بوفيسور : أبوالقاسم قور حامد

الشناق ـ قصة قصير

تدلى الرجلُ ألضخمْ على حبل المشنقة برغبةَ موت جامحة بعد أن أزلت ترباس المشنقة بهدو وخبره.

كان موته جميلاً، لذيذاً ومخملياً فقد مات بانتعاش بارد، كان ذلك عند الساعة السادسة صباحاً. بعد ذلك مباشرة تم تجهيز الرجل الثانى، سمعته يصرخ بهلع أمى .. أبى … يا ناس ألحقونى ..أنا بريىء. نظرت إليه من كوة صغيره اسمها كوة الشناق، كان شاباً وسيماً. شعره أسود مجعد أضفت عليه أهوال إنتظار تنفيذ الإعدام نوعاً من اللانظام والفوضى الموتية الهادفة فبدى أشبه بغجرى مترع بنبيذ قديم.. كان حزيناً حزناً جميلاً مثل أندروماك وهى تقاوم مغتصبيها. إنهارت أرجله فجرًه الجلادان جراً الى منصة المشنقة .. أحسست بسعادة غامره، هذا النوع من المشنوقين حتماً تسرنى ميتتهم لأنها تؤكد قوتى كشناق مبدع … بالطبع ليس بمقدور كل الناس أن يعملوا كشناقين. تأكدت من اكتمال ترتيبات لف الحبل حول عظم الرقبة، وغطاء الرأس، كان يصرخ صراخاً غسل عنى إستفزاز ميتة ضحيتى الأولى.. كنت أنظر اليه وانا أنقط فرحاً وأتلمظ تلمظ حيوان مفترس أدرك تمكنه من فريسته.. ثم أزلت ترباس المشنقة بهدوء، تدلى بسرعه وهو يقول (غيغ) فمات الى الأبد والحمدلله …

عند الظهر عدت الى منزلى منشرح الفؤاد … تناولت وجبة الغداء تحت سماء أفريقية تتبعثر فيها السحب وهى تأخذ شكل المشانق. لابد من النوم ألعميق استعدادا ليوم غدٍ …. لا زال هناك عدد هائل من ألمنتظرين، وأنا شناقهم الوحيد… سأشنقهم جميعاً حتى الموت… قردة تافهين .. أنهم خُلقوا كى يُشنقوا … لماذ ينعمون بالحياة، نعم كيف ينعم كل الناس بالحياة، لابد من موت البعض حتى يستأثر الآخرون بالنعم … والا كيف يتدافعون ؟.

جاء صباح غد متفل بدعاش الموت المستطاب، أحسست ببرودة فى أعصابى وأنا أتذكر ميتة الرجل ألضخم يوم أمس.

كان تافهاً فى موته مثل فارس رعديد. دخلت غرفتى، وأنا أنظر الى المشنقة من كوتى ، وهى منتصبة كطود أشم ….فأنشدتً

ما أجملك مشنقتى ..

ما أجملك وأنت تقطعين الرقاب، وتفصليها من (الطايوق) بالزوجة معفرة…

حبلك المتهدل مثل خصلة  فتاة غانج لعوب ..

تدلت خصلتك بانتظام وجمال..

يا فارعة ألقوام ، يا طويلة مهوى الحبل!!

ما أجملك أيتها الحبيبة البلوطية..كيف يكون حالى دونك ..

أنا أحبك حتى ألشهقة الاولى لضحيتى ألسرمدية

ثم جاء صوت وجلبة من الزنزانة الاولى .. انه صوت تعودتُ عليه، أحبه ويحبنى، موسيقى بداية العرض الشنقى … إذ فى الغالب ما تقاوم الضحية جلادها، هذا أمر منطقى، لابد من المقاومة والصراخ .. نظرت من الكوة .. كانت الضحية أشبه بأنثى، أشبه برجل، كان يقول (سجمى وكُر على)، لكن تحت المقاصل يستوى الإناث والذكران … لا مفر … هنا فقط يستوى الذكر والأنثى … قيل لى بعد فترة أنه كان قواداً مثلياً شهيرا يمارس السياسة والدُعر.. كانت ضحيته إمراة فى التسعين من عمرها .. أدركت أن موته حلالاً هنياً مرياً. كنت اشنقه وأنا أردد : الموت شنقا سبب تافه لعدم الحياة لكنه مفيد لك .. نعم مات الرجل الأنثى / ذكر الى الأبد … الآن لا يهمنى نوعه عليه أن يثبت ذلك فى مكان آخر …

ثم فُتح باب الزنزانة الثانية .. يا للهول، ماذا أرى ؟ انه هو .. الرجل الوسيم ذو البنطال الجينز ، و(التى شيرت) ، يحمل مرآة ، وهو يسرح شعره بهدوء ، ويمشى بتؤدة وكبرياء وشموخ نحو مشنقتى الحبيبة . كان ينظر الى المرآة ويعدل ياقة قميصه كأنه قادم على حفل عُرس .. ثار ألدم فى عروقى ، وبدا لى قويا ولكأن ألمشنقة قد انهارت وتراجعت… لكن المقاصل تنصب تباعاً ….. صعد الرجل الوسيم مثل رئيس أوربى شاب يتم استقباله على مطار قطر افريقى مقهور … ثم تم لفً حبل المشنقة حول عنقه بهدوء وهو يبتسم لجلاديه ، شيئ مرعب ، بدا حبل المشنقة أشبه بقطعة من حرير حتى خشيت عليه من التخنث المقصلى…. ومن المقاصل خناث. أزال غطاء الرأس لكن قاومه الجلادون حتى تمكنوا من الباسه اياه …لكنه لم ينس أن يبصق عليهم ، بصاقا قويا ، مثل طلقة ، انطلق ألبصاق من فمه مثل تلك البصقة التى علمها البطل لمحبوبته على سطح باخرة  التايتنك انها بصقة الكاوبوى فى فيلم (الاميركى ألقبيح ( The Ugly American)…. عندما أزلت الترباس مات ألرجل باسماً …..

عدت الى منزلى .. لم أكن سعيداً ، لا زلت أحسُ ببصقة الشاب ذو البنطال الجينز والتى شيرت. كان فارساً حقيراً ، كاد أن يهزمنى ويفض عجرفة حبيبتى المشنقة…لكن لا زال الشنق مستمراً.. سفلة أبرياء سأشنقكم جميعاً…. كيف سيكون حال العالم اذا لم يتم شنق كل هؤلاء …. ثم بدأت أستسلم للنوم ، فاذا بى داخل الغرفة أنظر من الثقب ، فُتح باب الزنزانة …يا للهول ، ماذا أرى … نعم ماهذا ، أرى نفسى مُقاداً وأنا أجر أرجلى ، وثم بدأت اصيح ، وأرفس رفسا شديدا ، وحبل المشنقة يتدلى أمام وجهى ..ثم صرخت صرخة مفزعة صحيت على اثرها .. وأنا أتصبب عرقا .. كابوس..

يوم غد حدث  شيئ عجيب  فى السجن العريق الجميل. لم تكن حبيبتى المشنقة منتصبة بشموخ وبهاء كالعادة ، لقد عفت الديار محلها ،و تم استبدالها بمقصلة ، أشبه بمقصلة الفرنسية أيام ما قبل الثورة الفرتسية ..أشبه بساطور ضخم تحته قطعة حديد كبيره بها ذقنية تسمى ألنطع . علمت انه قد تم استبدال المشنقة التقليدية بالمقصله ، والسبب هو عدم اكتراث المشنوقين بالمشنقة الكلاسيكية ذات الحبل المتهدل…. حيث تعود الناس على الشنق ، لأن الانسان كائن يمكنه أن يتعود كل شيئ حتى الموت شنقا. بل ردد البعض حكاية قصيدة عُثر عليها داخل  جيب أحد المشنوقين ألثوريين يقول فيها أيتها الحبال الغلاظ ،

كونى حبالا للمشانق ،

كونى شرفا فى كل زقاق!!

لذلك تم استبدالها بهذه المقصلة الحديدية .بعدها وبعد بضعة أشهر تم ارسالى الى دولة المقاصل الحديدية ألكبرى، فتدربت على  قطع الرؤووس وفصلها عن الرقاب . كنت انتظر بأحر من الجمر كى أعود واقوم ب (تأصيلها) فى سجنى العتيق . فمن المعروف حتى المقاصل لا يكون طعمها شبقا الا عندما يكون الجلاد أصيلا وكذلك الضحية… هذه هى العملية التى نطلق عليها اسم التاصيل الشنقى … لكن عند عودتى ، وجدتهم استبدلوا وظيفتى من شنًاق الى قصًاب !! لم يعجبنى الاسم الجديد ، لأن الاول مرتبط ارتباطا شرطيا ومتماهيا مع طبيعة ومنطوق الحكم .. الشنق حتى الموت ..مهنتى هى أن أشنق المحكوم عليه حتى الموت. لكن اليوم أنا قصاب …فقط قصًاب … تناقض بين المهنة واسمها … أبديت تزمراً، لكنى لم أكن أعلم ان مهنتى ليس بها حق و أدب التذمر أو الاعتراض فتم ايداعى وحبسى فى ذات الزانزانة …… هكذا كنت أول من جربوا عليه المقصلة .

إنتهت

الخرطوم نوفمبر ٢٠١١م

التعليقات مغلقة.