سياحة في أدب الحكم والسياسة الحركة الاسلامية باقية بمقاصدها بقلم د . أمين محمود محمد عثمان
ماسة نيوز
الحركة نقيض السكون ، ولا تتغير المواقع ولا المواقف ولا حتى الحركة المنتظمة في المسار المستقيم إلا بقوة دفع او جذب ، أو بجهد فكري . ولأن الحركة سرعة ؛ فلها اقتران بالزمان ، فكل حركة تأخذ حيزا في الزمان .
الحركة الاسلامية بتعريف منسوبيها حركة تغيير- يسرا طيعا او عسرا ثائرا – لنقل احوال المسلمين من واقع لواقع آخر متصور ، فمعلمه الابرز هو نقل المجتمع الانساني نحو تطبيق أمثل لقيم الدين الاسلامي . فدعاة الحركة تشوقهم تقدم مجتمعاتهم نحو تطبيق أكثر تماثلا وتشبها للنموذج المكتمل والمتقيد بتطبيق تعاليم
الاسلام في الحياة .
ماذا يعني تغيير واقع العالم الاسلامي المعاصر للمسلم ؟
الاجابة تكمن في إبصار هذا الواقع ، ثم تحديد مطلوبات وقف التراجعات اصلاحا لحال المسلمين في كل فضاءات الحياة ؛ السياسية و الاقتصادية ، و الاجتماعية و الأمنية ، والعرفية والثقافية والتقنية والاعلامية ، وبعبارة أجمع الحضارية . . فالمسلمون على سبيل المثال ؛ متقاتلون حول السلطة فيهلكون في نزاعاتها الحرث والنسل ، فصارت بلدانهم حاضنة لغالب حروب البشر فوق الارض ! هم الذين يحكمهم طغاة لا يهدونهم سبل الرشاد ، وهم فقراء العالم ولاجئوها ، وهم الجهلة الجاهليون الذين ما زالوا يغيرون على بعضهم من أجل انتهاب الاموال وهتك الاعراض والتفاخر بتملك القوة الغاشمة الموجهة لارعاب اخوانهم في الدين والوطن ، هم الذين يسعون لوأد فكرة جوهرية في الاسلام تجعل المسلمين أمة واحدة متعاضدة ومتآزرة ؛ بالارتكاس الى العصبيات القبلية والقومية النتنة . . فلو استطردنا في وصف حالهم ونعتهم بصفاتهم التي تقعد انطلاقتهم ليكونوا بشرا أسوياء كما يشاء لهم دينهم لأطلنا المقال ، ولتغشاكم الحسرعليهم.
فأفلا يتطلب حالهم تغييرا واصلاحا ؟ وما هي الاصول التي يجب أن تأسس على قواعدها تدابير نقلهم وتغيرهم وتثويرهم لما يصلحهم ليكونوا على فطرة انسانية سوية ؟
1
إن كل مسعى تغييري وتثويري للسلوك و المعاملات والاعتقادات لتتلاءم مع فطرة الانسان وهدي الاسلام ؛ لهي الحركة الاسلامية التي نعنيها هنا والمصدورة عن مفهوم المنتمين للاسلام لا من خصوم الاسلام المبتذلين . ففي حقيقة الأمر ؛ كل مسلم له حظ دعوة الى الله ، ومسعى ذاتي لتكييف حياته وحياة من في محيطه نحو التمثل بنموذج مرسوخ في عقله يعتقد انه متوافق مع تعاليم الاسلام . وهنا لا ينبغي استبعاد مواجهة المسلم في مسيرته وتوجهه نحو التغيير لأمور قد تصعب عليه ، مثل قدرته على تطويع اهواء نفسه للنموذج الصحيح ، ومنها أيضا صحة استنباطه واستخلاصه للنموذج التطبيقي بالمعارف الصحيحة المصدورة من علمه بالمصادر التي يستقى منها التعاليم الاسلامية . فلا غرابة ان يكون بعض من يغالون في عداوة عاملين في الدعوة للاسلام بهذا المفهوم عمالا في الحركة الاسلامية من حيث لا يدرون ، حينما يدعو هؤلاء الى الفضائل والى انصاف المستضعفين والتي اصبحت شعارات جاذبة لا ينفك مشتغل بالسياسة من ترديدها ، فكلما دعا هؤلاء لقيمة من القيم المدخورة اصلا في الاسلام وبشروا بها من منطلق انها قيم غربية حداثية تخلو منها الاسلام ؛ فقط لجهلهم بالاسلام ؛ فانهم عندئذ دعاة تنقصهم ربط الفعل بالنية
والمقصد .
فكل ارشاد للخير ، مدرج في الحركة الاصلاحية حيثما انعقدت نبتها لمرضاة الله تعالى ، ولك ان تتصور عظم قاعدة من يعملون للهدف وديمومة التوجه للغاية بالسؤال عمن لا يأمر منا أهله بالصلاة وبالصبر والصدق ، و التصدق ، وبر الوالدين وحسن القول .. وكل اخلاق الفضيلة ؟ فكل هؤلاء مندرجون كدعاة عاملين لتغيير وتثوير واقع المسلمين اليوم ونقلهم لمطابقة النموذج الامثل من المعاملات والاعتقاد للاسلام ، هم في حركة لنقل السمود والجمود وربما الرجوع القهقري في تطبيق القيم بالعودة للجاهليات ؛ نحو اصلاح
مكمل التصور ، ونموذج مجسم موضوع للدعاة ، ووسائل متخيرة لبلوغ الاهداف والغايات .
وحينما يتعلق الأمر بتجميع قدرات وقوى كثيرة لتوظيفها للاصلاح والتغيير والتثوير للافكار والماديات والوسائل ؛ لتتكامل وتتعاون في تنفيذ المشروع ؛ فإننا هنا نتحدث عن تنظيم للحركة الاسلامية التي من الواضح انها حركة تتجاوز الاطر الاحتكارية بجعلها حصرا لفئة اوطائفة دون اخرى . فكل من يتعاهدون
للعمل نحو نقل المجتمعات للتطبيق الامثل لقيم الاسلام هم تنظيم للحركة الاسلامية رضوا أم تأبوا .
مثلا في السودان وفي كل المجتمعات الاسلامية الاخرى ، استمرت الدعوة الاسلامية نامية وبمؤثرات مختلفة وظفها دعاة حكماء لنقل تلك المجتمعات للاسلام ، حتى آض الاسلام اليوم اكبرديانة متوسعة في العالم لا فقط بارتفاع معدل المواليد فيهم ؛ وإنما بالتحاق وايمان غير المسلمين بالاسلام على نحو كثيف . فهذا الانتشار والتوسع للاسلام جهد حركة اسلامية متعددة المنابع من تنظيمات مختلفة ومن افراد مجتهدون
في كل ارجاء الدنيا .
ولتقريب هذا المفهوم للحركة الاسلامية ؛ ففي تاريخ الاسلام الوسيط في السودان حوالي العام 0461 م ارسى السلطان سليمان الثاني بن السلطان كورو سلطان دارفور ؛ مضمارا للتسابق ولدفع حركة التغيير في سلطنة الفور بقوة السلطان حينما أوصى السلطان كل من يتولى السلطة من ذريته بالتفرد عمن سبقوه من السلاطين بالقيام بإحياء سنة من الاسلام غير مطبق في الحياة العامة ، او القيام بإماتة بدعة فاشية كعادة من العادات التي لا توافق تعاليم الاسلام . . ومنذ ذلك الزمان سرت منافسة بين سلاطين الفور لتنفيذ وصية
2
الجد ، واستمرت المنافسة الى عهد السلطان علي دينار الذي انفرد بين كل حكام العالم الاسلامي بتطبيقه الصحيح لفقه الولاء والبراء ، حينما اختار بشموخ في الحرب العالمية الاولى صف خليفة المسلمين . فهذا النهج اعطى سمة متميزة لتطور الاسلام في بلاد السودان هي الاعتدال وعدم الغلو و التطرف . فتلك شامة في جبين الحركة الاسلامية السودانية . وبذات منهج التدرج والترفق انتقلت مجتمعات شمال السودان للاسلام بتأثير الحركة الصوفية التي ما زالت حركة دؤوبة لترسيخ القيم الاسلامية في بلاد السودان وفي
العالم ككل .
اذن الحركة الاسلامية حركة مختلفة المنابت ولكنها متوحدة المآرب والغاية ، تعتمد طرائق مختلفة للغاية ، وما تنقصها لفعالية اكثر وتأثير أعظم ؛ هو تجميع القوى والارادات للارتضاء بالعمل المشترك دون مشاكسة وتنافس مؤسس على غير قيم الدين لبلوغ تغيير شامل للحياة الاسلامية ، لتتقوى الامة بالوحدة
التنظيمية وببلورة الاهداف والغايات بشورى جامعة ملزمة .
يجب ان يتبصر المسلمون بمنفذ دخول القوى الاستعمارية عليهم ، فأنى كانت لبريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وكل الدول الاوربية ان تستولى على بلدان المسلمين وتقوم باستعمارهم واذلالهم لو لا ان ابناء المسلمين ارتضوا بان يكونوا جنودا في جيوش تلك القوى الاستعمارية ؟ وأنى لليهود استعمار فلسطين لو لا الخنوع العربي وسيرهم على هدى الاملاءات الامبريالية بجعل القضية الفلسطينية قضية عربية لا اسلامية ؟ والاستبداد الذي يطغى في الدول العربية ويحول دون تقدم شعوبها واستقلالها ما يكون له
الاستمرار الا بمزابنة وقحة من ازلام الغرب مقابل توطين حكم الاستبداد على الشعوب .
فمع دوام الاسباب الدافعة لتغيير الحياة في الدول الاسلامية لتتسق و تتماثل مع قيم الاسلام في كل مجالات الحياة ؛ فستبقى الدعوة للتغيير والتثوير حركة مستمرة غير مقطوعة لتعدد المنابت التي يستحيل اجتثاثها ، فالحركة الاسلامية تبقى مدافعة كلما هوجم الاسلام من الزبانية الازلام ، او حيثما ظهرت فتوق وثقوب في أقدار معرفة المسلمين بتعاليم الاسلام . لا قوة تبقي آبدة ولا ضعف يستديم مع حركة لتغيير الكميات والمتجهات التي تؤثر على الاشياء . وسيتعلم الدعاة بالتجريب كيف يستعدلون محصلة جهدهم حتى لا تتبدد
قوتهم بتبني منظومة ترعى توحدهم على الهدف والوسيلة ، وتلك ثورتهم القادمة باذن الله تعالى . دكتور أمين محمود محمد عثمان الخرطوم الاول من يونيو ٢.٢١
التعليقات مغلقة.