*السياسة الأمريكية إزاء السودان: الرهان الحقيقي*/د حسن عيسي الطالب

ماسة نيوز

سياسة أمريكا واستراتيجيتها الخارجية تعمل وتتصرف استراتيجيا في المنطقة بهدف قطع الطريق على الصين وروسيا من الاقتراب من البحر الأحمر والدول المطلة على شواطئه واستثمار الموارد النفطية والمعدنية والزراعية والمياه التي تزخر بها كل المنطقة، ومنها السودان. كما لها مصالح استراتيجية مرتقبة وقيد الإجراء في كل من ليبيا ومالي وتشاد وغينيا بعد اضعاف التأثير والدور الفرنسي في تلك المنطقة وانزوائه عمليا جوار الساحل الغربي للأطلسي نحو دول السنغال وبنين وبوركينافاسو، وإذ يتوقع تلاشيه تدريجيا من منطقة وسط أفريقيا الفرنسية خلال العقد القادم على أرجح التقديرات. ولذا تخطط أمريكا بإستباق لاهث لقطع الطريق أمام روسيا والصين المتربصتين لحيازة التركة الفرنسية الأفريقية، كما فعلت ذات الشيئ مع بريطانيا في وراثة مستعمراتها في الخليج والعراق وإيران عند نشوب الحرب العالمية الثانية في منتصف ثلاثينيات القرن المنصرم.
كذلك لدى أمريكا نفوذ تاريخي في إثيوبيا المجاورة للسودان ومع مجموعة التقراي، ولها مصالح استراتيجية في جنوب السودان ويوغندا ومصر .
كما أن هناك ملف الناتو ومشروعه الرامي للتوسع في جمهوريات الإتحاد السوفيتي الآبقة كأوكرانيا والمناوشات المفتعلة من قبل حلف الناتو مع بعض دول الاتحاد الروسي بإغوائها للإنضمام وتقديم تسهيلات عسكرية لوجستية واستخباراتية للحلف بالإضافة الى ملف بحر الصين الجنوبي ومصير تايوان التي تتهددها الصين بمحاولات ضمها للوطن الأم، وتصر أمريكا على تسليمها أسلحة متطورة لتقف ضد محاولات الانضمام ولو بالقوة المسلحة.
أضف الى ذلكم الملف النووي الإيراني وتعقيداته ومحاولات الاحتواء الامريكي ضدها وعمليات التطبيع الجارية مع اسرائيل وترقب انضمام السودان وترحيب أمريكا واحتفائها به.
أمريكا تضغط إعلاميا وتكتيكيا لتحقيق أكبر قدر من التنازلات ولكنها لا تستطيع واقعيا التخلي عن السودان
فالتكلفة ستكون عليها باهظة، وستكلفها إن أضاعت الفرصة الراهنة مليارات الدولارات، وتفقدها نفوذا استراتيجيا فاعلا ومواقع جيوبوليتيكية لا يمكن تعويضها على الساحتين الفضائية والبرية وكذا على مستوى القواعد البحرية، حيث يحوز السودان على مساحة تقدر بحوالي ٨٠٠ كيلو متر ا على سواحل البحر الأحمر.
أمام الفريق أول البرهان فرص واسعة للمناورة، وخاصة بعد انهاء ملف الإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية، ولكن يتعين عليه مع ذلك تعزيز الخبرات الاستشارية الوطنية وتوسيع دائرة الخبرات العملية في مجالات السياسة الخارجية والمفاوضات الثنائية ومتعددة الأطراف والشراكات الجيوبوليتيكية، واتاحة الفرصة للخبراء والمختصين لتقديم كافة السيناريوهات المحتملة لكل حالة واقتراح التوصيات المطلوبة.
الرهان الحقيقي أمام الاستقرار السياسي هو في مكاشفة ومصارحة الشعب السوداني، واشراك كافة مكوناته الجهوية والسياسية والاجتماعية في إدارة الدولة، وتعزيز دور الجيش الوطني واستنهاض عقيدته الجمعية الوحدوية كضامن للسيادة وأمين موثوق على عملية التحول الديمقراطي وحراسة الدستور والحفاظ على الوحدة الوطنية.
كما يتعين على قيادة الجيش الوطني التأكيد على أن سيادة وعزة أهل السودان ووحدة أراضيه واستقلال قراره السياسي ليست سلعة معروضة لمن يدفع أكثر .
عزة السودان في وحدته وتمسكه بقيمه وإرثه الحضاري.
فالرهان الرابح والمستدام يكمن في الإصطفاف مع الشعب السوداني وكسب ثقته.
السفير د حسن عيسى الطالب

التعليقات مغلقة.