لماذا يرتضي نشطاء الفترة الانتقالية وضع السودان تحت وصاية الإنتداب الدولي ؟!د. فتح الرحمن القاضي
ماسة نيوز
بسم الله الرحمن الرحيم
أيهما أوفق : تعويل علي الشعب لحماية المدنية المفتري عليها أم رهان خاسر علي القوي الدولية
ليس بخاف حجم البهجة العارمة (Tremendous Joy) التي ابداها غالب نشطاء الفترة الانتقالية من منتسبي قوي الحرية والتغيير ، وليس كلهم بالطبع إن شئنا الدقة، وهم يحتفون بردود الافعال الصادرة عن عديد من ممثلي ما يسمي بالقوي العظمي وفي مقدمتهم أمريكا بالطبع فضلاً عن بعض الدوائر المحسوبة عن المنظومة الاممية ممثلة في السيد رئيس بعثة يونتامس بالسودان ؟!!. الراصد لردود الأفعال التي إنطلقت من خارج السودان بازاء المحاولة الانقالبية التي جرت مؤخراً بالبلاد وما ترتب عليها من تداعيات ما زالت تنداح دوائرها وتتسع مساحاتها حتي يومنا هذا يكاد يخال هذه الاستجابات الدولية وكأنما هي أشبه بطوق نجاة القاه المجتمع الدولي للمكون المدني مستنقذاً إياه من غرق محتم لا منجاة منه ؟!!.
وفيما إكتفي شعب السودان بالوقوف ساكناً وهو يرقب المهددات العظمي التي تعتري الفترة الانتقالية وفي مقدمتها الانقلاب، غير مكترث بنداءات المناشدة التي صدرت عن الاستاذ محمد سليمان الفكي عضو مجلس السيادة وهو يستنفر الشعب بالخروج الي الشارع لحماية الثورة ، فقد هرع ممثلي ما يسمي بالمجتمع الدولي لنصرة نشطاء المكون المدني مع ما اشيع من أخبار راجت حول وصول الشراكة بين المكونين المدني والعسكري الي طريق مسدود مما يشئ بانفضاض سامر صيغة الشراكة الحالية التي ـتأسست عليها مؤسسات الفترة الانتقالية.
لقد كان السيد الفكي ومن خلفه قوي الحرية والتغيير أو ما تبقي منها علي الاصح يطمحون في أن يجد النداء الذي أطلقه لجماهير الشعب لكي تهب لحماية الثورة في اعقاب المحاولة الانقلابية صدي واسع علي شاكلة الاستنفار الهائل الذي شاركت فيه جموع الشعب كافة في الثلاثين من يوليو مما منح الثورة مشروعية شعبية تأسست عليها صيغة الحكم الحالية ، كما كان الفكي يطمح في استجابة تلقائية عاجلة لمناهضة الانقلاب واظهار السند والمؤازرة للشرعية الحاكمة مثلما حدث عبر عبر تغريدة أردوغان الشهيرة مما احبط الانقلاب بيد ان شيئأً من ذلك لم يحدث مما أسفر عن عزلة المنظومة الحاكمة وبين مدي انكشاف ظهرها وافتقارها الي السند الجماهيري.
ردود افعال الشعب الذي اتسم بالبرود رغم محاولات استنفاره وتحريكه تطرح أكثر من سؤال علي شاكلة: تري هل وصل الشعب الي مرحلة من الخمود والارتكاس بحيث لم يعد يحفل بما يحدث في المسرح السياسي حتي لو كان حدثاً تراجيدياً يصل الي طور الانقلاب ؟! أم ان الشعب بلغ طوراً متقدماً من الزهد تجاه ما يجري علي المسرح معتبراً أياه نوعاً من الهزل أو العبث السياسي الذي لا يستحق مطلقاً أن يعتني به أحد ؟! هل وصل الشعب الي مرحلة من الاستنزاف والانهاك ولم يعد يتأثر بما يجري في دوائر الحكم أم أنه بات يستشعر نوعاً من خيبة الامل في المنظومة الحاكمة بحيث لم يعد يشكل بقاء الحكومة الراهنة أو زوالها اي فارق لديه ؟!! تري هل أضحي الشعب يؤثر المثل القائل (شهراً ما ليك فيهو نفقه ما تعد أيامو) باعتبار أن وجود نظام الفترة الانتقالية من عدمه يعتبر سيان لديه ، أم ما هي جلية الامر يا تري؟!!.
لسنا في حاجة الي تعداد مظاهر التدخل الدولي ، وإن شئت التخفيف من وقع المصطلحات يا هداك الله ، فلنقل الانفعال الدولي بما يجري في السودان من أطوار وتقلبات عنيفة خلال الفترة الانتقالية وهذا يعكس مدي الاهمية الجيوسياسية للسودان مما جعله موضعاً للاهتمام بله التدخل الذي ازدادت وتيرته علي نحو عال جراء المحاولة الانقلابية حيث سري ما يشبه الطواري في اوساط المجتمع الدولي ومكوناته تهرع لتدارك الوضع عالي التأزم في البلاد. وتتجلي ابرز مظاهر التدخل الاجنبي ، أو فلنقل المبادرات، في بيان مجلس الامن، والناطق الرسمي للامين العام للامم المتحدة ، والمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الامريكية الي جانب مسئولين كبار في الكونغرس فضلاً عن مبعوث الرئاسة الامريكية لمنطقة القرن االافريقي الذي يحزم حقائبه في هذه اللحظة استعداداً للسفر الي السودان هذا علي المستوي الخارجي ، اما علي المستوي الداخلي فتتجلي مظاهر المبادرات المبذولة في رسائل السفير الالماني ، مروراً باشارات المبعوث الفرنسي للسودان وجنوب السودان وانتهاء برسالة رئيس بعثة اليونتامس بالسودان وما زالت الرسائل تتري والوفود تتقاطر في محاولة لاستنقاذ الشراكة بين المكونين المدني والعسكري وهي شراكة اعلن كلا الطرفين زهدهم فيها معربين عن املهم في نهايتها اليوم قبل الغد لكونها لم تفلح في خدمة الامة السودانية او العبور بالفترة االانتقالية الي نهايتها المرجوة ، والحال كذلك فهل يصلح العطار الدولي ما افسده دهر الفترة الانتقالية بين شركاء الحكومة الانتقالية.
في الواقع لا نريد التوقف كثيراً لتشخيص مغزي الرسائل التي وردت من تلقاء ممثلي المجتمع الدولي خارج السودان او داخله في وسط الاجواء الاحتفالية التي قابلت بها قوي الحرية والتغيير ردود الافعال تلك حد الحبور والبهجة العارمة مما يعكس حجم الرهانات االخاسرة التي توليها هذه القوي لمختلف انماط التدخل الدولي عوضاً عن الاستنصار بشعب السودان والتعويل عليه باعتباره صاحب الشان الاول والاخير في حماية الفتترة الانتقالية وتامين اهداف الثورة ومكتسباتها ، ولكن لا بد في هذا السياق من تناول الموقف الامريكي الحافل بالتهديد والفظاظة في الخارج، وموقف رئيس البعثة الاممية المحتشد بالتهذيب واللياقة في الداخل لخطورة تلك الاستجابات.
دعونا نمعن النظر أولاً في تضاعيف الموقف الامريكي في الخارج ذلك أنه لم يفت علي المتابعين للافادات التي صدرت من الادارة الامريكية علي اختلاف مؤسساتها ورموزها خلوها من عناصر اللياقة والتهذيب الدبلوماسي واحتشادها بالتهديدات الصريحة التي تدعو الي اشهار أدوات الابتزاز المعروفة عن طريق اطلاق دعوات صريحة تستهدف اعادة السودان تارة أخري الي سابق العهد ليرسخ تحت طائلة العقوبات والمقاطعة الامريكية بحجة مفارقة راس السلطة الحاكمة لنهج الفترة الانتقالية وقطع الطريق امام مسار التحول الديمقراطي ؟!. وفي الوقت الذي ندعو فيه الحكومة الامريكية ومؤسساتها المعنية الي قراءة المشهد السوداني قراءة متعمقة لاستكشاف حقيقة الاوضاع بعيدأ عن تشخيص الازمة الراهنة باعتبارها ازمة بين المكونين المدني والعسكري مما يستدعي مناصرة المدني في مواجهة العسكري فالازمة اعمق من ذلك بكثير بحيث لا يستطيع تحليل فطير كهذا ان يستوعبها وهذا التحليل ليس من عندي فالسيد رئيس الوزراء يشاطرني كذلك في تبني تحليل كهذا حيث يقول ان اس المشكلة ليس بين العسكريين والمدنيين وانما بين انصار الديمقراطية وخصومها . والحال كذلك فاننا ندعو الاادارة الامريكية باخلاص للتخلي عن اساليب التهديد والوعيد التي لم تعد تجدي شيئاً لا سيما بعد الاطوار العجيبة التي شهدها العالم أجمع في اعقاب التطورات الحادثة في افغانستان ، ومن ثم اعادة النظر في المشهد السوداني بعيون فاحصة اكثر حدة وحصافة مما يعين الادارة الامريكية علي تطوير مواقف صائبة تجاه الاحداث الجارية في السودان وذلك اذا ما كانت الادارة تحرص بالفعل علي اعانة السودان في العبور نحو تحول ديمقراطي حقيقي بنهاية الفترة الانتقالية .
أما فيما يلي بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، فلا يسعنا سوي ان نتوجه بالشكر لرئيسها السيد فولكر بيرتس، .لرسائله المهذبة التي تقدم فيها بالنصح لشركاء الحكومة الانتقالية في المكونين المدني والعسكري بالكف عن التصعيد وايقاف التراشقات الاعلامية بينهما مما طفحت به وسائل الاعلام والقنوات العالمية ، والاعتناء بدلاً عن ذلك بالحفاظ علي مسار الفترة الانتقالية وثوابتها مما جعله في موقف الناصح الامين لقيادات خرجت عن طورها في الخطاب وكادت تفقد رشدها مما ينبئ بحدوث ما لا يحمد عقباه. ونحن اذ نحتفي برسائل السفير فولكر التي تستهدف نزع فتيل الازمة التي تؤذن بانفجار يطيح بالجميع فاننا نأسي لحال الشعب السوداني الذي يجري تغييبه عمدأ عن الفصل في الحادثات الجسام مع الزعم بتنصيبه وتمثيله في صدارة الاحداث. اليس عيباً أن ينبري رئيس اليونتامس لمناشدة قادة الفترة الانتقالية بشقيهم االمدني والعسكري لاستئناف االحوار بينهما مقدماً النصائح للجميع لكيفية الخروج من النفق المظلم بينما يغيب أو يغيب كبراء هذه الامة وعقلائها عن حلبة المشهد السياسي والاجتماعي ؟!! أي عيب أكبر من هذا ، وأي هوان هذا الذي وصلنا اليه ؟!! وهل تعجز المؤسسات التي افرزتها ثورة ديسمبر عن تأمين عقل جمعي وطني يتسم بالوعي والنضج لمعالجة عثرات الفترة الانتقالية وتقلباتها واطوارها العجيبة بحيث يصبح لا مندوحة من الاستعانة بممثلي القوي الدولية والبعثات الاممية لاجلاس الشركاء المتشاكسون من الجلوس الي مائدة واحدة للحوار ناهيك عن التوافق علي خطة رشيدة لوضع حكومة االانتقال في المسار الصحيح وسوقها الي نهاياتها المامولة ؟!!. أين هم يا تري حكماء السودان، وزعماء القبائل والادارات الاهلية، وشيوخ الطرق الصوفية، وقادة الفكر والراي في الوسائط الاعلامية، واساتذة الجامعات ، وتجمعات المهنيين وقادة الفئات النقابية، وعقلاء المجتمع المدني ؟!! اين هؤلاء ، وأين هي مواقفهم ؟! وما هي الحاضنة الفكرية والمجتمعية بله السياسية التي يفترض فيها أن تجمع شملهم وتوحد كلمتهم لكي يصدروا برأي يستنقذ البلاد مما هي فيه من تمزق واضطراب ؟؟!!.
في غمار هذا المناخ السياسي المدلهم بالمشاكل العظمي الملبد بمطر السوء لا بد أن يتبلغ المجتمع الدولي بعامة والمعنيين بالشان السوداني بخاصة ، سيما الادارة الامريكية ودول الترويكا والبعثة الاممية في داخل السودان، بأن السودان لم يشهد انقلاباً في الايام الخوالي فقط مما ينبغي التصدي له والتحذير من مآلاته، وانما ظلت البلاد تشهد الكثير من المفارقات العظمي وتعج بمظاهر الانقلاب من قبل شركاء الفترة الانتقالية ربما منذ تسنم زمام الحكم في اعقاب الاطاحة بنظام الانقاذ ؟!!. ليس بالضرورة أن يتزيأ من يريد الانقلاب علي الوضع المدني ، بافتراض انه موجود بالفعل وهذا مشكوك فيه، بالزي العسكري او يتخذ من الوحدات العسكرية موقعاً محتملاً للحراك الانقلابي وانما يكمن الخطر الاكبر علي التحول الديمقراطي المدني، الذي تنشده امة السودان وضحت بالكثير لتحقيقة ، من دعاة المدنية انفسهم الذين يملأاون سموات البلاد عويلاً وصراخا ب (مدنييييياووووو) !!!بينما يجهدون ليل نهار في تقويض حكم القانون ، والقضاء علي مرتكزات الحكم الرشيد، والاجهاز علي التحول الديمقراطي ، وانتهاك حقوق الانسان، واهدار الكرامة الانسانية ، وتجاهل استحقاقات الفترة الانتقالية، وتزييف ارادة االامة ، والتنكر لقيمها وثوابتها بدون أن يطرف لهم جفن وهم يقصون كل من لا يشايعهم في هذا المخطط ، مستعينين في ذلك بجهاز مترهل من مستشارين من بني جلدتنا فضلاً عن الاجانب تريد سوق الامة السودانية الي واقع جديد مغاير لارادة الشعب وهم يحيكون القوانين ، ويصيغون الخطط والبرامج والمشروعات ، ويضعون التدابير مما يشكل في مجموعه انقلاباً كامل الدسم مكتمل الاركان علي الثورة وقيمها بدون أن يصحب هذا الانقلاب الناعم موسيقي عسكرية أو مظاهر للانقلاب العسكري التقليدي ومع ذلك يطمحون في ان تخلع عليهم المؤسسات العسكرية والامنية حمايتها وتمنحهم مباركتها والا اتهمت بخيانة برنامج الانتقال والتنكر لاستحقاقات الفترة الانتقالية …والسؤال الي متي وحتام هذا الاستغفال الذي يمارس باسم المدنية المفتري عليها بلا تفويض شعبي والمدنية من كل هذا براء.
هل ينتظر من المبعوث الامريكي للقرن الافريقي الذي يعتزم زيارة البلاد في اي لحظة، فضلاً عن السيد رئيس البعثة الاممية ومن خلفهم المجتمع الدولي ظهيراً وناصراً ان يقفوا جميعاً وقفة للنظر والتامل لكي يطرحوا علي أنفسهم بعض الاسئلة الحرجة قبل أن يتفضلوا بطرح ذات الاسئلة علي اطراف الحكم في السودان في اطار الاستقصاء عن الطرف المتهوم بتعطيل مسار الفترة االانتقالية، ويمكن اجمال الاسئلة والاستفسارات فيما يلي:
تري أين هو البرلمان الذي اقرته الوثيقة الدستورية رغم مضي نحو عامين علي صدور الوثيقة الدستورية ؟! ولماذا عجزت الحواضن السياسية في معية شركاء الحكم في تكوين هذا المجلس لكي يضطلع بالمهام والاختصاصات التي تعارف عليها العالم اجمع تحت مظلات البرلمانات المحترمه وقبابه المعلومة في مختلف ارجاء المعمورة ؟!. هل تخلو امريكا من مجلسي النواب والشيوخ ، وهل تفتقر المانيا الي البوندسليق ، وكيف يبدو شكل دول العالم بدون برلمانات منتخبة او حتي معينة كحال البرلمان الذي نرقب تكوينه في السودان ؟!!
اين هي المؤسسات المعنية بسيادة حكم القانون من مجلس للقضاء والنيابة ؟؟ ولماذا يخلو السودان من محكمة دستورية ؟؟ ولماذا لم يتم تعيين رئيس للقضاء او نائب ععام للبلاد حتي تكتمل اركان المنظومة العدلية ويجني الناس ثمار شعارات الثورة في العدالة والسلام والحرية باعتبار ان (العدل اساس الحكم) .
مع التامين علي مبدأ ازالة التمكين ذلك ان ازالة التمكين لا خلاف عليه شريطه ان يتم عبر قضاء نزيه عادل ووفق الاسس التي تحكم الخدمة المدنية وان لا يعقبه تمكين اخر اضل واسوأ ، فان السؤال يظل قائماً لماذا لا تؤول الية ازالة التمكين الي مفوضية مكافحة الفساد ؟! وكيف يستقيم امر العدالة مع فصل عشرات الالوف من منسوبي الخدمة المدنية بما فيهم القضاة والمستشارين القانونيين والسفراء ومن سواهم من شاغلي المهن الرفيعة لمجرد الاشتباه بانتمائهم للنظام السابق او الانتساب للحركة الاسلامية وفق اهواء لجان تتغلل في اوساط الخدمة المدنية وتستند علي سلطات خرافيه ما انزل الله بها من سلطان ، ولم يالفها شرع ولا قانون علي امتداد دول العالم الا في اشد الانظمة الدكتاتورية طغياناً وصلفاً وغرورا بحيث تم تزهيد الامة وتشكيكها في مبدأ ازالة التمكين نفسه رغم انه يشكل احد اهم مطلوبات ثورة ديسمبر وذلك لما شاب هذا المبدأ من خروقات جسيمه في التطبيق بحيث يتعذر معه التمييز بين المحسن والمسيئ ؟!!.
أين هي المفوضيات التي توافق االناس علي انشائها في اطار التحضير لانجاز استحقاقات التجول الديمقراطي وفي مقدمتها مفوضية الانتخابات والية التعداد السكاني الذي لا يمكن انجاز انتخابات بدونه مع اهمال هذه المهمة والوقت يمضي سراعاً في اتجاه نهاية اجل الفترة الانتقالية . ذات الامر ينسحب علي بقية المفوضيات التي تشهد تعطيلاً متعمدأ مع كونها تمثل احد اهم اليات الفترة الانتقالية لانجاز عملية التحول الديمقراطي؟
لماذا تاخر استصدار تشريع يحكم المفوضية القومية لحقوق الانسان ، وما هي الدواعي والاسباب التي تحول دون تشكيل مفوضية قومية مستقلة لحقوق الانسان وفق مبادئ باريس وهي المبادئ التي توافق عليها المجتمع الدولي في شان المعايير التي تحكم تشكيل المفوضيات والمجالس القومية لحقوق الانسان في دول العالم اجمع وفاءا بالموجهات الصادرة عن االمجلس الدولي لحقوق الانسان. واذا ما كانت الالية الوطنية للرقابة علي اوضاع حقوق الانسان معطلة فلماذا يسكت المكتب الاممي لحقوق الانسان علي التردي الحادث في حالة حقوق الانسان مع استشراء مظاهرة التي تستعصي علي الحصر بينما صناع القرار السياسي يكتفون حتي الان بلجنة تسييرية للمفوضية القومية لحقوق الانسان تم تشكيلها بقرار من لجنة ازالة التمكين مع افتقار اللجنة للصلاحيات التي تؤهلها لتعيين المفوضيات القومية ، اذا ما يحدث علي صعيد البات حقوق االانسان لا يعدو ان يكون عطية من لا يملك لمن لا يستحق .
في ظل هذا الاضطراب يجوز التساؤل حول دور المجتمع المدني والياته وصوته المرتجي باعتباره اليه مستقلة يمكن ان تضطلع بمهمة النصح والمناصرة والتقويم للاجهزة الحاكممة مثلما درج عليه المجتمع المدني في العالم اجمع ؟!!. لماذا يلتزم االمجتمع المدني الصمت تجاه اهدار مظاهر الكرامة الانسانية وانتهاك حقوق الانسان ؟!! لماذا يقف المجتمع المدني عاجزاً والدولة المدنية تتداعي امام ناظريهم وعري مؤسسات المجتمع المدني تنتقض عروة عروة في حين تزعم القوي المدنية بانها جزء لا يتجزأ من الحاضنة السياسية المتمثلة في قوي الحرية والتغيير؟؟ اين هو المجلس السوداني للمنظمات الطوعية المعروف اصطلاحاً ب (اسكوفا) وما هو راية وموقفه فيما يجري من خطوب جسام في البلاد ام ان القائمين عليه لم يصدقوا ان يؤول اليهم امر التحكم في (اسكوفا) والنجاة من المساءلة عن الخروقات التي احدثوها طوال الدورة السابقة بقرار حكومي يمنحهم مشروعية لن تتاتي لهم عبر الكلية الانتخابية الحقيقية للمجتمع المدني الحق وليس المصنوع بالطبع ؟! كيف يرتضي بعض النشطاء المحسوبين علي الثورة، اذا احسنا الظن، ان يرتقوا الي سدة اسكوفا ليتسنموا قيادة المجتمع المدني بدون تفويض حقيقي من ممثلي المجتمع المدني في السودان واذا فهم شعب كل حكومة او ما يسمي
GOVERNMENT NON GOVERNMENTAL ORGANIZATION (GONGO)
وبالتالي فهؤلاء القوم لا يهمهم شيئ مما يحدث في السودان سوي اعتلاء المناصب والسيطرة علي المجتمع المدني مع اقصاء الاخرين بلا حياء طالما كان في وسعهم استصدار القرارات التي تمنحهم المشروعية السلطوية في غفلة من المجتمع المدني ؟!!.
واذا يتوجب علي ممثلي المجتمع الدولي الزائرين والمقيمن ، وهم يتأملون المفارقات المذكورة باعلاه في تجربة الحكم الراهن، أن يدركوا بان جهدهم الايجابي يبقي مطلوباً بشدة ، وبمثلما كانوا ناشطين في اسقاط النظام السابق بحجة مصادمته لارادة الامة السودانية ورفضه للسلام وانتهاكه لحقوق الانسان فعليهم ان يكونوا قمينين حقاً بدعم المدنية في وجهها الحقيقي ، لا التنكري، ومساندتها بصدق واخلاص بمعزل عن الاجندة الخفية حتي يتسني للسودان بناء ديمقراطية حقه تضعه بالفعل في مصاف العالم المتقدم لا زمرة الدول الفاشلة ، لا اكثر ولا اقل ؟!!. وليعلم رئيس البعثة الاممية وطاقمه في (يونتامس) والمكتب الاممي لحقوق الانسان بالبلاد وسائر مسئولي الوكالات الاممية العاملة بالسودان بانهم اذا لم يحملوا انفسهم علي نهج الشفافية والاحتراف مما يحملهم علي التعاطي مع مشكلات السودان وقضاياه وتحدياته بامانة واخلاص في ظل الاحترام الكامل للنظراء الوطنيين والموظفين المحليين الذين يلاقون الامرين بلا معين لا من قبل المؤسسة الاممية ولا من سلطة الثورة وحكومتها …عليهم ان يعلموا بانهم لن يحظوا بالاحترام المطلوب ما لم يجتهدوا حقاً في خدمة مصالح الامة السودانية بعيداً عن الاجندة الخارجية والامزجة الشخصية لا بل اكثر من ذلك فان تباطؤ المؤسسات الاممية بيما في ذلك البعثة االاممية والمكتب الاممي لحقوق الانسان ربما يحمل القوي الثورية للمطالبة بغلق البعثات والمكاتب ، الي جانب الاستغناء عن النظام الاستشاري المترهل لحمدوك في اي تغيير اذا ما تبين عجزهم عن خدمة الشعب .
لقد آن الاوان لممثلي الحكم بشقيه المدني والعسكري ، والاجهزة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني وسائر قطاعات المجتمع والاسرة الدولية وجماهير الثورة قاطبة ولجان المقاومة وذوي الشهداء والمفقودين …لقد حان الوقت لكي يقفوا جميعاً وقفه فاحصة للنظر والتقويم لما يجري في السودان من مفارقات جسيمة لنهج المدنية والحكم المدني وحينها سوف يدرك ممثلو المجتمع الدولي القادمون من الخارج للمنافحة عن المدنية المفتري عليها ، فضلاً عن جماهير الشعب والثوار في الداخل ان المدنية التي هم حفيون بها مشفقون علي زوالها انما هي عبارة عن مجرد شعار يرفعه دعاة المدنية وادعياؤها بينما تصب ممارساتهم وافعالهم خارج اطار الدولة المدنية.
أما علي المستوي الوطني فلا بد من اجراء فرز دقيق للساحة السياسية والمجتمعية في السودان لكي نتعرف حقاً علي دعاة المدنية وحماة الثورة والتغيير الاصليين ممن ينتسبون زوراً للمدنية وشعاراتها ومنهجها في التغيير لكي يجدوا لهم موطئ في سلطة الفترة االانتقالية بشقيها الرسمي والطوعي بعد اذ فاتهم قطار الثورة ولسان حالهم يقول بلا حياء (كان فاتك الميري اتمرمغ في ترابو) ؟!. وفيما يتكشف الناس علي معادنهم واصولهم فلا بد من وضع ميثاق جديد يتوافق عليه شعب السودان مؤشراً وهادياً للفترة الانتقالية ، ولا بد من حاضنة امينة مخلصة للحكم الانتقالي يتاسس عليها نخبة من ابناء الامة لكي تضطلع بحكم البلاد في الفترة القادمة وانفاذ استحقاقات االتحول الديمقراطي خلال الفترة الانتقالية ، واذا لم يصار الي ذلك مع استمرار الاداء العبثي الذي يحدث بين ظهرانينا فعلي الثورة السلام، ولا عزاء لشعب السودان في أرواح الشهداء ، ولا مواساة للامة في مصابها الجلل من المفقودين والمصابين … وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
د. فتح الرحمن القاضي
مستشار في شئون العمل الطوعي والإنساني وحقوق الانسان
الخرطوم في 30 سبتمبر 2021 م
التعليقات مغلقة.