خطاب المؤتمر الشعبي للامة السودانية بمناسبة عيد الفطر

ماسة نيوز

بسم الله الرحمن الرحيم
المؤتمر الشعبي
خطاب العيد
يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الاسراء الاية ٧٠ .
و يقول الله -تبارك وتعالى:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة البقرة:185.

بعد تكبير الله وحمده، وتسبيحه بكرة وأصيلا، وتوحيده، لا إله إلا هو، لا نعبد إلا إيَّاهُ، مُخْلِصِين له الدين ولو كره الكافرون.

ثم أما بعد ::
ترتبط فرحة العيد بالصوم و هو فريضة عظيمة، وركن من أركان الدين، فالعيد فرحة مشروعة، الطابع العام فيها العرف والعادات المعبرة عن معاني المنحة الربانية، والمشاعر الإنسانية، والأخوة الدينية، يقول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات الاية ١٣.
فالعيد سلام وإحسان وعطف وتصافي وتسامح وتواصل، الإعتزاز به من شعائر الإسلام التي أحبها الله تعالى وشرعها لعباده.

*إخوتنا في الدين والوطن والإنسانية*
نتوجه إليكم بإسم المؤتمر الشعبي قيادتة وقاعدتة صابرة محتسبة منتشرة في البلاد تناهض الحرب العبثية التي اخرجت السودانيين من مساكنهم ، فمنهم من اصبح وافداً في الولايات ومنهم من هاجر الى ديار الله الواسعة، جميعهم نتوجه إليهم بالتهنئة المباركة، أعاده الله علينا وعليكم والامة الإسلامية بالخير واليمن والبركات، كما نترحم على جميع الشهداء ونسأل الله ان يشفي الجرحى ويفك اسر المأسورين.

*شعبنا الصابر المحتسب*
بلادنا تعيش أسوأ حقبة في التاريخ الحديث، جراء حرب عبثية، ضد إنسان السودان، بموارده المادية والبشرية، أريقت فيها دماء بريئة في أماكن عديدة من اجزاء الوطن، فالعشرات بل المئات قد قتلوا، وأستبيحت الحرمات في كل انحاء السودان غرباً، شمالاً، جنوباً ووسط، ارتكبت الفظائع وواجه الشعب شظف العيش بسبب حرب ما زالت نيرانها متقدة ،صاحبتها فظائع بشعة من سلب ونهب وسرقة، خلفت وضعاً إنسانياً لا مثيل له في السوء،إن إنتهاكات الدعم السريع قد طالت المستضعفين والابرياء في القرى والمدن، و تجاوزات القوات المسلحة بالقصف الجوي الحقت اضراراً كبيرة بالأبرياء، ولا زال نزيف الدم يتواصل.

*الاخوة الكرام:*
السودان اوشك على التمزيق والتشرزم، وإزدياد موجات اللجوء والنزوح والفقر المدقع بسبب الحرب التي اهدرت موارد البلاد، كانت جهودنا متصلة مع القوى السياسية وحركات الكفاح المسلح واطراف العملية السياسية، قبل الحرب من اجل إيجاد مخرج لأزمة الانتقال وتجنب البلاد هذا المصير المظلم ، حتى إندلعت الحرب وجاء موقفنا(ضدها) منذ الوهلة الاولى،وظللنا ننادي بان يجنح الطرفان للسلم والحوار، لم نلتمس الجدية اللازمة، ولا المسؤولية الكافية، في منبر جدة او الاتحاد الافريقي اوغيرها من المنابر، بل كانت السمة البارزة هي التراجع والنكوص عن العهود فيما إتصل بتهيئة المناخ من هدن او وقف لإطلاق النار او الخروج من بيوت المواطنين والاعيان كبادرة حسن نية لإستئناف الحوار بتيسير وشهود الأطراف الدولية.

*جماهير شعبنا الأبي*
إن إستمرار السياسات الحالية وإستسهال معاناة الشعب السوداني التي يعيشها لاكثر من عام، ربما قادت الى تقسيم السودان كما أشرنا، فهناك فراغ دستوري مشهود وغياب للحكومة والإرادة السياسية في ظل شرعية الامر الواقع، إذ إستشرى خطاب الكراهية والإستكبار والتعالي وإنحطى الخطاب العام من بعض المسؤولين في قمة هرم الدولة، بلا شك ان التعامل غير المسؤول في موضع المسؤولية يكشف عن ازمتنا الحقيقية وفقرنا الى الطرح المشبع بالقيم والفضيلة.
*الاخوة والاخوات*
راهن الحرب واوزارها قد اعادت السودان من جديد الى منصة المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية التي تتهم البعض بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية كما هو معلوم ، كان المأمول النظر فيها في العملية السياسية بروح وطنية تأسس للعدالة الانتقالية، ومن أجل ذلك ندعو لإيقاف الحرب وإستئناف العملية السياسية بشمول الاطراف والموضوعات بهدف الوصول الى فترة انتقالية متفق على امدها، تعقبها إنتخابات شفافة ونزيهة.

*جماهير شعبنا الصابرة*
تشخيصاً للازمة وإسهاماً في الحل الوطني، لابد من رسائل متعددة، حرصاً منا على ما تبقى من سلامة الوطن وامنه، وعبور حكم الواقع الانتقالي الى حكم الشرعية الانتخابية بإرادة الشعب.

*بشأن الحرب الدائرة*
كل التجارب التاريخية اوضحت ان الحروب والنزاعات المسلحة لا منتصر فيها مهما طال امدها، الخاسر فيها الوطن، الذي قتل وشرد أبناؤه ودمرت منشأته في ظل صراع عبثي، نتسأل ما الذي تحقق من مكاسب غير الدمار والخراب وتعطل العملية التعليمية في البلاد وتدهور الخدمات والرعاية الصحية، سيظل التدهور مستمر ما لم تتوقف الحرب لإنقاذ ما تبقى من الوطن.

كانت الوثيقة الدستورية المدخل الرئيس لضرب الثورة وإفشال الانتقال الديمقراطي بشراكة قيادة الجيش والدعم السريع ومجموعة الحرية والتغيير في حكم الواقع، وحينما تضاربت مصالح السلطة إنفجرت الحرب وعم الخراب الذي يسألون عنه.

ظللنا في المؤتمر الشعبي ننادي بوقف الحرب إنطلاقاً من موقفنا المبدئي وقوله تعالى﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ صدق الله العظيم- الحجرات: 9
إلا ان غياب الارادة السياسية وضعف المسؤولية تغلبت على اطراف النزاع وإستمرت الحرب لتدخل عامها الثاني، ونحن إذ نؤكد للقوات المسلحة مهامها الدستورية في حفظ حدود البلاد وأمنها بعيداُ عن التدخل في شئون السياسة والحكم، نحذرها من ان تقع فريسة او توقع مع أي كيان سياسي كما وقعت مع (قحت) من قبل ،لذا كانت الغاية دمج الحركات المسلحة، والمليشيات في مؤسسة عسكرية وطنية قومية تضطلع بوظيفتها في حماية البلاد، مبتعدة عن الشأن السياسي و التنفيذي وان لا يكون هناك فتق بينها وبين الشعب يحتاج الى رتق.
نجدد الدعوة لوقف كامل لإطلاق النار ووقف الحرب وعودة المواطنين الى مساكنهم وبحث سبل الحوار مع كافة الاطراف من اجل الوطن.

*الارادة الوطنية*
اكملت الحرب عامها الاول والشعب السوداني ينتظر فرجاً، نسأل الله ان يأذن به، ولكن لابد من تكثيف الجهود لدعم مساعي السلام، ووقف الحرب، لا لمناصرة أطرف النزاع او الوقوف في الحياد فإن موقفنا بوضوح ضد الحرب والعمل على اجماع سوداني وإرادة وطنية مؤثرة لوقفها، وفرض إرادة السلام، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (سورة البقرة:208).

*الموقف من المجتمع الدولي*
ظللنا حريصين على تيسير المجمع الدولى للحوار السوداني السوداني في كل المنابر ،حيث دعمنا المبادرة السعودية الامريكية في منبر جدة وجهود الاتحاد الافريقي وكل المبادرات الاقليمية والدولية مع التأكيد على أن مواقفنا التي طرحناها في تدابير الانتقال ستفضي الى تحول ديمقراطي ووحدة السودان وإستقراره، وهو ما سنظل نتمسك به ونطرحه لكل القوى السياسية وحركات الكفاح المسلح ومنظمات المجتمع المدني ، وتظل ايادينا ممدودة لمن اراد وقف الحرب ومحو آثارها، نتطلع الى ان يلعب المجتمع الدولي دوراً اكثر فاعلية في غوث اللاجئين وتخفيف الاوضاع الإنسانية التي يعانيها ملايين من الذين تضررو بفعل الحرب، وأن تتواصل الجهود الحثيثة من اجل احلال السلام واعادة الاعمار والاستقرار وهي المرحلة الاهم بعد وقف الحرب ،تحتاج الى تضافر جهود المجتمع الدولي من اجل السلام في السودان.

*التوافق الوطني والتحول الديمقراطي*
بعد سُـقوط نظام شمولي دام لزهاء الثلاثة عقود من الزمان تعثرت الفترة إلانتقالية ووضح عجزها في بلوغ التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، كانت الوثيقة الدستورية خصماً على الثورة، باقرار الشراكة بين العسكر والمدنيين حيث مكنت الطرفان من سدة الحكم الانتقالي بلا تفويض فكانت معارضة المؤتمر الشعبي لها واثبتت الايام صدق موقفه.
طور المؤتمر الشعبي علاقاته السياسية مع معظم القوى السياسية الموقعة على (الإتفاق الاطاري) بغرض التأسيس لسلطة مدنية لو لا خيانة العسكر بإنقلاب ٢٥ اكتوبر، وجر البلاد نحو هذه الحرب لتفويت فرصة الحكم المدني المتفق عليه.

*الشأن الداخلي*
يؤكد المؤتمر الشعبي على موقفه الثابت ضد الانقلابات العسكرية والعمل على التحول الديمقراطي بالشرعية الانتخابية بعد الفترة الانتقالية على أن لا تتجاوز العام ، وذلك لا يتأتى الا بوقف الحرب وإستئناف العملية السياسية مع شركائنا من اجل التحول الديمقراطي، هذا ما نسعى له في الفترة القادمة.

*الجوار والعلاقات الدولية*
نتطلع بشأن الجوار والعلاقات الدولية الى علاقات الشعوب المتوطدة مع إحترام خصوصيات الجوار وشأنه الداخلي. عالمياً ظل المؤتمر الشعبي مناصراً لقضايا الضعفاء والمستضعفين واضحت هموم الخارج حاضرة لما لها من إرتباط وثيق بالداخل، ولعلكم تابعتم العدوان السافر على الشعب الفلسطيني ومجزرة غزة، و هي قضية اسلامية محورية وإنسانية وما يجري هو عدوان بربري صمت عنه العالم اجمع لم يحرك ساكنا.
نترحم على شهداء غزة وندعو العالم العربي والإسلامي للايفاء بتعهداته وكسر الحصار المفروض لتجويع هذا الشعب الصابر، إننا نناصر إخوتنا في طوفان الأقصى ونأكد على حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه من الغاصبين وهو حق أصيل لا رجعة فيه، ومن الظلم ان تتنازل عنه اي قيادة سياسية سودانية.

*ختاما*
نسأل الله لنا ولكم الصحة والعافية وان يجمع الله شمل بلادنا وييسر لها مخرجا من وهدتها وان تتحقق كل أمنياتكم الطيبة
قال الله تعالى:  وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
المؤتمر الشعبي            الامانة العامة
الاربعاء  الفاتح من شوال ١٤٤٥ه
١١- ابريل ٢٠٢٤م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.