*في ذكرى الثائر* *الفكي علي الميراوي*

ماسة نيوز

_بسم الله الرحمن الرحيم_

 

*[3]*

 

*بقلم ~*

_أحمد الشين الوالي_

 

*ألمي الآتي من الغرب*

_و أثر الغرب على السودان_

 

[ _الغرب زين كله . . إليه تأوي الشموس ._ _. و منه تهل الأهلة_]

 

إن الأثر القادم من غرب إفريقيا إلى السودان أثر كبير في مجالات الحياة المتعددة في الثقافة و الفنون ، و الدعوة للإسلام ، و في الاقتصاد الزراعي و الرعي ، و الصناعة و التجارة ، و في السياسة منذ السلطنات الإسلامية في الفونج ، تقلي ، و الفور . و أثر في نصرة المهدي قتالا ضد المستعمر ، و إدارة البلاد و سياسة العباد . إن طرق الحج المتعددة عبر السوادن شرقا و غربا علامة واحدة على الأثر الدعوي في تعليم القرآن من قبل الدعاة المهرة العابرين من الغرب إلى الأراضي المقدسة و منها ، و بتلك الصلة تصاهروا و انصهروا في أهل السودان .

و أهل السودان الشرقي لا يعرفون أهل غرب إفريقيا إلا أنهم «أهل الغرب» و «غرابة» ، أو «فلاتة» . و أهل غرب إفريقيا _ الغرابة معجبون بسوداننا ، و يطربهم فنانونا المغنون ، و موسيقي أهل السودان! فحري بنا أن نتحدث موجزا عن أهل غرب إفريقيا الدعاة ، و أثرهم في سوداننا عبر الأزمنة الماضية .

إن الصحراء الكبرى الإفريقية كانت قبل آلاف السنين منطقة شديدة الخصوبة ، و مع الجفاف التدريجي أرغم الناس على هجرتها فتحولت لحاجز عظيم . و تحرك سكانها في تفرق و شتات نحو جهات عدة بعضهم توجه تلقاء وادي نهر النيل و طوروا بمرور الوقت حضارات ، و بعضهم غادر تجاه وادي النيچر . و في الصحراء الكبرى ما تزال هناك بؤر تدل على العنصر الزنجي الأسود الذي كان يستوطنها .

و الروم المتعجرفون هم الذين سموا «الأمازيغ _ الأحرار» سكان شمال إفريقيا «البربر _ Barbarians» تطاولا و استخفافا ، كما يسمون الناس من دونهم ، و يرونهم أقل منهم رقيا و تحضرا .

إن سكان الصحراء الكبرى كانوا لفترة طويلة زنوجا في الأساس ، و ساد فيها نفوذهم السياسي . و السكان الأصليون في غربي إفريقيا كانوا أناسا ذوو بشرة حمراء و قامة قصيرة . و الزنوج لم يكونوا سكانا أصيلين في غربي إفريقيا ، و لكنهم نزحوا إليها من الشمال و توزعوا فيها جنوبا و شرقا . لذلك نرى تماثلا هنا في السودان ، و هناك في غرب إفريقيا لجماعات زنجية بعضها هاجر من الصحراء الكبرى مباشرة ، و بعضها هاجر من بعد من غرب إفريقيا منهم : نوك _ الدينكا في أبيي ، كوكو ، كاكوا ، الباريا ، المورو ، الفولاني ، التكرور ، البرنو _ الكانوري ،  الهوسا ، و النوبي . و هي  جماعات لها وجود متوزع في غرب إفريقيا ، و في السودان الشرقي _ الإستوائي .

إن فكرة الرباط دعوة للإسلام في بيئات و بلدان إحيائية _ وثنية وسيلة مجربة ذات أثر في «بلاد السودان» ابتدعها قادة «الطريقة القادرية» منطلقين من موريتانيا متوجهين صوب الداخل الإفريقي .

إن المؤرخ محمد عمر التونسي في تقسيمه الجغرافي لسلطنات السودان الشرقي جعل سنار الاقليم الأول ، و كردفان الثاني ، و دار فور الثالث ، ثم يمضى غربا على التوالي ؛ وداي ، باقرمي ، برنو ، و كلها سلطنات إسلامية عاصرت بعضها البعض في الاقليم الذي عرف بالسودان الأوسط . و بين كردفان و دار فور كثبان من الرمال ، و دار فور و ما جاورها غربا امتداد طبيعي فيه وحدة المناخ و التضاريس و النبات ، و بين تلك البلدان الروابط التجارية و الثقافية القوية المتينة ، مما يجعل من الصعوبة معرفة مقدار تمازج تلك المؤثرات الكثيرة بفعل انتشار الإسلام بين الناس ، و الثقافة العربية .

• • •

كان الغريب «أحمد المعقور» أحد أفراد «الزاحفة الهلالية» تقدم الناس في نزوحهم من شمال إفريقيا حتى بلغ جبل مرة في دار فور ، فعاش بين الفور فعلمهم مما عنده من معرفة و حكمة فأحبه الملك ، ثم زوجه ابنته الوحيدة فانجبت له ولدا سماه سليمان . فلما مات الملك «شاو دور شيت» جد سليمان لأمه نادى أهل الحل و العقد ب «سليمان بن أحمد المعقور» ملكا عليهم ، فقيل «سليمان سولونق» يعنون «سليمان العربي» . كان سليمان العربي أشهر سلاطين الكيرا الذي اتخذ من طرة ، في شمال جبل مرة ، عاصمة له فحكم جميع جهات دار فور إذ أخضع البرتي ، و البرقو ، و المساليت ، و الزغاوة . و ادخل سليمان سولونق الإسلام في بلاط الحكم و جعله الدين الرسمي للدولة ، و سعى في نشر تعاليمه بين الناس . و «الكيرا» تحريف في نطق اسم «خيرة» أم سلاطين الفور الكيرا من عقب أحمد المعقور .

إن أثر ثقافة غرب إفريقيا كان أثرا كبيرا في أهل السودان الشرقي في الملبس ، المأكل ، و المشرب ، و الأوضح في اللغة و الأسماء . إن تسمية و تقسيم جهات سلطنة الفور الأربع ، إلى شرق و غرب و شمال و جنوب ، تسمية جاءتهم من امبراطورية البرنو التي تسمي حاكم الغرب «قلاديما» ، و «كاقيما» لحاكم الجنوب ، و قد اختصرت  فقيل «كديما» و «أوما» ، و قيل أنها اختصرت في برنو . و اقطاع الأراضي للعلماء و كبار الموظفين نظام اتبعته برنو يسمي «محارم» ، و اتبعته دار فور و سمي «حواكير» . و تسمية عاصمة الفور «الفاشر» تسمية مأخوذة من «فاشر» البرناوية التي تعني الأرض الفسحة ، الميدان ، أمام قصر السلطان في برنو .

 

{2}

إن انتشار الفلاتة في السودان ، بين دار فور و البحر الأحمر ، انتشار سابق لقيام دولة الفونج . و هم «إيبا» التي تتحدث لغتها و تحتفظ بلسانها ، و «إيكا» لا تتحدث إلا اللغة العربية . و كلا المجموعتين قدم إلى السودان من باقرمي ، و أرض برنو ، و فوتا تورو ، و ماسنا ، منذ مئات السنين . و من تلس قدم الفلاتة إلى كردفان في مجموعتين هما «جداد» و «رجاج» . و في وسط كردفان كونتا قرى فلاتة جنوب مدينة الأبيض . و هم فلاتة كردفان المعروفون ب «فلاتة المواليد» ينقسمون إلى «نبا ، كيسو ، فطوما ، و نرا» ، و هم رعاة ابقار يشاركون الحوازمة المسار و المرحال ، و بينهم مصاهرات .

و للفلاتة عمودية في البرداب شمال غرب كادوقلي .  و مع استقرار الفلاتة ، و التكارير ، في الليري أطلقت تسمية «فلاتة» على سائر من قدم من غرب إفريقيا . و الفلاتة «سنكرة» هم المعروفون ب «أم بررو» أهل الأبقار المميزة ذات القرون الطويلة ؛ البقرة البيضاء «كوري دينيجا » و الأخرى  الحمراء «كوري ويلا» .

و الفلاتة في شتات : «ملي» في ولايتي القضارف و سنار ، و في محلية تلس بجنوب دار فور . و «دمرا» في  الحدود بين سنار ، النيل الأزرق ، جنوب القضارف ،و جنوب دار فور . و فلاتة «سكتو» في مايرنو «مي ورنو» ، و قرية ود هاشم ، و فيهم سلطان مايرنو الحالي . و «حسينية» يسكنون قلاديمة و المرفع ، بولاية سنار . و بكرية «برنوكووي» داخل مدينة سنار ، و بالضفة الشرقية للنيل الأزرق في ولايتي سنار و النيل الأزرق . و «فوتا» زرق طوال في دار السلام ، و حلة البئر ، بمحلية سنار . و انصهرت «ملي» في الهدندوة يشاركونهم حتى مظاهرهم مع الاحتفاظ بلغتهم ، و ملامحهم الذاتية .

و المتحدث عنهم يسميهم الهوسا «الفلاني» ، و يسميهم الماندينق «فلا» ، و الكانوري في تشاد و ما حولها يسمونهم «فلاتة» ، و يطلق عليهم الكتاب الفرنسيون «بول» . و هم يطلقون على أنفسهم أحيانا «فلب» . و لغتهم تعرف ب «البولار» في السنغال ، و تسمى «الفولا» . و هم يتحدثون لغة الفلفيدي ذات الأهمية الكبيرة في فهم بعض مشكلات اللغة في إفريقيا .

 

{3}

و في حروب غرب إفريقيا كانت كل هزيمة تدفع بأعداد كبيرة من الناس إلى بلاد الهوسا . و لغة الهوسا و ثقافتهم مكنتا الشعب من امتصاص القادمين الجدد . إن كلمة «هوسا» لا تعني عنصرا معينا ، فالهوسا مجموعة لغوية أكثر منها مجموعة قبلية ، و لغتهم «حامية» و قيل «تشادية _ حامية» .

{4}

إن مفردة «برنو» هي تحريف لكلمة «باران» البربرية الصحراوية التي تعني المحاربون . و المحرفون للمفردة هم أهل لسان آخر من القبائل التي خضعت لحكم البرنو . و الدراسات المحايدة تنسب البرنو إلى أصول بربرية انحدرت إلى السودان الأوسط من الشرق و الشمال ، ثم اختلطوا بالعرب و الفلاتة و الزنج . إن برنو مجرد اقليم في الأطراف ، ثم أصبح مركزا للامبراطورية في حوض تشاد .

و الكانوري قبائل ذات شبه كبير بقبائل الكانمبو التي تزاوجت مع عناصر مخلطة من العرب ، و البربر ، و الزنوج . و اختلط الكانوري بالكانمبو فهم أغلب سكان كانم و برنو ، و سادت لغتهم المنطقة فاطلق اسم «كانوري» على المتكلمين بها بصرف النظر عن أصولهم .

إن نهاية دولة البرنو كانت وقت تم تقسيمها عام 1894م بين انجلترا ،  فرنسا ، و ألمانيا في غمرة الاستعمار الأوربي لأفريقيا ، و على انقاضها جمهوريات تشاد ، إفريقيا الوسطى ، النيچر ، الكميرون ، مالي ، و نيچيريا .

• • •

و النطق «مالى» هو نطق البيل الفولاني في ماسنا ، و السنغي في تمبكت ، للاقليم الذي يقيم به المندنقو و الونقارا على الشاطئ الأيسر للنيچر . و «مل» تعني مالى مثل «برن» التي تعني برنو . إن لغة البيل لعبت دورا حاسما في  تكوين بعض الدول المسلمة في غرب إفريقيا . و القبائل الموزعة من أدنى السنغال ، و الفوتا _ دجالون ، حتى البلدان الواقعة بين تشاد و النيل أتت من فوتا السنغالية أو مالي بين الاطلسي و النيچر .

إن فوتا _ دجالون تكونت من اتحاد تسع مقاطعات ضمت كل المساجد حيث يجتمع الناس للصلاة يوم الجمعة ، في عام 1725م . و بالمثل يجتمع رؤساء العائلات للتداول في شؤون الجماعة ، و كان «السلدياب» يعينون الرئيس الروحي لعائلة الألفا في «تيمبو» و يدعى «ألمي» المفردة التي تعني «الإمام» ، و إلى جانبه قريب له من العسكر في «لابه» لإقامة التوازن . و المرحلة الثالثة كانت هي مرحلة دولة الأئمة «الألمامي» في فوتا السنغالية التي استمرت 150 عاما بدأت عام 1776 م . و تعاقب عليها 54 إماما أولهم عبد القادر المكنى ب «عبدول» من عشيرة ديالو البيلية . و اعتنق تكرور فوتا الإسلام في القرن الحادي عشر ، ثم جعلها الألمامي «الائمة» دولة مسلمة .

{5}

إن غرب إفريقيا تجمع لغوي و ثقافي كبير . . إن «في غانا 47 _ 62 لغة ، و أكثر من 800 لهجة . و في نيچيريا 150 لغة قاصرة . و في ساحل العاج 72 لغة ، و في الكميرون 70 لغة . . إن «وليم بليك» هو الذي اقترح عام 1856م التسمية «لغة البانتو» . و في عام 1955م اقترح الأمريكي «جوزيف ه‍ . غرينبرغ» تصنيفا يقسم اللغات الإفريقية إلى عائلتين كبيرتين : العائلة الحامية _ السامية ، و العائلة النيچر _ كنغولية» .

إن السونينكة جميعهم يتكلمون لغتين . و في كافة الدول الإفريقية هناك لغة رئيسة أو عائلة لغوية سائدة : الولوف في السنغال ، البيل في غينيا ، الموسي في الفولتا العليا ، البامبارا _ مالينكة في مالي ، الهوسا أو السنغاي في النيچر . و تتميز غانا بتنوع اللهجات . و في نيچيريا يتكلمون ثلاث لغات هي الهوسا ، اليوربا ، و الإيبو . و أما الكميرون فتتجاذبها لغة البيل في الشمال ، و الدوالا في الجنوب و الفانغ و الاواندو الشعبيتان» . و لا جدوى من البحث عن نقاء عرقي أو لغوي في إفريقيا الغربية .

و الأسماء «بيل» و  «سوننكي» تسمية متداخلة ، و لسانهم العربي معقود . و «ولوف» لا تعني شيئا في لغة الولوف ، و هي مكونة من مقطعين «ولو فين» تعني «جلد أسود» في لغة الماندينغ . و هم ينطقون «عبد الله» بلسانهم «عبد اللاي» ، و ينطقون رحمة الله «راما تولاي» . و «حمد اللاي» تعني «حمدا لله» المدينة العاصمة التي أسسها شيخو أحمدو عام 1775م .

و كثير من شعوب سودان غرب إفريقيا ينطقون الأسماء العربية في عسر شديد و تغيير للنبر ، فينطقون محمد فيقولون «مامادو» ، و يختصرونه «ما» . و ينطقون أحمد فيقولون «أمادو» ، و «أمارو» هو نطقهم للاسم عمر . و البرنو ينطقون بلسانهم اسم «محمد» يقولون «مودو» .

و وصلت إلينا كثير من الأسماء نتداولها ، و نسعى بها ، و لا نعرف معناها و أصلها . إن «فكي» مفردة برناوية و تحريف لكلمة «فقيه» العربية . و  جهينة غرب السودان ينطقون لفظ فقيه بتخفيف فيقولون «فقير» كعادتهم في  التخفيف و التصغير . و «الفودى ، الفودة» أيضاً كلمة تعني الفقيه في احدى لغات غرب إفريقيا . و «القوني» مفردة و درجة للحافظ الماهر القوي الحفظ المتفقه في علوم القرآن الكريم . و «الجلة» تعني الشاعر ، و جمعها «جالي» .

و التسمية «ألمي» في لغة البيل تعني إمام ، و جمعها «ألمامي» تعني أئمة . و التسمية «ألفا» و «ألفاما» تعني الزعيم ، بلغة البامبارا . و المانسا تعني الملك في مالي بلسان الماندينغ ، و تعني الماي بلغة البرنو . و «المينا» تعني الأمير بلسان البرنو ، و هي «السن» بلسان السونغي .و «فرارية» تعني الأمراء في لغة احدى ألسن غرب إفريقيا .

و «الماجيرا» هي الملكة الأم في برنو بلسان الكانوري ، و هي «الميرم» عند البرقو و «الميرمايا» الأميرة . و «كنداكا» هي الملكة في مروي ، و أصلها زغاوي تعني الأم مطلقا . و في بعض لغات غرب إفريقيا تعني «الغوسا» الإمبراطورة .

و الاسم «ننا» يعني الحبوبة أو الجدة في لغة المندنقو ، و هو تعبير يستخدم للاحترام و التبجيل ، و مفردة «ننا» عادة تسبق أسماء السيدات النبيلات ، أو المتقدمات في السن .

كانت «حبوبة ننا» رئيسة الطباخات في مدرستنا الأولية بأم حيطان ، و هي إحدى نساء الغلفان _ الأنشو ، رحمها الله .

 

{6}

 

إن الداعية الغريب [ألمي] الذي جاء إلى جبال ميري «اسمه آدم ، و شهرته ماسا . وصل إلى ميري حوالي عام 1844م . ينتمي إلى قبيلة البرنو النيجيرية . . جاء من الغرب من جهة دار فور ، و ما وراءها . . استقر في قرية دميك أولا ، و قضى فيها وقتا معقولا درس فيه الأهالي علوم الدين الإسلامي» . كان مسلما مستقيما أثر في أهل دميك فوقروه . «و في ميري اشتهر ب «كا ما فروة» يعنون صاحب فروة الصلاة التي لازمته . ثم «تزوج [كندلي _ كندلية] بنت أخت المك تيرك ، و قيل ابنته . و في غيابه في الحج ولدت كندلي ولدها الذكر [الرابع] ، و لوصية والده سمي [مودو]» . و كان الاسم المتسلسل في نظام الجماعة الأهلية في ميري يسمى المولود الذكر الرابع «توتو» .

إن التسميات «ألمي» ، «مودو» ، و «الفكي» هي تسميات البرنو تعني الإمام ، محمد ، و الفقيه ، على التوالي ، و «ماسا» اسم ديني صوفي شائع في غرب إفريقيا .

و من أولاد «مودو بن ألمي» الذكور اشتهر «حامد أبو سكين» ، و «الفكي علي» . و عبر النظام الأهلي الأمومي انتقلت سلطة المكوكية لأبناء «مودو بن ألمي» . كان حامد أبو سكين مكاً ، و بعد وفاته انتقلت المكوكية إلى أخيه الفكي علي ، ثم استمرت في عقبه عبر النظام الأبوي العربي _ الإسلامي . و قد نازع الفكي علي في السلطة ابن أخته «حسن كوة» الذي رأى أنه الوريث الطبيعي لسلطة خاله أبو سكين في الحكم حسب النظام القديم الذي تم تجاوزه بالانتقال عبر الإسلام إلى النظام الأبوي .

• • •

إن ظاهرة الداعية الغريب ظاهرة تكررت في جبال النوبا ، ففي النوبا الكواليب كدرنج برز المك «عبد الله كدرنج» حفيد الداعية البرقاوي «عبد الله بن عمر» الذي أتت به مملكة تقلي الإسلامية للتبشير بالإسلام وسط فخذ كدرنج ، فاستقر عندهم و تزوج فيهم امرأة ذات حسب في قيادة القبيل ، فأصبح واحدا منهم . و بمرور السنين انتقلت سلطة المكوكية إلى حفيده عبد الله الذي اشتهر ب «عبد الله كدرنج» شيخا و مكا يجمع بين سلطة الدين ، و سياسة القبيلة .

و في الكواليب ، أيضاً ، برز المك «أنقية بريمة» الذي صار مكا لعموم الكواليب ، و هو مخلط من أب عربي و أم نوباوية .

• • •

كانت قريتنا أم حيطان «كدينقى» تجمعا لاخلاط من النوبا جماعات صغيرة متعددة . و أساطير النوبا ، خارج كدينقي ، تحكي أن كدينقي هي ملتقى و تجمع لأرواح موتى النوبا . و حقاً أن وراء كل أسطورة حقيقة ، فقد كانت كدينقي مجتمعا إثنيا مخلطا فيهم المورو ، الكواليب ، الأجانچ ، الليرا ، الشوايا ، و تيرا . جاؤوا إلى كدينقي ، و في اختلاطهم أوجدوا لهم لسانا واحدا مبتكرا هو لسان «كدينقي» يتحدثونه بينهم .

و تجمع كدينقى المخلط تزعمه الغريب «عبد الرحيم أبو كو» عربي من بديرية قرية أبو كوع في غرب كردفان على طريق السكة الحديد . كان أبو كو فكيا يكتب حجبات الحرز ، و يعالج الناس بالرقية ، و يمارس التجارة . و لقب «أبو كو» نسبة إلى «أبو كوع» قريته التي جاء منها ، و الاهالي ينطقونها «أبو كو» حسب لسانهم ، و مقدرتهم على نطق الحرف العربي . و قيل أن «أبو كو» بلسان كدينقي مفردة فيها تبجيل و احترام للغريب يعنون بها «أبونا الكبير» .

و في عهد المستعمر أختار نوبا أم حيطان في اجتماعهم ، و اجماعهم الشوري «عبد الرحيم أبو كو» مكا عليهم . و بعد وفاته ، وشيكا بعيد اختياره مكا ، اختار أهل الحجر ابنه «كوسو عبد الرحيم» خلفا له ، و بعده تم اختيار حفيد أبو كو «محمد كوسو عبد الرحيم» مكا .

 

________

 

 

 

*PANikar*

Asia Publishng House _ 1963 .

ترجمه إلى العربية بعنوان « *الإسلام و الوثنية تاريخ* _ _الامبراطوريات الزنجية في غربي_ _إفريقيا_ » ، و علق عليه و حققه على مصادره العربية أحمد فؤاد بلبع . الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ، المجلس الأعلى للثقافة ، و المجلس القومي للترجمة 1995م .

التعليقات مغلقة.