بابنوسة … حرب بلا رؤية … !

بقلم / البخيت النعيم عمر

لعنة التاريخ سوف تلاحق الذين إستباحوها…  أي مدينة، على مر التاريخ الإنساني والحضاري، لها صفاتها وتميزها ومنتوجها الحضاري والثقافي والتنموي.

من المدن السودانية، التي تتميز بحفريات، وتنوع ديموغرافي وثقافي وإبداعي وإنتاجي وصناعي، وتتفرد بإنسان متحضر، لأنه خليط من تداخل إجتماعي إنصهرت فيه فسيفساء المجتمع السوداني.

هي المدينة الرمز بابنوسة التي يسميها أهلها (القميرة)

ظلت هذه المدينة الرمز، تحمل محمولاً، لعبق التاريخ الثقافي والسياسي والإجتماعي، وهي ملتقى أهل السودان، حيث لعبت خطوط السكة الحديد، دوراً هاماً جعلها منطقة وسطى، حتى وصلت مركزاً لرئاسة الإقليم الغربي، بعد عطبرة والخرطوم وكوستي.

في بابنوسة، أكبر مصنع ألبان في السودان والذي تم تأسيسه، في ستينات القرن الماضي، وبها جامعة السلام التي تضم عدداً من الكليات منها الإقتصاد والطب والتمريض والبترول وغيرها،حيث تتوزع بعض الكليات في مدينة المجلد والفولة.

بابنوسة هي مدينة المتصوفة والأضرحة والفقهاء والمدارس الفكرية والسياسية، كما تأسست فيها أقدم الأندية الثقافية والرياضية والإجتماعية والسينما والمسارح منذ خمسينات وستينات القرن الماضي، زارها كبار الشعراء والأدباء منهم مصطفى سند ، فضيلي جماع، عالم عباس وإبراهيم إسحاق، كما تغنى على مسارحها كبار الفنانين من ضمنهم الموسيقار محمد وردي، محمد الأمين، النعام آدم، دكتورعبدالقادر سالم،أم بلينه السنوسي، زيدان إبراهيم،إبراهيم موسى أبا ، عبدالرحمن عبدالله ،صديق عباس ، عمر احساس ، محمود عبدالعزيز (الحوت)، هاشم بابنوسة وقيثارة التراث السودانى الشهيدة شادن محمد حسين التى أغتالوها فى حرب ١٥ أبريل بأمدرمان وغيرهم.

لذلك مجتمع بابنوسة هو خليط من فسيفساء التنوع الثقافي السوداني،هكذا ساهم أبناء القميرة بمختلف فئاتهم المهنية والسياسية والثقافية والعمالية والرياضية والإجتماعية في البناء النهضوي،على مستوى كردفان والسودان.

  • بابنوسة معركة بلا رؤية

سؤال أجد له مسوغاً، هل الذين فكروا في تدمير مدينة بابنوسة، فكروا في تداعيات الأبعاد الإجتماعية والأخلاقية والدينية والإقتصادية والثقافية والأمنية ؟. وتاريخ هذه المدينة المسالمة والتي لا تعرف القبلية أو الجهوية أو الكراهية.

ومعروف أن أي قرار يتعلق بالحرب إستراتيجياً، لابد أن يراعي ويخدع لعدد من الخطوات منها الحوار والتفاوض والمساعي الحميدة والأمن المحلي للمنطقة والأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الصحي وتجنيب المدنيين لأي تداعيات نزوح أو لجوء !!!!

ما أعرفه كان هنالك مساعي من منظمات المجتمع المدني والإدارات الأهلية ببابنوسة ومحلية المجلد والفولة ولقاوة والدبب والميرم، ومن النخب والمؤسسات التعليمية والخدمية وإدارة محلية بابنوسة، التي يترأسها ومديرها الضابط الإداري أبو عبيدة بخيت جقر، المعروف بمهنيته وإستقامته، والذي وضع خططاً  طموحة ، لتطوير محلية بابنوسة.

حقاً الحرب والإشتباكات التي دارت في بابنوسة ، بين قوات الجيش بالفرقة ٢٢ بابنوسة وقوات الدعم السريع، لم تكن مدروسة أو مستوعبة لمخاطرها على المستوى الإنساني والإجتماعي والأمني والتنموي، بل هذه الحرب سوف تلاحق الذين إرتكبوها وفجروها سوف تصيبهم.. لعنة التاريخ، لابد من محاسبة ومساءلة الذين أجرموا في حق محلية بابنوسة، التي تم تدمير بنيتها التحتية ومصنعها التاريخى، وتشريد أهلها حيث تفيد المعلومات أن ضحاياها، وجرحاها بالعشرات من المدنيين، والذين نزحوا أكثر من خمسين ألف رجالاً ونساءً وأطفالاً وطلاباً وشيوخاً، نزحوا بالمركبات وعربات الكارو والدراجات النارية والعجلات والحمير والحصين، وبعضهم نزح مشياً على الأقدام لعشرات الكيلو مترات إلى مدينة المجلد والفولة والتبون والدبب ونعمتين والستيب والميرم وأم جاك وغيرها من القرى والبوادي.

  • الحرب محيط بلا قاع

قال أحد الفلاسفة الحرب محيط بلا قاع تبتلع كل شيء بلا تمييز.

الحروب من أخطر الجرائم ضد الإنسانية، السؤال هل حرب بابنوسة لها تأثيرها على حرب السودان التي تمددت في أغلب ولايات السودان ؟. والتي أدانها وإستنكرناها، منذ بدايتها في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م سوف يخسر طرفا الحرب المجتمع المحلي والتاريخ وقيم السماء لأن مدينة بابنوسة، قد شهدت خراباً وحزناً لم تشهده من قبل !

قال الشاعر إدريس محمد جماع

والخائضين الحرب

من أجل المطامع والدماء

ليس الخراب بطولة

إن البطولة في البناء

وثق التاريخ الإنساني عن حرب هولاكو ضد إستباحة بغداد بالعراق، كما وثق التاريخ لإستباحة مدينة غرونيكا الأسبانية عام ١٩٣٧م والتي إستباحتها جيوش الدكتاتور فرانكو حيث وثق لتلك الجريمة الفنان بيكاسو عبر لوحته الشهيرة(غرونيكا).

وأيضا التاريخ سوف يكتب عن حرب الجنرالين، اللذان إستباحا العاصمة السودانية الخرطوم يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣م ومدينة ود مدني، حيث تفيد أرقام الضحايا ثلاث عشر ألف شهيد وشهيدة وثلاثة وثلاثون جريح وعدد النازحين أحد عشر مليون، مواطن ومواطنة ولجا أكثر من إثنين مليون إلى دول الجوار والعالم،ولازال أكثر من تسعة عشر مليون طالب بين الترقب والإنتظار لإستئناف الدراسة…!

كما سوف يلعن التاريخ الذين إستباحوا مدينة بابنوسة (القميرة) في ٢٤ يناير ٢٠٢٤م القميرة، مدينة الأبنوس والحوبارة والشوقارهة والوديان والرهود والرمال والسهول والمياه النقية،ومركز الإشعاع الثقافي والإنتاج الصناعي والزراعي، القميرة ، مدينة  العاجكو والمردوم والكرن والربابة.

  • من أجل برنامج إسعافي لبابنوسة

يجب العمل والإتصال بالوسطاء والنخب والإدارات الأهلية، من أجل الوقف الفوري للإشتباكات وإطلاق النار، وفتح ممرات آمنة وتقديم الخدمات داخل بابنوسة وكافة مناطق النازحين.

من الضروري إحترام حقوق الإنسان ووقف قصف المدنيين والمؤسسات الخدمية والبنية التحتية ببابنوسة.

من الضروري أن يقتص القانون من الذين كانوا سبباً في إندلاع الحرب ونزوح أهل بابنوسة.

وضرورة تقديم دعوى قضائية ضد طرفي الحرب، لدى أى حكومة مدنية قادمة أو المحكمة الجنائية الدولية وطلب تحقيق في الجرائم والإنتهاكات التي أرتكبت في حق المدنيين في محلية بابنوسة.

يجب إقامة ورش ومؤتمرات إغاثة لنازحى بابنوسة وعلى منظمات المجتمع المدني في ولاية غرب كردفان والمنظمات الوطنية والإقليمية والدولية الإسراع في دعم إحتياجات النازحين.

يجب حصر وتوثيق كل الإنتهاكات والجرائم والسرقات التي أرتكبت في المدينة والمحلية.

علينا العمل والضغط على قيادات طرفي الحرب، لوقف الحرب في كل السودان، واللجوء للتفاوض والحلول السلمية، فالعلوم السياسية، وتجارب فض النزاعات، أكدت أن كل الحروب، تحسم وتحل ، عبر  التفاوض.

يجب تعويض المتضررين من الحرب خاصة أسر الشهداء والجرحى والذين نهبت منازلهم وممتلكاتهم.

علينا إستنهاض قيم الفزع والتكافل الإجتماعي لنجدة نازحي بابنوسة وأهلها ،الذين لهم دين مستحق على كل أبناء السودان.

  • أفزعووا أهل بابنوسة

يقول موروثنا الثقافي الكردفاني (الجنزير التقيل البقلى ياتو يوم الحارة الزول بلقى أخو)

يقول الشاعر أحمد بني جعفر البرمكي:

أنفق ولاتخشى إقلالا

فقد قسمت بين العباد مع الآجال أرزاق

لاينفع البخل مع دنيا مولية*

ولا يضر مع الإقبال إنفاق*

اللهم نسألك أن تحمي القميرة وتعود بها لعصرها الذهبي

فكيف ينام في الأسحار

له في النفس عند الله حاجة

قال تعالى : ” ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ”.

التعليقات مغلقة.