة علي نحو سلس لا يترك خلفه اي مضاعفات جانبية لان العمل بخلاف ذلك يعتبر بمثابة تناول جرعة من العقاقير دون التحسب للاثار الجانبية المترتبة عليها.
بعيداً عن مغزي زيارة حمدوك وتوقيت اجرائها الا ان الزيارة ربما تحمل الكثيرين الي اعادة النظر في ملف نشاة قوات الدعم السريع فضلاً عن التقرير في المآلات والمصائر المحتملة لهذه القوات التي ولدت في ظل ظروف معينة في عهد الانقاذ. ربما يتفق الناس او يختلفون في امرها في المقام الاول. ولو كان الخيار ابتداءا بيد ارادة شعبية مقتدرة لاثروا ان تتخلق هذه القوات وتنشاً في حضن القوات المسلحة باعتبارها مؤسسة قومية يفترض فيها ان تستوعب ابناء السودان كافة إذ ليس هنالك ما يمنع من توسيعها وتطويرها وكفالة الانتساب اليها علي نحو موصول ، غير ان نشاة الدعم السريع علي النحو الذي ولد به وتقلب هذه المؤسسة من بعد في العديد من الاطوار حتي باتت تمثل قوة لا يستهان بها ورقماً لا يمكن تجاوزه علي الصعيد الوطني بعامة والعسكري بخاصة رغم أنه لم يكن خياراً استشير فيه الشعب مما يجعل من الحكمة التعامل مع هذا المكون العسكري باعتباره امراً واقعاً ، والثورة إن لم يكن لها من يد في انشاء الدعم السريع الا انه يتوجب علي حكومتها أن تسعي بكفاءة واقتدار لتوفيق أوضاعه علي نحو يحظي برضاء جميع المنتسبين اليه فضلاً عن ضمان اتساق خطة المعالجة مع القواعد المرعية التي تحكم تسوية الاوضاع المشابهة محلياً وعالمياً.
واذا كانت شيعة حمدوك ، اذا صحت التسمية، تطلق عليه لقب المؤسس والقائد الملهم والمنقذ للبلاد وبالتالي فانهم يبدو مطمئنين الي تمثيل حمدوك لهم فان هنالك بالمقابل حقائق ماثلة لا مراء فيها فيما يلي مؤسسة الدعم السريع وقائدها حميدتي مما يحسن تبيانه:
أولاهما: ليس ثمة شك في أن حميدتي ومن خلفه قوات الدعم السريع قد لعبوا دوراً مشهوداً في اسقاط نظام البشير وبالتالي اسهموا بفاعلية في صياغة المشهد الحالي .
ثانيهما: أن حميدتي لعب دوراً مقدراً في انجاز أتفاقية سلام جوبا بعد إذ كانت إرادة السلام مغلولة ابان العهد السابق الامر الذي يسر التوصل لاتفاقية ذات جدوي في مجال السلام خلاف ما كان يجري في العهد السابق والمطلعون علي خبايا مفاوضات جوبا يؤكدون هذه الفرضيات والوقائع.
ثالثهما: أن الدعم السريع يعد احد المكونات والقوي الرئيسة في استدامة التجربة الحالية إذ ينشط في حماية الثورة ولا نقول بذلك من باب المداهنة وانما من باب تقرير الوقائع الماثلة .
رابعهما: فيما يلي النقد المصوب للممارسات الخاطئة المنسوبة لهذه القوات، وفي مقدمة ذلك قضية فض الاعتصام، فاننا لا نود أن نستبق مخرجات لجنة التحقيق برئاسة الاستاذ نبيل اديب التي طال انتظارها ، ونسارع الي توجيه اصابع الاتهام لهذه الجهة او تلك ولذلك فمن الحكمة والعدل الانتظار لحين صدور نتائج التحقيق ولكل حادث حديث، غير أن ذلك لا يعني الوقوف في موقف المتفرج بازاء اي انتهاكات محتملة تنتهك كرامة الانسان السوداني، وفي هذا الصدد لم تدخر المجموعة السودانية للدفاع عن حقوق الانسان SUDANESE HUMAN RIGHTS DEFENDERS وسعاً في نقد العديد من الانتهاكات التي صدرت عن بعض منسوبي الدعم السريع مع سعيها المستمر لتنبيه قادته بضرورة العمل علي اصلاح وتقويم أنشطة وممارسات هذه المؤسسة لكي تنسجم مع المعايير الوطنية والدولية في مضمار حقوق االانسان فضلاً عن اتخاذ التحوطات الضرورية التي تحول دون تكرار اي انتهاكات محتملة مستقبلاً ويشمل ذلك اخضاع قوات الدعم السريع لا بل سائر القوات الامنية المنفذة للقانون الي دورات تدريبية مكثفة في مجال صيانة حقوق الانسان ورعاية انفاذ مبادئ القانون الدولي الانساني ، وهكذا لا يستقيم المزاودة علي موقف المجموعة علي المستوي الحقوقي في هذا الشان ذلك أن مواقفنا المعلنة في مجال التصدي لتحديات حقوق الانسان وتعزيز الكرامة الانسانية يبدو بارزاً وماثلاً للعيان ؟! .
خامساً: لا يكاد المرء يجد حالة ينطبق عليها المثل القائل: (من مأمنه يؤتي الحذر) أكثر من مشهد التغيير الثوري المصاحب لثورة ديسمبر حيث قام الرئيس المعزول باستدعاء قوات الدعم السريع من أقاصي السودان وحدوده للاستنصار بها في قمع الثوار واجهاض الثورة بيد ان الانعطافة التي مثلتها هذه القوات بقيادة حميدتي في اتجاه الحرك الثوري كان لها ابلغ الاثر في نجاح ثورة ديسمبر في الاطاحة بنظام الانقاذ ، ولو قدر لحميدتي اتخذ وقواته أن يتخذوا مسلكاً مغايراً لاتخذت الثورة سيناريوهات مغايرة لا يمكن التكهن بمآلاتها، وهذه حقائق لا بد لجميع القوي من التحلي بالشجاعة للاعتراف بها مهما كان موقفها من حميدتي وقواته والا انتفي مبدأ الانتصاف في واقعنا المعاش ؟!!.
في هذا السياق يلزمنا التاكيد بانه لا يمكننا الافضاء الي حكم صائب حول الكيفية المثلي للتعامل مع ملف الدعم السريع وقائده الفريق محمد حمدان حميدتي الا باحتقاب جملة من المقاربات الضرورية مما يحسن اجمالها فيما يلي:
أولي المقاربات : هي أن الفريق حميدتي ليس هو مجرد قائد لفصيل عسكري بل هو نائب رئيس مجلس السيادة مما يحتم اتخاذ نهج معين في التعامل معه سيما ونحن نستظل الان بنظام رئاسي يراسه مجلس للسيادة، كما ان حميدتي يشغل نائب الرئيس فيه، وبالتالي فان المسار الصحيح لابلاغ الرسائل او التوجيهات او المطالب ، مهما كان شكلها ومضمونها، لشخص في مثل هذا المقام ينبغي ان تجري وفق نهج معين يكفل احترام هذه المؤسسية.
ثاني المقاربات: تاسيسا علي الفرضية المشار اليها ، وفي ظل غياب مجلس تشريعي للبلاد يطلع بمراقبة انفاذ برنامج الثورة للتغيير، ان كان للثورة من برنامج واضح المعالم والقسمات، فقد كان من الاوجب والاليق ، في تقديري المتواضع، ان يطرح ملف الدعم السريع علي مستوي الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء باعتباره الالية التشريعية القائمة حالياً علاوة علي مجلس شركاء الفترة الانتقالية إذا كان هذا المجلس قائماً وفاعلاً ومن ثم يتولي السيد رئيس المجلس التشريعي الافتراضي ورئيس مجلس شركاء الفترة الانتقالية بابلاغ الرسالة التي يتم التوافق عليها الي السيد قائد قوات الدعم السريع.
ثالث المقاربات: إذا افترضنا ان السيد حمدوك يقوم بتفقد أحد التشكيلات التابعة للقوات المسلحة وهي مؤسسة الدعم السريع باعتباره رئيساً للوزراء فاين هو يا تري وزير الدفاع وموقعه من الاعراب في هذه الزيارة ؟؟ ولماذا لا ينجز هذا االنوع من الزيارات تحت امرة الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد الاعلي للقوات المسلحة تفادياً لاي حساسيات محتملة؟؟، وهل ينتوي حمدوك اجراء زيارات لبقية الوحدات العسكرية التابعة للقوات المسلحة ؟؟، وهل حمدوك مأذون بالقيام بنشاط كهذا باعتباره رئيسا للوزراء رغم أن تعيين وزير للدفاع ومراقبة وضعية القوات المسلحة لا يندرج تحت اطار اختصاصه؟؟.
رابع المقاربات : تري من هو الشخص او الجهة التي اوحت الي حمدوك ابتداءاً بالقيام بمبادرة زيارة مقر الدعم السريع وابلاغه بهكذا رسائل علي نحو ما جري وفي هذا التوقيت بالذات وما المراد من ذلك ؟!!. ومن هنا يتولد سؤال فرعي لا يقل أهمية وهو : في ظل استعانة حمدوك بكم هائل من المستشارين في مختلف المجالات بحيث لم يبق مجال الا وتم فيه تعيين مستشار شخصي لحمدوك ، فهل يستعين حمدوك يا تري بمستشار لشئون الدفاع والامن القومي أم أن السيد وزير الدفاع يبقي هو الجهة المخولة بتولي مهمة تقديم المشورة لدولة رئيس الوزراء حول كيفية التعامل مع ملفات الدفاع بحيث لا ينازعه مستشار مستقل في هذه المهمة علي مستوي رئاسة مجلس الوزراء، مع العلم بان معضلة مستشاري حمدوك ونظامه الاستشاري علي مستوي مجلس الوزراء سوف تحظي بتحليل معمق من قبلنا في مقال لاحق.
وبغض النظر عن مقدار الالتزام بالمقاربات المشار اليها ، ومدي مأزونية زيارة حمدوك من عدمها ، مما يمكن ان يتفق فيه الراي العام او يختلف ، فقد لقي الدكتور حمدوك ما يستحقه من احتفاء أثناء زيارته لمقر الدعم السريع حيث تمت اعارته اذناً صاغية مما أتاح له إبلاغ الرسائل التي يريدها رغم الغموض الذي شابها الي الدعم السريع وقائده ، وبالمقابل اغتنم الفريق حميدتي بدوره الفرصة لابلاغ رسائل فائقة الاهمية للشعب السوداني عبر رئيس الوزراء ونسبة لاهمية الرسائل نرجو ان نجتزئ منها المقاطع التالية:
حث الفريق حميدتي علي ضرورة العمل عسكريين ومدنيين علي القيام بعملية اصلاح شاملة وعميقة بالتركيز علي أهم الاولويات ، وفي مقدمتها تحسين الخدمات الضرورية ، والاهتمام بمعاش المواطن، والعمل علي ارساء دعائم السلام، وفرض هيبة الدولة، وإيجاد مخرج لحالة الاحتقان السياسي، بخلق أرضية مشتركة يلتقي فيها الجميع دون إقصاء ولعل مبادرة السيد رئيس الوزراء تمثل مخرجاً للتاسيس عليه مع استصحاب الافكار والاراء والمبادرات الأخري .
بدا جلياً أن الفريق حميدتي وكأنما كان يشير في رسائله لحمدوك ووفده المرافق الي أن الجهة التي تتولي ابلاغه الرسائل هي ذاتها تبدو في امس الحاجة الي الانتصاح في ظل فوضي عارمة تتعلق بأولويات البرنامج الانتقالي لحكومة حمدوك الامر الذي من المرجح أن يفضي، اذا استمر الحال علي هذا االمنوال، الي الاطاحة بالحكومة وبرنامجها الانتقالي . تري هل اراد الفريق حميدتي ان يقول لحمدوك : مالكم تأمرون الآخرين بالبر وتنسون انفسكم ومجلس وزرائكم الموقر، ام ان هذا الاستنتاج لا يعدو ان يكون مجرد خيال طرا علي مخيلتنا ؟!!.
من جهة أخري إذا ما صحت الفرضية التي تقول ان مسالة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة برمتها لا تشكل اولوية قصوي في برنامج الحكم الانتقالي علي المستوي الامني العسكري وبالتالي لم يكن هنالك ثمة داعي للتعجيل باثارتها في هذه الاونة عبر ما اصطلح علي تسميته ب (مبادرة حمدوك : الطريق الي الامام) في ظل وجود أولويات أخري اشد عجالة والحاحاً فان هذا ربما يحمل حميدتي ومن سواه من القوي والحواضن السياسية المعنية بامر الثورة فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني وجمهرة الراي العام علي الوقوف بازاء معضلة مركزية ( CENTRAL DOGMA) تتمثل في ماهية برنامج الثورة خلال الفترة الانتقالية ؟؟، وماهية الاولويات التي يستند عليها هذا البرنامج ؟؟، ومن هي الجهة المناط بها محاسبة دولة رئيس الوزراء ومجلسه وتقويم أدائهم بالنظر الي التقدم المحرز في انفاذ هذا البرنامج باولوياته المعتمدة ؟؟، واخيراً هل هنالك ثمة من جهة مأذونة يمكنها أن تقيل حكومة الدكتور حمدوك مجتمعة او اياً من وزرائه الابرار اذا ما تم التقدير بانهم عاجزون عن انفاذ برنامج الثورة في العديد من المجالات الحيوية مثلما يتبدي للشعب في الكثير من الاحايين ؟!!، ام ان وزراء الحكومة برئيسهم يتمتعون بحصانى مطلقة ضد المساءلة والتقويم بحيث لا توجد سلطة في الوقت الحالي تستطيع اخضاعهم للمساءلة او التوقيف ؟؟!!.
الاجابة علي الاسئلة المشار اليها ربما تجعلنا نتفهم بشكل اكثر الاشارات التي وردت في سياق رد حميدتي علي خطاب حمدوك حيث احتفي برده العديد من المراقبين لانه اثار قضية جديرة بالاحتفاء إذ كيف يتسني لرئيس الوزراء مطالبة المكون العسكري ، ويشمل ذلك الدعم السريع، بانجاز مطلوبات الثورة بينما يختبر المكون المدني في مجلس الوزراء تباطئاً ، حد الفشل، في انجاز استحقاقات برنامج الثورة بشقه المدني خلال فترة الانتقال ؟!!.
المفارقة المائلة بين ايدينا ربما تقودنا لاستحضار القول المنسوب لسيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنه وموجزها (أفعل ما شئت فكما تدين تدان، وكما تعين تعان ، وكما ترحم ترحم، وكما تزرع تحصد) ، ذلك أن السؤال يبقي قائماً إذا كان حمدوك يسعي الي إجراء مساءلاته ونقل رسائله الي مجلس السيادة بما فيه المكون العسكري وحميدتي وقوات الدعم السريع جزء لا يتجزأ منه فهل يبادر البرهان ونائبه حميدتي يا تري بزيارة حمدوك في مجلس الوزراء للاطلاع علي حصيلة الاداء التي انجزها حتي الان رفقة مجلس وزرائه علي صعيد انفاذ برنامج الثورة الانتقالي ؟! او بصيغة اخري هل يقوم رئيس مجلس السيادة ونائبه باستدعاء السيد رئيس الوزراء لمساءلته في حضرة اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء او اجتماع كامل العضوية لمجلس شركاء الفترة الانتقالية ؟!!. هذه التساؤلات ربما تدعونا لاطلاق العنان لخيال ، غير مغرض، يحث علي تطوير حوار افتراضي بين مجلس السيادة بقيادة البرهان وحميدتي من جهة ، وحمدوك ومجلس وزرائه الموقر من جهة أخري، بحيث يستهدف الحوار التفاعلي (INTERACTIVE DIALOUGE) محاسبة مجلس الوزراء وتقويم ادائه ؟!!.
ومع حقيقة عدم وجود أي الية رسمية في الوقت الحالي تكاد تضطلع بمسئولية مراقبة مجلس الوزراء الموقر وتقويم أدائه مما يجعل من اداء الحكومة الانتقالية بمنأي عن المحاسبة والتقويم فينبغي المسارعة في اطلاق جملة من المقترحات لجميع ذوي الشأن في شركاء الحكم الانتقالي لعل المقترحات تسهم في اعادة تموضع الحكومة الانتقالية علي منصة الرقابة والتقويم بدلاً من ارتكاب الاخطاء الكارثية في مختلف المجالات مع الافلات من المحاسبة. وتتلخص المقترحات التي سوف نجليها لوقتها في مقال مفصل يصدر لاحقاً في إقامة حوارا تفاعلي افتراضي علي المستوي الوطني يتضمن اصدار ميثاق قومي تأتلف حوله جموع القوي المؤيدة للثورة، مع وضع السمات والمؤشرات الاساسية الدالة علي برنامج تحتكم اليه القوي الثورية بمختلف اطيافها، فضلاً عن ترسيم أولويات برنامج الثورة ، وانتهاءا بارساء منصة قومية افتراضية لمراقبة أداء الحكومة الراهنة وتقويم مسارها (MONITORING FOLLOW UP AND EVALUATION) خلال ما تبقي من عمر الفترة الانتقالية . عملية النقد والتقويم والمحاسبة تبقي ضرورية سيما وانه لا توجد اي الية تعني بتقويم اداء الحكومة الانتقالية ، كما ان ليس من المنظور بروز بادرة جادة لتشكيل البرلمان في الوقت الحالي مع مرور نحو عامين كاملين علي اندلاع الثورة .
وفي ظل تفاقم الخلافات العبثية المستشرية بين الحواضن السياسية للحكم مما أدي لارباك مسار الفترة الانتقالية وعطل من عمليات الرقابة علي اجهزة الحكم ، وعوق من اقامة الحكم الرشيد وسيادة حكم القانون ، وجعل طريق الثورة محفوفاً بالمخاطر والمهددات فلم يكن مستغرباً أن يجأر رئيس مجلس السيادة بالشكوي مصوباً سهام النقد والتقريع الشديدين للحواضن السياسية لعجزها عن تحقيق التوافق المطلوب لانجاز مطلوبات الثورة مما يمكن أن يهدد امال الامة في التغيير الثوري بالانهيار ولكن يبقي السؤال هل تجدي شكاوي رئيسمجلس السيادة في معالجة الاوضاع احالية المتردية ام ان هنالك ثمة اجراءات يتوجب اتخاذها من قبل جميع الشركاء بشقيهم المدني والعسكري لوضع قطار الثورة في مساره الصحيح ؟!! ونحن اذ نطرح هكذا تساؤلات لا نشير من طرف خفي او معلن الي استنساخ تجربة الرئيس التونسي قيس سعيد في السودان ؟!!.
وفيما يبدو اننا سوف نكون مدعوين لاستعراض التحديات التي تعتري برنامج الحكم في اطارها الفني العملياتي بشكل موسع في مقالنا القادم باذن الله في اطار مساءلة افتراضية مقدر لنا أن نجريها في حق السيد حمدوك ومجلس وزرائه الموقر جراء عدم فلاحهم ، ان لم نقل عجزهم، عن الوفاء بامانة حمل برنامج الثورة خلال الفنرة الانتقالية كما ينبغي له ان يكون حفاظاً علي آمال الثوار ووفاءا لامانة الثورة التي تكاد تتلاشي من بين أيدي الامة السودانية… والله المستعان وعليه التكلان ،،،

د. فتح الرحمن القاضي

مستشار في شئون العمل الطوعي والإنساني وحقوق الإنسان

الخرطوم في 17 سبتمبر 2021 م

التعليقات مغلقة.