زفرات حرى_ الطيب مصطفى_. خرمجة المؤتمر الاقتصادي
عجبت انهم سموه مؤتمرا قوميا بالرغم من انه لم يضم الا قبيلة قحت باحزابها الصفرية ، ذلك انه خلا من معظم القوى السياسية والمجتمعية في السودان بل افتقد خبراء واساتذة الاقتصاد فيما عدا بعض ممثلي قوى اليسار خاصة من الشيوعيين.
لذلك لا غرو ان يتفق معظم من كتبوا حول المؤتمر انه كان بائسا من حيث التنظيم والمشاركات والقيمة العلمية للتوصيات ، بل إنه حتى تجمع المهنيين الذي يفترض انه من منظميه مع حزبه الشيوعي وصفه ب(الساقط) مطالبا باعادته!
فقد امتلأت القاعة بالمهرجين من العوام والصبية الذين حشدوا لتمرير التوصيات المعدة سلفا بالرغم من ان معظمهم لا علاقة لهم بعلم الاقتصاد ، وما كانت هناك ادنى جدوى لحضورهم غير بذل التصفيق المصنوع بغض النظر عن القيمة العلمية للحديث او المداخلة حتى لو كان كلام (الطير في الباقير) او كما قال مثلنا الشعبي الساخر!
اذكر بعض التعليقات لبعض الكتاب حول المؤتمر كامثلة لما واتتنا به الصحافة من تعليقات .. عثمان ميرغني : *يفتقد لمنهج بناء خطة الاصلاح والدليل ان معظم المداخلات كانت مجرد خواطر او شكوى او ذكريات وشجون*
عبدالحميد عوض : *يمكن ان نطلق عليه اسم ندوة اقتصادية او مخاطبة سياسية ،ولكن آخر ما يمكن ان يطلق على تلك الفعالية اسم (مؤتمر اقتصادي)*
الكاتب القحاتي عبدالمنعم سليمان سماه : *المؤتمر الاقتصادي الكوميدي*
هاجر سليمان وصفته ب *(الخرمجة)* وهو ما دعاني لاختيار تلك الكلمة لعنوان مقالي!
فوضى ضاربة الاطناب ونوم ولعب كوشتينة ومقاطعة متواصلة للمتحدثين ودافوري اختلط فيه الحابل بالنابل مما اضطر ادم الحريكة المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء وهو في ذات الوقت كان مقررا للمؤتمر ، اضطره الى التهديد بانهاء جلساته اذا لم تتوقف المقاطعات!
دهشت ان رئيس الوزراء هو من قاد المؤتمر بحضوره ورئاسته لعدد من جلساته بالرغم من مهام الرجل الاخرى ، ذلك ان ما يعني رئيس الوزراء ان تقدم له التوصيات وكفى ولكن مع عجائب قحط لن تغمض لك عين ايها الشعب السوداني الصابر!
اكرر أن التوصيات اعدت من وقت مبكر اي قبل انعقاد المؤتمر الذي اريد له تمريرها حتى تكون مرجعية عليا للحكومة تتخذها هاديا لبرنامجها الاقتصادي في المستقبل خاصة وانها تضمنت قضايا مثيرة للجدل ومحل خلاف نظرا لتأثيرها على المشهد السياسي المأزوم ، خاصة قضية رفع الدعم عن السلع الاساسية والتي كانت ضمن روشتة صندوق النقد الدولي المسنودة من حمدوك ووزير المالية السابق ود البدوي.
هذه النقطة تحديدا كانت ولا تزال مثار جدال داخل مكونات قحت بل داخل الحزب الشيوعي الممسك بزمام الفترة الانتقالية.
الغريب والمدهش بحق ان الخلاف بين المدرستين الشيوعيتين انفجر بشكل مدو داخل المؤتمر من خلال مداخلات المدرسة الماركسية التقليدية والمدرسة الليبرالية التجديدية فقد اعترض ممثل المدرسة التقليدية كمال كرار واتهم المنظمين بانهم زوروا المؤتمر وانقلبوا على توصيات سابقة كان ينبغي ان تكون هي الحاكمة للمسار الاقتصادي خلال الفترة الانتقالية ، ونالت مداخلته المناهضة لرفع الدعم تصفيق الصبية الذين جيء بهم لممارسة ذات الدور الضاغط الذي اعتادوه خلال المواكب التي ينظمها الحزب الشيوعي عبر واجهاته السياسية تعضيدا لتوجهات الجناح الرئيس في الحزب الشيوعي بقيادة الخطيب وصديق يوسف ، بينما دافع ممثل المدرسة الليبرالية د. صدقي كبلو عن التوصيات التي اعلنت من المؤتمر ونادى بالنظام الراسمالي (عدييييل كده) بالرغم من ان الرجل المهرطق نادى بدمج المصارف الاسلامية في النظام الربوي او حلها تماما ، وهل يتوقع لذلك الشيوعي المخضرم ان يقول غير ذلك ومتى كان الشيوعيون محايدين في قضية حاكمية الاسلام ونظامه الاقتصادي او السياسي؟!
على كل حال فاني اقول له ولغيره من اهل تلك النظرية الرجعية البائدة التي قذف بها في مزبلة التاريخ إن الاسلام بنظامه السياسي والاقتصادي باق ما بقيت السماوات والارض لانه دين الحي الباقي سبحانه ، اما هرطقاتكم وخزعبلاتكم فانها من صنع بشر فانين كما فني منظرها الملحد الهالك ماركس.
وانا استعرض بعض توصيات تلك الخرمجة التي سميت بالمؤتمر الاقتصادي تذكرت توصيات المحور الاقتصادي في مؤتمر الحوار الوطني الذي حظي بمشاركة واسعة من العلماء والخبراء تؤهله بحق ان يسمى بالقومي ذلك انه ، على العكس من هذه الندوة الفقيرة والهزيلة كان قوميا بحق حيث جمع معظم القوى السياسية فيما عدا بعض قوى اليسار ولعل شهادة السيد الصادق المهدي الذي بارك واثنى على تلك التوصيات تقف دليلا ساطعا على شموله وعظمة توصياته سيما وان مداولاته استغرقت شهور عددا.
اقول إن النقد القاسي الذي وجه للمؤتمر وتوصياته الفقيرة من داخل قحت وحزبها الشيوعي يجعلنا نردد العبارة القاسية التي صدع بها تجمع المهنيين في حق المؤتمر ونقول لمنظميه (اعد)!
التعليقات مغلقة.