تسليم المطلوبين للجنائية الدولية مقابل ماذا؟بارود صندل رجب/المحامي

ماسة نيوز : الخرطوم

بتاريخ 8/10/2004شكل الامين العام للامم المتحدة لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان في دارفور برئاسة القاضي الايطالي انتونيوكاسيسي،،،وصلت اللجنة الي السودان بتاريخ 10/11/2004وبتاريخ 20/3/2005اعلنت لجنة التحقيق ان الحكومة السودانية لم تعتمد سياسة ابادة جماعية في دارفور، لكنها حملتها هي ومليشيات الجنجويد والمتمردين المسؤؤلية عن خروقات خطيرة لحقوق الانسان والقانون الانساني الدولي تشكل جرائم بموجب القانون الدولي،،،وبناء عليه طلب مجلس الامن من المحكمة الجنائية الدولية بدء التحقيق وبتاريخ 27/2/2007وجهت المحكمة لاحمد هارون وكوشيب اتهامات بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب في الفترة ما بين 2003/2004وبتاريخ 2/5/2007صدرت مذكرة بتوقيفهما،وبتاريخ 14/7/2008وجه اوكامبو اتهاما رسميا للبشير بارتكابه جرائم حرب وجريمة الابادة الجماعية وبتاريخ 2/3/2009صدر قرار التوقيف،،،
وقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر،،وما زالت قضية دارفور تراوح مكانها،،ويحمد لاتفاق سلام جوبا انه تضمن نصوص بفتح التحقيق في الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان في دارفور،بينما عجزت كل الاتفاقيات بما فيها اتفاقية نيفاشا الاقتراب من هذا الملف،،،وقد تضمن اتفاق جوبا نصا واضحا يلزم اطراف الاتفاقية بتسليم المطلوبين للجنائية الدولية اي المثول امامها،،بالاضافة الي احالة بقية المشتبه فيهم لمحكمة خاصة تنشا في دارفور وذلك خلال تسعين يوما من تاريخ التوقيع علي الاتفاق،،كما يتم ايضا تعيين مدعي عام مستقل للمحكمة بواسطة النائب العام،،معلوم ان هذا لم ينفذ بعد وقد مرت علي الاتفاقية زهاء العام تقريبا،ليس هذا فحسب بل ان اطراف الاتفاقية لم يتناولوا الامر في اي مستوي من المستويات،،لا اجتماعات ولا سمنارات،،،اما الحكومة الانتقالية والتي بلغت عمرها سنتان الا شهرا تقريبا لم يفتح الله عليها باي تحرك نحو فتح الملف بواسطة النائب العام او اي لجنة تحقيق اخري،،،،ولكن وخلال هذه الفترة من عمر الحكومة ظل المكون المدني و قوي الحرية والتغيير ومنظمات المجتمع المدني وحركات الكفاح المسلح تطالب باستمرار تسليم المطلوبين للجنائية الدولية،،،المطلوبين هم،،عمر البشير عبدالرحيم محمد حسين واحمد هارون وعلي كوشيب وعبدالله بندة الاخير خارج سلطان الحكومة السودانية،،،اما كوشيب فقد سلم نفسه طواعية،،ظلت المطالبة بالتسليم محل شد وجزب بين المكونيين العسكري والمدني تعلو احيانا وتخفض حينا،،حتي بعد اتفاق سلام جوبا واقرار جميع الاطراف بضرورة التسليم ظلت الضبابية سيدة الموقف،،،
هل المطلوب تسليم المذكورين كبداية لفتح الملف بصورة اوسع،،ام ان التسليم هو نهاية المطاف وقفل للملف؟في تقديري انه من مصلحة اطراف السلطة الانتقالية قفل الملف بالتسليم،،اي التضحية بالمطلوبين الخمسة وتحميلهم المسئولية وشئ من ذر الرماد في عيون اهل دارفور بالعدالة الانتقالية والمصالحات والتسامح ونسيان الماضي وعفا الله عما سلف،،اي الالتفاف علي القضية،،وبالفعل هذه هي اللغة السائدة هذه الايام،تصريحات قادة حركات الكفاح المسلح اصبحت اكثر دبلوماسية بل متناغمة مع رؤية القادة العسكريين والمدنيين في الحكومة الداعية الي نسيان الماضي واستشراف المستقبل الواعد،،،
هذا الذي يجري يمثل انتكاسة بل خيانة لاهل دارفور،،،ظننا ان الاولوية تتمثل في فتح ملف جرائم دارفور منذ الفين واثنين الي الحادي عشر من ابريل عام 2019،،،بحسبان ان تحقيقات الجنائية غطت الفترة من2003 الي 2005،،،والملاحظ ان الجنائية الدولية ظلت منذ بداية الثورة تركز ليس علي تسليم المطلوبيين بل علي ضرورة تعاون الحكومة في اجراء تحقيقات واسعة للجرائم والاشخاص المسئولين،ولكن دوائر حكومية تصرف عن ذلك الي امور اخري،،،حتي الزيارة الاخيرة للمدعي العام الدولي لم يطلب باي صورة من الصور تسليمه المطلوبين ولكن شركاء الحكومة المتشاكسون كل يغني علي ليلاه ولا يخلوا الامر من ضغوط وابتزاز لتحقيق بعض المصالح وقد تتطور الامور الي الضرب تحت الحزام،،اما علي المستوي الخارجي فربما هنالك التزامات لبعض الاطراف بل استحقاقات واجبة الوفاء،،،لذلك لا يكف هؤلاء واؤلئك عن شنشنة التسليم حسب الحال،،،فتعقيدات التسليم متعددة،،اولها ان المطلوبين الثلاث الكبار يواجهون قضايا حق عام امام المحاكم والنيابات،،صحيح تستطيع الحكومة سحب هذه القضايا بموجب سلطة النائب العام ولكن كلفة ذلك عالية الخطورة لعدم قبول الثوار،،،الخيار الاخر ان تستمر المحاكم في موالاة السير في المحاكمات وقد تطول،،وحتي بعد الادانة لا يجوز التسليم الا بعد انقضاء مدة العقوبة،،،وعقبة اخري تعترض طريق التسليم وهي ان هنالك نصوص في قانون الاجراءات الجنائية تمنع تسليم اي سوداني للخارج او حتي التحقيق معه وان مجرد تعاون اي سوداني في ذلك يعد جريمة،،،هذه العقبة ازالتها سهلة بتعديل القانون،،كل هذه العقبات تسقط تلقائيا اذا اتخذت الاجراءات في الداخل،،،،فلماذا الاصرار علي تعطيل الاجراءات؟
لو ان المسالة متعلقة بالعدالة فان المحاكم السودانية قادرة وراغبة في محاكمة اي شخص او مؤسسة،،والا لما اقدم اتفاق سلام جوبا علي انشاء محكمة خاصة لجرائم دارفور وهي ذات الجرائم المنسوبة الي المتهمين المطلوب تسليمهم،،وحتي الاشخاص المحتمل اتهامهم بواسطة محكمة دارفور الخاصة هم بذات درجة واهمية المطلوب تسليمهم،،،،
اذن يخرج الامر عن دائرة تحقيق العدالة وعدم الافلات من العقاب،،،الي اجندة اخري ذكرنا طرفا منها،،اما الطرف الاخر فان هنالك عناصر في الحكومة الانتقالية تسعي الي شيطنة مؤسسات الدولة تمهيدا لتفكيكها في تناغم مع الاجندة الخبيثة للقوي الاقليمية والدولية،،،تسعي هذه العناصر الي شيطنة القضاء واظهارها بمظهر الافتقار الي الكفاءة والقدرة و الاستقلالية والحيدة،،والبديل اما قضاء مدجن يتحرك لاشباع رغبة السلطة التنفيذية في الانتقام والتشفي من خصومها السياسين واقصاءهم من الساحة،،او احالة القضايا ذات الطابع السياسي للجنائية الدولية،،وما موافقة الحكومة علي المصادقة علي النظام الاساسي لروما والانضمام للجنائية الدولية ببعيدة عن هذا المنحي،،،،هذه العناصر وبتخطيط خارجي محكم تسعي الي وضع البلاد تحت الوصايا الاممية،،،استبدال الجيش بالقوات الاممية،،والشرطة بعناصر جديدة تحت مسمي الامن الداخلي،،،الخ
لا يظنن احد ان المطالبة بتسليم المطلوبين للجنائيةتهدف الي القصاص للضحايا فهذا القصاص لا يتحقق قريبا،،ونخشي ان تتطاول المدة حتي تطمس معالم الجرائم التي ارتكبت في دارفور فتطوي الماساة وتدفن كما دفنت الفظائع التي ارتكبت في جنوب السودان،،،لتتكرر مرات اخري في مناطق اخري من البلاد،،،الحكومة التي تعجز في التعجيل بالقصاص لمجازر القيادة العامة علي مدي سنتين،مع ان الاشخاص المشتبه فيهم معروفين والبينات شبه حاضرة ومع ذلك تتلكا لجنة نبيل اديب تتقدم خطوة وتتراجع خطوتين هي اعجز عن تحقيق العدالة في دارفور لا سيما ان تحقيقات حقيقية سوف تبين ضلوع قيادات من العيار الثقيل ولها شنة ورنة في مكونات السلطة الانتقالية،،،،
ان المطالبة بتسليم المطلوبين للجنائية كلمة حق اريد بها الباطل،،

التعليقات مغلقة.