*العطاء النسوي بين حاجة حنينة الداية ( القابلة)والاستاذة المربية عائشة عمر في حي ابوروف* عبدالعزيز يعقوب- فلادلفيا

ماسة نيوز

ayagoub@gmail.com
انتفاضة النساء في نيويورك من اجل الحقوق وساعات اقصر في العمل والمساواة في الاجور باسم الحزب الاشتراكي الامريكي حدث ذلك في العشرية الاولي من العام ١٩٠٠م. ثم ازدات المطالب الدولية في يوم عالمي للمراة وتداعت اليه النساء في أوروبا لانهاء اضطهاد المراة وتحسين اوضاعها في بيئة العمل والمساواة في الاجور. واِثر دعوة مجتمع النساء في مؤتمر كوبنهاجن ١٩١٠م في جعل يوم ٨ مارس يوم عالمي للمراة. اما الامم المتحدة فلم يحرك لها ساكن حتي ١٩٧٥م لتقرر اعتماد يوم عالمي للمراة.
اعتقد باننا نحن السودانيين لم نحسن التوثيق لنساء سودانيات كن قمة في العطاء والكفاح ومارسوا حقوقهن التي كفلها لهم مجتمعنا المتدين المتسامح المتقدم جدا علي دعاة حرية المرأة والبحث عن حقوقها الضائعة في مجتمعات رغم البهرجة والمناداة والصريخ للحقوق المدعاة غارق في جاهلية اتجاه المراة ويظهر ذلك في عدم احترام للمراة والعنف البدني واللفظي والعاطفي والقهر ضد النساء الذي جعل من النساء سلعة رخيصة محتقرة في قيم راس المال الجشع”greedy “ ألا من رحم من المسيحيين واليهود المتدينين.
(٢)
جدتي لوالدي السيدة حليمة بت دياب التي ساقتها الهجرة من الولاية الشمالية مع زوجها الي الاستقرار بحي ابوروف كانت إمرأة عاملة مكافحة عملت في التجارة البسيطة ، كان ترعي -كنتين- دكان في منزلها تساعد به زوجها وتسد به بعض فروقات تكاليف الحياة البسيطة حينها وتدخر منه بعض المال لحين سماع صوت المنادي ينادي بالحج، وكان الكنتين به دفتر -الجرُورُة- الذي لاتستطيع هي قراءته لكنها كان حريصة الا يطلع عليه احد إلا من تحدده من احفادها ليساعدها في كتابة ذلك، وكانت الحياة عندها ميسرة فلها بضع غنيمات يرعاهم الراعي الذي يأتي في بواكير الصباح ويُخرج اغلب سكان الحي اغنامهم ليرعاهم الرجل الامين ويعود بها قبيل غروب الشمس، وايضا في مؤخرة الحوش بضع دجاجات يضعن بيضات وديك ينبهنا الي موعد الفجر الصدوق ويعلن كل يوم عن بداية يوم جديد، ولها ايضا قفص حمام يُنوبنا من لحمه الطيب نصيب من حين لاخر وبالطبع تجامل به في احيان اخري لصوحيباتها بعضا من الحمام المشوي وشوربته الذكية كلما عاود احد من جيرانها المستشفي مستشفيا او اصابت احدي جارتها وعكة من وعكات الزمان الجائر. وكانت جدتي ترعي كل ذلك وتقوم بواجاباتها المنزلية من طبخ وكنس وغسيل ملابس واواني دون كلل او ملل او تذمر او شكوي تزيد بها رهق الحياة ، ولكنها كانت تفعل و كذلك جاراتها في الحي بطيب خاطر واختارت ان تكون اماً وصاحبة متجر وزوجة في شراكة لا استعلاء او استغلال فيها ولَم تحتاج الي دعاة الحرية الزائفة ليدافعوا عنها ويزيلوا عنها الاضطهاد والقهر الكذوب.
(٣)
نماذج النساء العاملات اللواتي حققن سبقاً في بعض المجالات في حي ابوروف مثل المرحومة السيدة حنينة القابلة ( الداية) وهي زوجة الشاعر الفذ محمد بشير عتيق، فقد كفل لها عامل التسامح وتقديس الحياة الزوجية الفرصة للعطاء الاجتماعي ومن مبدأ ان النساء شقائق الرجال في الشدة والرخاء دون منّ او اذي ظلت تقوم بدورها التوعوي ولَم تشعر هذه السيدة الرائدة بدونية او قهر او غيرة من بعلها المرحوم عتيق الذي نظم عشرات القصائد في الغزل والغناء، ولَم تحتاج الي من يدافع عنها ويجعل من عملها ودورها في المجتمع و دعم اسرتها استغلال لها وقهر وتقييد او استغلال من جانب زوجها الخلوق المرحوم محمد بشير عتيق.
اما نموذجي التالي فهو لسيدة سودانية فريدة مبدعة من حي ابوروف العريق هي السيدة المرحومة عائشة عمر او كما يحلو لنا ولكثير من سكان الحي بمناداتها ب “ماما عشة” فقد قامت هذه السيدة بتأسيس اول روضة اطفال كان مقرها في المنازل المؤجرة واستقر مقرها بنادي ابوروف الرياضي الثقافي الاجتماعي فقد قامت بتأسيس روضتها علي نموذج التدخل المبكر (Early Interventions )الذي تقوم به الدول المتقدمة اقتصاديا للاطفال لاكتشاف المواهب والنبوغ المبكر، ومعالجة المشاكل المرتبطة بالنطق والكلام والمهارات اليدوية، فقد قامت هذه السيدة بتأسيس هذا العمل كنوع من مجالات العمل الربحي لتعيل به انجالها واسرتها وتضطلع به لتحقيق دورها الاجتماعي والتربوي والقيادي علي احدث انظمة التعليم التي اعتمدتها دول كالولايات المتحدة و كجسر ايجابي يحقق تمييز مبكر في مراحل التعليم لهؤلاء التلاميذ ولكن عقلية استاذتنا ماما عشة كانت متقدمة بسنوات ضوئية عن الوضع العام في بلادنا، اذ اعتمدت التدريس الاكاديمي والموسيقي والفنون الجميلة والرحلات كادوات علمية للتدريس والتلقين، لم تحتاج عائشه عمر الي منظمات للدفاع عنها لتقوم بدورها وتخلق مساحة لها في المساهمة في تصوير المجتمع، وكان كل سلاحها وادواتها الارادة والعطاء في حشمة وادب ووقار واحترام للمجتمع وقيمه وتقاليده الانسانية هي التي جلبت لها احترام وتقدير اهل الحي الذين يؤمنون ايماناً قاطعا بأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر برفق وحكمة وذكاء وادب جم ودون احداث شروخ اجتماعية تظل تنخر في دواخل المجتمع بعداوات وهمية بين النساء والرجال سيكون حصاده الاضطرابات النفسية والامراض العقلية.
التحية لنساء حي ابوروف اللاتي لا تسعفني المساحة لذكر افضالهن او مشاركاتهن في العمل الثقافي والاجتماعي والتربوي والتحية عبر السيرة العطرة للسيدة حليمة وحاجة حنينة وماما عشة لكل النساء في الحي العريق ولكل نساء السودان واتمني ان يعي الجيل الجديد بان لديه رائدات في كل حي وفِي كل قرية ومدينة باتساع هذا الوطن الجميل خذوا من قيمهن النبيلة والفاضلة لنبني بلادنا علي نهج حبوبة حلوم وحاجة حنينة وماما عشة، وان يكون هذا المكتوب دافعا لتوثيق عطاء الحركة النسوية السودانية غير المسبوق والمتقدم علي المستوي الاقليمي والعالمي ولم يجد حظا جيداً من التوثيق.

التعليقات مغلقة.