المجموعة السودانية للدفاع عن حقوق الانسان SUDANESE HUMAN RIGHTS DEFENDERS بيان حول الهروب الجماعي للمساجين والمنتظرين من مختلف سجون السودان

ماسة نيوز

بسم الله الرحمن الرحیم

تكوين لجنة للتحقيق ومحاسبة المتسببين والمقصرين في تمكين هروب السجناء وإعادة تأهيل وتأمين السجون ومناهضة ظاهرة الإفلات من العقاب تبقي علي رأس أجندة الحكومة الانتقالية
القائمون علي نظام الثورة العدلي مطالبين بتوخي العدالة مستلهمين الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي)

ما لم يكن ممكناً خلال الاحوال العادية بات وارد الحدوث في زمن المصائب الكبري التي تعتري السودان ، فمع اطلالة كل صباح نفاجأ بولادة محنة جديدة أشد غرابة من سابقاتها. واليوم ها نحن نشهد اكبر فضيحة في تاريخ السجون بالبلاد ، وتتمثل الفضيحة في هروب مئات المحكومين من عتاة المجرمين ,الموقوفين علي ذمة المحاكمات في أخطر الجرائم التي شهدتها البلاد من السجون ، في الوقت الذي تتبادل فيه الاطراف الضالعة في النزاع المسلح الدائر حالياً الاتهامات حول مسئولية اقتراف هذا الجرم العظيم.
في أعقاب وفاة المرحوم الشريف بدر علي خلفية جائحة الكرونا ما برحنا ننادي بضرورة اعتماد تدابير احترازية تكفل سلامة المحكومين والمنتظرين في الحراسات لمدد متطاولة علي ذمة التحقيق حتي لا يضاروا ذلك أن من أولي وظائف مؤسسة السجون الحفاظ علي سلامة رعاياها وعدم التلكؤ في تقديم الخدمات الضرورية لهم اثناء فترة الحبس المتطاول فضلاً عن الحفاظ علي سلامتهم في وجه المهددات والاخطار التي من شأنها ان تستهدف سلامة السجناء. ولم تزل قضية الحبس المتطاول بلا محاكمات تشكل مصدر ألم بالغ كونها تتناقض مع أهداف ثورة ديسمبر ، وتشكل إنحرافاً عن معايير العدالة في عهد الثورة ونظامها العدلي الذي ما ينبغي له أن يقع في أخطاء الانقاذ التي اعتمدت تسييس المؤسسات العدلية والأمنية وتسخيرهما في ملاحقة الخصوم السياسيين وأصحاب الراي الآخر ، وهو أمر إكتوي به كل من جاهر بمعارضة الانقاذ بما فيهم طائفة من الاسلاميين أنفسهم ، ، ومن هنا ننادي بتقديم المحتجزين علي ذمة التحقيق لمدد متطاولة إلي القضاء حال توفر حيثيات متينة تصلح لكي يدفع بها إلي المحكمة، او العمل علي إطلاق سراحهم فوراً مشيرين الي المظالم التي وقعت في حق العديدين ومن ضمنهم الدكتور عبد الرحمن الخضر ومحمد حاتم سليمان ومن سواهم حيث ظلعديدون رهن الحبس منذ قيام الثورة إلي يومنا هذا بلا محاكمة ، وهنا نبدي تعاطفنا مع الأستاذ كمال عبد اللطيف الذي أطلق سراحه مؤخراً بعد قضاء زهاء ثلاث سنوات في الحبس وهي تعتبر في حد ذاتها عقوبة ظالمة ، أما القائمون علي نظام الثورة العدلي فهم مطالبين بتوخي العدالة إحتكاماً إلي الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي) سورة المائدة ، آية 8 .
واقع الامر أن أوضاع السجون التي اختبرها كل من تعرض للسجن علي خلفية خضوعه لاحكام تتعلق باقتراف جرائم جنائية او اتهامات ذات طابع سياسي وفق قانون الامن والمخابرات قد ذاق الامرين في سجون السودان جراء المعاملة القاسية الامر الذي يتنافي مع الحقوق والحريات ومتطلبات الكرامة الانسانية. وقد ظلت أوضاع السجون تعاني من تدهور مريع خلال فترة حكم الانقاذ ولم تجد دعوات اصلاح السجون أذناً صاغية الي ان دارت الدوائر ليجد السجانون من قادة الانقاذ انفسهم في موضع السجناء ليكتشفوا كم كانت أوضاع السجون بالفعل مقيته وقاسية، وهكذا شهدنا محاولات طابعها العون الذاتي لتأهيل الاقسام التي يشغلونها بالسجون من قبل الموقوفين علي ذمة التحقيق، ومن حسن التقدير ان ادارات السجون لم تبخل بالموافقة ومنحت الاذن لهكذا أنشطة لم يكن مجرد التفكير بانفاذها في الماضي يقع في دائرة المسموح به والمباح مما يعد تطوراً ملحوظاً في هذا السياق؟؟!!.
ربما كان ما نتحدث عنه ونطالب باعتماده مجرد نوع من الترف في ظل انفراط الامن علي نحو مروع في مختلف ارجاء السودان وما صحبه من اقتحام مباشر للسجون وتحرير شاغليها لأسباب ومسوغات مختلفة فتارة جري الامر بغرض تحرير مجموعات تخضع لأحكام يصل بعضها للاعدام بسبب تورط اصحابها لجنايات تتعلق باستهداف الثوار قبيل ثورة ديسمبر وما تلاها ، وتارة عزوها لانعدام الامن، وتارة لعدم توفر الاكل والشرب وغيره من المسوغات التي سيقت لتفسير ظاهرة اكبر هروب تشهده السجون في تاريخ السودان ؟؟!!.
عمليات اطلاق سراح السجناء لم تكن في غالبها سلمية حيث راح ضحيتها العديد من السجناء والموقوفين ولا ندري علي وجه التحديد كم كانت اعدادهم ولا الظروف التي واكبت اطلاق سراحهم من السجون. وفي غمرة (الفوضي غير الخلاقة ) وجد العديد من السجناء الذين هم علي قيد المحاكمة او المتهمين علي ذمة جرائم الحرب بدارفور التي تخضع للنظر بواسطة المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن المتهمين بالضلوع في انقلاب الانقاذ العام 1989 م… وجدوا الطريق مأموناً وممهداً للخروج الجماعي من سجن كوبر.
في خضم انشغال الناس بالمصائب الكبري التي تجتاح البلاد جراء الحرب الدائرة في مختلف ارجاء السودان فات علي الكثيرين التوقف للنظر في ابعاد جريمة هروب او (تهريب السجناء) وذلك من حيث السؤال عن الجهة المتسببة في الجريمة ، او الجهة المسئولة عن تمكين المساجين من الفرار جراء الفشل في تأمين السجون والمساجين مما ممكن المتسبب ، اياً كانت هويته، من إنجاز مهمته بنجاح ليجري السماح لالوف المساجين من الافلات من العقاب ويشمل ذلك المتهمين علي ذمة الجنائية الدولية وانقلاب الانقاذ ؟؟!!.
فيما يبدو ان الاضطرابات التي واكبت الهجوم علي السجون لم تحدث فجاة فقد سبقتها ارهاصات كانت تنذر بشر مستطير حيث شهدنا الهجوم علي سجن الهدي ثم سوبا وانتهاء بسجن كوبر الامر الذي كان من شأنه أن يطلق أجراس الانذار منذ وقت مبكر لاتخاذ التدابير والاجراءات التحوطية لتشديد الحراسات و تعزيز قوات السجون من اجل ضمان حماية المساجين ، او بالعدم المسارعة في اتخاذ قرارات فورية تقضي بنقلهم الي مواقع اكثر امنا في ظل استهداف وارد الحدوث، بيد أن السلطات لم تفعل شيئاً في غمرة انشغالها بأولويات اخري ليس من ضمنها تأمين السجون والمساجين لتترك الآلاف من نزلاء السجون نهباً لأوضاع بالغة الخطورة مما حفزهم علي الفرار.
نسبة للرمزية التي تمثلها قضية المحكمة الجنائية الدولية علاوة علي القضية المرتبطة بالضلوع في انقلاب الانقاذ ، فقد كان حري بسلطات السجون ومن خلفها القوات المسلحة أن تعطي أولوية عظمي لتأمين هذه الفئة من السجناء بصفة خاصة سيما مع انطلاق شائعات تجزم بان احداث الاحتراب الاخير لم تنشأ في الاساس الا من أجل تمكين المتهومين من الفرار. وحال الفشل في توفير الماكل والمشرب او العجز عن التأمين في وجه اي هجوم محتمل فقد كان الاجدر بالسلطات المختصة نقل السجناء علي الفور الي مناطق اكثر تاميناً مثل منشأة علياء بالسلاح الطبي رفقة الرئيس السابق عمر البشير وبالتالي إخلاء أنفسهم من مسئولية ما يحدث.
ومن عجب اننا استمعنا الي شريط صوتي منسوب لمولانا أحمد هرون احد المطلوبين لدي الجنائية الدولية يشرح فيه الملابسات التي افضت الي خروجهم من السجن الي موقع آمن مؤكداً النية في العودة الي السجن تارة اخري حال عودة الاحوال لطبيعتها، بينما لاذت العديد من الجهات الرسمية بالصمت بازاء هذه الوقائع العجيبة التي اتخذت من سجون البلاد وفي مقدمتها سجن كوبر مسرحاً لها ؟؟!!. ومن هنا تنشأ تساؤلات مشروعة علي شاكلة إلي أين ذهب هؤلاء السجناء ؟! وكيف تسني لهم الخروج من سجن كوبر في خضم هذه الفوضي الضاربة باطنابها بدون التعرض لأي أذي ؟! وهل هنالك جهات ما او تنظيمات أشرفت علي تنظيم وتأمين عملية اخراجهم من السجن في ذروة الاحداث ؟؟ ام ان السجناء خرجوا هائمين هكذا علي وجوههم خارج السجن يلتمسون النجاة ليلتقطهم بعض السيارة الذين تصادف مرورهم جوار سجن كوبر ؟؟!! ومن ثم كيف تسني لهذه الفئة من السجناء التماس الطريق الي ملاذات آمنة وفق ما جاء في إفادة مولانا هرون الذي انتدب نفسه للتحدث نيابة عنهم ؟؟.
ومهما كان الامر، والي أن تتضح الحقائق كاملة لجماهير الشعب السوداني عبر بيان رسمي من سلطات الاختصاص تشرح فيه طبيعة ما جري، فإن المجموعة السودانية للدفاع عن حقوق الانسان إذ تكتفي باستعراض الوقائع والاحداث التي واكبت عملية أكبر هروب جماعي يشهده تاريخ السودان فإنها تود أن تؤكد علي المطالب التالية:
ضرورة تكوين لجنة للتحقيق ومحاسبة الجهات المسئولة عن هروب السجناء، أو التي اسهمت في تمكينهم من الفرار جراء التقصير في تعزيز إجراءات التأمين، مع إتخاذ الاجراءات التي تكفل إعادة السجناء فضلاً عن تشديد إجراءات الحماية والتأمين التي تضمن عدم تكرار هذه الظواهر مرة أخري.
إكتشاف المواقع التي انتقل اليها السجناء والموقوفين علي ذمة المحاكمة او التوقيف في كل من قضية المحكمة الجنائية الدولية أو الضلوع في انقلاب الانقاذ وإعادتهم علي وجه السرعة الي السجون، او نقلهم الي مواقع اخري اكثر امناً تحت رعاية السلطات المختصة وحمايتها.
نقل المرضي الذين يعانون من أمراض مزمنة الي المستشفيات المتخصصة مع توفير اقصي درجات الرعاية الطبية وتأمين أوضاعهم ووقايتهم من الأخطار المحدقة في ظل الاضطراب الامني في البلاد.
تسريع الاجراءات القضائية للفصل في قضية انقلاب الإنقاذ واصدار الاحكام بشانها اما بتبرئة المتهمين او ادانتهم ، مع عدم السماح للإجراءات بالتطاول خاصة وان القضية في مراحلها الأخيرة وفق أهل القانون.
معالجة معضلة الحبس المتطاول علي ذمة التحقيق ، وإجراء الاصلاحات القانونية علي مستوي القوانين الجنائية والاجهزة الامنية في ظل أي حوار مستقبلي جاد يضطلع به المدنيون والعسكريون في تآزر وثيق بحيث لا يستقل بهذه المهمة طرف دون آخر في مسع لرفع الظلم عن الموقوفين علي ذمة التحقيق لآجال متطاولة.
النظر في الخيارات المتاحة لقضية المحكمة الجنائية الدولية ، وذلك بالشروع في إجراءات المحاكمة إما عبر محكمة مختلطة داخل السودان ، أو نقل المتهمين الي لاهاي للمحاكمة في المقر الرئيس للمحكمة الجنائية حتي ندرأ الاتهامات التي سيقت في مواجهة القضاء السوداني ومن خلفه السلطات السودانية ومفادها أن السودان غير راغب ولا قادر علي انفاذ مبادئ العدالة والانتصاف لضحايا جرائم الحرب في دارفور التي اودت بحياة ثلاثمائة الف وفق مصادر دولية ونحو عشرة الاف وفق تصريح المسئولين السودانيين انفسهم، وهو ما أعطي مسوغاً لاستصدار قرارات مجلس الامن التي قضت بإحالة القضية إلي المحكمة الجنائية الدولية .
وضع خطة شاملة لاعادة تأهيل وإعمار السجون في السودان بمختلف اقسامها ومرافقها وتزويدها بالخدمات الضرورية، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة للنزلاء، ومراعاة المعايير والمبادئ والقوانين الوطنية والدولية المنصوص عليها في القوانين واللوائح المنظمة لأوضاع السجون.
تبقي ملابسات قضية هروب السجناء وما تجسدة من ظاهرة الإفلات من العقاب قيد النظر والمراجعة ولن تدخر المجموعة وسعاً في متابعتها علي الدوام علي المستوي الوطني والإقليمي والدولي .
الخرطوم في 30 أبريل 2023 م
د. فتح الرحمن القاضي، رئيس مجموعة المدافعون السودانيون عن حقوق الانسان
Dr. Fath Elrahman Elgadi, Chairperson, Sudanese Human Rights Defenders
TEL: +249912219666 /E – Mail: elgadi100@gmail.com

التعليقات مغلقة.