مكارثية لجنة ازالة التمكين!!بارود صندل رجب/المحامي
ماسة نيوز
في تاريخ الدول والشعوب،تاتي فترات تكون فيها الاوتار السياسية والاجتماعية والفكرية والايديولوجية مشدودة داخل النفوس لاسباب مختلفة ومتعددة،ويتزامن مع هذه الفترات ظهور زعيم او زعماء سياسين يستوعبون المعطيات والدوافع الراهنة ويضر بون علي الاوتار المشدودة بمهارة فيجد صدي عميقا في اذان المستمعين،،،الذين سرعان ما ينقادون اليهم،وان معظم الطغاة علي مر التاريخ برزوا في ظروف مماثلة في ثوب المنقذين ورسل العناية الالهية الذين جاءوا في الوقت المناسب لاخراج الوطن من الهوة التي تردي فيها ولا مانع بعد ذلك من ان يتحولوا الي سفاحين،،،
وحمي المكارثية التي اجتاحت الولايات المتحدة الامريكيةفي النصف الاول من عقد الخمسينيات في القرن العشرين كانت نموذجا لهذه الظاهرة،،اشتق مصطلح(المكارثية)من اسم السناتور الامريكي جوزيف مكارثي الذي كان عضوا في الكونغرس، ففي فبراير 1950بدات الاضواء تسلط عليه كشخصية قومية عندما القي خطاب في ولاية من الولايات وكان علي وشك انهاء فترته الاولي كعضو مجلس الشيوخ وكان في حاجة لاثارة قضية كبيرة مثيرة تكسبه قوة دفع لانتخابه لفترة ثانية،في خطابه هذا لوح بورقة في يده معلنا انه يمتلك معلومات تثبت ان اكثر من مائتين من موظفي وزارة الخارجية يحملون بطاقات العضوية في الحزب الشيوعي،،ودون التاكد من الادلة علي هذه الاتهامات قفزت اتهاماته وجمل من خطابه الي العناوين الرئيسية في الصحف،،ونظرا للظروف والاحتكاك المتصاعد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي،والرعب الامريكي من انتشار التيارات الشيوعية الهدامة في البلاد،،،
هكذا كان المناخ مواتيا لجوزيف مكارثي كي يشن حملته ضد الشيوعية لا سيما انه قبل خطابه،،كانت الصين قد وقعت تحت الحكم الشيوعي،وجرب الاتحاد السوفيتي قنبلته النووية الاولي، ومع انتشار القلق والتوجس بين المواطنين الامريكين من جراء القدرة النووية للاتحاد السوفيتي،،دفعهم الرعب الي دمغ كل الشيوعين بخيانة الوطن وبذلك اصبح الجو جاهزا لجوزيف مكارثي الذي ادرك بحسه المرهف ان الاسماع علي استعداد لتصديقه والعقول جاهزة للاقتناع بما سينادي به،،انتدب مكارثي للاشراف علي لجنة فرعية تابعة لمجلس الشيوخ والمنوطة بها التحريات عن الاجراءات والعمليات التي تنهض بها الحكومة،،ثم عين رئيسا لها لاحقا وفي عهد رئاسته لها امتدت سلطاتها وصلاحياتها لتحقق في اية اجراءات او عمليات حكومية يمكن ان تودي الي تبديد المال،،،وتضييع الجهد والوقت،،وتتسم بعدم الكفاءة وعدم الاتساق وعدم الشرعية كما وجه مكارثي كل صلاحيات اللجنة الي الاستمرار في اطلاق طوفان الاتهامات الكاسحة للانشطة الشيوعية،،،مارست لجنة مكارثي التحقيق مع مختلف المصالح والادارات الحكومية وسالت عددا ضخما من المسئولين بحجة انهم شيوعيون وقد تم فصل بعضهم من وظائفهم ومن هنا اطلق مصطلح(المكارثية)علي هذه الهستيريا المضادة للشيوعية،،،ولم يصنع مكارثي كل هذه الدوامة بمفرده بل تحالف مع كبار المسئولين الذي لاقت هجماته هوي في نفوسهم فامدوه بالعون والمعلومات،،تضاعفت ثقة مكارثي في نفسه وقوته واكتساحه لمن يحاول الوقوف في طريقه لدرجة ان معظم السياسين تحاشوا ان ينتقدوه في مجلس الشيوخ،،،كانت مهاجمته هي بمثابة انتحار سياسي،،بدا مكارثي تحرياته عما سماه بالتسلل الشيوعي في الجيش الامريكي وشرع في الهجوم علي وزير الدفاع والتشكيك في ولائه واخلاصه،،،وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير،،اذ استشاط الرئيس ايزنهاور غضبا وادرك انه ان الاوان لوضع نهاية حاسمة لكل هذه الانشطة التي يملا بها مكارثي الدنيا،قلقا،توجسا وخوفا وتهما بدون اي مبرر حقيقي او دليل دامغ،،تعامل الجيش الامريكي مع مكارثي بنفس اسلوبه،اذ سرب المعلومات الشائكة والفاضحة عنه الي الصحفيين الذين اشتهروا بمعارضته،،وسرعان ماتحولت الهجمات الصحفية والاعلامية الي ما يشبه الحملة القومية ضد مؤامرات مكارثي،،مما ادي الي فضح شامل لكل ما فعله مكارثي،،،واصبح مكارثي لاول مرة منذ الحمي التي اصاب بها الشعب الامريكي بلا حول ولاقوة،،،وبالطبع انحسرت عنه الاضواء الاعلامية بعد ان فقد الامريكيون اهتمامهم بادعاءاته بشان المؤامرة الشيوعية المزعومة التي اصابت الاذان بالصمم،،
وقد اثبتت قضية جوزيف مكارثي ان للعبة السياسيةحدودا لا يمكن تجاوزها والا انقلبت علي اللاعب نفسه مهما كان ماهرا ومهما كانت قوة الدفع التي يتمتع بها ومهما كانت الظروف مواتية امام خطواته وتحركاته،،
وهكذا فان الظاهرة المكارثية تبرز وتستفحل وتتجلي اخطارها التي تهدد المجتمع باسره،،،عندئذ تشرع قوي التصحيح في محاصرتها والقضاء عليها حتي لا تقلب المجتمع راسا علي عقب،،،،اين مكارثي السودان من هذه الظاهرة؟
التعليقات مغلقة.