عثمان جلال يكتب_ الثورة السودانية وإصلاح الخطأ الاستراتيجي

 

(1)
اجمع خبراء الفكر السياسي أن انجع وصفة لتغيير اي نظام استبدادي هي تشكل وانتظام حالة الوعي بالتغيير والتحول الديمقراطي من داخل بنية ومؤسسات ذات النظام الاستبدادي، تجنبا للفوضى والاحتراب الاهلي وانهيار الدولة،وقد ظلت عملية التدافع الفكري والسياسي بين تيار الحريات ورد مسألة الحكم لإرادة المجتمع،وتيار الكنكشة في الحكم داخل مشروع الإنقاذ السياسي في حالة تفاعل مستمرة منذ البدايات الاولى حتى غدت ثقافة الإصلاح والتغيير الديمقراطي وسط التيار الإسلامي الوطني العريض هي الغالبة،وانزوى تيار الكنكشة في الحكم وسط أقلية فوقية برئاسة الرئيس السابق البشير.
(2)
ان تيار الإصلاح والتغيير داخل المؤتمر الوطني كان مدركا أن الرئيس البشير يشكل عقبة أمام إنجاز خطة الإصلاح والتجديد داخل الحزب الحاكم السابق،وعقبة أمام مشروع التحول الوطني الديمقراطي، وعقبة أمام وحدة التيار الإسلامي الوطني، لأن البشير كان يخطط لتوظيف كل هذه المبادرات لصالح إعادة ترشيحه في انتخابات 2020، ولذلك فإن مآلات التدافع الفكري والسياسي بين تيار الإصلاح والتغيير الكثيف، وتيار إعادة التجديد والترشيح للرئيس السابق البشير، كانت ستفضي اما لإقتناع الرئيس البشير بضرورة الترجل والتنحي بعد قيادته لمشروع الوفاق الوطني والتحول الديمقراطي، أو ازاحته عبر المؤتمر العام للحزب الحاكم السابق الذي كان مزمعا انعقاده في أبريل 2019م، أما في حالة تمكن الرئيس البشير من تمرير سيناريو إعادة ترشيحه في انتخابات 2020م،فسقوطه في تلك الانتخابات عبر الرافعة الديمقراطية كان حتميا.
(3)
قناعتي الراسخة أن ثورة ديسمبر هي ثمرة إرادة الوعي بضرورة التغيير بين كل القوى السياسية الوطنية المعارضة، وكآفة قطاعات المجتمع السوداني في تشكلاته الصوفية والأهلية والدينية، والقوى السياسية الإسلامية، وفي طليعتهم تيار الإصلاح والتغيير داخل حزب المؤتمر الوطني،بل ان الوعي بحتمية التغيير في بنية النظام السابق بلغ مداه حتى قادت القوة الصلبة والمتمثلة في اللجنة الأمنية والمنوط بها حماية النظام عملية التغيير، اتقاء لفتنة اجتماعية ماحقة، وصيانة لوحدة وتماسك المؤسسة العسكرية، ودرءا للفوضى وحرب الكل ضد الكل.
(4)
لكن في اعتقادي أن المكون العسكري قد وقع في خطأ فادح عندما جنح إلى عزل الرئيس السابق دون محاولة إقناعه بضرورة الترجل والتنحي وتفويض صلاحيته السيادية للجنة الأمنية، ثم تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة، أو تحقيق التغيير والانتقال من داخل مؤسسات النظام الدستورية وتشكيل حكومة انتقالية محايدة تقف على مسافة واحدة من كل القوى السياسية، بأجل زمني ومهام محددة تنتهي بانتخابات حرة ونزيهة.
(5)
أيضا ارتكبت قوى الحرية والتغيير خطأ فادحا عندما طفقت إلى احتكار مشروع الثورة السودانية في تشكيلاتها السياسية واقصت كل القوى السياسية الأخرى، وارتكبت خطأ استراتيجيا عندما جنحت إلى تقسيم مؤسسات الحكم الانتقالي في محاصصات ومغانم لا تخلو من الجنحة المناطقية والقبلية، مما ينذر بانقسام عمودي حاد في المجتمع، وأدت هذه المحاصصات إلى تشظي في بنية هذا التحالف المتناقض فكريا وايديولوجيا ، هذه العقلية الاحتكارية للثورة خلقت حالة من القابلية وسط قطاعات من المجتمع،وبعض القوى السياسية التي تم عزلها لاجهاض، والأنكى ان تغلغل اليسار الايديولوجي في مؤسسات الحكم الانتقالية وبعثه لقضايا هوية الدولة ومرجعية الحكم، انحدرت بالمجتمع في فخ ثنائية الاستقطاب (اسلامي، علماني)، مما ينذر بفتنة اجتماعية ودينية وهوياتية ستؤدي إلى إجهاض مشروع الثورة بل وتفكك وانهيار كيان الدولة السودانية.
(6)
في اعتقادي أن الكرة لا زالت في يد قوى الحرية والتغيير لإصلاح هذا الخطأ الاستراتيجي، وإنتشال مشروع الثورة السودانية من الاختطاف،وإنقاذ الدولة السودانية من الانزلاق في أتون الحرب الأهلية والتفكك لدويلات،خاصة أن مفاهيم الدولة والأمة والهوية السودانوية الجامعة لا زالت في صراع الرؤى والتكوين، وذلك بقيادة قوى الحرية والتغيير لحوار الشجعان مع كل التيارات السياسية التي تم عزلها واقصاءها من ميدان الثورة السودانية وفي طليعة هذه التيارات السياسية الكتلة الإسلامية، بما فيهم تيار الإصلاح والتغيير داخل المؤتمر الوطني، والتوافق على أن الكل شركاء في صناعة الثورة، والكل شركاء في إدارة مهام المرحلة الانتقالية، والكل شركاء في غرس وترسيخ المشروع الوطني الديمقراطي على المدى الاستراتيجي، ومن هنا نبدأ مشروع الحقيقة والمصالحة الوطنية الشاملة والبدايات الواثقة في تشكيل الكتلة الوطنية الحرجة، والعودة للمنصة التأسيسية، والارتقاء إلى عزم وصلابة الآباء المؤسسين لبناء المشروع الوطني الديمقراطي السودانوي، فكرا، وهوية،ودستورا، وأحزابا وبنية مؤسسية تسع الجميع بكل تنوعهم السياسي والاثني، والديني، والثقافي، تنوعا يشكل بواعث ثراء وخصوبة ومدعاة للفخار الوطني.

والرأي قبل شجاعة الشجعان
هو الأول وهي المحل الثاني

التعليقات مغلقة.