حَدَيثََ الجمعة ( إن الدين عند الله الاسلام ) د أمين محمود عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الدين ؛ الطاعة والانقياد لنسق من التعاليم التي يعتقد الإنسان المتدين ويؤمن بصحتها وبأثرها الموجب عليه
في حياته ومماته إذا ما أطاعها .
وبهذا التعريف ؛ فالدين ممارسة حرة لأن الإيمان والكفر حالة فكرية محضة يتوالدان بالفكر والقدرة على الاستنباط والاستدلال . فلا إكراه في الدين ، ولا تحسر على من لم يهده عقله للرشاد بدرجة يؤثر فيها الحسرة على التوازن النفسي للداعية . وبهذا التعريف فإن الكفر أيضا دين ، وبهذا المفهوم خوطب مشركي
مكة بقوله تعالى ( لكم دينكم ولي دين ) . صدق الله العظيم .
ليس كل إيمان واعتقاد للانسان يدفع بشكل تلقائي للطاعة ، فكم من عالم يستخلص من نتائج العلم أن الخمر و التدخين يضران بالصحة فتنقصه الارادة على تركهما رغم اليقين بمضارهما . وكم من متدبر لاحوال الكون ولاحوال نفسه ؛ يهديه عقله للايمان بالله تعالى رغم أن معرفته بعلوم الطبيعة والحساب والعلوم
الانسانية بمعايير الشهادات صفر ؟
اليوم تتعدد زوايا الابصار لقضية الدين ، بعضهم يراها مسألة شخصية محضة لا يجوز فيها سعي أي كان لدعوة من لا يؤمن بالدين الى الدين ، ولا يحق لأحد الدعوة لتركيز قيمه في نفس مؤمنة . فهؤلاء يتساءلون في استنكار ؛ لماذا يسعى الانسان الى ( تديين ) أخيه الانسان ؟ ثم يطيشون فيزعمون ان الدعوة للتديين تصدر عن شعور بالاستعلاء على الغير ! وإنما ضلوا بالاستنتاج لأنهم لا يفهمون معنى الحرية الدينية في الاديان التي تمنع الاكراه ، ولا تمنع الدعوة لسبل الرشاد بمحدداتها الشرعية المنصوصة للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن . . . وأن الدعوة تصدر عن حرص على تشاركية نعمة الايمان
لا على الاستعلاء ، فلو علم هؤلاء نكارة وحرمة الاستعلاء من نصوص الدين لما جدفوا وبهتوا .
يتعمد البعض فرض مفهوم مبتسر للدين كعلاقة ما بين العبد والرب ، مستبعدين أن نسق التعاليم المطلوب طاعة الله تعالى بتنفيذها إنما جلها في تعامل الانسان مع محيطه البشري والكوني ، فكيف يمكن لمؤمن طاعة الله عز وجل اذا حصر الدين في نفسه فقط ؟ أو ليس مأمورا ببر والديه وباطعام الجائع ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر كبحا لمن يريد ان تتردى الحياة بعدم المدافعة للشر للحالة التي خافت منها الملائكة باستخلاف الانسان حين قالت ( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء . . ) . ؟ ؟ فالدين علاقة ما بين العبد وربه إيمانا بالمقاصد وطاعة باجتهاد ، لكن لا يفهمن ابدا ان الالتزام بتعاليمها لا تؤثر على المحيط الاوسع والكون كله . وإنما يظهر الفساد في البر والبحر بما تكسب أيدي الناس . . وانما الدين المعاملة مع ذاتك ومع غيرك حيا اوجمادا . فكل السلوك عند المتدين معاير بملاءمته لإصابة طاعة مراد الله . فلا فصل ما بين السلوك الاجتماعي والسلوك السياسي للمكلفين شرعا . كل ما يفعله فاعل مرصود للجزاء به . فلا تغتروا بدعاة العلمانية الداعين الى امر يستحيل تخليه في حياة مؤمن بالله تعالى رئيسا او مرئوسا . . ولوحدث ذلك الفصل عند الناس جميعا لانهارت الحياة فوق الارض ، لأن السلوك سيكون مؤسسا على
1
الملاءمة الذاتية دون تقييدات لأية مرجعية قيمية . سيعني ذلك أن البعض سيحلل قتل غيره لاعتقاده ان في تقتيلهم مصلحة له . ولن يغالطهم أحد ان ذلك مناف للدين او لاخلاق الفضيلة لأنهما حسب اعتقاده خرافات
إن تحديد الحق والباطل للانسان عبر تاريخه كان موكلا لفطرته السوية وللهداية المبثوثة لتجلية فكره وتحريره من الاستعباد بالضلالات والشهوات ، فكان العقل مناط التكليف ، وعلى كماله يكتمل انسانية الانسان ويجري عليه التكاليف بمعرفة الحق و باتباع الحق . فالمعرفة لب الايمان والعمل دالة الاسلام .
فكان الله يتعهد الانسانية برسل يهدون للحق كلما غشيت الجهل تفكير الانسان فاجتهد فضل ، فالرسل يعيدونهم لمراد الله ويبينون لهم ما لا يقدرون الوصول لجوهره وحقيقته . كان الانسان لا يمتلك أدوات حفظ وتدوين التعاليم والرسالات .
ولما استوت الانسانية ، وامتلك الانسان أدوات التدوين وحفظ ما يقال ويفعل بدقة تتطور ادواتها طردا مع الزمان ؛ ختم الله الرسالات بوقف ارسال الرسل ونزول وحيه للانسان بقصد ابلاغ غيره بذلك الوحي . فلم تعد الانسانية خائفة من إدعاء مدع بالرسالة ولا بمادته الذي اوحي اليه ، فالله تعالى تحدى الانس والجن بان يأتوا بمثل هذا القرآن الذي ختم الله به رسالاته ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا يتعاونون في تأليفه ووضعه
، وهو تحدي لا يقتصر على الكفار الذين عاصروا النبي محمدا صلى الله عليه وسلم ، انه تحد لجموعهم الى قيام الساعة .
ثم هم يثيرون اليوم قضية يهدفون به هدم الاسلام بجعله على درجة واحدة في المحاجة مع الاديان السماوية الاخرى من ان تلك الاديان ايضا خالية من التحريف كما الاسلام الذي تأكد لهم استحالة ادخال ما ليس منه فيه . نحن المسلمون نؤمن بكل رسل الله ولا نفرق بين احد منهم ؛ فهل هم مثلنا ؟ نحن نؤمن ان الدين عند الله واحد ، لأن جوهر الدين الحق ومعياره هي وحدانية الله ؛ فمن أين أتوا بالقول ان الله ثالث ثلاثة ؟ فلو صدقوا وعرضوا الفكرة للعقل بفطرته وقدرته على الاستنباط لما حادوا في توحيد الله عما جاء به الاسلام . فدعونا نختم هذه الخطبة بقول الله تعالى ( وإ ْذ قال الله يا عيسى ابن مريم أ أنت قلت للنا ِس اتَّ ِخذوني وأمي إلهيِنمندوِناللهِ قالسبحانكمايكونليأنأقولماليسليبحق إْنكنتقْلتهفقدعلمتهتعلممافي نفسيولاأعلممافينفِسكإنكأْنتعلامالغيو ِب*ماقلتلهْمإلاماأمرتِني ِبِهأْناعبدوااللهرِبيورَّبكم وكنت عليهم شهيدا ما د ْمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت ال َّر ِقيب عليهم وأنت على ك ِل شيء شهيد * )
صدق الله العظيم
والحمد لله من قبل ومن بعد
د . أمين محمود محمد عثمان
إمام مسجد طرة جامع – جبل مرة – 11 يونيو 0101 م
2
المائدة ( 111 – 111 )
التعليقات مغلقة.