*رؤية:*أسامة ميرغني
ماسة نيوز : الخرطوم
منطق الأشياء يشير إلى أن التغيير قادم لا محالة.. وكما قلنا في مواضع مختلفة فإن المشهد السياسي في السودان تتحكم فيه تماماً المحاور الاقليمية والعالمية، وكل الأحداث في العالم تتداخل وتشير لبعضها، ودخول طالبان لكابول يشير لتسارع إيقاع الاحداث العالمية، فقد ولت حقبة السيطرة عبر القوة العسكرية، فالقوة على الأرض ستكون هي فقط قوة رأس المال العالمي، وهو الحاكم وآليته هي البنوك المركزية، وصندوق النقد الدولي هو حاكم العالم.
من الغرائب في بلادي أن أهل الحل والربط حين يتحاورون حول الدين الخارجي؛ من المعلوم أنهم لا يشيرون إلى أين ذهب اصل الدين الخارجى!
غادر الرئيس نميري سدة الحكم والدين الخارجي أقل من ستة مليارات دولار، و أصل الدين أقل من أربعة مليارات، لكن من هم أصحاب الدين؟!!.. بكل أسف أكثر من 90٪ من دين السودان عند ست أسر، وما تبقى من الدين حوالي (10٪) عند 18 أسرة، وهذا الوضع المعلول أسس لمنظومة يصعب معها أي إصلاح سياسي.
وستكون من أهل البدع السياسية إذا ما تساءلت عمن المستفيد من الدين الخارجي!!.
ومن شر البلية الذي يضحك أن دين نادي باريس يبلغ أقل من 10٪ من أصل الدين الخارجي؛ فلماذا لم يكن في إطار المعالجات مشاركة الجهات المستفيدة من علاج أزمة الدين؟!!!.
في 1962م أهدت فرنسا للسودان بنكاً تحت مظلة البنك المركزي الفرنسي، وهو البنك التجاري، على الرغم من أنه كان في السودان وقتها أكثر من بنك فرنسي، لكنها كانت تحت مظلة البنك المركزي السوداني؛ تأسس البنك التجاري السوداني بعد تاسيس بنك السودان بسنة واحدة “تاسس بنك السودان في 1961م”، وكانت استراتجية وسياسة البنك التجاري في الخرطوم جزءاً من سياسة ديغول، لتكون باريس مركزاً مالياً بديلاً للندن.
ومن الوضع المعلول في تحكم النخبة العالمية في شأن السودان الداخلي؛ أنه دائماً ما تحدث أحداثاً جلل من غير تبرير مقنع، فلمصلحة من تدور هذه الأحداث؟!!، مثلاً لمصلحة من تم خصصة البنك التجاري لصالح إتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل؟!!! فهناك بنك متخصص في الزراعة!، والتساؤل الأهم؛ من الذي أقحم البنك التجارى في ما يعرف إعلامياً بقضية المدمرة كول؟!!.. بلاشك هو الصراع العالمي ما أوصل لهذا المآلات.
ليست كل دول العالم أعضاء في صندوق النقد الدولي، ولا يعني عدم نيل دولة لعضوية صندوق النقد الدولي، ضعف الاقتصاد، مثلاً الكويت ليست عضوا في صندوق النقد الدولي رغم أنها تنعم باقتصاد قوي ومستقر.
للسودان فرصة في أن يكون له دور كبير في التأثير على حاكم العالم (صندوق النقد الدولي)، وعدة أحداث وتقاطعات عالمية تعطي السودان فرصة لصناعة شركات وشراكات عملاقة، والتجارة أكبر حظاً من الصناعة في تنمية علاقات الشعوب الاستراتيجية مع اقتصاديات ضخمة، ومع صندوق النقد الدولي كأكبر مؤثر عالمي؛ ولفائدة حياة كريمة للشعب السودانى.
إن من أكبر مهددات الأمن القومي للبلاد ، هو عدم ثقة المواطن بمؤسسات الدولة..كما أنه لا نجاح سياسي من دون حاضنة سياسية، وتغييب الشعب أو محاولة تغبيش الوعي لن تجدي، فصوت الواقع مسموع للجميع.
كان شهر مايو الماضي هو موعد انتهاء فترة رئاسة العسكريين للسيادي، ولكن حدث اتفاق غير معلن بأن يكون نوفمبر هو أجل انتهاء فترة رئاسة المكون العسكري، وما تم تسريبه من اجتماع بعض مكونات قوى الحرية والتغيير مع المجلس السيادي، “وللأسف مع الشق العسكري” ، كان تفاكر حول تكملة هياكل إدارة الدولة ، وخاصة المجلس التشريعي، لكن هو في الواقع في إطار الاستقطاب الذي يستجد مع الأحداث السياسية بالبلاد.
أهم عنصر محوري في الساحة السياسية في السودان الآن هو المراكز المالية، و آمل من ابن السودان الشرعي الجيش، أن ينأى عن التحيز لجهة أو الوقوف مع أخرى، وأن يناقش وضع شركات الجيش والشرطة والأمن في الهواء الطلق، إلا تلك التي تعنى بالصناعات العسكرية.
فالوضع السياسي بالبلاد هش، والإقتصاد عشوائي ومنهار، ولابد للجيش أن يكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من الأزمة.
إن ما حدث في كابول، لن يستطيع أكبر اقتصاد في العالم “أمريكا” أن يحتمل تكاليفه لشهر قادم من دون تفعيل دور المندوب السامي الجديد القديم، وتفعيل دور صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي.
في السودان أصبح وضع اللا حرب واللا سلام من الماضي، وأصبحت القوة الاقتصادية السياسية داخل السودان تحت طائلة قانون تفكيك نظام ٣٠ يوليو، والتي في الخارج تحت طائلة قوانين الملاذات الآمنة للإرهاب والتهرب الضريبي.
وتبقى آخر كرت وهو الحساب الذي لا يخضع للوائح حسابات حكومة السودان، وآخر معقل لعش الدبابيير هو خروج الحكومة من سوق الطاقة والقمح و الدواء.
عندها سيُعرف لمصلحة منوحولت ودائع معاشي الجيش من بنك الجيش “أم درمان الوطني” لصالح بنك فيصل الإسلامي! ولصالح من احتكر بنك فيصل ودائع التعليم العالي الحكومي وشبه الحكومي، وعندها سيعرف لمصلحة من لم تثار قضية دولار الدواء بعد التغيير، وكيف أصبح المتهم بالتلاعب بدولار الدواء يفتي في مستقبل السودان!!! ، والله إن مسار الشرق منه برئ.
وعندها سيعرف أهل السودان أين أصل الدين الذي اجتمع حوله نادي باريس، وسيعرف أهل السودان من الذي يقف ضد أي إصلاح سياسي في البلاد من مستوى الحزب إلى هيكلية إدارة الحكم.. وعندها سيعرف ابناء السودان أن من يدعم المواطن هو الذي دفع فاتورة الحرب داخل السودان، لكن كيف ضحك على الشعب!، وكيف عندما انتهت الحرب ازدادت نفقات الدولة!.
لن يكون الشهر الجاري يشبه القادم، لأن أصل المستور منذ خمسون سنة، و أصل الأزمة سيعرف، و هو *أزمة الدين الدين الداخلي* .. وكانت لعبة يسار/ يمين الدائرة حول الإقتصاد والسياسة، إمتداداً للعبة قديمة لبيوت طائفية استقوت بتمويل سياسي، وبانتهازية قبيحة
الدين الداخلي للسودان يبلغ أكثر من 100 مليار دولار أمريكي، ومن أجله دمرت السكة الحديد بتشجيع النقل البري، ودمر مشروع الجزيرة ومجتمع الجزيرة صاحب إصلاح الوجدان الداخلي للمجتمع السوداني، ودمر التعليم فأصبح تعليماً غير مجدٍ، ولا يلبي حوجة سوق العمل الداخلى والخارجي.
وحذاري من معالجة أزمة الدين الدين الداخلي بطريقة “الحل في البل !”.
والمؤكد أنه ولأول مرة في تاريخ السودان السياسي الحديث؛ ستنتصر إرادة الجماهير.
# أسامة ميرغني
٢٤ أغسطس ٢٠٢١م
التعليقات مغلقة.