كيف لا تنمو مستعمرة الانقلاب وتعمر طالما كانت كل الظروف الموضوعية مهيئة ؟! د فتح الرحمن القاضي
ماسة نيوز : الخرطوم
بسم الله الرحمن الرحيم
هل كانت الحكومة في حاجة لصدمة إنقلابية حتي تهرع الي معالجة الأوضاع المازومة ؟!
إذا لم يتم الوفاء بأمانة الكلمة فما علي المعنيين سوي الإعتذار للشعب أو الاستقالة
د. فتح الرحمن القاضي
مازالت التداعيات المترتبة علي الانقلاب الذي تم الاعلان عنه مؤخرا تتوالي علي نحو تراجيدي مما يضع المشهد الماثل بين ايدينا برمته أمام ملهاة مؤسفة من الدرجة الاولي. وفيما جاءت ردود الافعال للانقلاب تتري حيث تباري كل طرف من شركاء الحكم في إدانة المحاولة الانقلابية وشجبها فان المراقب الحصيف لا يكاد يجد جهة بعينها تأخذ علي عاتقها مئونة الاضطلاع بمسئولية تشخيص الأسباب والعلل الكامنة في تجربة الحكم الانتقالي بما يسهم في وضع المعالجات الشاملة للوضع الانتقالي المأزوم الذي يكاد يفضي الي انهيار منظومة الحكم الانتقالي وضياع امال الثورة.
مما لا شك فيه أن الكثير من المداد قد أريق في التنديد بالانقلاب ، غير أن أكثر ما يثير العجب هو مسارعة حمدوك الي توجيه اصابع الاتهام لجهة مستبقاً نتائج التحقيق رغم ان بيان القوات المسلحة لم يسم جهة بعينها فيما كان يتعين عليه ان يتبني مقاربة شفافة متعمقة للكيفية التي يمكن عبرها معالجة مظاهر الازمة التي تعتري إدارة الفترة الانتقالية مما يسد الذرائع ويحول دون حدوث أي محاولة انقلابية محتملة في مقبل الايام.
كان الراي العام علي موعد مع سيل من البيانات العجيبة الموغلة في الغرابة ، وهي كثيرة العدد متعددة النوايا والاتجاهات ، حيث اجتهد كل طرف في كيل الاتهامات الي الطرف الاخر محملاً إياه مسئولية الفشل والتردي المريع الحادث في البلاد دون ان يكلف نفسه مئونة الوقوف مع نفسه وقفة للنظر والمحاسبة عن تقصيرمحتمل او عجز ماثل ربما يكون منشاه هو دون سواه مما أفضي بالبلاد الي هذا الوضع الكارثي ؟!!. وفيما يختصم شركاء الانتقال علي الملأ فانهما لا يستشعران مقدار الضرر الذي ألحقاه بصورتيهما امام الراي العام ففي حين الظن كان سائداً بين الناس ان هنالك ما يمكن تسميته بتوازن القوة بين المكون المدني والعسكري مما يحفظ معادلة الحكم الانتقالي اتضح أن العلاقة بينهما الت الي ما يمكن تسميته ب (توازن الضعف) بكل ما يمكن ان يترتبعلي ذلك من خسائر هائلة تعود علي الطرفين حيث يخسر كل طرف في عرينه الخاص بعد اذ بات مكشوفاً ، كما يخسر الطرفان معاً نتيجة لاهتزاز صورتيهما امام الراي العام وهو يراهما يتراشقان عبهذه الصورة المؤسفة علي مراي ومسمع من الامة ؟!!.
لسنا في حاجه الي اعادة تكرار الافادات التي تفضل بها كل من الطاهر ابو هاجه المستشار الاعلامي لرئيس مجلس السيادة ، الفريق اول البرهان رئيس مجلس السيادة ، الفريق حميدتي نائب رئيس المجلس وقائد الدعم السريع ، الدكتور حمدوك رئيس مجلس الوزراء ، وزير رئاسة مجلس الوزراء خالد عمر ، الاستاذ فيصل محمد صالح المستشار الاعلامي لرئيس مجلس الوزراء، وزير الاعلام بلول، الدكتور ياسر عرمان المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء ،مروراً بالبيانات الصادرة عن أحزاب البعث ، الشيوعي ، المؤتمر السوداني ، الامة ، المؤتمر الشعبي ، ونما سوي ذلك من الكيانات الاقبيمية، وانتهاءا ببيان القوي المدنیه … لسنا في حاجه الي اعادة تدوين ما تفضل به كل من هؤلاء الرموز او تلك الجهات حيث كانت الافادات ، ماعدا استثناءات قليلة ، تتسم بقصور في الرؤية وقلة في الحيلة مما يجعل مشروع الحل المأمول لمظاهر الازمة بعيد المنال.
لقد بات جلياً انه لیس هنالک من توافق بین هٶلاء الشركاء المتشاكسون حول أجندة وطنية أو مشروع وطني موحد يستند علي حد ادني من التوافق مما جعل سائر الشركاء في موقف العاجز حيال تطوير مشروع حل وطني يفضي بنا الي مستقبل مامول يستشرفه السودانيون جميعاً مما جعلهم يلجاون، عوضاً عن ذلك، الي كيل السباب وسوق الاتهامات في حق بعضهم البعض علي مراي ومسمع من العالم محملاً كل طرف منهم بقية الاطراف مسئولية الفشل الحادث في البلاد.
فيما يبدو ان المحاولة الانقلابية كانت اشبه ما يكون بالقشة التي قصمت ظهر البعير او كما يقول المثل الشعبي الشائع (القندول الشنقل الريكة) حيث كان الائتلاف الحاكم بشقيه العسكري والمدني اشبه بالبركان يمور بخلاف عميق مكتوم ولم يكن ينقصه سوي شرارة او محفز خارجي او صدمة لينفجر علي نحو هائل قاذفاً الحمم والنيران والاتهامات في سائر الاتجاهات. الوضع الملتبس الراهن يدعونا الي طرح العديد من الاسئلة الحرجة علي شاكلة : هل كانت الاتهامات التي ساقها الفرقاء، وليس الشركاء ، في حق بعضهم البعض صحيحة تماما أم انها جاءت متعسفة مغالية في الحكم ؟!!. وهل هنالك ثمة جهة مأذونة تمتلك القدرة والرغبة معاً في الفصل في أصل النزاعات القائم بين شركاء الفترة الانتقالية بما يضع الامور في نصابها الصحيح ؟!.
وطالما كانت محاولات تقويض مسار الفترة الانتقالية لا تكاد تتوقف والجميع ضالعون في تقويض تجربة الانتقال من حيث يدروا او لا يدروا .فيجوز لنا الافضاء الي حكم حول تكييف طبيعة الانقلاب ، فالفعل الانقلابي بمعناه الاوسع لا يقتصر فقط علي حمل السلاح من اجل اسقاط النظام القائم والاستيلاء علي السلطة ، وانما يمكن ان يندرج في ذلك كل قول او فعل يستهدف تعطيل مسار النظام الانتقالي المتوافق عليه في السودان في اعقاب ثورة ديسمبر ، استناداً الي هذا الفهم يمكن اعتبار كل من يتسبب في تعطيل قيام مؤسسات الحكم الانتقالي ويشمل ذلك المجلس التشريعي ، يمكن اعتنباره ضالعاً في الانقلاب علي ارادة الشعب معطلاً لطموحات الامة في التغيير.
وإذا أمعنا النظر ففي الاتهامات التي اطلقها الجميع في حق بعضهم البعض فيمكن لنا ان نتوصل لحكم مفاده بان مختلف شركاء الحكم ربما يكونوا ضالعين في توفير التربة الملائمة التي نمت وترعرت فيها مسوغات الانقلاب وذلك جراء عجزهم عن الوفاء بامانة تكليف تسيير دفة الحكم اثناء الفترة الانتقالية مما يحتم محاسبتهم او عزلهم عبر الية النضال السلمي اذا ما اقتضي الامر. والمتامل في طبيعة الاتهامات االتي ساقها الشركاء في حق بعضهم البعض لا يمكن ان يجزم بان البرهان او حميدتي او حمدوك او خالد عمر او فيصل محمد صالح كاذبون او غير محقين إذ دعونا نفترض انهم صادقون في زعمهم الذي اطلقوه ، ودعونا نفترض انهم اصابوا في تشخيص علل النظام الحاكم بشقيه المدني والعسكري فماذا هم فاعلون يا تري لاصلاح الوضع المازوم الذي اجتهدوا في تشخيصه ؟!!. إن جمهرة الشعب السوداني قد رصدت بدقة مجمل الافادات والتصريحات والاتهامات التي القي بها البرهان وحميدتي وحمدوك وخالد سلك في وجه الاخر ولا يوجد مسوغ لاتهام ايا منهم بالكذب او التحامل كما لا يوجد مجال للتنصل من هذه التصريحات والاتهامات وابنتلاعها كانما حديث الليل يمحوه النهار ، وبالتالي يبقي السؤال قائماً حول كيف ومتي سوف تتصدي كل سلطة من هذه السلطات فرادي او مجتمعين لمظاهر العجز والقصور التي اشاروا اليها في سبيل تعبيد الطريق امام مسار الفترة الانتقالية . واذا ما تنصل اي فرد او طرف من افاداته التي ملا بها الاسافير قبل ان يجف مداد كلماته ، او عجز عن انفاذ رؤيته الاصلاحية لمظاهر القصور وفق صلاحياته المعهودة، او اظهر بالفعل انه يفتقر للارادة الداعمة للتغيير فما عليه في هذه الحالة سوي ان يحمل عصاه ويلملم اوراقه ويرحل بطوعه واختياره عن المشهد الثوري للفترة الانتقالية ، واذا لم يفعل فما عليه سوي مواجهة الضمير الوطني المتمثل في ارادة الثوار ذلك انه لا يصح اتخاذ منصات الثورة وسوحها لتمثيل مسرحيات غير واقعية في اطار (مسرح اللامعقول) ؟!!.
وحينما نخضع الاتهامات التي قالها الشركاء في حق بعضهم البعض فان المتامل في طبيعة التراشقات التي ضجت بها وسائل الاعلام سوف يصل الي نيجة مفادها أن الجميع قالوا في حق بعضهم البعض ما لم يقله مالك في الخمر ، وبغض النظر عن صحة الاتهامات التي قيلت من عدمها ، وهي في اغلبها لا تخلو من صحة، فان بروز خلافات الشركاء الي السطح وتفجرها علي هذا النحو المؤسف يشير بجلاء الي انسداد، لا بل تكلس، قنوات التواصل بين شركاء الحكم الانتقالي الامر الذي من شانه ان يؤدي الي تراكم الخلافات لتنفجر في وجه السودانيين جميعا ، حكاماً ومحكومين، في نهاية المطاف وهذا ما يختبره الشعب السوداني والاسرة الدولية بالفعل . ولو كانت قنوات الاتصال سالكة بين الشركاء وجسور الثقة منصوبة لامكن لهؤلاء الشركاء حل خلافاتهم بهدوء بعيدا من وسائل الاعلام ومن ثم التوافق علي رؤي متفق عليها وفق مبدأ الحد الادني مما يسمح بمخاطبة التحديات ومعالجة الانشغالات التي تعتري الفترة الانتقالية ، ولكن في ظل الافتقار الي جسور للتواصل بين مكونات الفترة الانتقالية كان محتماً ان يجد شركاء الانتقال انفسهم يتموضعون في فوهة بركان امنفجر في نهاية االمطاف ؟!. اما فيما يتصل بالجهة المأذونة التي تمتلك الحق في الفصل في أصل النزاعات القائمة أو المحتمل نشوءها بين شركاء الفترة الانتقالية فيمكن القول ، بكل اسف، انه لا توجد جهة بعينها يمكنها تسوية المنازعات بين شركاء الحكم في ظل تعذر تكوين البرلمان رغم انقضاء نصف عمر الفترة الانتقالية تقريباً الامر الذي يجعل الاجهزة التفيذية ممثلة في مجلس الوزراء الانتقالي بمنأي عن المحاسبة (UNACCOUNTABLE) ، وبالتالي يجعل يدها مطلقة تفعل ما تشاء بلا حسيب أو رقيب وهذا ما افضي بصورة تلقائية الي تفشي مظاهر والعجز والقصور.
لقد كان مرجواً أن ينهض اجتماع المجلسين ، اي مجلسي السيادة والوزراء معاً، بمسئولية المجلس التشريعي الي حين تكوين المجلس الذي طال امد تكوينه بيد ان الالية المشتركة للسيادي والوزراء عجزت حتي الان عن الاضطلاع بدورها الرقابي التشريعي في ظل الاستقطاب الحاد بين مختلف الاطراف مما اعاق مهمة استصدار التشريعات ومراقبة الاداء التنفيذي لمجلس الوزراء ومحاسبة المسئولين عن اي تقصير محتمل ، وهي المهمة التي درجت الشعوب علي ادائها عبر البرلمانات المنتخبة ، ولكن يا للغرابة فاننا في سودان الثورة لم نحظ بعد باي برلمان سواء كان منتخباً او معيناً بحكم الشرعية الثورية وفقاً لإرادة الثوار، وهذا يفسح المجال واسعاً بالطبع الي تشكل نظام دكتاتوري قهري ويشجع علي بروز مظاهر السلطة المطلقة وميلاد الطغاة مع اطلاقهم للادعاءات العريض بانهم إنما يمثلون الثورة وهم القمينون علي مصالح الشعب وهذا بعض ما نشهده من مظاهر الطغيان في المشهد السياسي الماثل بين ايدينا رغم كونه يجئ متشحاً بأزياء الثورة ؟!!.
ما قيل في توصيف عجز الالية المشتركة للمجلسين ، السيادي والوزراء، ينطبق بالضرورة علي ما اصطلح علي تسميته بمجلس شركاء الفترة الانتقالية الذي يضم في تكوينه الفصائل المكونة لقوي الحرية والتغيير ، والمكون العسكري، وفصائل حركة الكفاح المسلح، حيث كان مأمولا ان يضطلع مجلس الشركاء بدور العقل المدبر (MASTER MIND) في إحكام طرائق عمل آليات الحكم الانتقالي الي جانب الاشراف علي انفاذ خطة العمل وفق برنامج الحد الادني فصلاً عن إحكام التنسيق والتعاون بين الشركاء والحد من مظاهر الازدواجية والتضارب في الاداء العام للحكم ، بيد ان مجلس الشركاء لم يسجل ، منذ تاسيسه، اي حضور فاعل ذو معني في المشهد السياسي التنفيذي، وبالدارجي اضحي مجلس الشركاء (لا يهز ولا ينش) بحيث بات حضوره من غيابه لا يشكل اي فارق اساسي . ومن أجل هذا أضحي مجلس الشركاء ، في واقع الامر، مجرد جسم ديكوري مترهل لم تشر اليه حتي الوثيقة الدستورية، علي علاتها، وهي الوثيقة المعتمدة من شركاء الحكم التي ترتكز عليها مشروعية الفترة الانتقالية باعتبارها دستوراً للبلاد في ظل إالغاء او تعليق العمل بالدستور؟!.
محنة اخري ساهمت في تازيم الاوضاع بالبلاد وهيات احد الظروف والمسوغات الموضوعية للانقلاب ، ان كان الانقلاب يحتاج الي مسوغات، وهي ان السودان ظل يعيش بمعزل عن (سيادة حكم القانون) او بصيغة اخري تتسيده (دولة اللاقانون) مع انتفاء دلائل الحكم الرشيد (GOOD GOVERNANCE) حيث بات السودان يحكم الان تحت مظلة ما يعرف ب (الشرعية الثورية) ، وان جاز القبول بذلك في مطلع عمر الثورة ىالا ان الاحتعكام للتدابير الاستثنائية في حكم البلاد وتصريف شئون الحكم رغم مضي نحو عامين علي اندلاع الثورة يعتبر امرا غير مقبول علي الاكلاق . ومن البدهيات ان دولة القانون تتاسس علي منظومة عمادها مؤسسات القضاء والنيابة والمحكمة الدستورية التي تحكم في دستورية االقوانين بيد ان اركان هذه المنظومة بات يعتريها خلل عظيم نسبة لعدم تكوين مجلسي القضاء والنيابة والمحكمة الدستورية الامر الذي يترتب عليه عدم تعيين قضاة المحكمة الدستورية ورئيس القضاء والنائب العام الامر الذي يتعذر معه مبدأ اقرار العدالة رغم كونها أحد المبادئ الاساسية للثورة في تجسيد (الحرية والسلام والعدالة) في واقع الناس.
وليس ثمة شك في أن مسالة ازالة التمكين تبقي من اهم مطلوبات الثورة وضعاً في الاعتبار ان لا يتم احلال تمكين جديد في مكان التمكين القديم ، بيد ان الالية المناط بها الاضطلاع بهذا الدور تعاني من عوار عظيم في ظل استئثار الالية بسلطات النيابة والقضاء في ذات الوقت مع انتفاء اليات الاستئناف وتوقفها عن العمل علي مستوي اللجنة مروراً بمختلف درجات التقاضي وانتهاءا بالية الاستئناف علي مستوي مجلس السيادة التي لم تفصل في استئناف واحد حتي الان، الامر الذي من شأنه ان يؤدي الي استشراء المظالم واخذ المحسن بجريرة المسيئ ، ذلك أنه ليس من المقبول في عرف القانون العمل بالمثل القائل : وجرم جره سفهاء قوم فحل بغير جارمه العذاب ، لتطال اجراءات اللجنة وقراراتها عشرات الالوف من المواطنين لمجرد شبهة الانتماء للتيار الاسلامي مع حرمانهم من مزية استئناف الظلم المحتمل الواقع عليهم ، والاسوأ من ذلك ان يصحب ازالة التمكين تمكين آخر اشد ضلالا لمنسوبي النظام الحالي علي اختلاف مشاربهم مع الاخلال بمبدأ تكافؤ الفرص والحركمان من ميزة التنافس الحر لشغل الوظائف العامة؟!! .
ما يجري في اروقة لجنة ازالة التمكين يستوي أيضاً في حق المفوضية القومية لحقوق الانسان ذلك ان قانون المفوضية لم يصدر حتي الان رغم كونها المؤسسة الوطنية المناط بها اعمال الرقابة علي حالة حقوق الانسان في البلاد مما ينبغي التعجيل باصداره ، كما انه لم يتم تشكيل هذه الالية التي يفترض ان تتاسس بموجب هذا القانون من اجل تعزيز كرامة الانسان السوداني حتي هذه اللحظة ، بينما تركت هذه المهمة الحساسة للجنة تسيير تم تشكيلها بواسطة لجنة التمكين ؟!!.
فيما يبدو أن معظم الافادات التی صدرت في ادانة الانقلاب، فضلاً عن المؤشرات والشواهد الماثلة بين ايدي الجميع تؤكد، بصوره مباشره او غیر مباشره، علي ان السودان يخطو للولوج في عالم الدول الفاشلة ان لم يتم تدارك اوضاعه المازومة ومعالجة مظاهر الفشل الذي يعتريه علي نحو عاجل، ويمكن اجمال المخاطر والمهددات التي تغري بمزيد من الانقلابات فيما يلي:
بروز اختلافات عميقة بین الحاضنه السیاسیه للثوره لا بل الحواضن السياسية المتمثلة في مكونات قوي الحرية والتغيير المتشاكسة وعدم توحدها علي قلب رجل واحد، اذ تحسب منسوبي هذه القوي جميعاً بيد ان قلوبهم شتي ؟!!.
العجز عن استیفاء مطلوبات الثوره واهدافها الکلیه وبرنامجها في سائر مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والامن الانساني والسلام والعلاقات الخارجية .
تراجع مؤشرات التنمية المستدامة مع عدم تفعيل نظم التقارير التي تعكس الحالة الراهنة للتقدم المحرز في انفاذ اجندة التنمية المستدامة المتوافق عليها دولياً ووطنياً مع خمول الاليات الوطنية المناط بها انفاذ وتنسيق انشطة التنمية المستدامة علي النحو المرجو.
الفشل فی بناء المٶسسات التی تکفل قیام سیاده حکم القانون ، المحکمه الدستوریه مجلس القضاء، مجلس النيابة الخ … اي الافتقار الي سيادة حكم القانون وتسيد (دوله اللاقانون).
عدم تکوین البرلمان ای بصیغه اخری (انعدام الية الرقابة والمحاسبیه والتقويم) مما يترك المجال مفتوحا للطغيان والفساد.
تردي الاوضاع الاقتصادية المتعلقة بمعاش الناس حيث باتت السلع الاساسية والخدمات ليست بمتناول الجميع مع ازياد حدة الفقر والعجز عن استیفاء مطلوبات الثوره
تفشي اضطراب امني غير مسبوق الامر الذي بقضية الطمانينة والسلامة العامة .
تراجع حالة حقوق الانسان واهدار الكرامة الانسانية مع الاخلال بمبادئ التكافؤ الحر علي نيل الوظائف القيادية مع بروز المحسوبية بصورة اكثر سفورا مما كانت عليه في عهد الانقاذ.
التباطؤ في انفاذ استحقاقات اتفاقيات السلام وفقما جاء في اتفاقية جوبا للسلام.
العجز عن التصدي لمعالجة ازمة مسارات السلام بما فيها الازمة الراهنة في شرق السودان.
وهكذا افضت هذه التناقضات مجتمعة الي حدوث فراغ هاٸل من الممکن ان یستغله ای مغامر للاستیلاء علی السلطه من باب ان الدنیا لا تحتمل الفراغ ذلك أن ای فراغ من شانه ان یغری ای مغامر محتمل بالوثوب الي السلطه وانتزاعها … فهل من مدکر ؟!!.
استناداً الي ما تقدم يمكننا الافضاء الي تشخيص الحالة التي تمر بها البلاد لندرك بجلاء باننا بازاء مسار إنتقالي معطل، وآمال أمة مهدرة . وعلیه فلا بد ان يجهد الجميع في التوصل لتشخیص صحیح حول طبيعة الظروف والجهات المسئولة عن تعويق مسار الفترة الانتقالية واهدار طموحات الثورة والثوار مما یسمح لنا بتطویر موقف موضوعي بازاء الاحداث الجارية في البلاد.
في هذا الإطار لا يصح الانكار علي اهل الشرق أوو الشمال او الجنوب أو الغرب اي حراك يستهدفون القيام به لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم المشروعة سيما إذا ما التزم الحراك بالنهج السلمي، ولا ينبغي لنا ان ننسي ان العديد من منسوبي حركات الكفاح المسلح قد امتشقوا السلاح من قبل للتعبير عن رفضهم للانظمة الحاكمة والسعي لاسقاطها من باب كونها لم تكن قادرة او راغبة في تحقيق السلام وتلبية المطالب المشروعة ، للمواطنين في تلك المناطق، والحال كذلك فلم نعيب علي اهل الشرق او الشمال مجرد الدعوة الي تحقيق مطالبهم المشروعة . وطالما كان اهل الشرق يطالبون بتكوين حكومة كفاءات وانشاء المفوضيات وتكوين المحكمة الدستورية ضمن مطالب أخرى ؛ في الوقت الذي يعمل فيه آخرون علي مقاومة عجلة التغيير وإبقاء الامور على ما هي عليه ، فلم لا يلقي حراكهم هذا الدعم والمساندة من بقية اقاليم السودان لينال الشرق والشمال وما سواه حقه من الانصاف بالوسائل السلمية مثلما حظي غيرهم بالانصاف عبر وسائل الكفاح المسلح.
في سياقات كهذه قد يكون من المشروع والمفيد تحسس موقف الامة السودانية ورصد ردود الافعال بازاء الاوضاع المتردية الحالية انتهاء بالموقف من الانقلاب الاخير حيث تشير المؤشرات الي ما يلي : ان الجماهیر بات غیر معنیة بما یجری من احداث Indifferent فلا هی احتفت بما اشیع انه محاوله انقلابیه ، ولا هی اکترثت لنداء عضو مجلس السيادة الاستاذ محمد الفکی سليمان واستجابت بالخروج للشارع لمناهضة الانقلاب ، ولا هی خرجت بصوره عفویه لابداء الدعم والمساندة للحکم المدنی والتحذیر من محاولة اجهاض المسار الدیموقرادطی المفترض تحققه عبر ثورة دیسمبر . ماذا يمكننا أن نسمی ردود الأفعال هذه ؟؟ هل يمكن القول ان الجماهير اصيبت بالضجر من المشهد العبثي الحالي ؟!! لا يمكن الزعم ان موقف الامة سلبي او ارادة الجماهير مسلوبة ذلك ان قوس الصبر لا بد أن يكون له من منزع وربما قريباً جداً ، والله اعلم بميقاته ؟!!.
خلاصة ما يمكن ان يقال؛ أن الامور قد وصلت الي نهاياتها؛ ذلك أن إطار الشراكة بين المكونين العسكري والعسكري قد مني بتصدع وشروخات عميقة علي ضوء التراشق الحادث بين الطرفين مع انعدام الرؤية والافتقار الي الارادة الكلية للتصدي لتحديات الفترة الانتقالية، من جهة اخري فان دعوة البرهان لفرقاء الحرية والتغيير لتجاوز خلافاتهم واستصحاب غيرهم من القوي لن تجد لها اذن صاغية لان من يعجز عن تحقيق التوافق بين صفوفه فهو اعجز من ان يتوافق مع غيره من القووي مما يحفز علي تطوير سيناريوهات جديدة للتغيير . وهكذا فان انسداد الأُفق السياسي لأحزاب السلطة ، يجعل لزاماً علي اهل الحكم والمعارضة العمل علي بلورة ميثاق سياسي جمعي يتجاوز الصيغ السياسية الحالية لعجزها عن الوفاء بمطلوبات الثورة ، ومن ثم الاجتهاد في صوغ برنامج وطني لاستنقاذ البلاد والعبور بها خلال ما تبقي من فترة الانتقال، ولن يتاتي هذا الا عبر تحريك القوي السياسية والفعاليات الاجتماعية وتجمعات المهنيين ومؤسسات المجتمع المدني وفق خطة عمل منسقة للمشاركة بفعالية في صياغة الدستور وتحديد نظام الحكم مع عدم ترك هذه المهام الوطنية الحساسة لفئة بعينها لكي تنفرد بصوغها بمعزل عن الاخرين خدمة لاجندتها الخاصة . كما ينبغي تكثيف الدعوة لتنصيب حكومة جديدة من ذوي الكفاءة بعيداً عن المحاصات الحزبية من اجل اتخاذ الاجراءات والتدابير التي تجعل من عملية الانتقال الديمقراطي في خاتمة الفترة الانتقالية امراً ميسوراً وممكناً والا سوف يكون السودان موعوداً بمزيد من الانقلابات والاضطرابات …فهل يسمع اهل الذكر ، وهل من مدكر ؟! وبالله التوفيق ،،،
د. فتح الرحمن القاضي
مستشار في شئون العمل الطوعي والانساني وحقوق الانسان
الخرطوم في 24 سبتمبر 2021 م
التعليقات مغلقة.