المُؤتَمَرُ الشّعْبِيّ Popular Congress مقترح تَدابِيْـر الإنْتِقَالِ للفترة من ديسمبر 2021 إلى يُوليو 2023م

ماسة نيوز

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ المائدة: ۸
ديباجة
جاءَت ثورةُ شعبِنا المباركة في ديسمبر – أبريل 2019م تطلّعاً منه نحو بسط الحريّة والعزّة والكرامة والسّلام، والعدالة والدِّيمقراطيّة، والتداول السلمي للسلطة، والحكم الرشيد والعيش الكريم. بذل فيها شبابُهُ أرواحَهم الطّاهرة ودماؤهم الزكية العزيزة مَهراً لهذه الأهـداف النبيلة المرجوّة. ضرب أبناءُ شعبنا الأبرار من أمثال الشهيد/ أحمد الخير وإخوانه أروع الأمثلة فداءً لقيم الحق والعدل. وتدافَع الجُهد الوطنيُّ الصّادق من مختلف أبناء الوطن وتشكيلاتِهِ السّياسية والاجتماعية مسنودة بانحياز قواتها المسلحة الباسلة والقوات النظامية الأخرى لإسقاط حكم الظلم والفساد والطغيان.
كان الهدفُ المنتظرُ أن تمضي الثورة إلي تكوين مؤسسات انتقال تحقق أهدافها النبيلة، وتلبِّي أشواق شعبِنا الأبيّ المتطلع الي حكم ديمقراطي يردّ السُّلطة للشعب بانتخابات حرة نزيهة، وتحافظ على الوطن آمناً مستقراً حُراً عزيزاً مستقلاً، وأنّ تؤسّس فترة الانتقال لمشروعٍ وطنيٍ جامعٍ يقومُ علي التّوافق.

ظل المُؤتَمَرُ الشَّعْبِيُّ ومن منطلق الإدراك العميق للمرحلة المفصلية التي يمر بها الوطن ينبِّهُ القائمينَ علي الأمر الى ضرورة الابتعاد عن المنهج الاقصائي الشُّمولي، الذي لا يمثل الشعب ويسير بلا تفويض منه أو شورى معه أو مع أي من مكوناته وقواه الحيّة. أكدنا في المُؤتَمَرِ الشَّعْبِيِّ مراراً أن الوثيقة الدستورية بالمنهج الثنائي الذي أُعدت به معيبة ومنقوصة وأنها تعيد إنتاج الأزمة السودانية، وتؤسِّسُ للإنفراد بالسّلطة ومحاصصة تقَاسُمِها. وكرّرنا أنّ ذلك النهج هو المدعاةُ لديكتاتوريةٍ وشموليةٍ جديدةٍ تستبدلُ التّمكينَ السَّابقَ بما هو أسوأُ، ولكن شهوةَ السُّلطة عمياء فحدث ما كنا نخشاه، فتفكّكَتْ أجهزةُ الدّوْلَةِ ومؤسّسَاتُها، وتفشّى الفَسادُ والافسادُ، وهيمنت مجموعاتُ مصالح ضيّقة على مقدرات البلاد، وتمدد الفقر إلى كل بيت وانتشرت الجريمة حتى فقدت المدن سِلمها المعهود.

الراهن السياسي
أنجزت الفترة الماضية تطوراً كبيراً في ملف السلام بتوقيع اتفاقية جوبا التي تحولت على إثرها قوىً مسلحة تُغالب بالسلاح إلى فاعل سياسي رئيس يُدافعُ بالحُسنى ويرتضي تداول السلطة سِلماً لا حرباً.
كذلك أنجزت خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وترتيباً لمعالجة الدُّيون.
كان من نتيجة انشقاقات القوى السياسية في الفترة الماضية وعجزها عن إدارة الشأن العام وتسيير دولاب الدولة أن صارت حتمية الإنقضاض على الفترة الانتقالية مسألة وقت لاغير، وبدت إشاراتها جلية في الأفق، فجاءت المحاولة الانقلابية في 21 سبتمبر 2021م وما تلاها من تراشق وتشاكس وتنازع بين المكونات المدنية والعسكرية، وبين المكونات المدنية بعضها بعضاً مما زاد من إنشقاق المكون المدني في الحكومة (وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ …الآية). الأنفال: 46.
في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م أصبح السودانيون علي إنقلاب وإجراءات إستثنائيةٍ نفّذتها القواتُ المسلّحةُ، قضتْ بإعتقالاتٍ لساسةٍ ولمدنيين، وأعلنت على إثرها حالة الطوارئِ وحُلَّت الحكومةَ والمجلسَ السيادي.
ظلَّ المُؤتَمَرَ الشَّعْبِيّ طِوال مسيرتهِ مبدئياً تجاه قضايا الوطنِ والمواطن، فقد أعلن بوضوحٍ موقفهُ المبدئي ضدّ الإنقلاباتِ العسكرية بلا تردد، من أيِّ جاءت وعلى أيِّ نُفِّذت، ولكونها ستقود إلي تعطيلِ حركةَ التغييرِ الدِّيمقراطيِ في البلاد.
دعَوْنا في المُؤتَمَرِ الشَّعْبِيّ لإطلاق سراح رئيس الوزراء وجميع المعتقلين، ودعونا جُموعَ الشعب وقواهُ الحية الثائرة إلي الوقوف دفاعاً عن الإنتقال والتحول الدِّيمقراطي بعيداً عن هيمنة العسكر، كما دعونا جميعَ القوى الوطنية إلى موقفٍ مبدئيٍ موحدٍ لمناهضة الانقلاباتِ العسكرية، وإلي تطوير رؤيةٍ وطنيةٍ موحدةٍ للتعامل مع الراهن، ودَعَوْنا المؤسسةَ العسكرية إلى الجلوسِ مع القوى الوطنية الأخرى للوصول إلي الصيغة الأمثل لمنع انزلاق السودان نحو مصير لا يمكنُ التنبؤُ به.
تمخضت المشاورات والجهود التي قامت بها قوى سياسية مختلفة عن الاتفاق السياسي الموقع في 21 نوفمبر 2021م والذي قدم ملامح عامة للفترة المقبلة ودعا للتوجه نحو التوافق الوطني والتحول الديمقراطي بما يتجاوز عثرات الماضي.

بناءً على ذلك يضعُ المؤتمر الشعبي مقترحه لتَدابِيْـر الإنْتِقَالِ للفترة من ديسمبر 2021 إلى يُوليو 2023م.

مقترح تَدابِيْـر الإنْتِقَالِ
أولاً: يؤكد المؤتمر الشعبي بأن مسار الفترة الانتقالية الماضي قدم على المستوى الوطني نموذجاً شائها للحكم تمثل في حالة الاحتقان والاصطفاف الأيديولوجي، وتعطيل مؤسسات الانتقال في السلطة التشريعية والمحكمة الدستورية ومجلِس القضاء العالِي ومجلِس النِّيابة. وتفككت مؤسسات الدولة وإستُبْدِل التّمْكينُ بتمكينٍ جديدٍ أدى إلى إضعاف السيادة الوطنية.
ثانيا: نؤكد في المُؤتَمَرِ الشَّعْبِيّ أن الحل ليس في الانتقالِ نحوَ تمكينٍ عسكريٍ بديلٍ سرعانْ يعيد بلادِنَا إلي الدَّورةِ الخبيثة بسيطرةِ الجيشِ علي مقاليدِ الحٌكمِ والسّياسة. بل إن معالجة مشكلات المرحلة السابقة تكمن في مراجعة إخفاقاتها وتجاوزاتها، ومن ثم تصويب الجهد لأولويات المرحلة الانتقالية بإقامة الانتخابات الحرّة النزيهةَ ورد السلطة للشعب. وعليه هذه المراجعات تبدأ ب:
الوثيقةِ الدُّستورية:
– التي وفّرت الحيثيات للجيش للانقلاب، لضعفِ نُصُوصِها وجلبها للحلولِ المستوردةَ. فتاريخنا السياسي والاجتماعي غنيٌّ بالتجارب التي يمكن الاستفادة منها،
– فقد كانت ثورة أكتوبر1964م حدثاً عظيماً ارتبط بتحولاتٍ وميثاقٍ وطنيٍ انبثق عنه دستور 1964م،
– وانتفاضة رجب أبريل 1985م أفرزت حدثـاً دٌستوريـاً مهماً هو دستـور السودان الانتقالي الذي أسس للديمقراطية الثالثة.
– لذلك كان من الأجدر أن يكتب من بعد ثورة ديسمبر دستورٌ عظيم بعظمة الثورة، ولكن سيطرة العسكر ومجموعات المحاصصة على مفاصل التغيير أثر على الوثيقة الدستـورية التي اعتمدها رئيس المجلس العسكري الانتقالي في أغسطس 2019م بموجب المرسوم الدستوري رقم (38) لسنة 2019م، مما جعلها “دستور منحة”، لا استحقاق أصيل ممهور بدماء الشهداء وقوة الشارع، الأمر الذي مهّد لخرقها.
مشروعٍ ميثاق وطني :
وحتى تكتسب هذه الثورة مرجعية صُنّاعِها فلا بد من أن تبدأ هذه المراجعة بالتركيز على الدّاخل وإشراك مكونات المجتمعِ السُّوداني في الحل السياسي للأزمة السودانية عبر مشروعٍ ميثاقٍ وطني يرمي لحمايةِ الانتقال السلمي للسلطة. تكون أبرز سماته ما يلي:
أن يعتبر هذا المشروع المرجعية الأساسية للتعديل الدستوري، تعدّل بمقتضاه الوثيقة الدستورية لتكون دستوراً انتقالياً مؤقتاً.
2- التوافق بين أعضاءِ المجلسِ العسكريِّ والقُوي السّياسية كافة علي ميثاقٍ لحمايةِ الانتقال تحصيناً للمسارِ من أي إنقلابٍ عسكريٍ آخر.
3- تلتزم أطراف الميثاق بالتحول الديمقراطي عبر انتخابات حرةٍ نزيهةٍ بنهايةِ الفترة الانتقالية في يوليو 2023 م.
4- يتولي الطرف المدني رئاسة مجلس السيادة في الفترة المتبقية من عمر المرحلة الانتقالية (عام ونصف).
5- عقدُ مؤتمرٍ قوميٍ تشاوريٍ حولَ الدُّستور، مع الاتفاق علي أن الدستور الثابت سيتم وضعُهُ واجازتُهُ عبر مجلسٍ تأسيسيٍ منتخبٍ واستفتاءٍ شعبيٍّ بعد الفترة الانتقالية تُقدم له خلاصات هذه المشاورات والخيارات.
6- التأكيد على أن الدستور لا يمكن أن يّرْسَخ ويكتب له الثبات إن لم يكتبه الشعب السوداني بنفسه وعبر الآليات التي يفوضها. هنالك نص في الوثيقة الدستورية بصورتها القديمة حول صناعة الدستور الدائم وحديث عن مفوضية لصناعة الدستور ومؤتمر دستوري، ومن البديهي أن هذه المفوضية ليس من اختصاصها وليس مطلوباً منها صناعة الدستور الثابت، إنما المطلوب منها عقد حوارات تشاورية واسعة تُمثل فيها كل القوى السياسية القومية والولائية ومختلف الشرائح المهنية والشباب والمرأة وقوى المجتمع المختلفة، وذلك ليخرج من الحوار توافق حول خيارات النظم الدستورية القادمة الصالحة للسودان أو تقارب في التوجهات العامة للقوى السياسية والمجتمعية وتفاهم في المواد العامة. على أن لا تُصدر أي مبادئ أو قوانين فوق دستورية، ويظل الدستور هو القانون الأعلى.
7- يتفق على آلية تشكيل المجلس التشريعي عبر قوى التوافق الوطني، على أن يتكوّن المجلس التشريعي الانتقالي من قوي المجتمع الحيّة شباباً ونساءً وثائرين وقوى إجتماعية وسياسية وفق معادلة قومية يتفق عليها يستثنى منها المؤتمر الوطني.
8- يراقب المجلس التشريعي أداء مجلس الوزراء والإدارة التنفيذية للحكومة، ويجوز للمجلس التشريعي سحب الثقة عن رئيس الوزراء أوأي وزير في حال تقاعسه عن أداء مهامه الدستورية.
9- الي حين تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي تؤول سلطاته إلي مجلس السيادة والوزراء، علي أن تُعرض القوانين علي المجلس التشريعي بعد تكوينه لمراجعتها.
مطلوبات تدابير الانتقال
هنالك مطلوبات لإستكمال تدابير الإنتقال لابد للجهاز التنفيذي من السعي لاستكمالها فوراً:
أولاً: إكمال هياكل المؤسسات العدلية بالبلاد:
مجلس القضاء العالي.
المحكمة الدستورية.
مجلس النيابة العالي.
على أن يكون القضاء سلطة مستقلة محصّنة ضد التغول، لا تتأثر بأي ضغوط من خارجها.
ثانياً: تشكيل المفوضيات: خاصة
– مفوضية الانتخابات
– مفوضية الفساد
– مفوضية التشاور حول الدستور (لاتسمى مفوضية صناعة الدستور)، وذلك بالتشاور مع القوي السياسية.
ثالثاً:الانتخابات: – من أوجب واجبات الحكومة الانتقالية ضمان التحول الديمقراطي عبر انتخابات حرة نزيهة.
– فإنه يتوجب على الجهازالتنفيذي رعاية مبادئ النظام الديمقراطي وكيفية الانتقال إليه من خلال تنفيذ مطلوبات وتفاصيل العملية الانتخابية المستحقة،
– ترتيبات الانتخابات باعتبارها وظيفة السّلطة الانتقالية الأساسية، من تقسيم للدوائر وإحصاء للسكان ووضع الجداول الزمنية.
رابعاً: تمثيل المرأة السودانية:- لالتزام التام بحق المرأة السودانية في تمثيلٍ عادلٍ في مختلف مؤسسات الدولة وهياكلها، وضمان أن لا يقل تمثيلها عن 40% على كافة المستويات تقديراً لما قدّمته من تضحيات بذلتها، ولدورها المتميز في مجتمعها مهنياً وإجتماعياً.
خامساً: الحكم الفيدرالي:- يجب على الحكومة اتخاذ الاجراءات المتعلقة بالحكم الفيدرالي وتعزيز بناءه المؤسسي المنتخب على كافة المستويات محلية وولائية، وصلاً لأجهزة الحكم بمناطق السودان المترامية وسداً لذرائعِ التّهميش ومعالجةً لقضاياهُ، من خلال ما يلي:
تحديد مستوى الحكم الولائي والمحلي وتفصيل هياكله وسلطاته وصلاحيـاتـه وعلاقته مع المستوى الاتحـادي وتحديد السلطـات المشتركة والمرجعية للفصل عند الاختلاف والممارسـة.
الاتفاق علي عدد وشكل الولايات وفق دراسـة علمية دقيقة لنظام الحكم الفيدرالي القائم.
طرح قضايا تقاسم الثروة والسلطة بوضوح وشفافية وبمشاركة مختلف قطاعات الشعب وفئاته، تجاوزاً للمواقف المركزية السّالبة ومراعاة للتمييز الايجابي لبعض المناطق. يعتبر النظام الفيدرالي النموذج الامثل لحكم السودان ولكن لا يستقيم عرفاً وممارسة التداخل بين النظام الفيدرالي والاقليمي.
سادساً: الموارد: المعالجات الشاملة لكل مناطق البلاد بمعادلة واحدة تقوم علي أساس الموارد ونسبة السكان وأي معايير أخرى يتفق عليها.

واقع الانتقال

من المعلوم أن فترات الحكم الانتقالي التي تلي الثورات تتّسِم بالهشاشة، وضعف أداء المؤسسات وتتكاثر فيها المناورات والصراعات السياسية والمطلبية والمزايدات وإدعاءات التمثيل للقواعد الشعبية، ولذلك كان لزاماً أن تُسيّر شئون الحكم في هذه الفترة بأوسع قدر من التوافق بين القوى السياسية تمهيداً للتحول الديمقراطي الكامل.
أثبتت تجربة فترة الإنتقال هذه المرة هيمنة بعض الأحزاب الصغيرة، وعليه فإن منظومة الحكم الانتقالي للفترة المتبقية من الانتقال من الضروري أن تكون من معاييرها ما يلي:
أن تُشكّل بالتوافق والتراضي الوطني حكومة إنتقالية مدنية توافقية من الكفاءات الوطنية المستقلة، تقود البلاد حتى قيام الانتخابات (قومية ولائية ومحلية) في موعدها.
تحسم صناديق الاقتراع في يوليو 2023م السباق التنافسي وتُفرز المؤسسات الدستورية المدنية المفوّضة من الشعب.

 

ركائز الانتقال
يدعو المؤتمر الشعبي لبناء انتقال يرتكز على : 1- تعزيز السيادة الوطنية 2-تحقيق التوافق الوطني، 3- ترسيخ قيم حرية وحكم القانون 4- تحقيق السلام الشامل 5- قوميّة القُوات المُسلّحة والقوات النّظاميّة ووحدتها 6- معالجة قضايا الاقتصاد 7- تعزيز الاهتمام بالشباب . وذلك وفق ما يلي:
1- تعزبز السيادة الوطنية
إن منازعات ومماحكات السّلطة في الفترة السابقة فتحت أبواب البلاد على مصراعيها للتدخلات الخارجية، الاقليمية منها والدولية، فكانت السّمة البارزة في أداء الحكومة السابقة غياب البرنامج الانتقالي الوطني الأصيل.
لابد من استقلال القرار الوطني وسيادة البلاد وحفظ أمنها واستقرارها بما يحقق مصالحها العليا من خلال التركيز على الداخل وإشراك مكونات المجتمع السوداني في الحل السياسي للأزمة السودانية.
2- تحقيق التوافق السياسي
نشأت الأحزاب السودانية عند تباشير الاستقلال الأولى دون اتفاق علي ثوابت وطنية توحد الشعب و لم يبلغ النضج السياسي الارتقاء الي الثوابت الوطنية و الدستورية، فسقط الحكم المدني بإنقلاب عسكري في نوفمبر 1958م، الي أن حررت أكتوبر 1964م البلاد من أتونه، لكن دارت الدوّامة ثانية في 1969م وثالثة في 1989م مستفيدة من تردّي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والتنافر والإقصاء و سيطرة المركز علي السلطة والموارد. ولم تسلم هذه الفترة الانتقالية كذلك من سلسلة الانقلابات تلك.
تخللت تلك الفترة من تاريخنا السياسي فترات إجماع وطني للعودة للنظام الديمقراطي، لكن ذلك الاجماع لم يستكمل ثوابت التوافق الوطني ليقدم أساساً لمشروع يتراضى عليه الجميع في كيف يُحكم السودان ويُؤسّس للاستقرار السياسي والأمن القومي و التطور الاقتصادي والسلام الاجتماعي وتنظيم حكم البلاد.
يلزم ذلك حواراً جاداً بنّاءاً مفتوحاً صادقاً بثقة وإقدام وإخلاص وشفافية وموضوعية، متجرد من العصبيات، يكون الخطوة الأولي نحو الوحدة الوطنية والاجماع والمصالحة وللاتفاق علي برنامج للحد الأدني من الإتفاق السياسي والتوافق بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية وينقذ البلاد من حالة التردي والفشل الذي أدى لإحباط الثائرين.يقوم برنامج الحد الأدني من التوافق السياسي على ما يلي :
الدولة السودانية دولة ديمقراطية تتأسّس علي المساواة بين المواطنين وتؤكد أن الشعب هو مصدر السلطات وتعتبر أن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات وفق أحكام القانون وباحترام واقـع التعـدد الثقافي والاجتماعي والإثني لمكونات شعبنا.
إتخاذ التوافق الوطني الجامع قاعدة لمعالجة القضايا الاقتصادية المختلفة التي تشكل أكبر تحد يواجه الانتقال الديمقراطي.
الاتفاق علي مشروع سياسي ديمقراطي جامع يحفظ البلاد من المغامرات العسكرية التي أثرت علي مسيرة البناء الوطني الذي استحوذت الحقب العسكرية منه على أكثر من خمسة عقود مُنذ الاستقلال في 1958 و1969 و 1989م، ويحشد الجماهير ضد أي محاولة للعودة للنظم الاستبدادية والإنقلابات العسكرية.
حشد كل الطاقات والتدابير وإتاحة الحريات لقيام الانتخابات الحرة النزيهة وفق قانون لا يستثني أحداً، وبتمثيل نسبي عادل لكل المجموعات السياسية بما يفتح المجال لمشاركة كل القوي السياسية وفق قاعدة التمثيل النسبي.
إنتهاج سياسة خارجية متوازنة ومستقلة تقوم على المبادئ والقيم السامية تخدم المصالح العليا الاقتصاديـة والسياسية، وتحقق الأمن القومي للبلاد وفق مبادئ وأحكام القانون الدولي وحسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للآخرين والبعد عن المحاور، حتي تعود للسودان مكانته، عربياً وإفريقياً ودولياً.
ظلت القضيّة الفلسطينيّة محورية للشّعب السُّوداني مُنذ الاستقلال وكانَ الشّعب السُّوداني ومازال مُنحازاً لحقوق الشّعب الفلسطيني في نيل استقلالِه وتكوين دولته المُستقلة وعاصمتها القُدس الشّريفة، على أن تنأى الفترة الانتقالية عن أي عِلاقة أو تطبيع مع الكيان الصُّهيوني.
يستفيد المشروع من تراكم علاقات القوي السياسية السودانية خلال فترة تحالف قوي الاجماع الوطني وأدبياته.

3- ترسيخ قيم الحرية وحكم القانون
الحرية حق أصيل للشعب، خرج لأجله شبابه وشيبه نساء ورجالاً ثائرين، فلا بد من بسطها واستكمالها وتهيئة المناخ للانتخابات من خلال الرفع الفوري لحالة الطوارئ في أرجاء السودان المختلفة حتى يتمكن الناس من التعبير السلمي الحر ومن الانخراط في تنظيماتهم السياسية
إدارة حوار شامل حول تدابير الانتخابات، ولترسيخ قيم سيادة حكم القانون.
تأسيس مؤسسات العدالة الانتقالية لرفع الظلم وجبر الضرر وتسكين النفوس، وحقن الدماء وتوفير فرص الحلول المستديمة للنازحين، وتيسير عودة اللاّجئين، ومعالجة قضايا الرُّحل.
4- تحقيق السلام الشامل
على الرغم مما تم إنجازه في إتفاقية جوبا للسلام، فلابد من أن يكون تنفيذ السلام شاملاً لا يتوقف طويلاً عند عتبة اقتسام السلطة، بل يسارع إلى بناء آليات حل مستديم للصراعات، ومؤسسات للعدالة الإنتقالية والمصالحة التي تعترف بكرامة الإنسان، وتضمن منع وقوع وتكرار الانتهاكات، من خلال تمكين الجميع وبخاصة الفئات الضعيفة من الوصول السهل والآمن لمؤسسات العدالة.
أن تتقدم حكومة الفترة الانتقالية للوصول لبقية الأخوة في الحركات المسلحة الأخرى ليجلسوا إلى مائدة التفاوض لتحقيق سلام شامل عادل يعم ربوع بلادنا.
5- قوميّة القُوات المُسلّحة والقوات النّظاميّة ووحدتها
القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى مكون أصيل من مكونات شعبنا ودورها الأساسي هو حماية سيادة البلاد وحفظ أمنها، وحماية شعبها دون التدخل في الحياة السياسية، وقد كان انحيازها لحماية ومساندة ثورة الشعب معبراً عن هذا الدور.
لذلك يجب التوافق والعمل على دعم وتأهيل القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى لتمكينها من القيام بدورها المنوط بها في خفظ الامن والدفاع عن البلاد، وضمان مهنيتها وقوميتها ووحدتها، والابتعاد بها عن محاولات الاستقطاب والاستعداء والمغامرات العسكرية.

6- معالجة قضايا الاقتصاد:
في مجالِ الاقتصادِ والمعاشِ يجب أن تسارع الحكومة لمُعالَجة الأوضاع الاقتصادية المتردية في الوطن واستدراك أحوالَ المعاشِ المتأزّمة غلاءً وعُسراً للطّبقة الأدنَى من ذوِي الدُّخُول وذلك في إطار سياسة تنهض بالتنمية الاقتصادية المتوازنة للوطن
وتهتم بالعدالة الإجتماعية والرّعاية لذوي الإعاقة ولأصحاب الحاجات وذوي الدخل المحدود ومحاربة الفَقر والعُسر عناية أولية لمن إشتدَّ وقعه عليهم بمواردَ تتوافر من الاقتصادِ وبالرقابة على القطاع العام والرُّقي في أدائه والتوازن الأرْشَد بين دوره واتساقه مع القطاع الخاص والتعاوني، حتى تتكامل الحركة الاقتصادية العامة من تنمية الإستثمار والإنتاج وعدالة تداوُل السِّلع والخِدمات وإعمار حياة المجتمع.
7- تعزيز دور الشباب:
ثورة الشباب الثائر التي إنتهت بإسقاط الحكومة في أبريل 2019 م مثلت علامة فارقة في تاريخ السودان.إن جموع الشباب تأمل أن يتم تبني كافة قضاياهم وأن يشاركوا في مؤسسات القرار، وأن يمضوا الي تنفيذ أحلامهم في واقع الحياة. أول تلك الأحلام وأهمها بناء قدراتهم ومعالجة القضايا الاجتماعية والمعاشية في الصحة والتعليم والخدمات المجتمعية المختلفة وتوفير الوظائف المناسبة وبعائد مجزٍ يقابل تكاليف الحياة ويرفع من مستواها، وتصويب جهدهم نحو تنمية وتطوير مجتمعاتهم.
بيد أن غالب المجموعات الشبابية قد أصابها الإحباط من واقع إنصراف الدولة بعيداً عن قضاياهم، بل وتزايدت معاناتهم الاقتصادية والمعيشية بواقع ما يحدث في البلاد من تدهور وتراجع.
والمؤتمر الشعبي الذي يولي اهتمامه الاجتماعي الأكبر لفئات الشباب أصول المجتمع وطاقاته الواعده، يدعو لتوجيه طاقتهم وتنظيم صفوفهم لبناء البلاد والمساهمة الفاعلة في تأسيس نهضتها، فهم الأمل المرتجى لقيادة المجتمع ونهضته.
ختاماً فإن المؤتمر الشعبي بمقترح تدابير الانتقال هذا يدعو لتحقيق الوفاق وبناء الثقة وتحديد الثوابت وضبط العهود والمواثيق والالتزامات وبناء المؤسسات الوطنية نحو ممارسة سياسية رشيدة ومسئولة و شفافة ومحاسبة وبمشروعية، مع عدالة وحكمة، واستقلال قضاء يحقق حلم أهل السودان إن شاء الله.
قال تعالى: ﴿وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ ۚ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ آل عمران الآية: 103

المؤتمر الشعبي
ديسمبر 2021 م

التعليقات مغلقة.