محاولة الكتابة : 4 في أمور شائكة الحركة الإسلامية في السودان (٤)/ الاستاذ : عبد المنعم ابوبكر
ماسة نيوز
بسم الله الرحيم الرحيم
—————————-
أولا :–
قضية السودان الأولى والكبرى ؛
* هي قضية وحدة الشعب السوداني المسلم بمعظمه الساحق، وهي تعني بالضرورة وحدة صف المسلمين في السودان ، فبوحدة مسلمي السودان ، تتأكد أيضا وحدة أصحاب الأديان الأخرى من نصارى ويهود ووثنيين الذين عاشوا مع أخوتهم المسلمين قرونا بسلام آمنين ومخالطين ، لم يقهرهم أحد على تخل عما يعتنقون من أديان ومايعتقدون من عقائد يمارسون بحريةعباداتهم وطقوسهم ويشيدون معابدهم ، متى وأين شاءوا .
* فمن هم الدعاة السودانيون الذين يجب عليهم القيام بهذه المهمة النبيلة — الدعوة إلى وحدة الشعب السودان المسلم ، ومتى وكيف ؟
إنها دعوة تجب ، دينا ،على كل فرد وجماعة وقبيلة وحزب وطريقة ومذهب وأجهزة دولة ومؤساسات رسمية وأهلية ، مهنية وحرفية، ومنظمة اجتماعية وحركة مسلحة مصالحة أو
متمردة . وكذلك تجب بحق المواطنة ، على كل من عاش مع مسلمي السودا ن في هذا الوطن العزيز . بل ويجب عليهم جميعا أن يقوموابهذه المهمة منذ الآن ومن فورهم هذا وهم موقنون أن لا أمان ولا استقرار ،ولا نهضة ولا عزة لوطن جل أهله متشاكسون متنازعون متباغضون متفرقون ، بل ومتقاتلون . وليعلم جميع أهل السودان خاصة المسلمون منهم ، أن كل من علا منصبه بين أقرانه رئيسا أو قائدا أو زعيما، مدنيا أو عسكريا ، عظمت مسؤوليته وزاد أجره إن هو أحسن مخلصا ، أو تضاعف إثمه وثقلت أوزاره ، إن هو أساء وقصر . فلا حياد لمسلم مطلقا في شأن دينه . فلا استسلام منه لأحد غير الله ، ولا بغيا منه على غيره من عباد الله :
( قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون . ولا أنتم عابدون مأ أعبد ، ولا أنا عابد ما عبدتم،
ولا أنتم عابدون ما أعبد ، لكم دينكم ولي دين).
سورة الكافرون
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا
تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )
سورة البقرة — ١٩٠ .
* فإن أراد العدو المحتل أن يوحي بإقامة مثل هذه الأجسام ، وأنشأ تلك الأجهزة ، ونظم تلك النظم ، إنما كان يريد بها فرض نفوذه وتمكين هيمنته لتحقيق مصالحه ، من ناحية ، ثم يريد بها كسر إرادة الشعب السوداني بقوة قهره، وإضعاف عزمه بتمزيق صفه وتفريق مجتمعه بفتن التنازع والبغضاء ، من ناحية أخرى .
* فلتكن إذن كل أجهزة الدولة السودانيةرسمية وشعبيةومؤسساتها كل كيانات مجتمع السودان الإجتماعية والسياسية ، فلتكن جميعها مجندة
لتمكين الأسلام عقيدة للشعب ونظاما للمجتمع
فلا يجوز لمسلم مطلقا أن يقيم كيانا أو ينصب
راية دعاية لإعلاء شأن من شؤون الحياة الدنيا
ليس له فيها من الله رضى ، ولا للناس لهم فيها صلاح قي الدنيا والآخرةإلاخاب وخسر ثم فشل
* أفما رأيتم كيف أن المسلمين في السودان — شأنهم في ذلك شأن كل المسلمين في بلاد الدنيا اليوم — حين تراهم يسارعون إلى ابتداع المنابر المتعددة ويتفنون في اتخاذ الوسائل المختلفة ، فرحين بما يظنون أنهم قد امتازوا به عن غيرهم إذ يتباهون بكثرة تابعهم ،وكأنهم حقا للإسلام ينتصرون ويتنافسون تفرقا حراما لكن لايبالون بمايصيب صفهم من وهن وخذلان ولا يلبثون بغفلة منهم ، أن تسثحيل منابرهم إلى بؤر تنازع ومعاول هدم تدمر الأمة المسلمة ولا تبنيها في أخص مقاصدها بأنها خير أمة أخرجت للناس ، لا لتفشل وتتفتت شعوبها إلى كتل متناحرة مقتدية بمناهج وثقافة عدوها الذي يتربص بها الدوائر . ضلالا من إلغاء للدين وإقصاء له من الحياة كلها ، فجعلوا القرآن عضين يؤمنون ببعض آياته وببعضها يكفرون، ثم إنهم بعد ذلك يدعون زورا بأنهم مسلمون !
أن قضيةوحدة الشعب السوداني المسلم ، هي قضيةتجب على كل فرد سوداني مسلم وجوبا عينيا ، ما دام هو يعيش داخل السودان أو في خارجه . وهي قضية لا يختص بها أحد دون الآخرين ،فالسودانيون المسلمون كلهم في هذا الأمر معنيون ، علماؤهم وعامتهم أجهزةدولتهم ومؤسساتها سياسيةواجتماعيةوعلميةورياضية
وحيث يعملون ولكن بالحكمةوالموعظة الحسنة
يجادلون ويبشرون .
ثانيا:–
* وفي هذا الشأن فلابد من قدوة وأسوةحسنة
تجردت وأوقفت كل حياتها لوحدة أمة الإسلام
يتأسى بها ويتبع سننها ، فمن غير محمد نبي
الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وسلم ، فكان هو الأول ، فكان عمله منذ مبعثه وبعد هجرته إلى المدينة ، هو شروعه بتأسيس وبناء المجتمع المسلم نواة لدولة الإسلام ،فبدأ ببناء مسجده الشريف منطلقا لدعوته ومدرسة لتربية من آمن وأسلم لله ، ومقرا لإدارته،فآخى بين أصحابه أنصارا مهاجرين ، وواثق بين أهل المدينة على اختلاف اديانهم وأعراقهم نواة لوحدة أمة الإسلام ، فنظم الأسواق والزروع تنميةللاقتصاد وخطط لأمن وحمايةبيضة دولة الإسلام ،متحالفاومعاهدالمن حوله من الأعراب ومراسلا للممالك والإمبراطوريات نشرا لدعاية الدين بين الناس داعيا إياهم سلما أو دفعا إذا بغوا على الإسلام معتدين .
* إن قضية وحدة الصف السوداني المسلم هي قضية جد لا هزل فيها ، ودأب لا راحة خلالها ، ولا تقاعس ولا سكون بعد قيامها، وإن لها لروادا عظاما ، تفرض علينا مناسبة القضية مس شيء من سيرة أحدهم العطرة ، انموذجا لداعية مسلم سوداني معاصر فذ بين أقرانه. ومن يكون سوى أبي الصديق الشيخ المجاهد حسن الترابي.الذي ولدذكيافي بيت زكي طيب الأعراق أبا عن جد.خاض غمارالحياة أبيا عصيا كلها جهد وبلاء وفي كبد .
وعاش كفيفاعن بهارج الدنيا ومباهجها امتثالا
لأمر ربه :”واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك
عنهم تريد زينةالحياة الدنيا ، ولاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا.”
فلم تذهب به المناصب الأكاديميةولا السياسية
عن جادة أهدافه سفلا أو علوا إنما ازداد عمقا
في تواضعه الجم للناس وبين الناس وبالناس،
وعاش عفيفا نفسا ويدا ولسانا عن مطامع الدنيا ومتاعها كبائرها وصغائرها ، فلم تغره ولم تستفزه لتذهب بلبه، وتطيش بعقله، مثلما تفعل بأنداده درجةفتعلقوها مالاودثارا وعقارا، وجاها وسلطانا وعلوا في الأرض وفسادا .إلا من رحم ربك وقليلا ما هم .
عاش كل عمره حبيسافي محراب العلم والتعلم
صبيا تقيا ، واستيعابا وتعليما ونشرا وفكرانافذا حتى بلغ من العمر عتيا . وقد حبسه باغضوه سجينا عدوانا وظلما ، سنين عددا ، فما وهن وما استكان ،
فقضى كل عمره داعياإلى الله بإذنه بشيرانذيرا أوقف نفسه وفق بيعها لله رب العالمين،بل ماله وآله ، وداره مفتوحة ليلا ونهارا ، فراشا ممهدا هنيئا طعامه ،وسائغ شرابه وأهله وعياله حشمه وخدامه ، مقصدا لذوى الحاجات ضعافاوأقوياء
فظل على أمرالدعوة هكذا قاعدا وقأئما وساعيا مخاطباوكاتبا ، جاب أنحاء السودان مدنا وقرى بوادي وريفا ، وطاف ما تيسر له من بلاد الدنيا فتلقى ما تلقى محتسبا من الأذى قولا وفعلا فكان كل همه توحيدصف مسلمي بلده السودان ليكونوا أسوة حسنة لشعوب أمة الإسلام ،
فكان مبدعا في مسعاه إلى تحقيق هدفه ذاك فكلما ظن أن وعاء الدعوة قد ضاق ارتقى إلى أوسعه ، فمن “الإخوان المسلمون”حيث الصفوة والإنتقاء والسرية، إلى”جبهة الميثاق الإسلامي” حيث الجهر بالدعوة وإعلان النظم، إلى اجتماع الحد الأدنى من مبادئ ميثاق القوى الإسلامية جماعات وأفرادا ، فلما وقعت واقعة ثورة مايو الحمراء كانت الجبهة الوطنية ملاذا آمنا لأكبر حزبين بالبلاد مع جبهة الميثاق منطلقا لجمع أقوى صف للمقاومة ، فلما أفشلت خيانة أحد لأحزاب غزوةتلك المقاومة ،فإلى باحات الإتحاد الاشتراكي حين سعى إلى الجبهة مصالحا والشيخ حينئذ كان رابضا في سجون مايولسبع سنين خلت ، وذلك مقابل حرية الدعوة إلى الله بلا مساس ، كما لا تمانع الحركة في خدمة مواطنيها في أي مرفق إذا شاءالنظام الاستعانة ببعض فرادها . فلما تهاوت ثورةمايو ، واشرقت شمس الحرية، فإلى الجبهة”القومية”الإسلامية
حيث تنادت إليها جماهير المسلمين وغير المسلمين ، من قبائل وجماعات إسلامية وطرق صوفيةوأفراد من جميع أنواع الطيف السياسي القديم من الشرق والغرب والشمال والجنوب والوسط ، أعظم نواة لوحدة الشعب السوداني شهدته البلاد في تاريخها المعاصر . فلما انجلت معركة الإنتخابات العامة ، مابعد ثورة أبريل فصارت الجبهة الإسلامية “القومية” ثالثة أكبر ثلاثة من أحزاب البلاد . فتضامنت مع غيرها فشكلت حكومة قومية ائتلافية ، فعاجلتها أيدي الخيانةوالغدر بإسقاط حق الجبهةالشرعي فقط ،في المشاركة في الحكم ، فقد تربصوا بها فتربصت بهم ،حيث استولت الحركة الإسلامية على السلطة،دفاعا، بانقلاب أبيض”ثورة الإنقاذ” هو الذي أسقطت به انقلاباآخر كان على الجبهة قصدا وحسدا ، ولكن الإنقاذ قطعت على نفسها عهدا أن لا يدوم حكمها منفردة وعسكريا لأكثر من ثلاث سنوات . ثم ليعودالحكم إلى الأحزاب ديمقراطيا رشيدا ، فداهمت الإنقاذ المؤامرات داخليا وخارجيا،فأخلفت موعدها لا نكوصا منها لكن لخيانةوطمع وقعاغدرا بين صفوف الحركة فانشطرت الحركة ،ثم لينقلب ذات البعض الآبق عدوا ضد بعضها الآخر الذي يقوده الشيخ، فآلى الشيخ على نفسه ألا تكون مفاصلة مشاقة وتنازع انتقام ، سجنا ودماء ، ولكن الشق الآبق لم يبال فقد فعل ، فاحتسب الشيح ومن معه فصبروا وظلوا يعالجون الأمور بحكمة وحلم متلمسين كل الأعذار ، طارقين كل السبل التى قد تخلص شعب السودان من قبضة طغيان فاش جاثم ، فلعل ذلك قد يفضي بالشعب إلى حرية قد تمكنه من توحيد صفه. فتنتهي مآسيه.
* ثم خاض الشيخ ورفاقه معركةالحوارالوطني لسنين عجاف ، فانتهى بهم الحوار إلى ما ينهى ظلام الكبت فيؤذن بفجرالحريةوالسلام ، ولكن الظالمين أبوا فظلوا يخادعون ويراوحون مكانهم ، والشيخ يجاهد ويدافع حتى سقط شهيدا مضرجا بحبر قلم الهدى والحريات ،وبين يدي عمله ذاك العظيم وأمله الكبير والذي ظل يدعوإليه طوال عمره حتى أتاه اليقين.فأودعها مسطورة “المنظومة الخالفة”،منهجا لوحدةصف الشعب السوداني المسلم أسوة لشعوب أمة الإسلام .
* تلكم هي بعض قطرات من جهاد دؤوب لرجل
متجردزاهد موهوب في كنف رهط من أصحابه أخلصوا إخلاصه وبذلوا بذله فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا . عليهم جميعا صلوات من الله ورحمة منه وبركات ورضوان من الله أكبر .
^ فبمثل ذاك السعي فليعمل العاملون الصادقون لوحدة هذا الشعب السوداني المسلم ، عوضا
عن هذا العبث المضحك المبكي والذي يلهو به
من يدعون أنهم أحزاب تريد رفعة لشعب السودان ونهضته وهي تمعن بالفرقة والشتات
ليس في جعبتها ما يصلح حالاأو ينهض بشعب.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل !
التعليقات مغلقة.