*رؤية:* أسامة ميرغني

ماسة نيوز

 

بعد سقوط الأندلس ظهرت في الجغرافيا الأوروبية دول البرتغال و هولندا وبلجيكا كوريث للأندلس، لكن لم تدم سيطرتهم واحتلالهم للعالم وخاصة إفريقيا كثيراً، إلا زائير التي اعتبرت مزرعة تابعة لملك بلجيكا باتفاق مع الاحتلال الجديد فرنسا / بريطانيا،
وأنشأت هولندا علاقات إنتاج بين ممولين و تجارة عبر البحار وصلت لإندونيسيا شرقاً، وكانت العلامة التجارية البريطانية التي على شكل صدفة البحر (SHILL)؛ هي أكبر العلامات، وأصبحت أيضاً مسمى لواحد من أرقى أحياء لندن ويمتلك فريقاً في الدوري الممتاز الإنجليزي بإسم (صدفة البحر SHILL SEE)، والعلامة مقصود بها درع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهنالك واقعة في التراث الإسلامي تحكي عن رهن الرسول صلى الله عليه وسلم لدرعه ليهودي، ورهن الدرع يعني رهن السيادة، والحكاية مقصود منها أن ترمز إلى أن القوة الاقتصادية أقوى من القوة الدينية والسياسة!، وبمنطق وفهم التاريخ السياسي المعاصر فهي قمة الدولة المدنية واحترام الحقوق المدنية!.
تطورت منظمة علاقات التمويل للتجارة عبر البحار وسميت (BANK) والكلمة باللغة الانجليزية تعني “ساحل”، ثم أصبحت نظاماً مالياً و نقدياً يقبل الودائع و محمي بالقانون..
وفي العام ١٦٩٤م اتفقت مجموعة من جماعة الساحل في هولندا على إصدار عملة سميت “إسترليني”، إلا أن ملك إنجلترا رفض أن يكون البنك المركزي الإنجليزي تابعاً للمجموعة الجديدة ، ثم حدثت لاحقاً ثورة ضد الملكية ألغى على إثرها النظام الملكي وبدل بالجمهوري، وبعدما صدر تشريع يتبع بموجبه بنك إنجلترا للمجموعة الهولندية؛ ملكت بريطانيا عملتها الخاصة بها وسميت الجنيه الإسترليني، وسميت العلامه التجارية الجديدة ب (SHILL X)، وشرعت المجموعة في صناعة قوة عسكرية لحماية مصالحها.
ثم قامت ثورة أخرى أرجعت الملكية الدستورية مرة أخرى لإنجلترا ، وعاد من ألمانيا ابن الملك وصار ملكاً، ووافق الملك الجديد على أن يكون “بنك أوف إنجلترا” خارج صلاحياته، وأن يتبع لمجموعة المدينة (CITY) !، وإلى الآن هو خارج سلطة الدولة الإنجليزية، وتقع (CITY ) شمال غرب لندن وتزورها الملكة باعتبارها أرض اجنبية، ولزيارتها طقوس خاصة غير متعارف عليها في البروتكولات الدبلوماسية!.
كانت بريطانيا في شكلها المستعمر القديم عبارة قوة اقتصادية محمية بقوة عسكرية،
ثم عاد المحتل الإنجليزي بشكله الجديد ليدخل السودان عبر القوة الاقتصادية ، مستفيداً هذه المرة من درس أخطائه وتاريخه العسكري السابق في السودان، فقد كانت المرة الأولى في تاريخ بريطانيا الإستعماري أن تنهزم عسكرياً ويقتل قائدها ونجم إمبراطوريتها؛ الجنرال غردون المبارك من الكنيسة الإنجليزية!.
كل القادة البريطانيون الذين جاءوا للسودان منذ سقوط سنار إلى سقوط أم درمان (1819َ_ 1885م) لم يكونوا في حقيقتهم من العسكر، بل كانوا مهندسي مساحة، وربط الإنجليز دائماً مصلحة المساحة بوزارة الدفاع، ولا زال هذا الوضع إلى يومنا هذا، وما زالت رئاسة المساحة جوار قيادة الحرس الجمهوري لأهميتها للإنجليز ..(سنفصل ذلك في مقال لاحق).
قتلت قوات المهدية ١٤ لواءاً من الإنجليز ، لكن بعد كرري ١٨٩٨م إلى ١٩٥٦م نجح الإنجليز في صناعة حاضنة سياسية بعيدة عن العمل العسكري لتمسك بزمام البلاد، ولكن كان هناك في الجانب الآخر من الأطلسي (الولايات المتحدة الأمريكية) يتشكل وضع سياسي أحدث لاحقاً تقاطعات غريبة الأطوار على العالم.. إذ نشأ صراع عنيف في أمريكا من أجل إصدار عملة محمية بمنظومة لا تتبع للدولة!, صراع كان في ظاهره أنه حرب ضد التحرر من العبودية، وكان في حقيقته صراعاً بين الشمال الأمريكي الصناعي والجنوب الزراعي… وإصدار عملة يعني تداولها وربطها بالحاجة الإنسانية اليومية… والمنتجات الزراعية والثروة الحيوانية هي ما يدخل البيوت يومياً، وأخيراً نجح الشمال الأمريكي في السيطرة على الجنوب ، وصناعة الدولار باتحاد بين 12 ولاية، وبنوك تحت مسمي “البنك الفيدرالي الأمريكي”.
من الملاحظ أنه منذ الغزو الخارجي على موسكو – يسمى في تزييف الوعي الثورة البلشفية ضد القياصرة ١٩١٧م – وإلى يومنا هذا ظلت أمريكا هي الأكثر حظاً في صناعة الفرص، لكن كان الإنجليز دائماً هم الأكثر حظاً في اغتنام الفرص، وخاصة في السودان.
أقام الفرنسيون و الإنجليز احتفالاً بنجاح الغزو على موسكو و انهزام القياصرة في ١٩١٧ م ! وسمي باتفاق القائدين العسكريين الإنجليزي والفرنسي سايكس_ بيكو ، لكن في ١٩١٨م وفي باريس حضر الرئيس الأمريكي وألغى اتفاق تقسيم تركة الخلافة الإسلامية في اسطانبول بين الإنجليز والفرنسيين ، على الرغم من أن وزير الخارجية الانجليزي أعطى الاتفاق الشرعية والقوة، بوعد بلفور الشهير لليهود بمنحهم فلسطين كوطن قومي في ١٩١٧م.
إن ثمة قوة غير ظاهرة في المشهد السياسي العالمي، لكنها حاضرة بقوة، إنها القوة الدينية، وتأثيرها أكبر من التأثير العسكري والاقتصادي.
فبين الفاتيكان ولندن و واشنطن علاقة قلما تتقاطع، وبين هذه الدول رابطة اقتصادية عرفت بمسمى “الأخوات السبع” وهي تشير لشركات؛ شل بريطانيا وهولندا_ توتال فرنسا _ وموبيل أمريكا (في منطقة دالاس التي قتل فيها الرئيس الأمريكي جون كندي) – و شركة أجِب التي تتبع كنيسة الفاتيكان ، وكثيراً ما تندر السودانيون بشعار أجِب ذلك الحيوان الذي له ستة ارجل (حيوان أجِب) – و شركة بريتش بتروليم ستي لندن – وكلفورنيا ستيت اوف بتروليوم (ستهم) – واخيراً مؤسسة شراكة بين روسيا وموبيل.
حدثت تقاطعات في السودان بين شل وموبيل انتهت بتمرد جنوب السودان وجبال النوبة،
فشيفرون لعمليات البترول بدأت التنقيب في السودان، ثم بدأ التمرد في جنوب السودان وجبال النوبة ليوقف عمليات البترول لصالح شل.
ومن الملاحظ أن شركة شل فعلياً على الأرض هي الأقوى في السودان من نظيرتها موبيل.
حمدوك والحلو ويوسف كوة هم من أسسوا مؤسسة جبال النوبة الزراعية ، وكانت نواة لتمرد جبال النوبة، وبعد وفاة يوسف كوة وإبعاد تلفون كوكو وعدد من قيادات أبناء جبال النوبة؛ دانت القيادة لعبد العزيز الحلو.
ومن الطرائف أن سكن حمدوك ويوسف كوة والحلو كان جوار مكتب معلومات الحركة الإسلامية في دار تحفيظ القرآن في شمبات، ومجموعة دار تحفيظ القرآن في شمبات هي من رسم الوجه الآخر في تحفيز تمرد جبال النوبة وجنوب السودان لاحقاً!.
ففي الفترة ما بين ١٩٩٣م_١٩٩٥م انتهى تقريباً التمرد في الجنوب وبدأ تلميع كاربينو و وليم نون لخلافة جون قرنق، لكن أفلحت الكنيسة الهولندية في إعادة إنتاج قرنق ونجحت لعدة أسباب ومستغلة عدة عوامل…؛
أولاً: عطلت الحكومة أي حوار سياسي في حين أنه كان للجيش زمام القوة والمبادرة على الأرض وحوالي 85% من القوات كانت في الميدان ، وبعد انتصارها الساحق كان يجب أن تشرع في الحوار السياسي.. (أبطالها علي عثمان و نافع وهم من مجموعة شمبات).
ثانياً : كانت عملية محاولة اغتيال حسني مبارك ١٩٩٥م، التي ساهمت في تعطيل الحوار السياسي وأربكت المشهد، وكان أبطالها أيضاً (علي عثمان ونافع / مجموعة شمبات).
ثالثاً: بدأ استخراج البترول بجنوب السودان، علماً بأن الإنتاج التجاري الأفضل هو في الشمال وليس في الجنوب (الجزيرة والنيل الأبيض وجنوب دارفور) لكن كان ذلك حتى يؤسس لمشروع سياسي يوحد أهل جنوب السودان بقضية ضد شمال السودان ومدعومة بصراع حول الثروة بين الشمال والجنوب والهامش والمركز (بطلها عوض الجاز و آخر انتقل للدار الآخرة وهم أيضاً من مجموعة شمبات).
كل هذه العوامل ساهمت في إعادة الالتفاف حول شخصية جون قرنق.
الجديد الآن أن القوة الدينية المتحكمة في العالم عبر قوة رأس المال العالمي فقدت أكبر مركز تجاري يربط بين الشرق وأوروبا بإفريقيا وأنشئ بعد هونكوك وهو دبي….
وفي الأيام الماضية تم طرد قوة عسكرية غير معروفة على نطاق واسع من الإمارات العربية المتحدة وإبعادها إلى روما – هناك دولة معترف بها لدى الأمم المتحدة وتسمى “مالطا”, لها جواز وليس لها أرض ولا شعب (أنا بأذن في مالطا!)، ورئيسها يرتدي ملابس سوداء عكس البابا، وموجود في الفاتيكان، و لها ٨٠ سفارة حول العالم، والسودان واحد من تلك البلدان، وتقع سفارتها بمنطقة الخرطوم ٢- وطرد الإمارات العربية المتحدة للقوة العسكرية لفرسان مالطا يعني أنه قد انتهى عهد القوات غير النظامية (ذكر ذلك الرئيس الأمريكي بايدن في اجتماع النيتو الأخير، وأنه منذ الآن وصاعداً لن يكون هنالك أي وجود لأي قوة غير نظامية)، بمعنى أن عدم الاستقرار السياسي العالمي يمثل خطراً على الأمن القومي لأمريكا لأن قوتها في الدولار كعملة عالمية، ولا مستقبل للدولار إلا بقوة صندوق النقد الدولي، وفرصة السودان الآن بثرواته أكبر لأن التجارة هي المتحكم في العلاقات الدولية.
ومع انهيار الشيوعية والرأسمالية كأنظمة مالية ونقدية؛ لا بديل إلا بالاقتصاد الحقيقي الذي يمتلك الموارد.
كما أن تميز أهل السودان من ناحية العاطفة والقيم يعطيهم ميزات تفضيلية.
معاً لإنشاء قوة اقتصادية بروح التعاون مع الشعوب الأخرى، وليس بروح العداء.
معاً لتأسيس السودان الجديد ودولة الحقوق المدنية والتنمية.

# أسامة ميرغني
الاثنين ١٩ يوليو
جريده الجريده

التعليقات مغلقة.