كارثة السيول والفيضانات تتفاقم مع قصور بائن في آليات مكافحة الفيضانات ودرء آثارها د. فتح الرحمن القاضي
ماسة نيوز : الخرطوم
بسم الله الرحمن الرحيم
عوووك يا أبو مروووه: هل آن الاوان للاستنجاد ب أحمد آدم بخيت (دخري الحوبة)
مع تفاقم كارثة السييول والفيضانات التي ضربت العديد من بقاع السودان ، وفي ظل القصور البائن للعيان للآليات والاجهزة المعنية بالانذار المبكر ودرء الكوارث ومكافحة السيول والفيضانات علي المستوي القومي لم يبق لنا سوي أن نطلق صرخة الاستغاثة هذه لعلها تبلغ مسامع الدكتور أحمد آدم بخيت (الدخري) وزير التنمية الاجتماعية والاخ المفوض العام لمفوضية العون الانساني الدكتور نجم الدين موسي ؟!!.
صرخة الاستغاثة لها ما يبررها بالطبع سيما وأن كارثة السيول والفيضانات تبلغ ذروتها علي المستوي القومي مع قصور بائن لا تكاد تخطئه العين في آليات الانذار المبكر ومكافحة السيول الفيضانات الامر الذي ترك مئات الالاف من الاسر يعانون من الاثار الوخيمة لكارثة السيول والفيضانات التي ضربت البلاد ولا تزال تفعل فعلها حتي كتابة هذا المقال ؟!!.
لا يسعني في هذا المقام سوي أن أتوجه بالشكر والعرفان لقناة الجزيرة الفضائثية والعربية الحدث التي كانت في قلب الاحداث من خلال تغطياتها الشاملة لمظاهر كارثة السيول والفيضانات في مختلف ارجاء البلاد في ظل ظروف بالغة السوء مع غياب الاعلام الوطني ان لم نقل تباطؤه في افضل الاحوال عن مواكبة تداعيات الكارثة ورصد آثارها الماحقة علي مئات الالاف من المواطنين المنكوبين.
لقد بدت محاولات السيد حمدوك رئيس الوزراء للتصدي لكارثة الفيضانات والسيول اشبه ما تكون بسلطة (العمدة) الذي يجلس في محكمة القرية وهو يحمل عصاه مكتفياً باطلاق توجيهات معممه هنا وهناك من أجل تلافي اثار الكارثة ومعالجة مضاعفاتها وهو لا يكاد يتبين أن التحوط ضد الكوارث ومكافحة اثارها قد أضحت الان علما قائما بذاته يدرس في الجامعات والمعاهد العليا مما يحتم الاستعانة بالخبراء العالمين بهذا (الكار) في التصدي للكارثة ومغالبة اثارها.
وإذا ما شئنا ان نلتمس سبيل الانصاف فلم يكن امام السيد حمدوك سوي ان يهرع لجمع المجلس الاعلي للدفاع المدني الذي لم يلتئم منذ قيام الثورة الا في ذروة الكارثة ، وهي علي كل حال خطوة لا باس بها وان جاءت متاخرة جداً ولكن يبقي السؤال قائما ماهي ثمرات ذلك الاجتماع ؟! وما هي حصيلته علي صعيد مكافحة الكارثة في ظل الامكانات الشحيحة التي يستند عليها الدفاع المدني علي المستوي القومي بالقدر الذي يعينه علي مكافحة كارثة السيول والفيضانات بفاعلية واقتدار ؟!!.
لقد كان الظن قائماً علي أن الدفاع المدني سوف يكون في مقدوره التصدي لكارثة الفيضانات لوحده وهذا ظن خاطئ بالطبع باعتبار أن عملية درء الكوارث هي عملية معقدة متعددة الجوانب (Multi-Sectorial) تتطلب تضافر العديد من جهات الاختصاص للتعامل معها والا ستمني المهمة بالفشل ، وهذا التقدير الخاطئ من قبل السيد حمدوك ومن سواه جعلهم يهرعون للدفاع المدني طلباً للمساعدة ظانين ان مفتاح معالجة الكارثة بجوانبها المختلفة بيده وحده بيد أن حالهم في ذلك كان أشبه ما يكون بالمثل المصري الشهير (جيتك يا عبد المعين تعين لقيتك تتعان) ؟!!. ومع تقديرنا لمبادرات الدفاع المدني الا ان العجز البادئ للعيان في احتواء كارثة الفيضانات قد أظهر بجلاء عدم قدرة الدفاع المدني لوحدة في لعب دور فعال في التصدي لذروة الكارثة ناهيك عن معالجة الاثار المترتبة عليها علي المديين المتوسط والبعيد والدليل علي ذلك حقيقة وجود أعداد غفيرة من المواطنين المنكوبين في مختلف ارجاء السودان يواجهون أقدار الكارثة ومضاعفاتها لوحدهم بلا معين الا من مبادرات متواضعة علي المستوي المحلي حيث اضطلع الاهل والاحباب وزعماء العشائر والقبائل في المناطق المنكوبة بالنصيب الوافر من جهود التصدي للفيضانات والسيول بحيث لا يكاد أحد يستشعر وجوداً للدولة واجهزتها المعنية او يسمع لهم ركزاً ؟!!.
في ظل تراكم هذه التناقضات حملت أخبار اليوم تفاقم اثار كارثة السيول عبر قناة الحدث وفي معيتها قناة الجزيرة الفضائية حيث ابرزت القناتان الدوليتان مظاهر مؤسفة للكارثة الماحقة التي ضربت أجزاء من ولاية النيل الابيض في ظل ضعف التغطية لقنوات التلفزة المحلية . كما حملت صحف الامس في مانشيتاتها العريضة خبراً يشير الي ارتفاع أعداد المتأثرين بالكارثة – وفقاً ل (اوشا) وهي الادارة المختصة بالشئون الانسانية في هيئة الامم المتحدة بالسودان – الي نحو ثمانية وثمانون الف اسرة علي اقل تقدير مما يجبرنا علي أعادة طرح سؤال ما برح يلح علينا باستمرار منذ قيام ثورة ديسمبر حتي الان حول ماهية الجهة المحورية أو بالاحري الجهات المسؤولة عن إدارة آليات الانذار المبكر ودرء الكوارث في السودان ؟!! . ويلزمنا التاكيد هنا انه من بدائه علم الادارة كما في الطب تماماً تعذر انجاز اي مهمة علي نحو متسق في ظل تعدد الجهات المحورية المشرفة علي العمل (Multi Focal Poins) ذلك ان النتيجة الحتمية علي المستوي العملي حدوث فوضي رهيبة مع تعدد جهات الاختصاص وهي ذات الظاهرة التي نشهدها علي المستوي الحيوي في تنظيم ضربات القلب حيث نشهد اضطراباً محققاً في ايقاع ضربات القلب علي نحو منتظم ؟!!.
هذه التساؤلات الحيري تجعلنا نقف مباشرة، أول ما نقف، في مواجهة المسئولين في الحكومة الانتقالية وفي مقدمتهم السادة الدكتور حمدوك رئيس الوزراء ، و (دخري الحوبة) الدكتور أحمد آدم بخيت دخري وزير التنمية الاجتماعية ، والدكتور نجم الدين موسي مفوض عام العون الانساني ونحن نستصرخهم جميعاً مستنجدين : (عوووك يا أبو مروووه البتعرف العوم) ، والصرخة التي لا نرجو لها ان تتبدد في وادي الصمت تجئ من باب كون هؤلاء المسئولين يمثلون رئاسة الجهاز التنفيذي بالبلاد (مجلس الوزراء) ، ووزارة التنمية الاجتماعية، ومفوضية العون الانساني وهي المؤسسات التي يعول عليها في احتواء مضاعفات كارثة السيول والفيضانات علي المستوي القومي ؟!!.
وبما أن الذاكرة المؤسسية للعاملين في حقل الانذار المبكر ودرء الكوارث في حقبة ما بعد الثورة تتسم بالضعف ان لم تكن معدومةً فان هذا يملي علينا استدعاء بعض جوانب تراث الخبرة المتوفر بين ايدينا في مجال العمل الطوعي والانساني ودرء الكوارث في الحقبة السابقة ومشاطرته مع المسئوليين الحاليين وفي مقدمتهم السادة مفوض العون الانساني وقائد الدفاع المدني . حصيلة التجربة السابقة تنبئنا بان العمل في مجال درء الكوارث والغوث الانساني كان يتم عبر اللجنة العليا للعون الانساني وغرفة الطوارئ المنبثقة عنها بالتنسيق والتعاون مع وكالات الامم المتحدة المتخصصة ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في المجال حيث كان يجري هذا الضرب من النشاط تحت اشراف كل من نائب رئيس الجمهورية ومفوض العون الانساني علي التوالي ، وبغض النظر عن وجهة نظرنا تاييدا او اختلافاً مع تجارب العمل في عهد نظام الانقاذ الا ان تجربة ادارة الكوارث الانسانية في العهد السابق تبقي جديرة بالنظر لانها حصيلة تجربة تعكس تفاعل الخبرات والتجارب المحلية والدولية في مجال درء الكوارث..
لقد كان مرجواً أن تواصل اللجنة العليا للعون الانساني وغرفة الطوارئ المنبثقة عنها ذات المهام التي كانت تضطلع بها من قبل في عهد الثورة في مجال درء الكوارث ومكافحتها غير أن عدم الاستقرار المؤسسي الذي شاب أجهزة الدفاع المدني ومفوضية العون الانساني، وحداثة تجربة القائمين عليهما ، وهشاشة نظم الانذار المبكر (Early Warning System)، والتباطوء في اتخاذ الاجراءات التحوطية اللازمة للتصدي للكوارث حال وقوعها (Disaster Preparedness) ، وعدم التحسب لوقوع الكوارث، ومن ضمنها كوارث الفيضانات والسيول، قد أفضي الي تضافر العوامل المشار اليها مجتمعة مما تسبب في تعطيل قدرات الدولة، علي ضعفها ، في تطوير الاستجابة المطلوبة في الوقت الملائم لمكافحة الكوارث.
والحال كذلك فلا بد من امعان النظر في التجربة القديمة في مجال مكافخة الكوارث قبيل قيام الثورة ومن ثم العمل علي تطويرها وتحديثها بما يلائم التطورات الناشئة في المجال علي المستويين المحلي والعالمي. وفي هذا السياق فاننا نناشد السيد وزير التنمية الاجتماعية مدعوماً بمفوض العون الانساني بالمسارعة في تقديم مبادرة عاجلة للسيد حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة والدكتور حمدوك رئيس الوزراء أملاً في دفع عجلة اصلاح وتطوير الآلية المسماة باللجنة العليا للعون الانساني بصورة عاجلة لكي تؤول الي جهاز قومي عالي الكفاءة والاقتدار يعني بالانذار المبكر ومكافحة الكوارث مهما كان نوعها ومصدرها، وهذا هو السبيل الانجع في اعتماد نسق علمي متقدم في تنسيق مكافحة الكوارث عوضاً عن اسلوب (العمدة) الموغل في التخلف الذي يعتمده دولة رئيس الوزراء حالياً في التعاطي مع كارثة السيول والفيضانات.
وتبقي ملاحظة جديرة بالتسجيل هنا وهي ان جهود مكافحة جائحة كورونا وهي احد افظع الكوارث في المجال الصحي علي المستوي الدولي قد شهدت هي الاخري قدراً كبيراً من الفوضي والارتباك مما تسبب في وقوع خسائر جسيمة في الانفس والارواح خلال مختلف مراحل جائحة كورونا، ويعزي ذلك، في تقديري المتواضع، الي هشاشة نظم الانذار المبكر ودرء الكوارث بالبلاد مما يستلزم اعادة تموضع جائحة كورونا في اطار النسق الكلي لمكافحة الكوارث بالبلاد.
وفيما تتوالي نذر كارثة السيول والفيضانات مخلفة مئات الالاف من المنكوبين فان الراي العام بات يتساءل بشده ومن خلفه التنظيمات السياسية وجماهير الراي العام عن الاسباب التي تحول دون قيام السيد رئيس الوزراء بدعوة مجلسه الموقر لاجتماع طارئ يخصص لمناقشة التداعيات الطارئة لكارثة الفيضانات ومن ثم التفكير في جدوي اطلاق نداء انساني علي المستوي المحلي والعالمي لاغاثة المنكوبين مستعيناً في ذلك بالامم المتحدة والبعثة الاممية ومؤسسات المجتمع المدني. تري ماذا يضير السيد حمدوك لو فعل ذلك واتبعه بارسال اتيام رفيعة المستوي بقيادة السادة الوزراء لتفقد اوضاع المناطق المنكوبة. ماذا ينتقص من رئيس الوزراء لو خصص مساحة زمنية لوزير التنمية الاجتماعية ومفوض العون الانساني للتفاكر حول انشاء جهاز قومي متكامل للانذار المبكر ومكافحة الكوارث بالبلاد ؟!! ماذا لو اعلن عن وقوع كارثة للسيول والفيضانات وطلب بموجب الاعلان تقديم دعم طارئ للمنكوبين ؟؟ واقع الامر انني لو كنت في مقام حمدوك لفعلت ذلك واكثر من ذلك .
ثم ماذا يضير السيد احمد ادم دخري لو شمر ساعديه وشحذ ذهنه وتوكل علي الله ليكرس جل وقته وجهده في هذا الاسبوع للتواصل مع رئيس الوزراء من اجل تفعيل الاجهزة القائمة حالياً بما فيها مفوضية العون الانساني ومن خلفها المجتمع المدني والمانحين من أجل التصدي للكارثة وتقديم الغوث العاجل للمنكوبين ؟؟ واقع الامر انني لو كنت في مقام الدخري لوجهت مفوضية العون الانساني بتشكيل غرفة مركزية للطوارئ ولاردفت ذلك بالمرابطة بنفسي في ذات الغرفة آناء الليل وأطراف النهار بمعية المفوضية وشركائها المحليين والدوليين من أجل تعزيز جهود مكافحة الكوارث عبر نسق جديد للانذار المبكر ومكافحة الكوارث ؟؟ واقع الامر انني لو كنت في مقام الدخري لفعلت ذلك واكثر من ذلك .
في سياق استعراض الجهود المبذولة لمكافحة كارثة السيول ، علي تواضعها، لا يسعنا الا أن نشيد بالجهود المشتركة التي بذلها السيد وزير التنمية الاجتماعية ومفوض العون الانساني بالتعاون مع السفير السعودي لزيارة منطقة الفاو وتقديم المعونات العاجلة للمنكوبين …ولكن هل يعتبر هذا المجهود المبارك كافيا لاغاثة الفاو ومعلجة اثار الكارثة ام ان الموقف يتطلب بذل جهود مضاعفة لاحتواء الكارثة ؟؟ ثم اذا سلمنا بان منطقة الفاو قد اخذت نصيبها من العناية والاهتمام فما بال المناطق الاخري التي ما زالت تعاني من اثار السيول والفيضانات ، اليست هي الاخري في حاجه لمن يتفقدها ويعتني بامرها؟! . والحال كذلك فلا باس من استدعاء العون واستقطاب االدعم من االدول الشقيقة وفي مقدمتها مصر وقطر والامارات الخ وتصويب العون لذات الغرض.
في هذا المقام لا يسعنا الا ان نشكر منظمة انقاذ الطفولة للورشة التدريبية التي اقامتها لتدريب العاملين والمتطوعين في مجال مكافحة الكوارث رغم ان توقيت تنظيم الورشة قد جاء في ذروة الكارثة في حين ان التوقيت السليم لاقامتها كان ينبغي له ان يسبق الكارثة بوقت طويل ؟؟ . وفي الوقت الذي نثمن فيه مبادرة منظمة انقاذ الطفولة بمعية مفوضية العون الانساني فان تلك المبادرة تطرح اكثر من سؤال حول دور مفوضية العون الانساني في استنفار المجتمع المدني الوطني والعالمي ذلك ان ادوار المجتمع المدني ، مع جزيل التقدير والاحترام، لا يحسن اختزالها في مبادرة تحالف منظمات انقاذ الطفولة لوحدها .
في هذا السياق يجوز التساؤل حول دور مرتقب للجنة التمهيدية لاسكوفا التي تم انهاء اجلها الاسبوع الفائت علي اثر صدور قرار من السيد المفوض العام للعون الانساني بحل مجلس الادارة السابق لاسكوفا واحلال لجنة تمهيدية محلة ، ورغم ان نص القرار لم يشر الي الحيثيات التي حتمت حل اسكوفا الا ان مضمون القرار يشئ ضمناً الي فشل اسكوفا في حقبتها السالفة في الوفاء برسالتها في تنسيق العمل الطوعي الانساني وتطوير قدرات مؤسسات المجتمع المدني . وبما ان الاتحاد الوطني للمنظمات التي اصطلح الناس في الماضي علي تسميته ب (اسكوفا) يعتبر جهازا لا غني عنه في خدمة الشان الطوعي الانساني وبهذا فهو يعتبر جهازا مكملا لمفوضية العون الانساني (Auxiliary Organ) فان الواجب الوطني يلقي علي اللجنة التمهيدية لاسكوفا ، رغم العوار الذي لازم تشكيلها والغموض الذي اكتنف مهامها واختصاصاتها، يلقي علي اسكوفا مسئولية تطوير مبادرات عاجلة في اوساط المجتمع المدني للمساهمة في الجهود القومية لاحتواء كارثة السيول والفيضانات وما سواها من الكوارث. ورغم التامين علي خطورة المهمة التي يتوفر البروفسور شداد أحد ابرز رموز العمل الطوعي في السودان علي انجازها وهي صوغ مقترح النظام الاساسي لاسكوفا بيد أن ذلك لا ينبغي ان يمثل الاولوية القصوي لاسكوفا مع تفاقم ازمة السيول والفيضانات العديد من مناطق السودان مخلفة مئات الالوف من المنكوبين . ولا يعقل أن ينشغل الاستاذ عبد الرحمن المهدي رئيس منظمة سوديا وفي معيته الاستاذ عبد العاطي عبد الخير احد ابرز رموز العمل الطوعي الاسلامي باستفتاء المجتمع المدني حول الفضاء الانساني وتنظيم المنتديات وورش العمل والاعداد للمؤتمرات ، وهي مهام ضرورية بالطبع علي المدي المتوسط والبعيد ، بيد أن الانشغال بها مع اهمال التصدي للكوارث علي المستويين النظري والعملي في ظل الحاجة الماسة لتقدم خدمات الاغاثة الطارئة للمنكوبين يظل موضع تساؤل وانتقاد عظيمين للمشتغلين بالشان الانساني ؟!!. واذا ما استمر الحال علي هذا النهج مع انشغال قادة العمل الطوعي في اللجنة التمهيدية لاسكوفا وما سواها من المنظمات بالقضايا النظرية فحسب في الوقت الذي يشكو فيه المنكوبين مر الشكوي من غياب الاجهزة الرسمية والطوعية بازاء مواجهة الكارثة فلربما نجد انفسنا مدفوعين لمطالبة السيد مفوض العون الانساني ووزير التنمية الاجتماعية باقالة هذه الاطقم العاملة او حجب التمويل عنهم مع المسارعة في احلال الشباب في محلهم من جيل نسرين الصائم ،ومنارة بقيرة ، واسامة القاضي ، وطلاب جامعة الخرطوم الذين بترت اياديهم ابان التظاهرات ضد نظام الانقاذ ، فضلاً عن شبيبة حركات الكفاح المسلح فلولا مجاهدات هؤلاء الشباب وتضحياتهم العظيمة لما اتيح للطاقم الحاكم تولي مسئولية ادارة الحكم خلال الفترة الانتقالية ؟؟!!.
حدثان فريدان جديران بالتسجيل نهدييهما الي جيل الشباب ونحن نستعرض بعض النماذج الجيدة التي واكبناها في مجال التعامل مع كارثة السيول والفيضانات : اولي التجارب التي قدر الله لي ان اخوضها في العام 1988 باعتباري ممثلاً للجنة مسلمي افريقيا الكويتية فقد وجدت نفسي في غمار تجربة لا تنسي بمعية الاستاذ عمر عثمان محمود ممثل الوكالة الاسلامية للاغاثة رحمه الله واحسن مثواه وتقبله في عليين جزاء بذله وعطائه في الشان الانساني ، والاستاذ ابراهيم محمد عثمان الامين العام لجمعية الهلال الاحمر السوداني ، والاستاذة سلمي دلالة ، والاستاذ عبدل المحمد …لم يتواني هذا الجمع الكريم في الاجتماع يوميا بمقر برنامج الامم المتحد الانمائي ( UNDP) لتنسيق جهود مكافحة كارثة السيول حيث كانت المنظمات الطوعية تتشاطر الموارد المتاحة وتعمل علي تخصيصها لمعسكرات النازحين والمناطق الاشد فقرا بولاية الخرطوم حسب الانتشار الجغرافي لهذه المنظمات ضاربة اروع الامثال في التازر والتعاون طالما كان الهدف واحد فانعم بها من ذكري طيبة واكرم بها من نماذج جيدة قمينة بالاشادة ةالاستلهام في حقبتنا الراهنة. وثاني التجارب مسارعة منظمة اليونسيف التي استجابت مشكورة لطلب مفوضية العون الانساني العام 1997 ابان اشرافنا علي هذا الجهاز حيث قامت اليونسيف بتزويدنا بطائرة لاجراء مسوحات جوية للتعرف علي مدي انتشار الفيضانات والسيول من ود الكريل بولاية النيل الابيض جنوباً الي منطقة الجيلي شمال ولاية الخرطوم الامر الذي اتاح لنا وضع الخطط الملائمة لاغاثة المناطق المنكوبة حسب الموارد المتاحة انذاك.
ونحن اذ نسرد هذه التجارب انما نود التاكيد علي روح التنسيق والتعاون التي كانت سائدة في الحقبة السابقة لدرجة تشاطر المنظمات لمواردها الذاتية مع مختلف شركاء العون الانساني، ويبقي التذكير بهذه المسالة ضرورياً للغاية في ظل استئثار فئة قليلة من المنظمات في الوقت الحالي بمعظم التمويل القادم من الوكالات الاممية والمؤسسات المانحة مع حرمان الغالبية العظمي من الحصول علي التمويل رغم استيفائها للشروط التي تجعلها أهلاً للتمويل ؟!!، مقرونا مع ظاهرة المحاباة غير الموضوعية هذه استئثار فئة قليلة من مركز البحوث والدراسات بمعظم التمويل المخصص للمسائل البحثية الامر الذي يعد اخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص وهو ما يدعونا لمخاطبة الجهات المسئولة في المفوضية ومختلف اليات التعاون الدولي بوضع اسس سليمة تضمن تخصيص القدر المتاح من العون المستحصل عبر الوكالات الاممية والمؤسسات المانحة علي نحو عادل يضمن تحريك المجتمع المدني لللتصدي لرسالته الانسانية عوضاً عن احتكار فئة قليلة من المنظمات والمراكز لمجمل العون الدولي استناداً الي علاقات شخصية لا تمت للموضوعية بصلة لان ذلك يمثل قمة الانانية التي لا نبغي ان يكون لها من موضع في الحقل االطوعي الانساني؟؟!! .
من جهة أخري فإن أنماط التعاون القائم بين مفوضية العون الانساني و (اوشا) تدعونا لطرح تساؤل حول مدي صدقية نتائج المسوحات التي أشارت الي تاثر نحو 88 الف اسرة بالسيول والفيضانات في ارجاء البلاد ؟!! تري هل توصلت اوشا لهذه النتيجة لوحدها ام بالتعاون مع مفوضية العون الانساني ؟؟!! وما هي الاستجابة المتوقعة من اوشا جراءء هذا الاعلان ؟!!. سؤال اخر لا يقل اهمية عن سابقه وهو: تري ما مدي فاعلية ونجاعة التعاون القائم في الوقت الحالي بين اوشا ونظيرها الوطني علي مستوي اجراء المسوحات والتخطيط المشترك وصياغة البرامج والمشروعات واستقطاب الدعم واطلاق نداءات العون الانساني وتخصيصه للمناطق المنكوبة . ونحن اذ نثير قضية التعاون المشترك بين المفوضية واوشا وما سواها من الدول والمؤسسات المانحة فاننا نريد ان نستوثق بان سائر ضروب النشاط الطوعي الانساني التي تجري في البلاد يتم انجازها في اطار الشراكة الفاعلة مع المجتمع الدولي علي نحو يضمن وجود فاعل للمفوضية في مجال الغوث الانساني ودرء الكوارث علي قدم المساواة مع اليات الامم المتحدة والمنظمات المعنية بالشان الانساني والا فاننا سوف نجد أنفسنا مدفوعين للمطالبة باخضاع اليات الشراكة الاممية ومناهجها العملية للمراجعة الشاملة وفق حدود اطر الاختصاص المعلومة لمختلف الشركاء العاملين وهو ما جهدنا في تجسيده ابان تولينا هذه المهمة خلال النصف الثاني من تسعينات القرن المنصرم.
وفي الوقت الذي نتوقع فيه استجابات مرتقبة من قبل مختلف شركاء العون الانساني علي المستويين المحلي والدولي تحت اشراف وزارة التنمية الاجتماعية ومفوضية العون الانساني فلا ينبغي ان ننسي الادوار التي يمكن ان يضطلع بها بعض الشركاء من امثال الهلال الاحمر السوداني والاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الاحمر في اطار خطة محكمة التنسيق يجري اعدادها مع الشركاء .
وفي هذا الاطار حري بمؤسسات المسئولية الاجتماعية كذلك الا تتخلف عن ركب المساهمة الوطنية في تعظيم جهود الغوث الطارئ واعادة اعمار المناطق المنكوبة وهو ما يرجي له ان يلتئم في اطار الجهاز القومي المقترح للانذار المبكر والتحوط لدرء اثار الكوارث.
وفيما نستعرض تجربتنا المتواضعة هذه فاننا نحض السادة المسئولين الي الاستعانة بالخبراء الذين تذخر بهم البلاد في مجال الانذار المبكر ودرء الكوارث سيما وان السودان يحظي بوجود كليات متخصصة في هذا المجال علي مستوي جامعة افريقيا العالمية وجامعة الرباط الوطني ، والمجلس الاعلي للبيئة والموارد الطبيعية، وهيئة الارصاد ، علاوة علي العديد من الخبراء من امثال الاساتذة عبد الله ميرغني، ووراق، والنور، وايمان النصري، واخلاص دعوك، وعبد الرحمن ابودوم، ونسرين الصائم، وايمان نمر، ومن سواهم من الخبراء والاعلاميين داخل قروب COP 25 المعني بالبيئة والتغير المناخي أو ما سواه من وسائط الاعلام والتواصل الاجتماعي المعنية بالنشاط الطوعي الانساني ومكافحة الكوارث .
وأخيرا لا بد لنا ونحن نتوجه بتحية خاصة للسيد مفوض العون الانساني متمنين له التوفيق والنجاح في الوفاء برسالته الانسانية ان نشير، بلا مواربة، الي اننا اضطررنا اضطراراً الي مخاطبته عبر العالم الافتراضي، من خلال هذا المقال ، بعد ان تعذر علينا مقابلته في عالم الواقع ، ونحن في هذا لا نلومه بالطبع اذ نقدر انشغالاته العظيمة التي ربما حالت دون اتمام اللقاء حتي الان مع كامل استعدادنا لمقابلته متي ما سمحت له ظروفه بذلك، ولكن بالمقابل فان الاستجابة للوضع الانساني الطارئ لا تدع لنا مجالاً للانتظار مما يحتم علينا المسارعة في تقديم ملاحظاتنا المتواضعة هذه للسادة المسئولين ومتخذي القرار وفي مقدمتهم السيد رئيس الوزراء ووزير التنمية الاجتماعية ومفوض العون الانساني لعل وعسي تسهم في تقويم الاوضاع في ظرف لا يحتمل التاجيل مع تفاقم نذر الكارثة مما يحتم اتخاذ اجراءات عاجلة لاحتوائها، وهذا ما حفزنا للتعجيل بدفع المقال الي الوسائط الاعلامية، ومن اجل هذا نرجو ان نستميح السيد المفوض عذراً بتعميم المذكرة الفنية التي تم رفعها اليه من قبل بصورة الي السيد وزير التنمية الاجتماعية بعنوان (مؤشرات خطة العمل لمعالجة الاثار المترتبة علي كارثة السيول والفيضانات) تعميماً للنفع والفائدة .
وبالله التوفيق،،،
د. فتح الرحمن القاضي
مستشار في مجال العمل الطوعي والشئون الانسانية
مفوض سابق لمفوضية العون الانساني
الخرطوم في 6 سبتمبر 2021 م
التعليقات مغلقة.