كارينيو يكتب…* *الجنرال حميدتي مشروع الرئيس القادم وسط عواصف الصفوة الحاكمة*

ماسة نيوز : الخرطوم

 

إن مضمون الفقرات القادمة نتحرى فيها مواصلة البحث عن دور شخصية الجنرال حميدتي في الدولة حتى تحقق التغيير المنشود وهنا ما يقودنا أن نكتب عن هذا التغيير يأخذنا التحليل في ذلك، عن ادوار الرجل وهو يتحرك وسط هذه العواصف دون أن يحترق بهجيرها.
والحديث عن هذا الرجل من باب الحقيقة التي نزعمها أن الجنرال كان وما زال هو الدولة منذ مجيئه والدولة هنا نقصد دخول رجل من خارج النخبه وجلس في محيط ذلك القصر الذي بات الرجل فيه غريبا لم يألفه القصر من قبل ولا يألف حتى مفرداته وطعامه وعاداته وسلوكه .
نقول كيف يحدث هذا؟
يلعب الجنرال الدور الاساسي الان في بناء الدولة وبلورتها وفي سبيل ذلك تتشكل معالم دولة العدالة الاجتماعية لأول مره في تاريخ الحكومات الوطنية ومن خلال إتفاق جوبا يتبين لنا مستقبل النادي السياسي الجديد عن طريق تلك المسارات وإكمال ملف الترتيبات الأمنية هنا نعني أنه لن يكون بمقدور النادي السياسي القديم *<النخبه>* أن تنفرد بإدارة الدولة وحدها وأن التغيير الذي ننشده هو تحريك الفاعلين من كل اطراف البلاد أن يساهموا في القرار وهذا أصبح بمكان والان تتحرك مياه ذلك الجبل الجليدي المتجمد لتغرق وتبتلع المشهد وهذا واضح في أحداث متفاوتة الان في الراهن اليوم وما تريده تلك النخبه الان هي محاولة صب الزيت في النار وهي تخشى النار في ذات الوقت وأنها تدري مياه التغيير مسنودة بتلك النار التي لا تخشى الزيت وأن الزيت لو قيل له الان تحرك وتدفق إلى نار النادي الجديد لرفض وتراجع وما لم يقال أيضاً أننا على أعتاب تغيير بات على وشك.
*هل بالفعل نحن أمام تغيير؟ وما دور الجنرال فيه؟*
هذا الزعم كبير ونحتاج لمعطيات لإثباته كثير من الشواهد نسردها، لكن الناظر لهذا المشهد بدقة يجد حتى يكتمل التغيير كان يحتاج إلى رجل خارج بيت النخبه حتى تكتمل معادلة التغيير وهنا كانت كلمات الرجل منذ فجر بعيد قبيل سقوط البشير من مدينة طيبة جنوب الخرطوم بجبل أولياء كانت تلك الكلمات هي وقود التغيير وشعارات الثوره تجلت ولاحت وأقتربت وتفجرت بعد ذلك طاقات شبابية ادركت بذكاء وقوف الرجل بجانب الثورة .
هنا نحتاج إلى فهم مسيرة حياة الجنرال حميدتي فهي مفيدة وكاشفة إلى مدى كان في ذهن الجنرال تصور ما للقيام بذلك، وما يفيدنا كذلك أننا قد نصل ولو عن طريق التحليل الإستقصائي شيئاً ما إلى حقيقة وعي الجنرال كونه يذهب على تحقيق التغيير كما يجب أن يكون.
إن نشأه كهذه لا شك تعود الرجل أن يذهب بين التناقضات قبيل السقوط بين الحاءات الثلاث ودوره في الصمود وسط العاصفة الأولى وكانت هي الأخطر بمكان وبعد السقوط وهي الأصعب أيضاً حقيقة الأمر مدهش ويستحق الدراسة والوقوف، تجارب مثل هذه وما زال الرجل في في مقتبل العمر كل هذه قومت كثير من مواقف ومفردات وعي الجنرال إذ مكنته من لعب أدوار سياسية كبرى بمعايير ذلك الوقت والأن، وصقلته و جعلت منه شخصاً قياديا قادراً على فهم لعبة توازن القوى، وهذه المؤهلات ساهمت بكثافة لاحقاً في قرارات الرجل حينما صار الحاكم بأمره في عاصمة *<النخبه>*، كما أن الوضع الذي نشأ وترعرع فيه كان أيضاً دافع له بإعتبار أن نشأة البادية القاسية وتضاريسها الوعره تؤهل الرجل لخوض الصعاب والثبات بسهولة وعدم التمترس خلف قيادة الاخر وهذه من صفات إنسان البادية مهما كان الآخر دعك من هذا الآخر.
والدولة العميقة بعد التغيير وعبارة دولة نستخدمها مجازا بطبيعة الحال، إذ لم تتوفر شروط الدولة في هذا البلاد منذ عقود إنما كانت تحالفات بيوتات ومناطق وإثنيات لمح بريقها منذ دولة الخليفة عبدالله واللوبيات التي تشكلت وكان واضح من كتاب المجذوب وكتاب السيف والنار في السودان للكاتب سلاطين باشا، والجنرال اعتلى سنام الدولة بعد التغيير بحق موقفه كما هو بائن في صفته وشخصيته وحقيقة ورغم كل الأراء الناقدة والناقمة بل والمتحيزة ضد هذا الجنرال، فالصحيح أنه رجل دولة *<عاش>* في لحظة فارقة في الوعي على الأقل بالنسبة للتغيير الأن والثورة الديسمبريه كتب لها النجاح بسبب السخط العام ووجود قائد كاريزمي وهنا نقول قد يكتب النجاح في الاغلب الأعم للثورة إن كان هناك سخط بين أفراد المجتمع لا يقتصر على طبقة معينة أو إقليم محدد بل يسود المجتمع بأسره على أن يكون نتيجة ضغائن محددة لا مجرد مشاعر مبهمة أو أحاسيس عارضة وعلى ما في هذا الرأي من وجاهة إلا أن تعميم طبيعة الثورات تحتاج وقفة في الحالة السودانية، بطبيعة التركيب الخاص لكل مجتمع مع إستصحاب عنف الصفوة الحاكمة.
من خلال هذه السطور نحاول فهم النادي السياسي الجديد وفهم الظاهرة الإجتماعية السودانية بعد التغيير، الظاهرة وممثلوها، لعلها محاولة تدبير سردية في المعنى الحقيقي لطبيعة التشكيل والتكوين القادم، ومجالنا في التحليل ينطلق من فهم مرجعيات إتفاق جوبا لسلام السودان، وكيف يعمل النادي الجديد ؟ وما هي الاطروحات التي رامت بها الإتفاقية في إصلاح ما أفسدته الصفوة الحاكمة؟.
وأهم معنى يؤسس للنقد الإجتماعي، وهو لماذا ظلت الروح الجماعية ممنوعه عن الإنتقال والمجايلة بين النخبه في تمثلاتها المختلفه؟ وظلت الفردية تننقل بينهم في المواقع؟ وتكلست أوعية التغيير وانتهت إلى هيمنة تعيبيه كل شيء منذ عقود؟ .
حدث ذلك مع تهرب مقصود من كل ما هو عقلاني فالنخب السودانية منذ الإستقلال وحتى يومنا هذا، وإن بدرجات متفاوتة تفتقر إلى الإيجابية، إذ أنها لم تمارس إلا حضورا مؤذيا لها ولمجتمعها كانت نتيجته ما نشهده اليوم من تفكك حقيقي لأدوار قوى المجتمع، وغيابه للمعنى المؤثر، وشاهدنا غيابها عن ساحة العمل الجاد، منصرفة بالكلية ناحية المزاحمة على كرسي السلطه والبحث عن الخلود والإمتياز.
إن السودان تعرض لتشوهات بالغة في تركيبته الاجتماعيه والسياسيه ولابد من التخطي المرن لمتاهاته، نفعل ذلك لأجل تأسيس قاعدة وعي لفهم النادي السياسي الجديد الذي سيجاوب لاسئلة ومألات الضبابية في فهم الواقع تلك الإنشطارات المميتة بين واقع الصورة وتعانفها في الذاكرة، صورة الواقع الذي نعيش فيه، وعنف الذاكرة تعمل حثيثا على تغذيته، وفي ذلك تتعارك ذوات عديدة تمنع عنا اللحاق بالتفاصيل والغوص في تصنيفها ، فإنه لو تقاصر الوعي عن إدراك المعنى المغلق من السلوك والعادة لماتت حينها دوافع الخلود بالرمز، وتشيئت الاساطير مادة غير قابلة للتكييف، وهنا فلا اسطورة أوسع تجلي من وجود الجنرال في هذا النادي السياسي الجديد.
وقد يبدو من العجلة أن نسمي الجنرال حميدتي صاحب التغيير حتى الان ولسبب أننا ندرك بأن لا أحد يجرؤ على التغيير لعلمه المصاعب التي ستعترضه والمخاطر المتوقعة بوابل من الإفتراءات والإستهداف كل هذا يحتاج لرجل مثل الجنرال يفتح صدره ويقف على هذا التغيير.
ونقول أن ثورة ديسمبر كانت حصان طروادة الذي دخلت به مسألة الهامش وصراعه مع المركز إلى محيط السياسة السودانية، وكان الجنرال حميدتي يعبر عن الأغلبية المستغلة، هذا هو الصراع الجوهري في عمق المشهد الان، الصراع الطبقي بين الهامش والمركز وصراع الصفوة الحاكمة والإنفراد بالثروة و السلطه ، ووعي الهامش من ضروريات التركيز في الاساس الذي يتشكل عليه النادي السياسي الجديد.
وخطوات الجنرال تتسابق لتهمس في الاذان وتقول أنها تحركات رئيس دولة قادم.

التعليقات مغلقة.