سياحة في أدب الحكم والسياسة إستطالة الحرب : أمين محمود محمد

ماسة نيوز : الخرطوم

بسم الله الرحمن الرحيم

مفتاح النصر في الحروب ؛ أن تكون الحرب دفاعا للحق ، لا الاستبداد ظلما بالمصالح المتنازعة فيها ، ثم الصبر ، فإن يكن المظلوم يألم فكذلك يألم الظالم والذي لا يرجو من الله خير الفوز بالشهادة كما يرجوه المستشهد دون حقه ؛ دينا أو نفسا أو مالا أو عرضا أو عقلا أو حرية ٠
وتنشأ الحروب على فكرة الاستحواذ بالحقوق المتنازعة ما بين ظالم يراد سلب الحق منه وما بين مظلوم يدافع عن ذلك الحق ٠ لذلك يرى أن الذي يستطيل أمد الحرب هو المعتدي الذي يرى مصلحته في إمادة استنفاعه بالحق الذي ينازع عليه فلا يريد إعادة عاجلة قبل استنفاد المنافع ٠

ومنهج حل النزاع والاحتراب بين فئتين مسلمتين هو الحكم بينهما بالعدل ليتخلى الظالم عن ظلمه قناعة ، فإن أبى ذلك حاربته كل أمة المسلمين إلى أن تعود تلك الفئة للحق وتتوقف عن الظلم ٠ فالباغي ، الذي أشارت إليه آية سورة الحجرات في قوله تعالى(.. فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ..) هي الفئة التي تطيل أمد الحرب ولا تعود للحق من تلقائه بالتوبة النصوحة ولا بجهد وحكم المصلحين ٠

وإنما تستطيل آماد الحروب بتغليب الظالمين للأهواء المضلة التي تزين لهم عدم الإقلاع عن معصية الظلم ، كما تستطيل الحروب إذا أصبح الإستمرار فيها وسيلة تكسب للعيش ، سواء للمحارب أو للذي يندب بتوظيف لوقف الحرب بين فئتين ٠ ومن أجل ذلك حدد منهج الإسلام مقاصد السعي للإصلاح أن تكون نجواها فقط لإبتغاء مرضاة الله تعالى (.. ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله ٠٠٠) .
إن مضار إستطالة آماد الحروب تتجلى بالتغيرات أو التطورات التي تطرأ على مظاهر الحرب بالتطويل ٠
فمظهر النزاع يقصد به الأساليب التي يتبعها الخصوم لإلحاق الأضرار على مصالح خصومهم ٠

في هذه السياحة ، سنشير إلى أهم مترتبات إستطالة أمد الحرب على الأطراف والمجتمعات ، وهي:٠
١ ٠ بالاستطالة تحدث الرتابة والتكيف والمواءمة فتأخذ المظاهر شكل العادة ، وتتبلد الاحاسيس بآلام الحرب وخاصة لدى المعتدين ، فالانسان يبقى في فسحة ، حتى يسفك الدم الحرام ويصيب المال الحرام ، فلا يمنعه بعد وازع دين أو أخلاق ٠
٢ ٠ يتعرف الإنسان على أساليب مقاومة غير تقليديه و يعمل على تغيير موازين القوة بالإصرار والاستقواء بالحلفاء ، والتعرف على الثغرات للنفاذ منها ٠
٣ . يتطور الحرب بالتمدد إلى مناطق جغرافية جديدة وباستقطاب أطراف جديدة للحرب ٠
٤ . بفظائع الحرب تتكثف الضغائن وتتجه المشاعر للانتقام وتنحسر فسحات العفو والتسامح ، وتظهر اسبابا جديدة للحرب ثانوية ولكنها تكون أقوى في دفعها أكثر من الأسباب الأولية ٠
٥ ٠ تفقد قيادات الحرب السيطرة على مقاتليها وتشتد انتهاكات حقوق المدنيين كونهم الحلقة الاشد ضعفا في مسرح وجغرافيا الحرب ٠
٦ ٠ اشتداد تحكم الطرف الثالث في مجريات الحرب دون أطرافها ، وقد لا تعبر شروط ترك الحرب إلا عن مصالح الطرف الثالث ٠
٧ ٠ تسلل اليأس من النصر، فتتصدع محاضن الحرب وتتواهن ولربما يفقد أصحاب الحق مزية انتصارهم بقوة الحق بذلك التصدع والاختلاف ٠
٨ . ظهور إيحاءات ووساوس الشيطان لدى الفئة الباغية تمنعهم من صحوة الضمير واستبشاع الظلم ٠ فتتوهم بقرب الانتصار وتحسن الموقف بحسابات خاطئة، وتهويل خساراته وقوله لنفسه كيف أترك الحرب بعد كل هذه الخسائر بينما يتجاهل أن خساراته أصلا لم تعد متناسبة بقيمتها مع ما يرجو من منفعة تتحقق بالاستمرار في الحرب ٠ كذلك فإن الخوف مما سيقوله الآخرون عن انسحابه من القتال لنمو وعيه وادراكه خطأ مواصلته في الحرب ، وخاصة من الحكامات والشعراء لدافع حائل دون التوبة ٠
٧ ٠ غالبا ما ينمو وعيا بالمخاطر بالاستطالة ، وقد يتعزز أثره في البحث عن وقف الحرب ، الإنهاك وضياع المصالح فناءا ، إذ غالبا ما يلجأ طرف لتزهيد طرف بإفناء أصل ما يتنازع عليه ، فيطفئ نار الحرب بما يفعله شخص محاصر داخل حشائش بنار تدفعه رياح عاتية ، فلا سبيل لخلاصه إلا أن يشعل النار في الحشائش تحت قدميه ويتثبت في رمادها التي لن تمتد اليها نارا لاحراقه ٠ هذه الطريقة هي التي يصطلح عليها ب( مون بارا جانو ) وترجمتها أن الرماد وقى من الترميد أي وقى من الإحراق ٠
نخلص إلى دعوة جهيرة للدعم السريع الذي تمحور بنحو ما على التنسيب لقبائل متعينة تلقى عليها أوزار ما فعلت بالوطن السودان ؛ فندعوها بأن تقلع عن الحرب ، وأن ترعى مستقبل تعايش أهل السودان معا في سلام ٠ وكما يقال عليها ألا تلوث محاضنها بالأرجاس ، فالعيش معا في سلام هو غاية المجتمعات ، وقاعدتها ، بألا ضرر ولا ضرار ٠

وعلى قادة الرأي في المجتمعات التي انتسبت لها الدعم السريع وبتكثف لا يمكن نكره ، أن يعلنوا نفير توعية يزيلون بها دوافع الحرب في عقول أبنائهم ٠ فالحروب تنشأ في العقول ولا تنتهى أيضا إلا بإجلاء ما علق العقول من دعاية ٠٠ أخبروهم أن الحرب في السودان أكلت أهدافها التي أصبحت مستحيلة المنال عن طريق الحرب ٠ واستطالتها الآن تخدم غرضا واحدا هو نفرة كل السودانيين للدفاع عن أنفسهم ضد انتهاكات الدعم السريع ٠ فلا تصدقوا أبدا من يدفعونكم أو بالأصح من يدفعون ابناءكم للحرب نيابة عنهم ٠ فيقينا لن يجني الدعم السريع من نزاع السلطة إلا المنهوبات وخزايا الاغتصاب وهي في الحقيقة مسبات و مدونات تبشيع لصورتهم لقرون تاليات ٠ انهضوا أيها المتعقلين وتمثلوا قوله تعالى ( ٠٠ فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) التوبة ( ١٢٢) . صدق الله العظيم

د. أمين محمود محمد عثمان

١١ اكتوبر ٢٠٢٣ م

التعليقات مغلقة.