الأبواب المغلقة معا لنتجنب تمزيق اوصال المجتمع بقلم / محمد علي محمد
كان الحوار و الحديث يدور حول مدى تمتع المرأة السودانية بحقوقها في المواطنة ، و أتفق الجميع على أن هنالك مشكلة ، و أن المرأة تعاني من نقص واضح في تمتعها و ممارستها حقوقها الكاملة كمواطنة ، و يظل الوضع و الإتفاق بين الإطراف المختلفة على هذه الحقيقة حتى يصل الأمر إلى رؤية الدين لهذه القضية ، فيتبدل الحال و يقف كل طرف مسلم أو مسيحي ليقدم أدلة و إثباتات على أن دينه قد قدم للمرأة كل شيء و أعطاها الحقوق ، و بدا الأمر في مرحلة ما و كأنه مذكرات دفاع تنفي أي تقصير في وجه الطرف الأخر .
كان هذا هو المشهد في المؤتمر – أو (ورشة العمل) – الذي شهدته مدينة الخرطوم 2 بإحدى القاعات في الأسبوع الماضي ، و الذي شارك به شباب الثورة السودانية المجيدة من الدين المسيحي ،و الدين الإسلامي، و العمل في مجموعات بحث ، و تقديم أوراق مشتركة حول موضوعات مرتبطة بالشأن العام .
و رغم شجاعة التجربة و رغم أهميتها ، إلا أنني من خلال مشاركتي في ورشتين ، وجدت أنه على الرغم من إتفاق الطرفين في الكثير من الأمور إلا أن مناخا من الحساسية يسود المكان و الحوار عندما يقترب النقاش أو الحوار من موضوع يمس أيا من الطرفين ، و تتحول القاعة في هذه اللحظة من جمع واحد إلى جمعين ، و تسود الحساسية و التوجس في بعض الأحيان . و يتحول الأمر كالنموذج الذي طرحته في البداية ، يقف كل طرف موقف المدافع في موضوع لا يحتاج إلى الدفاع و لكن إلى النقاش .
هذا النموذج ليس فقط نموذجيا شبابيا ، و لكنه نموذج سوداني ، فما أن نقترب كأطراف مختلفة دينيا أو جهويا أو عرقيا من أمر يقترب مما نعتقد تنفذ اشواكنا و تتلبسنا حالة من ( التقنفذ) للدفاع عن النفس ، و يسود جو من الحساسية في الحوار و النقاش ، و في بعض المستويات الأقل إدراكا يتجاوز الأمر هذا المستوى إلى مستويات اكثر خطورة . و هذا الوضع هو أكثر الأوضاع مناسبة لأي تدخل خارجي لدق أسفين بين أطراف المجتمع الواحد أو الشعب السوداني .
من بين ما طرح في الحوار تعبير يصلح لأن يكون حقيقة نؤمن بها ، هذا التعبير يقول إن المسيحي السوداني أقرب للمسلم السوداني من المسيحي اليوغندي او الكيني و أن المسلم السوداني أقرب للمسيحي السوداني من أي مسلم أخر في العالم .
هذا التعبير يصلح ﻷن ينطبق على كل الأعراق و الأديان السودانية ، و عدم إدراك هذا الوضع هو الذي يخلق التربة المناسبة للعبث بمستقبل و إستقرار مجتمعاتنا . و لكن الإدراك وحده ليس هو نهاية المطاف ، بل ينبغي أن يتبع هذا الإدراك سلوك يتخلص من الحساسية الزائدة في التعامل مع المشكلات الناجمة عن الإختلاف الديني و العرقي و الجهوي داخل المجتمعات السودانية المختلفة .. أن يسود مناخ المصارحة و الحوار المفتوح ، و أن يتلبس الجميع حالة من حالات الشجاعة في مواجهة الخلل الناجم عن الحساسية المفرطة لعقود أو قرون سادت بين مكونات المجتمع السوداني . هذا في رأيي هو الطريق الصحيح لتجنب تمزيق أوصال المجتمع السوداني.
التعليقات مغلقة.