أين أخطأ حمدوك..؟

بدون زعل : عبدالحفيظ مريود

هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأسبق، والأكثر شهرة، قال ذات مرة إن مستقبل السياسة القادم، سيصنعه علماء التأريخ، أساتذة التأريخ. كان ذلك ثمانينات القرن الماضى. وكيسنجر مختص فى التاريخ، بالطبع، وذلك سبب إنحيازه، أو قل بعض أسبابه.
وعبد الوهاب الأفندى ينشر مؤلفا مهما، تسعينات القرن الماضى ” الثورة والإصلاح السياسى فى السودان”، بعد أن غادر قطار ” الإنقاذ” البخاري المتباطئ. بعض نقاطه الجوهرية هى سيطرة ” القبضة الأمنية” على ماجريات الأحداث، وصناعتها..يتصدى له أمين حسن عمر وآخرون. يدلق أمين حسن عمر سطلا من السخرية الباردة ” المجتمع السودانى مترابط، متداخل..لا يمكنك أن تحتفظ فيه بأسرار..رجل الأمن يمكن أن يحدث إبن خالته المعارض بما يعتبر سرا…فلا يمكنك أن تخلص إلى سيطرة قبضة أمنية، بالمعنى الدقيق للمصطلح”..وأمين أحد المنهجيين القلائل، الذين يحتفظون بآلة منهجية حادة، داخل الحركة الإسلامية، فى أوقات الفهاهة والغثاء..
هل كان الأفندى متحاملا على ” الإنقاذ”، عامئذ، وهو المستقيل من منصب رفيع بسفارة السودان بلندن؟ لامنهجيا؟
الأرجح: لا..
لكن أمينا يتلكأ فى الوصول إلى النتائج، كما يفعل سائق القطار، سآمة، ملالة…وغتاتة..
شايف كيف؟
بعد تنحى الفريق أول عوض إبنعوف، وتسليم ” الأوضاع” للمفتش العام للجيش، واحتجاز رأس النظام والتحفظ عليه ” فى مكان آمن”، حدس ما حدس…جاءت حكومة ” كفاءات” ظريييفة..وأسكرتها كاسات ” إزالة التمكين”، فقامت تخبط عشواء. دون أن تعرف ” مواطن التمكين”..فصلت كذا ألف من الخدمة المدنية، وأدخلت السجن رأسماليين إسلاميين، وتحفظت على ممتلكات..صادرت، ألغت تصاديق، طردت منظمة الدعوة الإسلامية…
الذين لا يعرفون شيئا، ظنوا أن الشعار الكبير قد أخذ موقعه من التطبيق، وتم ” دوس أى كوز”..وستتحقق نبوءة الأستاذ محمود محمد طه ” سيقتلعون من أرض السودان اقتلاعا”..
مهلا، فرزدق- كما هجاه جرير – ” إن قومك فيهمو : خور القلوب وخفة الأحلام”…
شايف كيف؟
كيف تكون دائبا فى إزالة التمكين، تحمل معاول ألمانية أو إنجليزية مؤكدة، فيما تزاور عن الأجهزة الأمنية، وجهاز الأمن والمخابرات الوطنى، تحديدا، ذات اليمين، وتقرضه ذات الشمال؟
جرى تغيير اسمه، سحب بعض سلطاته المختصة بالإعتقال وغيرها، تكليفه ” بجمع المعلومات وتزويد الجهاز التنفيذي بها”، كما تم إلحاقه برئيس الوزراء..ذلك كل ما جرى..
ولأن كيسنجر دقيق، فإن التلاسن بين الفريق اول صلاح قوش، المدير العام للجهاز، وأبو القاسم برطم، النائب البرلمانى، بعيد انطلاق ثورة ديسمبر، وتزايد القتل، ما تزال ماثلة.. برطم – برغم سخريات الذين لا يقرأون – يقول لقوش ” لقد حولته من جهاز أمن وطنى إلى جهاز أمن حزبى…مهمته الحفاظ على حكومة الحزب، لا الوطن”..لكن لا أحد يذكر ذلك..إلا القليل..
شايف كيف؟
سيجرى حل هيئة العمليات..وثمة معركة سمع سكان الخرطوم دويها المتصل، تمرد فيها أفراد هيئة العمليات، لم تسفر عن جرحى أو خسائر فى الارواح، انتهت بحل الهيئة..لكن من قال إن خطورة جهاز الأمن والمخابرات الوطنى تكمن فى الإعتقال والتحفظ والتحرى، دون إذن النيابة، أو إدخالك إلى الثلاجة؟ وبتجريده منها، يكون قد فقد أظافره و ” خطورته”، وصار ناشطة ظريييفة، تحشر فخذيها اللفاويين فى بنطال جيز، تنحسر طرحتها عن شعر مصفف بعناية، وتنخرط فى هتافات ضد ” السلطة الأبوية”؟؟
هل تم إنتقاء ضباط الجهاز – طوال ثلاثين عاما – بعناية من كوادر الحركة الاسلامية، وتدريبهم جيدا، فى كافة المجالات، والصرف عليهم، بسخاء من خزينة الدولة؟ أم كان التعيين مفتوحا لكل فئات وأطياف السياسة السودانية، روعيت فيه إشتراطات الكفاءة، وتمت صياغة “عقيدة” وطنية ليعمل وفقا لها؟
حين أقول لكم : انتبهوا يا راستات، ويا سياسيى ما بعد اعتصام القيادة، فإننى لا ” أتطعمج”..ذلك أن مستقبل هذه البلاد هو مستقبلكم..نحنا زمنا فات، وغناينا مات…
شايف كيف يا مكنة؟
تمكين الإسلاميين فى الأجهزة الأمنية، يجعل دراما لجنة إزالة التمكين الإستعراضية، مثل فتيات الفرقة الحبشية التى كان يستقدمها الإعلامى حسن عبد الله، للتنفيس عن بعض الكبت الجنسى للشباب، فى التسعينات، شديدة ” الكوزنة”، القاحلة..تدخل الحفلة لتملأ الذاكرة ببعض اهتزازات واستدارات للإستيهامات الجنسية..لكنها ليست “مجاسدة” حقيقية، كما يقول المثقفون..
شايف كيف؟
لو أن ” المكون العسكرى ” سئم من تحكمات الحرية والتغيير، ومراهقتها التنفيذية، وهى تتوكأ على منسأة عبد الله حمدوك، فأطاح به، وبهم…من يملك سلطانا على الأجهزة الأمنية، وجهاز الأمن الذى كان يتبع لرئيس الوزراء؟…

التعليقات مغلقة.