حوار خاص مع د. علي الحاج محمد الأمين العام للمؤتمر الشعبي

ماسة نيوز

أرحب بقرار مجلس الأمن لإيقاف الحرب، وهذا هو مقترحي لحل الأزمة
لأجل ذلك انصعنا لإجراءات الجهات العدلية بعد الثورة
المجموعة التي انشقت عنا تدعو للانقلابات، أي أنها أصبحت…
قبلنا بالاتفاق الإطاري لهذا السبب

حوار – المحرر السياسي – SBC

رحب الدكتور علي الحاج محمد، الأمين العام للمؤتمر الشعبي، بتبني مجلس الأمن الدولي يوم أمس الجمعة القرار الذي يدعو لهدنة عاجلة ووقف فوري لإطلاق النار قبل شهر رمضان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وقال الحاج في حوارٍ أجرته معه SBC إن القرار ” بدون شك يهمنا كونه يدعو الطرفين لإيقاف الحرب، وهو ما طالبنا به من قبل، وتحدثنا مع بعض القوى السياسية بأن تصدر بياناً بهذا المعنى”. وقال الحاج إنه من خلال هذا المنبر ( SBC) يدعو الجهات الحاملة السلاح لوضع القرار موضع التنفيذ.. وأضاف: ” بجانب هذا أنا مصر على عودة المواطنين لمنازلهم لأنهم أكثر من تأذى من استمرار القتال بين الجهات الثلاث”.
وقال الأمين العام للمؤتمر الشعبي إنه ” كل من يحمل السلاح إما قاتل أو مقتول، لكن المدنيين الذين خرجوا من ديارهم أثناء هذه الحرب بحاجة لوقوف المجتمع الدولي والإقليمي بجانبهم، بل وليس هؤلاء فقط، وإنما أيضاً الحاجة ماسة بالوقوف إلى جانب الذين أخرجوهم من ديارهم في دارفور في الفترة بين عامي 2003 و 2005، وذلك حتى تتوقف الحرب في نهاية المطاف”.
نجحت SBC في إجراء الحوار الأول والمطول مع علي الحاج حول شؤون الساعة وموقفه من الحرب والانشقاق الذي لازم حزبه مؤخراً، ورؤيته في محاكمته، وكذلك الموقف الدولي من إيقاف الحرب، والذي كان آخره تمرير مجلس الأمن قراره القاضي بوقف إطلاق النار أثناء شهر رمضان، وكذلك شمل الحوار قضايا أخرى فإلى مضابط الحوار

كيف تنظرون عموماً في الحزب لمجريات الحرب خصوصا أن قيادات منكم صرحت بامتلاك معلومات مهمة عن الذين أشعلوها؟

اعتقد أن موضوع الحرب متصل بالماضي، أي بدأ منذ مفاصلة الإسلاميين، وله علاقة بالحرب التي بدأت في دارفور. والقصة كلها في حينها أن الحكومة تعرضت للضغط الذي حدث من الحركات في دارفور ثم اضطرت للاستعانة بقوى خارج المؤسسة العسكرية وأعانتها بالسلاح والمال والقوة. وهكذا كانت هي البداية لمحاربة الحركات في دارفور، حيث جلبت الاستعانة بالآخر، الهمجية بكل ما في ذلك من معنى والتي حدثت في أعوام 2002 و2003 وكل هذا معروف للناس وقاد إلى أوامر القبض الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية والأمر موثق ولا يحتاج الى شرح هنا. رأيي أن الحرب الحالية امتداداً لما حدث في لدرافور ونمطها آنذاك هو هو ذاته الآن. ولا اعتقد أن أحداً عاقلاً تفاجأ بالحرب لأن الاستعانة بالآخر تولد أشياء ليست في الحسبان للشخص الذي أوجد هذه الاستعانة. هناك حديث عمن بدأ الحرب وهنا يأتي دور المؤتمر الشعبي الذي تكوَّن في ظروف الاختلافات حول مبدأ الحرية والتبادل السلمي والتحاور مع الآخر. ونعم نحن نمتلك المعلومات في هذا الصدد. لم نتفاجأ بالحرب لأن السلاح الموجود لدى الدعم السريع كان كثيفاً. والحقيقة الدعم السريع اسم جديد، ففي أول مرة كان الحديث عن دور مكون (أم جلول) القبلي ثم جاءت تسمية الجنجويد، ولأن الحكومة سعت لتجميل الأسماء سمتهم حرس الحدود، ولكنها أسماء غير الأسماء التي نعرفها. استغلت الحكومة هذه الاستعانة بالآخر لغرض فرض القوة وهذه المشكلة نحتاج إلى تجاوزها ولكن ليس بالرجوع للماضي وإكثار الكلام عن الذي بدأ الحرب أولاً فالمعلومات في هذا الصدد متوفرة لدينا. لكن ما نريده الآن إيقاف الحرب بصرف النظر عمن بدأها أول مرة، لأنه عندما تقوم “حريقة في الحلة” فإن الناس تنهض لإطفائها، وهذا هو الشعور الذي أريد تمليكه في النظر للحرب بعد أن وقفتُ على بدء تاريخها. ولكن التاريخ لن يسعفنا بل سيتركنا في محطة متأخرة جداً ويسهم بالتالي في نهايتنا جميعاً إذا أردنا التمترس عنده، لذلك أنا أتجاوز هذا التاريخ بما أعرف من تفاصيله. لكل هذا أدعو للحلول السلمية الآن وإيقاف الحرب، وكما تعرف شرعاً وديناً أنه لا ينفع للمسلمين إلقاء اللوم على بعضهم بعضا عند اقتتالهم. فالآن كل طرف يلقي باللوم على الآخر وهم قتلوا الناس ويتحملون المسوولية. بالنسبة لي أرى أن الاثنين قتلة في نهاية المطاف. والشخص عندما يقتل أو يخرج من بيته “ما في زول بقول مين العمل العمل ده” فالمسؤولية يتحملها المتحاربون. بكل ما عندي من معلومات وتحليلات وحيثيات حقيقية أدعو لإيقاف الحرب بهذا المنطق.

وكيف تنظر للموقفين الإقليمي والدولي في تعاطيه مع الحرب حتى، ألا تعتبر أن هناك تقصيراً، خصوصاً أن قرار مجلس الأمن الأخير ليس ملزماً للطرفين؟

أولاً، يجب ألا نستغرب تجاه الموقف الإقليمي والدولي وموقف دول الجوار من الحرب، فبعضهم دوره مقدر، ولكن مواقف دول الجوار جاءت نتاجاً لما كسبت أيدينا، والدول الخارجية عموماً لها مصالحها التي تطغى وهي لا تتدخل بكل الطرق والوسائل إلا إذا كان الوضع الداخلي ضعيفاً وعندئذ كل دولة تنال حاجتها عند ضعف الدول. وأذكر هنا ما حدث للامبراطورية العثمانية التي صارت رجل أوروبا المريض، ثم حدث ما حدث. لذا فالقضايا لا تحل بجهد أناس من الخارج وفقاً لمصالحهم، ومهما تعددت المنابر الخارجية بفعل الحكومة العسكرية فهي لا تسطيع حل المشكلة. نحن نريد لهذه الحرب أن تتوقف ثم نتفاوض في القضايا الكبيرة.

شارك حزبكم في التوقيع على الاتفاق الإطاري قبل الحرب، هل ترى أن أحداث الحرب تجاوزته وهل يمكن الاعتماد عليه كوثيقة في حال توصل الجيش والدعم السريع إلى تسوية عبر التفاوض؟

إن أكبر إنجاز هو الاتفاق الإطاري الذي حظي بمناقشات ووضوح وصراحة، وشهد العالم كل تفاصيله ولم يكن هناك شيء مخفي حوله.
لقد شهد الإطاري مناقشات حقيقية ونحن كنا جزءاً منها وتم التداول حول وضع الدعم السريع والجيش الذي كوّنه، حتى وصف الرئيس السابق زعيم الدعم السريع ب “حمايتي” والبرهان حل محل البشير وجعل الدعم السريع يقوم مقام حمايته وحتى قانون 2017 الذي وضعه البرلمان كان شكلياً لأن المشكلات كانت منذ 2003 حيث حدثت جرائم وتطورات ولم ينفذ القانون بأثر رجعي.. لقد قبلنا بالاتفاق الإطاري لكونه يمثل مدخلاً لحلول سياسية وكان لزاماً علينا أن نتجاوز الكثير من المسائل الشكلية فكان لابد للناس أن تكون جادة لتجاوز الاختناق السياسي آنذاك.

ولكن ربما يتغير موقف الجيش وبعض الجهات من الإطاري؟

هناك ثلاث جهات تملك السلاح وهي الحكومة والدعم السريع والحركات المسلحة ومن الظاهر أن سلاحهم جاء من الدولة، ووفقه شاركت في الوثيقة التي أعددناها. ولقد شاركت هذه الجهات في الإطاري بهدف خلق توافق وحلول أو بالأحق ” مخارجة مباصرة” وكان أهم ما ارتبط بهذا الاتفاق أنه انبثق من داخل السودان وبرعاية الأمم المتحدة والمسهلين الأفارقة والعرب والإيقاد والمناقشات استمرت لمدى عام، لذلك لا يمكن بعد إيقاف الحرب أن نترك الإطاري خلفنا.. لا بد أن نلتزم به فنحن لم نوقع مع العالم وإنما مع رأس الدولة والجيش والدعم السريع. نحن وقعنا مع السلطة لا مع أشخاص حتى لا نلتزم بالمبادئ المكتوبة، وبعد وقف الحرب لا نريد أن يحدث فراغ سياسي ولذلك من المهم أن نرجع للإطاري لأنه البديل الموجود، أما الوثيقة الدستورية فكانت معيبة وانتهت بانتهاء الفترة الانتقالية وليس هناك حكومة الآن إنما أفراداً يدعون الحق في تمثيل البلد، لذا نريد إخراج السودان من وهدته بالإطاري، وأي نقد موجه له نقبله ولكن لا ننقده من أجل تركه كله وراء ظهرنا. والاتفاق سيظل مفتوحاً، على ألا يحرم أي شخص من نقده، ولهذا أرى أن أكبر نقطة ضعف كانت هي عدم مشاركة الحركات فيه، ومن الممكن مراجعة الإطاري مع الناس الذين لم يقرأوا بنوده أو لم يفكروا فيها.

هل الحرب تمثل امتداداً لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 لتقويض ثورة ديسمبر؟

الانقلاب نفذته جهات لإيقاف مسار التحول الديمقراطي وكل شيء يتصل بالحرية.. نحن في المؤتمر الشعبي لم يكن لدينا أي سلطان على البرهان وحميدتي والحركات ليسمعوا كلامنا فهم وقعوا طوعاً واختياراً، ونحن ليس لدينا حركة مسلحة وقد تبنا من السعي إلى التغيير بالسلاح والمؤتمر الشعبي تكون لعمل سياسي وليس لعمل عسكري.. موقفنا واضح والإطاري رغم عيوبه مطروح للكافة ومستعدون لنسمع مآخذ القوى السياسية الأخرى فيه حتى نصل لكلمة سواء حول كل القضايا.. نحن جميعاً إذا لم تكن لدينا شرعية فلا قيمة لنا، لكن الشرعيات المكتسبة الآن جاءت بالقوة أو نتيجة الأمر الواقع وهي لا تخلق شرعية مستدامة. الجيش والدعم السريع والحركات أوجدتها شرعية القوة ولا توجد دولة تنجز بهذه الشرعية، بل لا ننال ثقة العالم بدون شرعية انتخابية، وليس بالضرورة أن يتولاها حزب واحد فلا بد من تمثيل نسبي ليس بالطريقة القديمة.. نحن بدون شرعية لا نستطيع أن نتعامل مع العالم أو نتلقى منه العون وستظل مشكلاتنا مستمرة.. نحن بلا حكومة لمدة عامين وأتى انقلاب ومن ثم الحرب، وبلا شك كل الإرهاصات تشير إلى إمكانية حدوث انقلابات أخرى، وهذه لا تحل المشكلة.. البديل المطروح حتى الآن هو الاتفاق الإطاري وتحقيقه بعد إيقاف الحرب يحتاج إلى إرادة سياسية.

وهل أنتم راضون بدور المدنيين أثناء الحرب؟

أكبر دور ينبغي أن يكون للمدنيين، وليس العسكريين أو الحركات المسلحة الذين يقاتلون الآن بسلاح السودان. عملياً، المدنيون مكبلون الآن وذلك لأن السلاح عند الذين يملكونه نتيجة لفرض الأمر الواقع وكما تعلم الشارع عندما يتحرك مهما كانت الأسلحة مصوبة نحوه فإنه لا مناص سينتصر. هذا حدث في دول شرق أوروبا التي انهارت بطريقة لا يتخيلها أحد، والحرب مهما كانت طويلة فنهايتها قريبة فالمقاتلون حتى وإن استخدموا السلاح والمال فإن معينهم سينضب. لذلك دعوتنا للسلام فيها كثير من العقلاينة حتى لا نصل لأوضاع الديكتاتورية المقيتة. من كان يتخيل انهيار الاتحاد السوفيتي العظيم ونظام بن علي وحسني مبارك وقذافي ليبيا وشاه إيران. لم يكن هناك شخص يتصور هذا، لكن واقعياً الشعوب تحركت ثم أنجزت التاريخ. ثقتنا ما تزال في الشعب السوداني لأنه يملك مخزوناً لتصحيح الأوضاع وجلب حكومته التي يريد. الواقع أنه بعد الثورة أدخلتنا جهات كتيرة في متاهة “حكومة قحت”. أنا مقتنع أنه يمكن أن تحدث ثورة شعبية من الشارع لتخلق حكومة جديدة وهذا أمر وارد وليس بالضرورة أن نقوم نحن بهذا. لذا ندعوا للسلام بحلول عقلانية ومعقولة، فأي حلول عسكرية نفكر فيها لا بد أن تجعلنا نتعظ مما حدث في الجنوب الذي انفصل تماماً.

كيف ذلك؟

الحقيقة أنا بعد الحرب مررت بالجنوب فوجدتهم “مرتاحين”. بارحوا الحرب رغم أن مشكلاتهم ما تزال موجودة، وهم الآن أحرار ولا يعيشون بالشكل القديم وهذه عظة وعبرة لي ولأي شخص من السودانيين يدعو لحرب من أجل قيم الدولة والدين، وهذا لو حدث في هذا الزمن يكون من الوهم الكبير. وبالنسبة للإسلاميين عليهم أن يتقوا الله في أنفسهم ولا نريد باسم الدين ولا يجوز أبداً الاعتماد على الحل العسكري. وتكفينا المآسي التي حدثت في الجنوب ولا نريد تكرارها وقد رأيت الجنوب بعد الحرب والسلام ولا توجد مقارنة، وذهبت لمناطق السلام عبر طريق السلام بعد اتفاقية الخرطوم ومعنا عدد من الناس وعاصرنا كذلك الواقع الآن. صحيح أن الانفصال جاء بالمتاعب الكثيرة لكن هناك سلام، وما تزال القبلية موجودة وحقيقة، واقع قبائل الجنوب موجود في الشرق والغرب وفي العالم.
إن حديثنا عن السلام مهما تعمق لا يعبر حقا عن رغبتنا الأكيدة في تحقيقه، وثقتنا في الله والشعب كبيرة، فمهما كانت عيوبنا فنحن قادرون على تغيير الأوضاع نحو الأفضل لكن الإرادة السياسية إذا وجدت ستكون وسيلة للعمل، والإرادة وحدها هي التي تعمل التغييرات السياسية لتسود قيم الدين والعدالة والأمانة، لكن بدون شرعية انتخابية لا تستطيع عمل شيء.. لا تدعي القوات المسلحة ولا الدعم السريع ولا الحركات وكل من في المشهد أن لديه الحظوة والموقف الذي يقود به الشعب بدون تفويض من الشعب نفسه، وإذا لم نحصل على مثل هذا التفويض لن يكون هناك حل.

خرجتم من السجن أثناء الحرب، ولكن ما هو موقفكم في حال إعادة توجيه الاتهام لكم بعد إيقاف الحرب لمشاركتكم في انقلاب الثلاثين من يونيو 1989؟

الإجراء العدلي تجاهنا بعد ثورة ديسمبر ليس إلا محاكمة تمثيلية بائسة وأتوا بي لأني شاركت في صنع الانقلاب و ” دي ما حاجة جديدة”. كل القوى شاركت بعد الاستقلال في صنع الانقلابات وكونك تختار مجموعة مدنيين في الأول وتقدمهم لمحاكمة فكرية فهذا ليس من العدل. وقد انصعنا لإجراءات الجهات العدلية بعد الثورة ليس قناعة بأن تأخذ العدالة مجراها وإنما كان ذلك هو حكم الواقع للوثيقة الدستورية، والتي حينما تقرأها تجد أن موضوع العدالة كان من أجل خلق محاكمة سياسية فكرية كما أرادتها قوى الحرية والتغيير، ولم تصل لشئ ونحن كنا ننصاع لهذا حسب القوانين.. هذا الأمر ساهم في تعطيل المسار الديمقراطي، وهنا لا أريد أن اتحدث عن معاناة ظروف السجن، ولكن المهم بالنسبة لي إيقاف الحرب الآن ولا مستقبل لنا ما لم نوقفها نحن السودانيين وليس الجيران والمنابر، وحقاً يجب أن تتوقف الحرب بإرادة السودانيين وإلا ستواجهنا المشاكل حول مستقبل السودان في نهاية المطاف.. هذا قدر وتحدٍ أعمل لمواجهته مع أي شخص حريص على الوحدة وإنقاذ إنسان السودان وأدعو الكل أن يقف معنا في صف واحد.

شهد حزبكم انقساماً، وقامت مجموعة داخله بإقالتكم من منصبكم كأمين عام للمؤتمر الشعبي، كيف تنظر لهذا الإجراء؟

ما حدث من هذه المجموعة هو انشقاق، وهذا ليس أمراً جديداً للحركة الإسلامية، فقد حدثت لها انقسامات منذ 1954 وبعدها تتالت ليس نتيجة لأطر شخصية وإنما فكرية. الانقسام الأول أساسه فكري تسببت فيه مسائل معينة، مثل الموقف من الثورة المصرية سنة 1952 ومجزرة الإخوان المسلمين التي تلتها في عام 54 بجانب وجود ظلال اقتصادية تعلقت بمفهوم الإقطاع والتأميم، وهذه كلها كانت أسس موضوعية للانقسام واستمرت علاقات الإخوان ولم تنقطع، ثم جاء انقسام في زمن عبود بعد انقلاب كبيدة واشتراك المراقب العام وقتها في المحاكمة. وتلك الحادثة سببت لنا شرخاً ثم تسببت قضايا مع نميري في نوع من الانقسام، وانقسمنا أيضاً عندما بغت السلطة العسكرية للبشير علينا نسبة لموقفنا من الحرب والحرية. وتباينت المواقف الآن واصبحت واضحة بالنسبة لنا في المؤتمر الشعبي نتيجة لموقفنا من التحول الديمقراطي بعد الثورة. اختلاف الطرف الآخر معنا ليس بسبب فكري فأسوأ شيء هو أن المجموعة التي انشقت عنا تدعو للانقلابات، أي أنهم أصبحوا انقلابيين سلطويين وهذا شيء مؤسف، ونحن كإسلاميين ما كان ينبغي أن ننقسم على أسس تتعلق بالحرب من حيث تأييدها ونقترح منابر ندعم بها الجيش فهذه سبة. وفي وقت يشهد العالم للمسلمين بالسلام فإننا كإسلاميين ننقسم الآن على الحرب، حيث أحدنا يدعو إلى الموت فيها والآخر يدعو للسلام ثم نعتبر أنفسنا شئ واحد.. كلا.. لا يستوي البحران، هذا عذب فرات، وهذا ملح أجاج.. صحيح كان هؤلاء الناس معنا و”عندهم حاجات مع الآخرين” والآن تمايزت الصفوف. كنا كمثل قلبين في جوف واحد وربنا يقول ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. اعتقد أن قضايا البلد كثيرة وتحتاج الى ” ناس كبار” وفيها مشاكل كبيرة ولازم نتحمل الآخرين، وتكون لدينا النظرة لمعالجة قضايا السودان ككل، بدلاً من الوقوف في موقف صلب، وربك كريم.

هل أنت واثق من مستقبل مشرق للسودان في ظل مجريات الحرب التي ضربت النسيج الاجتماعي السوداني وهددت الوحدة الوطنية؟

استطيع أن أقول إن كل ما حدث في الماضي، والأعاصير المحيطة بالبلاد الآن، وما قيل في خطاب الكراهية، آت نتيجة للكبت الحادث من السلطة لمدة 30 عام وأنا كنت جزء منها في وقت من الأوقات.. هذه السلطة قبضت كل شيء، وأصبحت ملكاً لشخص معين، والوزير والرئيس والمحافظ صاروا كأنهم يملكون حيازة مملوكة لهم شخصياً، وهذه أصبحت سمة سيئة لا تجوز وكتبت عنها من قبل وقلت إنه لا يمكن أن تكون المعادلة بهذه االطريقة ولا بد أن نعالج هذا الخلل.. هذا يقودني لاجتماع المهمشين 2003 الذي عقد في ألمانيا لمناقشة الفوارق الموجودة، فالمساواة لا بد لها من أسس، وبهذه الطريقة فإن السودان سيكون موجوداً ومثلما نشأ سيستمر، لكن المعادلة بدون شك من ناحية سياسية من الضروري أن تكون مختلفة تماماً. وهذا الأمر لا يحتاج إلى القوة لأن القوة لا تولد إلا قوة مضادة.. لذلك ينبغي أن نحل قضايا مستقبلنا بالحوار والنقاش، ولهذا فإن نقاش الإطاري يصب في هذا الاتجاه للتصحيح والاعتراف بالخطأ .. أنا أنظر لمستقبل السودان بهذا المنظار وليس بالمنظار القديم، وحتى الحركة الإسلامية أنظر لها بمنظار المستقبل.. ففي الحركة تحدث كل مرة مشاكل، أناس ينزلون من القطار وآخرون يصعدون، والعمل الإسلامي سيستمر ولن يختفي من الساحة السياسية والناس يجب أن يعرفوا هذا، والكيانات الأخرى ستظل موجودة مهما حرصنا أن نجمع الناس في قالب واحد أو حزب واحد أو رأي واحد.. فالسودان بلد تتعدد فيه الأفكار والألوان والتعددية سمة جوهرية لبقائه، وهو بهذا التعدد سيظل موجوداً، وأنا ساع مع الآخرين للإصلاح وليسعى الناس معنا لا أن يتفرجوا

التعليقات مغلقة.