بدائل الحرب المتوفرة

بدون زعل : عبدالحفيظ مريود

لم تطرح الحركات الدارفورية مسألة إنفصال إقليم دارفور ضمن خطها السياسى، منذ نشأتها. لوحت به – ربما – فى مفاوضات أبوجا كموقف تفاوضى.

لكنه لم يحضر إلى الأدبيات السياسية الدارفورية، قط. فى حرب الخامس عشر من أبريل 2023م، التى تقترب من العام، لم يعرض الدعم السريع للمسألة، ولم ترد، لا كموقف تفاوضى، طرح سياسى، أو تعبير مطلبى، ضيقا وبرماً بالهيمنة التاريخية على مفاصل جهاز الدولة.

*فلماذا يطرحها الإسلاميون، الآن، بديلا للحرب ؟.

*طرحا طلائعه الإعلام، كما هى العادة، ليجرى تسويقه على أنه المخرج من الأزمة السودانية ؟.

حسنا…

بعيداً عن كتابات بعض الصحفيين الجهلة، الذين يروجون للمعلومة الخاطئة بأن دارفور إنضمت للسودان فى العام 1916م، من أمثال محمد حسن كبوشية، كتب.. راشد عبدالرحيم، وهو صحفى قامة،  وأستاذ بالنسبة لنا (إذا انفصلت دارفور فلن يخسر الشمال. غالب طعام أهل السودان يخرج من الشمال والخرطوم، القمح والبصل والموالح والملح. ما من طعام فى كل السودان يخلو من نبتة زرعت فى الشمال).

لا يستطيع أحد أن يتهم راشدا بـ (العنصرية)، بالطبع. وذلك قبل أن يمضى فى كلمته المعنونة “بناة الإنفصال”، والتى نشرها فى 11 نوفمبر الجارى، ليؤكد بأن (الشمال) يمكنه أن يصبح دولة قائمة بذاتها. معتبراً – ضمناً – بالطبع – بأن الخاسر هو من “ينفصل” عن الشمال.

شايف كيف ؟.

عزمى عبدالرازق، فى مقاله للجزيرة، ذهب إلى أن الإنفصال هو بديل الحرب العبثية الدائرة. المسرح بات مواتياً لذلك، بغض النظر عن نظرية المؤامرة. ومع أنه كان أكثر دقة من أستاذنا راشد عبدالرحيم، حيث عرض لمشروع برنارد لويس، القائم على هندسة وإعادة تقسيم الشرق الأوسط، وفصل – عزمى – أن دارفور دولة، شرق السودان دولة، وشماله دولة، كما يقضى مشروع التقسيم، إلا أنه يسوق دفوعات وآهية لنفى مسألة هيمنة دولة 56، مثل أن من قدم إقتراح الإستقلال هو النائب دبكة من دارفور.

بالنسبة لأستاذنا راشد، فإن (الشمال) الذى يأكل منه كل السودان هو مفهوم غامض وملتبس ومربك.. فهل يعنى الشمال من الجيلي إلى وادى حلفا ؟، أم أن الشمال هو (كل ما عدا دارفور) ؟ وأعتقد أنه يقصد كل ما عدا دارفور، كما جرت العادة عند الإسلاميين، ببسط هيمنة على الجميع، سرقة لسان الجميع (الشعب السودانى لا يقبل ذلك… الشعب السودانى قرر … الشعب السودانى خرج عن بكرة أبيه). فى الهيمنة هذه، تنتفى خصوصية النيل الأبيض، كردفان، الجزيرة، النيل الأزرق، البطانة، شرق السودان، فيصبح كله (شمالا).. تخرج منه الفواكه، القمح، الذهب، الذرة، التمر، السمسم، الصمغ العربى، النفط…الخ).

شايف كيف؟

يتغافل عزمى عبدالرازق، يتعامى، عن “حقائق” أساسية، وهو ينافح ليثبت خطل فكرة دولة 56، كما فعل مالك عقار بعد أن أصبح نائباً لرئيس مجلس السيادة، مثل أنه – تأريخياً – لم يجلس على مقعد نائب رئيس الجمهورية فى عهد نميري، شخص من دارفور، النيل الأزرق، شرق السودان، الجزيرة، النيل الأبيض، قط.. بعد توقيع إتفاقية أديس أبابا، جاء الجنوب، ضمن الإسترضاء. ثم جاء عبدالماجد حامد خليل، من بادية الجوامعة فى كردفان. ويعرف عزمى أن حقبة الإنقاذ جاءت بالدكتور جون قرنق، بعد إتفاقية نيفاشا، نائباً أول للرئيس، والذى ورثه سلفا كير حتى الإنفصال.  لكن ظلت السنوات الأخرى من عمر الإنقاذ، زهاء الـ 25 عاماً، الرئيس من نهرالنيل ونائبه الأول من الشمالية. قبل أن تنقلب نهرالنيل لتأخذ المنصب بتعيين عوض إبنعوف نائباً أول. إنفصل الجنوب، فورثت دارفور مقعده فى “نائب رئيس الجمهورية”: الحاج آدم يوسف، حسبو محمد عبدالرحمن، عثمان يوسف كبر.

صحيحة المحاججة بأن منصب النائب الأول للرئيس تعتمد على “مواصفات” لا علاقة لها بالجهة القادم منها الشخص. مؤهلات دقيقة وحساسة. لكنها “مواصفات” ومؤهلات لا تنطبق على أهل النيل الأبيض، الجزيرة، النيل الأزرق،  شرق السودان، دارفور وكردفان. وهى حكمة إلهية بالغة ودقيقة.. بحيث بات من “الثوابت” أن الرئيس يجب أن يكون من هنا، ونائبه الأول، أيضا. وهو إستحقاق لا يمكن نقضه أو المساومة به.. لا ينتبه إليه الغارق فيه..لا يراه، مثلما أن العين لا ترى الهواء، لأنه محيط بها ومشتمل عليها.

شايف كيف ؟.

يحتج شرق السودان فيحصل على “مساعد رئيس الجمهورية”.. ذلك كثير عليه، حتى. ليس ثمة من هيمنة ههنا، بل إستحقاق و” ثوابت” لا تقبل النقض.  يبدو الفريق جبل : شيبة ضرار مهرجاً، وهو يتناول مسألة الهيمنة هذه، فى تسجيلاته، بعد الحرب، وبعد خروج البرهان و”الحكومة” إلى بورتسودان. لكنه يلمس الجرح الغائر فى الذات السودانية، الذى أشار إليه فرانسيس دينق فى “حرب الرؤى”. يستشعر شيبة ضرار “حقارة” شديدة ويهدد البرهان.ربما هو الصوت الحقيقى لإنسان الشرق، الذى سيعلو ذات يوم.

شايف كيف ؟.

لكن شيبة ضرار يجهل أن بورتسودان مدينة إستعمارية بإمتياز. جرى إنشاؤها وتصميمها لتخدم الأغراض الكلونيالية.

أشار كينيث بيركنز، وآخرون ممن أرخو لها وكتبوا عنها، إلى أن تصميم الأحياء وتقسيمها – مثله مثل الأسواق – جرى ليخدم وكلاء الإستعمار. تم تمليك “قلب المدينة” لفئات وقبائل من خارج مكونات إقليم شرق السودان. بمرور الوقت، جرت الهيمنة، وصار الشرق نفسه من ” الثوابت”. فقد جرى الحاقه.

*بدائل الحرب التى ينشط الإسلاميون فى طرحها، هذه الأيام،  هى الإنفصال. ولأول مرة تطرح الدولة الأم إنفصال إقليم عنها، دون رغبته..بحيث يبدو منطقيا التساؤل عما إذا كان الإسلاميون هم الذراع التنفيذي والوكلاء الحقيقيون للمشروع الماسونى : تفتيت السودان.

شايف ؟.،،،

التعليقات مغلقة.