عبدالرسول النور … عبقرى وحكيم السودان
بقلم : البخيت النعيم
*المحطة الأولى ساعة الرحيل المر
كان رحيله المفاجئ بأمدرمان، في الجمعة ٧ يناير ٢٠٢٢م ،حدثاً أليماً، حيث جاء الناس بالآلاف من العاصمة والولايات، للصلاة عليه في مسجد ود نوباوى العريق. ثم اتجهت الجماهير الهادرة التي خيم عليها الحزن إلى مثواه الأخير في مقابر أحمد شرفى بامدرمان.
كان الحضور من فسيفساء القوى السياسية والطرق الدينية والفئات والكيانات الإجتماعية والإعلام على رأسها جماهير حزب الأمة والأنصار. تم العزاء والتأبين في منزله العامر بمنطقة الحتانة بامدرمان. تحدثت كثير من الشخصيات الوطنية عن شخصيته الفذة والتاريخية.
*المحطة الثانية شخصيته المتفردة
عبدالرسول النور الشخصية السودانية الإستثنائية التي إتفقت عليها كل الكتابات والمرثيات والكلمات، إنه عبقرى وحكيم السودان وهو حقاً ظاهرة لا تتكرر، قد رثاه الأدباء والكتاب والإعلاميين والسياسيين وزعماء القبائل والدولة السودانية.
شخصيته تتشكل من خليط من الأصالة والمعاصرة والمدنية والبادية والفكرة والتراث والثقافة والعمق الإجتماعى والكرم، حقاً أنه جراب الرأى وفأس حديث، إنه رمزاً باذخاً للوطنية السودانية.
إنه ابن المجلد التي خيم عليها طائر الشؤم برحيله، تخرج في جامعة الخرطوم كلية الآداب درس علم التاريخ فتبحر في التاريخ الإنسان والعربى والإسلامى والسودانى بل أصل للثورة المهدية، لذلك كان إدارياً وسياسياً ناجحاً، شغل مناصب دستورية كثيرة منها كان حاكماً لإقليم كردفان ووزيراً للصناعة ثم رئيساً لمجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون القومى وأدار عدد من الشركات.
*المحطة الثالثة دوره الجهادى والنضالى
منذ أن كان طالباً بمدرسة خور طقت بالأبيض وجامعة الخرطوم عرف بالذكاء والإقدام والشجاعة والمبدئية، فهو مهدوى الفكرة وديمقراطى وإصلاحى الرؤية ووحدوى الوطنية.لذلك خاض معارك كثيرة ضد الأنظمة الديكتاتورية والشمولية حيث دخل المعتقلات والسجون وحكم عليه سياسياً بالإعدام عام ١٩٧٦م، كان مقاوماً شرساً لنظام الإنقاذ ودخل سجون بيوت الأشباح.
معروف أن المجاهد عبدالرسول النور لم يهادن أو يساوم أو يداهن الأنظمة الدكتاتورية العسكرية، بل آخر تسجيل له في التلفزيون القومى في شهر يناير الجارى أكد انحيازه للثورة السودانية وضرورات إستكمال التحول الديمقراطى والحكم المدنى الراشد ودعا للتوافق لحل وطنى يخرج البلاد من الأزمة الراهنة.
*المحطة الرابعة لحظات باقية مع عبدالرسول
عرفته في مدينة المجلد، وورش ومؤتمرات وملتقيات وطنية، شاركته في ندوة عن قضية أبيي في امدرمان، ثم شارك معنا في مؤتمر البترول للولايات المنتجة في مدينة الفولة ٢٠٢١م حيث كنت ضمن اللجنة العليا لإدارة المؤتمر حيث اتصلت به وكان في بحر أبيض في مزرعته في منطقة الجبلين فاستجاب لنداءنا وجاءنا فازعاً في الفولة، حقاً كان إضافة نوعية للمؤتمر وظلينا أنا وهو أسبوعاً في الفولة في ضيافة الأخ الوالى الهمام حماد عبدالرحمن صالح، ناقشنا عدداً من الملفات السياسية والإجتماعية والخدمية والثقافية والتاريخية، هناك أكتشفت هذه الشخصية العظيمة.
دعانى مع مجموعة في داره بالحتانة أمدرمان من أبناء المنطقة لمناقشة فكرة إقامة مؤتمر البردية الثانى لمعالجة التحديات ووضع حلول جذرية للنزاعات والتآخى القبلى والإستقرار.
*علاقة عبد الرسول النور باسرة آل العمدة النعيم عمر وإخوانه
ظل الأستاذ عبدالرسول النور مشاركاً للأسرة في أفراحها وأحزانها الإجتماعية فعندما توفى العمدة النعيم عمر عام ١٩٧٩م جاء عبدالرسول النور مع الإمام الصادق المهدى للعزاء بامدرمان وتحدثا عن تاريخ و شجرة الأسرة، كما شاركنا في تأبين أستاذ الأجيال مصطفى النعيم والعمدة العفيف النعيم، حقاً له دين مستحق علينا.
*المحطة الخامسة توثيق سيرته الذاتية واصداراته
أقترح لأحبابه وأصدقائه وأسرته وأهله ومراكز الدراسات والبحوث بالجامعات أن تقوم بتجميع مخطوطاته وأوراقه وبحوثه ودراساته وكتبه ولقاءاته في الإعلام المرئى والمسموع والمقروء، الفكرية والسياسية والثقافية والإجتماعية تجميعها لإصدارها في كتيبات، فالأستاذ عبدالرسول النور مرجع هام للتاريخ السودانى فهو مؤرخ هذا هو مايفيد الناس والأجيال .
*المحطة السادسة (وترك لنا اثراً منيفا)
ودع المجاهد عبدالرسول النور الدنيا عفيفاً نظيفاً لأنه كان يعتمد على نفسه وعصفه الذهنى وزراعته
ودع الدنيا بهدوء لحكمة وعظة يعلمها رب العالمين.
وداعاً يا حفيد المتصوفة والشهداء والمغاوير.
وداعاً يا ابن كردفان والسودان، فقد تركت لنا اثراً منيفا تهتدى به الأجيال.
قال الشاعر:
أنا أعرف الشهداء في جسدي إذا فارقتهم عانقتهم
في الصدر أغنية لهم
يا للرثاء
وأنا أعيش بهم
وأموت بالأحضان
هذا هو السودان
التعليقات مغلقة.