*رؤية*# أسامة ميرغني
ماسة نيوز : الخرطوم
في العام ١٩٧١م بدأ عهد جديد من التحكم في اقتصاديات وسياسة العالم بعد ربط البترول بالدولار ، وظهر مصطلح “البترودولار” … وتم اتفاق مهم بين نيكسون و كيسنجر مع الملك فيصل، وفي نفس العام منحت انجلترا الإمارات العربية المتحدة و قطر و البحرين؛ الاستقلال من مسقط.
وللأحداث الاقليمية والعالمية ظلاها وآثارها على السودان ، ومن تلك الآثار ؛ قصف الجزيرة أبا وَدنوباوي، ونحر الحزب الشيوعي في ١٩٧١م بعد إنجازه المهام ، وعلى رأسها إنهاء حقبة ما يعرف بمجموعة مؤتمر الخريجين ، كما غيب الموت الزعيم الأزهري والمحجوب والإمام الهادي، وتحكم الحزب الشيوعي ومرافيده في المشهد السياسي في البلاد، وعن طريق لبنان استطاع الإنجليز بناء حركة إسلامية حسب الحاجة ومتطلبات المرحلة.
في ١٩٧٦م انضمت الحركة الإسلامية لتحالف الوطني الاتحادي و الأمة فيما يعرف بالجبهة الوطنية، وبعد أن انتحرت الحركه الاسلامية كمشروع وطني سوداني، وانتقلت إلى مشروع أممي، وابتعثوا للغرب للدراسة، بدأت من جديد لعبة يسار و يمين، وكان اليمين أكثر حظاً من اليسار لأن ما يقوم على أساس ديني يكون أوفر حظاً عند أهل السودان وكذلك أطول عمراً.
كانت اول زيارة للشيخ زايد للسودان بعد استقلال الإمارات العربية المتحدة كانت لمدينة نيالا، وحضر بها مهرجاناً للفروسية، مع ملاحظة مهمة هي عدم رضى الإنجليز عن دارفور وأهل دارفور بسبب موقف القيادة السياسية لسلطنة دارفور ووقوفها مع تركيا والدولة العثمانية..
كانت أول معركة تنهزم فيها تركيا في العراق، وتعرف بمعركة الموصل في ١٩١٦م ، وفي ذات العام ضربت الفاشر بالطيران الإنجليزي واحتلت دارفور.
ولأن لأهل دارفور عاطفة دينية قوية، كان الاحتلال الإنجليزي يدرك أن أي حراك شعبي مسلح لابد أن يبدأ من دارفور ، فكانت المهدية، وحركه ١٩٧٦م ، وخليل إبراهيم ٢٠٠٨م ..
بدأت خلخلت المجتمع الدارفوري عن طريق بناء مركز مالية لضرب النسيج الاجتماعي بدارفور، ليس لأن دارفور هي أكبر كثافة سكانية، بل لأن أكثر من ٦٠٪ من أهل دارفور يسكنون ربوع السودان المختلفة، لذلك واهم من يظن أن أهل دارفور انفصاليون، فهم الأغلبية الميكانيكية، وأصحاب الحظ الأوفر في أن يصلوا للسلطة عبر صندوق الإنتخابات.
بعد قيام منظمة الدعوة الإسلامية والبنوك الاسلامية، وفي الجهة الموازية قامت منظمات اليسار ؛ أصبح حجم ما تعرضت له دارفور من اليمين واليسار يكفي لتدمير كل أفريقيا.
وفي عهد الديموقراطية الثالثة قال النائب فاروق آدم مخاطباً الترابي “يا شيخ حسن دارفور بتضيع ومسؤولين عنها أنتم الإسلاميين، وأنا سوف استقيل غداً من عضوية الجبهة الإسلامية القومية، وانضم للحزب الاتحادي الديموقراطي..”.. فتحول ومعه نائب آخر من الجبهة الإسلامية القومية إلى الإتحادي الديموقراطي.
وفي ذات الإطار، فإن ما حدث من هجوم مسلح قبيل تنصيب حاكم دارفور الجديد مني أركو؛ هو امتداد لعمل ممنهج ضد دارفور.
*هل يمكن تقديم نموذج للحكم الاقليمي عبر تجربة دارفور؟!!*
إن نجاح نموذج دارفور كحكم إقليمي حتماً سيكون مردوه على كل السودان، وسيمكن من تأسيس دولة الإتحاد الفدرالي، أما أخطر مهدد للتجربة الدارفورية؛ فهو المحاور الخارجية.
دخلت تركيا ليبيا ضد فرنسا والإثنان أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) ، ولولا مباركة أمريكا لخطوة تركيا لما أقدمت تركيا على ضرب تحالف فرنسا في ليبيا، وكانت نهاية شهر العسل بين أمريكا وفرنسا في غرب إفريقيا عقب مقتل إدريس دبي، فقوام الاقتصاد الفرنسي هو خام الطاقة (اليورانيوم) من تشاد وغرب افريقيا، وقوام الاقتصاد الأمريكي وعماده هو الدولار ، وأن يبقى هو سيد التبادل في التجارة العالمية، ومن هذا المبدأ يدور التنافس الأمريكي الفرنسي على موارد إفريقيا والعالم.
تعتمد قوة الأمن القومي الأمريكي على صندوق النقد الدولي، وكانت أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية قد سارت في الطريق الخطأ، طريق القوة العسكرية، أما إنجلترا ومع بداية عصر الشعبوية أدركت أنه لا يمكن استعمار الهند وباكستان وأفغانستان ودول إفريقيا عسكرياً، فأنشأت منظومة جديدة سميت ببنك أوف إنجلاند ، أو ما يعرف “بمجموعة الستي” ، لكن بعد الحرب العالمية الثانية تم الاتفاق مع إنجلترا على التنازل من عرش التجارة العالمية لصالح الدولار الأمريكي، وفي خلال عقدين من الاتفاق (١٩٤٤م_١٩٦٤م)؛ تحول أكثر من ٩٠٪ من التجارة العالمية لصالح الدولار الأمريكي، ومع ظهور نظام (الإسوفت) والتحويلات كان لابد لكل الدول أن تمتلك احتياطياً نقدياً من الدولار الأمريكي.
ومصلحة السودان في هذا الصراع هي أن يكون أكبر من مجرد حليف، فلمفردة “حليف” دلالات التبعية والاستعلائية، وعلى السودان أن ينتقل لموقع الشريك الاستراتيجي الاقتصادي مع اقتصاديات عالمية، ليست شراكة ضد أحد، وإنما لتغليب مصالح أهل السودان.
معضلة بلادي الكبيرة هي في انعدام الرؤية والمبادرة، وحاجة اقتصادنا كبيرة في أن نكون دولة متحكمة في التجارة عبر حدودها .
ولا يمكن بناء اقتصاد من البنوك، كما لا يمكن بناء اقتصاد من غير قطاع خاص، وأيضاً لا يمكن بناء اقتصاد من دون استقرار سياسي.
ومخطئ من يظن أن الاستقرار السياسي يتحقق عسكرياً أو أمنياً ، فالإستقر يتم عبر التنمية، وأهمها التنمية البشرية.
نتمنى من مكتب حاكم دارفور أن يقوم بتنظيم منتدى يناقش تجربة دارفور كنموذج للحكم الإقليمي.
٢٠ أغسطس ٢٠٢١م
التعليقات مغلقة.