*الثورة البدايات الخاطئة تقود الي النهائيات الكارثية الحزينة ولكن يبقي الامل!* عبدالعزيز يعقوب – فلادليفيا

ayagoub@gmail.com

(١١)
قال الكاتب الانجليزي الساخر جورج برنارد شو ” إن الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل لان الاغلبية من الحمير ستحدد مصيرك ومصير البلاد . وقال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت وبطريقة ساخرة وبها استعلاء شديد ” إن الديمقراطية تجبرك علي الاستماع الي اراء الحمقي” . والادهى والامر هو رأي سقراط الفيلسوف اليوناني والذي نقل عنه صاحبه افلاطون كاتب كتاب الجمهورية “انه كان يكره الديمقراطية لان السواد الاعظم من الناس ليسوا اذكياء بما فيه الكفاية لادارة الدولة “. هذه جوانب كان يراها هؤلاء المثقفين والفلاسفة في الديمقراطية ولكن ذلك لايعني بأنهم كان يقفون ضد التداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والتنظيم، لكنهم كانوا يريدون حرية مقيدة وديمقراطية بضوابط، اما سياسيو ومثقفون السودان فقد كانوا علي قدر كبير من العلم والثقافة والمعرفة والاطلاع ولكنهم فشلوا في إيجاد تجربة او انموذج سوداني يقود البلاد والعباد الي نجاحات تحقق التنمية الرفاهية للشعب السودان ، ولازالت التجربة السياسية السودانية المتعثرة تنتج الخيبات والاحباط بتجارب فطيرة فيها كثير من التشفي وروح الانتقام وقد كتب في ذلك الدكتور منصور خالد كتابا اسماه النخبة السودانية وادمان الفشل، والادمان لايأتي في الغالب من تجربة واحدة وإنما من التكرار للتجارب الفاشلة. اما بقية السياسيين لم يوردوا اي كتابات عميقة علي الممارسة الديمقراطية في السودان، وكانت جلها تعالج الاعراض وتترك الامراض تتفاقم.
(٢)
سالت نفسي واخوة اعزاء من مختلف المشارب ببلادنا لماذا يعيد الساسة والاحزاب عندنا إنتاج التجارب الفاشلة، رغم انهم فرادي يعتبروا من الزعماء الاذكياء و الافذاذ علي محيطنا العربي والافريقي وربما العالمي زعماء من اليمين دكتور حسن الترابي والمهندس محمود محمد طه ومن اليسار الاستاذ عبدالخالق محجوب ومن الوسط الزعيم إسماعيل الازهري والمهندس والاستاذ محمد احمد محجوب والسيد الشريف حسين الهندي والسيد الامام الصادق المهدي جميعهم كانوا علماء واذكياء وزعماء وقادة ولكن تقاصرت هامتهم عن الإشكال الوطني وكيفية تجاوز الخلاف ولم تستطع مواهبهم أو عبقريتهم ان تفك طلاسم المعضلة السودانية التي ارقت بلادنا وتكاد ان توردها موارد الهلاك، وقد استطعنا ان نحدد بعض السلبيات التي اعاقت ايجاد حلول مثل:-
اولاً: التنافس السالب بين القيادات السياسية.
ثانياً: غياب منهج العمل الجماعي ببرامج الحد الأدنى للقضايا القومية.
ثالثاً: البحث عن تحقيق الانتصارات الوهمية والمكاسب الشخصية والذاتية.
رابعاً: عدم الاهتمام بإشاعة الوعي ودعم القيم الاخلاقية للعمل السياسي.
خامساً: إعتماد القيادات والاحزاب السياسية علي تجريم وتخوين الاخر.
سادساً: ضعف البرامج الخدمية في أولويات القيادات والاحزاب السياسية.
سابعاً: هشاشة اللحمة الوطنية مما سهل إختراقات دول الجوار .
ثامناً: اعطت الاحزاب والقيادات نفسها الحق في الاعتداء على الديمقراطية .
تاسعاً: ضعف التكوين لمنظمات المجتمع المدني وجماعات الضغط.
عاشراً: ضعف البناء التنظيمي الديمقراطي للاحزاب السودانية.
الحادي عشراً: ربط التوظيف الحكومي في الوظائف العامة بالانتماء السياسي.
الثاني عشراً: التنوع الاثني والعرقي اتخذ منحا سالباً، اثر علي العطاء والبناء الايجابي.
الثالث عشراً: في إطار التحولات الاقتصادية و الاجتماعية اصابت الشخصية السودانية بعض امراض الشخصية التي شوهت المجتمع وعطلت الانتاج وقتلت الابداع.
الرابعة عشراً : شعور بعض الشخصيات بان تحقيق النجاحات مرتبط بهم شخصيا وليس نجاح للمؤسسات مما يزيد من تضخيم الذات ومن ثم بزوغ نجم ديكتاتوريات علي مستوي المؤسسات.
(٣)
الثورات تأتي دائما لتغيير الواقع السياسي والاجتماعي ولكن التغيير السياسي تغيير يبدل انظمة الحكم فقط وذلك لن يقود الشعوب نحو التنمية والازدهار وتحقيق الرفاهية والنهضة ولكنه دافع “stimulus“ فقط يدعم التغيير الحقيقي. وهذا الدافع يحتاج الي ثورة اجتماعية ومفاهيمة كبيرة حتي نخرج من دائرة لانهاية لها بين الانظمة الديمقراطية والعسكرية وتعالج التشوهات الاجتماعية والاقتصادية لتحافظ الشخصية المتوافق عليه للبلاد ثقافيا واجتماعيا ، ظلت هذه الدورة تفاقم جروح الوطن و تناقص القيم الفاضلة والنبيلة بمرارة التجارب ومظالمها وروح الانتقام والاستعلاء التي عمقت امراضنا وحجبت العدالة وافسحت للفساد مساحة وفتحت له ابوبا واستشرت قيم الاستعلاء العرقي والجهوي بشكل قبيح ومقيت، واوشكت بلادنا ان تضيع من بين ايدينا ولا اظن اي عاقل يختلف حول ذلك.
وللخروج نحو مساحة مشتركة بيننا جميعا اهل السودان وبناء جسور من الثقة لحياة افضل لنا جميعا لابد من
1. اعلاء قيم الانسانية واحترام الانسان ، ورفع قيم تكريم الانسان بغض النظر عن التصنيف العرقي والجهوي وان التكريم تكليف الهي.
2. الثورة الاجتماعية تستوجب الإقرار بالاخطاء وازالة المظالم ورد الحقوق.
3. ابتكار تيارات تحفز الانتاج لرفع الفقر والمسغبة عن بلادنا الغنية وشعبنا الأبي.
4. تأسيس تيارات و منظمات عمل مدني للدفاع عن الدستور والحقوق واعلاء قيم القانون واحترامه ومنظمات لاصحاح البيئة ودعم التعليم الاهلي وتقديم خدمات اجتماعية وصحية بالدعم والعون الذاتي، وتقوم على التطوع وان تبتعد هذه المنظمات عن الانتماء السياسي، لنتعلم كافراد كيف نعمل بمختلف توجهاتنا السياسية بما يخدم مصلحتنا جميعا وبعيدا عن الكسب السياسي.
5. إعلاء قيم الدستور والقانون وانقاذهما علي الواقع بصرامة وعدالة تقضي علي المحسوبية
6. برنامج الحد الادني الذي يحدد مصالح السودان اولا واخير ويضع الخطوط الحمراء في العلاقات الخارجية بما يحفظ للبلاد هيبتها وسيادتها الوطنية.
7. استيعاب الشباب في مشاريع انتاج زراعي وحيواني وصناعي تؤمن لهم مستقبل واعد وتفتح لهم افاق للتجارة الخارجية.
8. الاهتمام بالكليات التقنية والمعاهد الفنية لتأهيل كادر يؤمن استمرار هذه المشاريع بكفاءة عالية ومقدرات فنية تراعي المقاييس العالمية.
9. الإهتمام بالرعي والرعاة والعمل الجاد علي استقرارهم في مناطق معينة مما يعين علي الاستفادة من الالبان وتطوير صناعة المنتجات الحيوانية والالبان، ومما يعين علي عدم الاحتكاك في رحلات البحث عن الماء والطعام التي ادت الي صراعات دموية بين القبائل في مناطق الرعي والزراعة.
10. الإهتمام بالصناعات الصغيرة والاسر المنتجة وتوجيه الجامعات والمؤسسات الاكاديمية باعداد الدراسات والدعم الأكاديمي.
هذه بعض المعالم قد لاتحمل الحل الناجع وتحتاج الي مزيد من الجهد، ويمكن اعتبار ها هوادي عامة يمكن ان تضع معال عامة في طريق التغيير نحو الطريق الصحيح الذي يحفظ بلادنا ويحقق الشراكة الحقيقية ويقود الي التنمية والرفاهية