ودق الرواعد :من يفكر للبرهان ؟ الطاهر أبوجوهرة
ماسة نيوز
- بلا شك .. لايستطيع كائن من كان بإدارة عملية سياسية ضخمة لوحده .. فلابد من دعم وتفكير جماعي ذي خبرة .. ومن مسلمات القول المؤكد إن التفكير لديه علاقة بالماضي ، فلايمكن فك طلاسم ( تفكير شخص ) بمعزل عن ماضيه ، وهذا لايعني أن يظل تفكير الشخص أسيرا لماضيه بصورة مطلقة ، ولكن تظل شعيرات دقيقة رابطة بين القديم والجديد .. وبإسقاط ذلك على واقع طريقة تفكير السيد رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش البرهان نجد ثمة مداخلات وإشتباكات كثيرة بين الماضي والحاضر تلقي بظلالها على كل من يريد إختراق شوارع الرجل بغية الوصول للاجابة .. للذين ينظرون للامر في إطار التبسيط والاختصار يحسمون الامر بسرعة يساعدهم في ذلك
ماضي الفريق البرهان فيقولون إنه مرتبط إرتباطا وثيقا بنظام المؤتمر الوطني حيث كان خادما له بدارفور منفذا لكل التعليمات بدقة ومرات متبرعا من عنده بزيادة مثيرة ، وفوق ذلك إنه أحيل للمعاش كضابط بالجيش ثم أعيد للخدمة مرة أخرى كل ذلك في فترة قبضة المؤتمر الوطني ، ووفقا لذلك يمكن أن يكون البرهان خادم مطيع وفقا للتاريخ على حد التفسيرات ، فهل هذا صحيح أو يمكن أن يكون .. أو بصورة أكثر وضوحا هل هناك مايمكن أن يثبت ذلك ؟.. نعم .. يمكن أن نقول ذلك ولكن ليس بهذه البساطة .. فالنقف قليلا لنجتر الذِّكَر .. لاحظوا في العام الماضي رشح بان الحكومة الامريكية طلبت من إسرائيل بالتوسط بينها وبين الحكومة في الخرطوم ، وهذا يعني قناعة الحكومة الامريكية أو بصورة أدق قل قناعة السي أي أيه بان الموساد يسيطر سيطرة لانقل كاملة على النظام في الخرطوم بل بالصورة التي تجعله يمرر أجندته بإرتياح وسط عقبات قد تكون محدودة ، يدعم ذلك التحولات السريعة التي جرت في ملف العلاقات بين تل أبيب والخرطوم عندما إلتقى البرهان بنتنياهو بيوغندا ، هذه الخطوة فسرها البعض بانها تعني بداية إستلام قسيمة الطلاق بين البرهان والنظام السابق الذي يعتبر شكلا إسرائيل العدو الاول ، هذا التحول بحيثياته وتعقيداته وحبال وصله الظاهرة وغير المرئية يمثل شفرة فك الاجابة الحقيقة على سؤال كيفية يفكر البرهان ؟ ومن وراء هذا التفكير أو الرسم المتداخل ؟ .. هنا ثمة شئ مهم .. وهو .. فيما يخص الملف الاسرائيلي ، وبالرجوع الي ماقبل ثورة ديسمبر نجد أن المؤتمر الوطني قد ناقش ورقة مضمونها إمكانية إقامة علاقة مع إسرائيل ، فتوصل المشاركون وقتها إن مضابط الدين والفقه لاتمنع من التعامل مع إسرائيل بمعطياتها الراهنة ، وهذه التوصية رفعت للمكتب القيادي للحزب .. ليطرح السؤال نفسه هنا بقوة ، هل تبنى المكتب القيادي الوصية وقرر فتح صفحات كتاب جديد في ملف العلاقة مع الكيان الصهيوني ؟ .. الاجابة أيضا حتى تكون مقنعة تحتاج لتأمل بعمق التعقيد !! واضح إن قيادة الحزب الحاكم وقتها تعلم جيدا مستوى الحرج السياسي الذي يمكن أن يسببه هذا الاجراء الذي يتعارض تماما مع ظاهر شعارات الحزب ، وبالتالي تمرير ذلك يحتاج لوقت مناسب ولاجواء غير طبيعية اولا ثم الي شخصية مغامرة لايهمها كثيرا مايكتبه التاريخ . فكانت سانحة أجواء ومناخ الشهور الاولى مابعد الثورة وفقا للمعطيات كانت تحتاج لنقطة فاصلة بوضع حجر أساس بداية العلاقة مع الكيان الامر الذي حسمه المؤتمر الوطني قبل الثورة ، فكان اللقاء الفجائي الذي جمع البرهان بنتنياهو ، اللقاء الذي قال عنه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إنه لايعلم عنه شيئا !! إذن ، إذا كان رئيس وزراء الحكومة لايعلم شيئا عن الخطوة الخطيرة التي قام بها البرهان فماهي الجهات التي تعلم خاصة على المستوى الداخلي ؟ ، الجهات التي شاورها البرهان أو منحته الضوء الاخضر ؟ .. بتفتيش صفحات الواقع ماقبل الثورة بشهر أو شهرين ( وهذا للذين على دراية بخبايا مايدور في دهاليز الحزب الحاكم ) نجد إن ثمة أشياء كثيرة جرت تحت ظلال المشهد ، حيث ذكر زعيم حزب فعّال حاضر بان جزء كبير من قيادات المؤتمر الوطني الفوقية إتصلوا به لابلاغه برغبتهم في تغيير البشير الذي بدأ يتمرد على الحزب ، فكان الخيار بان يكون الامر عبر إنقلاب عسكري مباشر ولكن عدلت الخطة لاحقا بان يحرك الشارع ، وبعدها تاتي عملية التغيير بتدخل الجيش ، واضح إن عملية التغيير أوكلت لقائد جهاز الامن وقتها الفريق صلاح قوش الذي كان جاهزا من الناحية النفسية للتنفيذ على خلفية حبسه أو سجنه في محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها ضد البشير ، كان خيار ترك قارب تنفيذ مهمة التغيير لصلاح قوش عند قيادة المؤتمر الوطني بالخيار المر غير المريح لعدة أسباب ، في مقدمتها إن قوش يحمل أحقادا على البشير وزمرة من الرجال من حوله ، وبالتالي يكون مهيئا نفسيا للمهمة بجانب أصلا هو يرغب في التغيير ولدية سابقة في ذلك ، ثم صلاح قوش لديه علاقات ويدري الكثير من الخبايا والتفاصيل داخل المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات خاصة الضباط الكبار فهذا يجعله أن يتحرك مرتاحا وسطهم ، ثم إن صلاح قوش لدية علاقات قوية وإستراتيجية باجهزة المخابرات الاقليمية ودول الجوار خاصة مصر وبالتالي ضمان التأييد والمباركة للخطوة ، ثم ثمة شئ مهم وهذا كان واضحا عند قيادة الوطني وهو ان صلاح قوش بنى علاقات قوية مع المخابرات الدولية خاصة السي اي ايه وبالتالي إمكانية الاستفادة مرحليا من هذه العلاقات بعد التغيير .. ورغم ذلك .. ولكن ( يبدو ) بصورة اخرى إن قيادة المؤتمر الوطني وضعت ألف حساب إحتياطي لصلاح قوش لانها تدري سعة أطماعه وإمكانية أن يقدر بها ، وبالتالي كان أن وضعت عدة خيارات للتعامل معه من بينها خيار الانقلاب عليه مباشرة اذا حاول تثبيت عملية التغيير لصالح أجندته ، ولذلك تتحدث بعض الدوائر بان خيار المكتب القيادي كان بان يظهر في التغيير ضابط معتدل غير محسوب أيدلوجيا للنظام ولكن متعاون معه ، وليس لع عداء مع الاسلاميين ، هنا ظهرت أسماء بعض الضباط ولكن كان خيار البرهان هو الاقوى ، وقيل إن الموجهات صدرت من قيادة المؤتمر الوطني لصلاح قوش بان يعتمد إسم البرهان كقائد للتغيير ، ولكن يبدو إن صلاح قوش لديه رغبة أخرى فقدم الفريق بن عوف ، ولذلك عندما ظهر بن عوف في البيان أدركت قيادة الوطني معالم المجريات ( عدم إلتزام قوش بالموجهات ) فقامت بعملية تغيير عاجلة بالانقلاب الثاني الذي عرف بانقلاب البرهان ، ولذلك عندما وقع الانقلاب الثاني وشعر وقتها صلاح قوش بان ثمة أشياء غير عادية تجري من حوله أدرك خطورة الموقف فهرب الي مصر ، ولذلك نلاحظ الاقلام المقربة من القيادة الفوقية للوطني تصف في كتاباتها لصلاح قوش دامغة إياه بالخيانة ولكن لم يذكر لنا قلما واحدا ماهية الخيانة التي قام بها صلاح قوش لحساسية التفاصيل .. إذن .. ذكرنا كل ذلك لنؤكد ان الوطني يسيطر سيطرة تامة على الجيش الذي ظهر بعد الثورة مباشرة بانه تم غزوه من قبل بعض القوى السياسية من خلايا اليسار على مستوى الضباط الصغار ولكن تم تنظيفه ، ويبدو ذلك واضحا من خلال الاعلان عن عدة محاولات إنقلابية فاشلة في الشهور الاولى من عمر الثورة فهذه الانقلابات يمكن أن تكون عملية تنظيف لبعض الخلايا الحزبية غير المتفقة مع الوطني داخل الجيش خاصة اليسار .. إذن في ظل وضعية الجيش بتركيبته القائمة يبقى من الاستحالة بقدوم ضابط غير موالي او متعاطف مع المؤتمر الوطني ، ولذلك تفسير الصيحات المتتالية المطالبة بهيكلة الجيش ماهو إلا شعور المعارضين لانقلاب البرهان الثاني خاصة اليسار لشعورهم إستحالة تمرير أجندتهم في ظل التركيبة الحاضرة للقوات المسلحة وهي الخطوة التي يصفها المتعاطفون مع الجيش بشكله الراهن بانها عمليات محاولة لتفكيكه .. وهكذا .. عندما يطرح السؤال عن من يسير المركب او من القابض على مسار بوصلة دفة الحراك ، يتضح بجلاء إنه المؤتمر الوطني ، فقد إستفاد من بقاءه في السلطة بتجنيد عدد كبير من عملاءه داخل كل القوى السياسية خاصة اليسار ، ثم إستفاد من مجاهدات المكتب الخاص للحركة الاسلامية الذي أسس في منتصف ستينيات القرن المنصرم حيث تمكن من إختراق القوى السياسية مبكرا خاصة اليسار لدرجة أن بعض كبار الاسلاميين يتحدثون عن الراحل نقد زعيم الحزب الشيوعي ويقولون 🙁 ماكعب ) وهو مصطلح عند الاسلاميين يعني على مستوى الحد الادنى (غير عدو ) ويقولون إن وجدي صالح كان يعمل لدي إحدى الشركات الامنية ، وصلاح مناع كان اخو مسلم قبل أن يلتحق بحزب الامة ، وخالد سلك كان على علاقة بالدفاع الشعبي ووو .. ثم .. وبعد كل هذا ثمة سؤال آخر مهم .. يلاحظ إنه من خلال بداية المظاهرات التمهيدية لقيام الثورة الي التغيير الي الوقت الرهن جرت عملية سياسية ضخمة على الارض فمن يديرها ؟! لايمكن أن يكن العسكر هم من يديرونها لان ما تم حتى الان يريد قيادة لها تجربة حقيقية في كافة مناخات وتغلبات العمل السياسي وتجيد التجديف في ظل الامواج والعواصف والتيارات العكسية فمن هو صاحب هذه العقلية ؟ هنا لابد ان نتذكر بما صرح به القيادي بالمؤنمر الوطني علي عثمان محمد طه قبل التغيير حيث قال : ( إنهم يهتفون تسقط بس ولكن ليس لديهم رؤية لما بعد إسقاط النظام ) ، فهل هذا تكهن أم تصريح مربوط بمسار حدد سلفا ؟ ونضيف الي ذلك حديث لصلاح قوش عندما قال مامعناه على الاسلاميين ان يستعدوا ليجربوا العيش خارج مائدة السلطة ، ونضيف الي ذلك تصريح أحد ضباط الجهاز ووقتها قحت كانت في قمة تكاتفها وتلاحمها وإنفعالها وكان إعتصام القيادة قائما حيث قال : ( سيتشاكلون قريبا ) فمثل هذه التصريحات لايمكن أن ننسبها لميدان التكهن أو التحليل .. نعم .. البعض يتحدث عن دور للمخابرات الاجنبية لبعض الدول خاصة الامارات ، صحيح يمكن أن يكون ذلك ولكن ليس على المستوى الذي يجعل الاماراتيين يتحكمون في كل شئ ، يلاحظ إن الاماراتيين منذ دخول وفدهم الامني بقيادة الدحلان الي الخرطوم ومن ثم إنسحابهم سريعا فهذا يرجع لاكتشافهم بان الامور هنا على الارض تختلف كثيرا عن ما حملته التقارير حيث وجدوا الاسلاميون مازالوا يسيطرون .. وعليه بعد كل هذا السرد يمكن أن نقول إن قائد الجيش الفريق البرهان ليس وحده الذي يدير المشهد على الارض ، هناك جهة فاعلة حاضرة تملك رزمة من الخيارات والبدائل وتعرف كيفية ومتى تقديم أو إستخدام هذه الرزم وتوزيعها على مراحل المشهد . لاحظوا حجم المبادرات التي طرحت حتى الان خلال فترة مابعد الثورة ولم تجد تفاعلا ثم البديل السريع لهذه المبادرات ، من التيار الاسلامي العريض مرورا بامضومبان الي تعدد الواجهات الموالية للنظام البائد إنتهاءا بملحقات مابعد الاتفاق الاطاري ولاننسى إعتصام القصر ، وعمليات حشود الزحف الاخضر ، وأخيرا حشود الكرامة ، كل هذه المتفاوتات والمتضاربات نجدها ماثلة في حراك الشق المدني المنسوب للنظام القديم ، يقابل ذلك تنوع وتداخل وعدم ثبات في المواقف في الجانب العسكري ، فالمؤتمى الوطني يريدها ( جايطة ) هكذا الي إنتهاء الفترة الانتقالية وهذا ماسيحصل ، مع مراعاة عدم بروز اي حزب سياسي في الواجهة وليتم ذلك تكون بيوت القوى السياسية بؤرا للخلاف والتشتت وعدم التلاقي ، حتى إنسحاب البعث من مركزية الحرية والتغيير لايخرج من هذا الاطار ، وكما فشلت ساحة إعتصام القيادة العامة من تقديم قيادات جديد للمسرح السياسي فلن تقدم الفترة الانتقالية قوى حزبية تكون ذات تاثير الي أن تاتي الانتخابات . وهكذا ستكون المرحلة القادمة شبه فوضوية ، إتفاق اليوم وتعديل في الغد ، هذا يوقع وهذا يخرج ، وحتى الاتفاق الاطارى سيتم إبطال مفعوله باغراقه في بحر قوى وواجهات متعددة اللافتات والاغراض والاهداف ، كما سمعنا بان المؤتمر الوطني وجه جميع عناصره وواجهاته والمتعاطفين معه باللحاق بالاتفاق الاطاري .. أخيرا .. هل وجدتم الاجابة غلى سؤال كيف يفكر البرهان أو من يفكر للبرهان ؟.
التعليقات مغلقة.