مظاهر عوار (مجموعة حمدوك الاستشارية) كيف نرسي نظاماً استشارياً (لاشية فيه) خلال الفترة الانتقالية ؟!! د. فتح الرحمن القاضي

ماسة نيوز

سم الله الرحمن الرحيم

 

لم يكد روع الراي العام يسكن علي نحو ما ، وأني له أن يسكن مع توالي سلسلة القرارات العشوائية ، من جراء العوار الذي اكتنف مهمة الوفد الحكومي المناط به التعامل مع أزمة الشرق حتي وجدنا أنفسنا قبالة عوار آخر أضل وأفظع مما سبقه ، ألا وهو صدور قرار تعيين مستشارين جدد بمكتب رئيس الوزراء فيما كانت الاوساط السياسية والمجتمعية تترقب تصحيحاً للتداعيات السالبة التي افرزها زيارة وفد حمدوك لشرق السودان؟!!.
ولكي لا يحدث التباس في أذهان الري العام بازاء موقفنا الاحتجاجي تجاه مسالة تعيين مستشاري رئيس الوزراء فيلزمنا التوضيح بان الاحتجاج لا يستهدف شخوص السادة الخبراء الذين وقع في حقهم التكليف ولا التشكيك في قدراتهم علي شغل وظائف استشارية معلومة اسندت اليهم للتصدي لها لهم ، ثم أن الاحتجاج ليس مصوباً الي مبدأ الاستعانة بأهل الخبرة والدراية في شغل الوظائف الاستشارية بالدولة فذلك أمر محمود ومطلوب مهما بلغت كلفته المادية علي قول الاستاذ (عثمان ميرغني) ونحن نتفق معه ولكن الاحتجاج والاستنكار ، مع ذلك، يظل قائماً ومصوباً بقوة نحو ظاهرة سوء تموضع هذا الحشد من المستشارين الذين يجري الحاقهم علي نحو موصول بمكتب السيد رئيس الوزراء؟!!.
آخذين في الاعتبار أن الفرصة كانت متاحة للسيد حمدوك لتبديل طاقمه المعاون علي مستوي مكتب الرئيس مع مستهل تشكيل الحكومة الحالية، خاصة مع الاخطاء الجسيمة التي ارتكبها الطاقم السابق ومن ضمنها العوار الذي لازم تشكيل الالية الوطنية النظيرة للبعثة الاممية ، غير أن حمدوك اكتفي باستقدام العديد من أفراد طاقمه الذين فقدوا مواقعهم الوزارية في التشكيلة الجديدة من امثال الاستاذ فيصل محمد صالح وزير الثقافة والاعلام والاستاذ عمر قمر الدين وزير الدولة بوزارة الخارجية ومن سواهم من الششخصيات لتعييينهم في وظائف استشارية بمجلس الوزراء لا تكاد تختلف ، قليلاً أو كثيراً، عن مهامهم الوزارية السابقة . وعليه فقد نشأ ظن لدي الكثيرين بأن مكتب حمدوك قد استقر بنيانه بالفعل وصار أهلا لانجاز المهام التي تقع تحت دائرة اختصاص رئيس الوزراء. غير أن مضي حمدوك في إجراء مزيد من التعيينات الاستشارية علي النحو الذي شهدناه بالامس القريب عبر إعتماد حزمة جديدة من التعيينات جعل الناس يتشككون فيما إذا كان حمدوك قد فرغ بالفعل من عملية اعادة هيكلة مكتبه علي المستوي الفني والاستشاري أم أن ابواب التعيينات الاستشارية علي مستوي رئاسة مجلس الوزراء لم تؤول الي نهايتها بعد مما يجعلنا موعودين بالمزيد من التعيينات والوظائف المستحدثة؟؟!!.
وفيما نمعن النظر في قرارات د. عبدالله حمدوك، التي تقضي بتعيين مستشارين لرئيس الوزراء هم الأستاذ ياسر عرمان مستشارا سياسيا، والأستاذة عائشة حمد محمد مستشارا لشؤون النوع الاجتماعي،والاستاذ جماع عبدالله مستشارا للحوكمة والإصلاح المؤسسي، والاستاذ حسان نصرالله علي كرار مستشارا للسلام فلا نملك بازاء استمرار التعيينات بمكتب السيد حمدوك سوي حمل مبضع التشريح لاستكشاف هذه الظاهرة العجيبة التي تطل علينا بجراة وسفور بصورة لا قبل للامة ولا الثورة باحتمال تبعاتها . وإذا فلا مشاحة في أن تصبح مهمة تبيان مظاهر الاسراف في تعيين المستارين مطروحة قيد البحث والتحليل في ثنايا هذا المقال ؟!!، مع الاجتهاد في استكشاف سبل ترميم الخلل الجسيم الوارد في تضاعيف القرار حتي يتسني للامة السودانية الانتفاع بهذا الكم الكبير من المستشارين، ومن ثم جني حصيلة الاستشارات التي ينتجها هؤلاء الخبراء في مختلف الاصعدة والمجالات .
وقبل أن نمضي في ثنايا هذا التحليل يحسن بنا أن نتوقف قليلا عند الطريقة التي كان يدير بها مطبخ الرئيس السابق عمر البشير عجلة الحكم والدولة لانها لا تكاد تختلف ، في قليل أو كثير ، عن المنهجية الحالية التي يتبناها حمدوك حالياً في إدارة نظام الحكم في عهد الثورة. فلقد كان الشعب يرتجي في اعقاب الثورة أن تثمر التجربة نظاماً جيداً للحكم (GOOD GOVERNANCE) يتاسس علي دولة المؤسسات ، ولكن مما يؤسف له أن عوار النظامين في عهدي البشير وحمدوك، علي حد سواء، لم يثمر سوي التمكين لبروز ظاهرة (الدولة الموازية) رغم زعم نظام الحكم الحالي في أنه يجهد في إزالة التمكين في سائر صوره ومظاهره.
ولعل الراي العام يذكر جيداً أن عمر البشير قد عمد الي تعيين عدد ليس بالقليل من المستشارين من رموز الانقاذ الذين فقدوا مواقعهم في الحقبة التي تلت مؤتمر الحوار الوطني في اعقاب التوافق علي تعيين السيد بكري حسن صالح في منصب رئيس الوزراء ، وهو أمر لم يأتي الا بشق الانفس في ظل تشبث الرئيس المعزول بمفاصل اسلطة كلها بشقيها السيادي والتنفيذي ، حيث فوجئ وزراء الحكومة التي تمخضت عن مؤتمر الحوار الوطني بميلاد نظام استشاري متكامل يغطي سائر المجالات في حضن رئاسة الجمهورية مع عدم الاكتفاء بتقديم الاستشارة الي رئيس الجمهورية فحسب وانما يتخطي ذلك الي الاضطلاع بوظائف تنفيذية تقع تحت اطار اختصاص مجلس الوزراء . هذا الوضع الشائه جعل من مجلس الوزراء في عهد النظام المعزول مجرد مجلس صوري ينعم اعضائه الكرام باحتساء الشاي وتناول الفول المدمس والتمر في انتظار ما يجود عليهم القصر الجمهوري من بعض المهام الهامشية التي لا تصلح سوي لحفظ ماء الوجه حتي لا يتهمهم الشعب بالعطالة، وليس أدل علي ذلك من الموقف الحرج الذي وجد السيد السفير ادريس سليمان ممثل (المؤتمر الشعبي ) نفسه فيه وهو يشغل وزارة للتعاون الدولي منزوعة (الدسم والاختصاصات) بعد أن تم توزيع مهامها وتفريق دمائها بين القصر والوزارات حيث آلت معظم ملفات التعاون الدولي ابتداءا من ملف التعاون الثنائي مع الصين مرورا بملفات روسيا والهند وانتهاءا بالبرازيل الي حوزة الدكتور عوض الجاز مستشار الرئيس بالقصر الجمهوري بينما اسقط في يد السيد ادريس بازاء هذا الوضع العجيب وهو يصلح عمامته التي تكاد تسقط من رأسه من هول المفاجاة مع العلم أنه لم يقصر في الاحتجاج عبر المذكرات السرية والعلنية ولكن مما يؤسف له ان احتجاجاته ووجهت بالسخرية والازدراء ( والعكم) مع تمكن السيد عوض الجاز ورهطه في مطبخ اتخاذ القرار ممسكين بمفاصل الحكم والدولة ؟!!.
وفيما نمضي في تبيان ما اعتبره المراقبون مظهراً فجاً ومقيتاً لمظاهر الدولة الموازية في عهد الانقاذ التي لم تترك مرفقاً سياسيا ولا تنفيذيا ولا اقتصاديا ولا امنيا الا واستحدثت له ادارة موازية يتم التحكم في مفاصلها في الخفاء بمعزل عن السلطة التنفيذية عبر مجموعة من الاعوان والمستشارين ، فانني لا استطيع الجزم بان التجربة التنفيذية الحالية للحكم التي نشهدها في ادارة الدولة علي يد السيد حمدوك ومستشاروه تعتبر استنساخاً لتجربة عمر البشير في حكم السودان (COPY AND PASTE)، ولكن مما لا شك فيه ان السيد حمدوك إذا ما مضي علي هذا النحو فسوف يدمضي سراعاً ، من حيث يدري أو لا يدري، في اتجاه تجسيد ظاهرة الدولة الموازية التي كانت سائدة علي عهد نظام الانقاذ لكيما تتموضع وتترسخ من جديد خلال الفترة الانتقالية ؟!!.
مبعث الانزعاج فيما يتم اتخاذه بواسطة النظام الحاكم من قرارات وتدابير عديدة ، لا تقتصر في نطاقها علي قرار تعيين المستشارين ، وانما تمتد الي غيرها من المجالات يكمن في أن صدور قرارات علی شاكلة ما يجري یعنی، لمن لم یتفطن بعد، اعادة استنساخ تجربة الرٸیس المعزول عمر البشیر وبزوغ دولة الانقاذ مجددا بکامل عنفوانها وهی تلتحف بثباب ثورة دیسمبر وتتوشح بعباٸتها فی اکبر مظاهر وتجلیات الاستغفال الذی یمارس جهارا نهارا من خلال تجسید انموذج الحکومه الموازیة من قبل السید حمدوک و (مطبخه العامل في اتخاذ القرار) وهم ینشطون في صوغ قرارات کارثیة علی هذا النحو ؟؟!!
وفي هذا السياق نؤكد علي أن سائر الوزراء، كل في مجال اختصاصه ، انما يؤدون وظيفة استشارية كلية تدعم مركز اتخاذ القرار لرئيس مجلس الوزراء ومجلسه الموقر في ذات الوقت، ثم ان اضطلاع القطاعات المتخصصة بمجلس الوزراء وعلي سبيل المثال القطاع الثقافي الاجتماعي انما تعتبر معملا شورياً يتم فيه وعبره تقليب وجوه النظر والاستشارة بين الوزراء العاملين في القطاع قبل الافضاء الي حكم او قرار من القرارات التي تندرج في حدود تكليف القطاع المعني وبالتالي يتم اعمال الشوري حول المسائل قيد النظر مع ضمان عدم انفراد وزير بعينه بعملية اتخاذ القرار حتي لو كانت المسالة موضع النظر تقع في دائرة اختصاصه ثم تحال الامور من بعد عبر الامانة العامة لمجلس الوزراء التي تضطلع بوضع أجندة المجلس بالتنسيق مع وزير شئون الرئاسة ، وهذا ما يترائي لنا حسب الفهم البسيط لالية عمل مجلس الوزراء ان لم يستجد جديد في هذا الشان وهذا ما لا يترك لرئيس الوزراء مجالاً لموضعة حشد من المستشارين والحاقهم بمكتب الرئيس الا في حدود الاحتياج الضروري للامانة العامة لمجلس الوزراء . والحال كذلك فان التموضع الصحيح للمستشارين المتخصصين في مختلف المجالات انما يكون عبر رفد الوزارات ذات الشان بخبراتهم وتجاربهم حتي يسهموا بحق في اعانة الوزراء في تشكيل القرارات وبلورتها وصوغها بالتنسيق الوثيق مع الوزير المعني وجهازه االتنففيذي في مختلف الوزارات والمؤسسات ذات الصلة واذا ما جاز لنا اعتماد هذا الفهم فان هذا يجعل من قرار حمدوك القاضي بتعيين مستشارين مع الحاقهم بمكتبه لا معني له علي الاطلاق . ويصبح الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة المنطقية هو اشتغال المستشار بتقديم الاستشارات في مجال واضح لا تتوفر علي انجازه بقية الوزارات بشكل مباشر كالامور المتعلقة بتنسيق العلائق السياسية لمجلس الوزراء مجتمعا مع بقية اجهزة الحكم علي مستوي المجلس السيادي ومجلس شركاء الفترة الانتقالية والبرلمان المزمع تشكيله علاوة علي الحواضن السياسية الداعمة لنظام الحكم ولا يستثني من ذلك حتي الفصائل المعارضة للحكم فللمعارضة دور ايجابي ينبغي ان تضطلع به خلال الفترة الانتقالية ومن ثنايا ذلك كله تتجلي الحكمة في تعيين السيد عرمان مستشاراً سياسيا مما لا يجوز تبخيسه او التقليل من اثره ويبقي الحكم من بعد علي أداء السيد عرمان من جهة الفلاح او الفشل بحسب قدرته علي انجاز مهام عظيمة الاثر جليلة الخطر خلال الفترة الانتقالية.
وفیما نحذر من تکرار تجربة الدوله الموازیة والتمکین لظاهرة التضارب المٶسسی التی کانت من اکبر العلل والافات التی اودت بحکم نظام الانقاذ ، فاننا نبارک تعیین السید عرمان فی وظیفه المستشار السیاسی آملين أن يسهم في إنجاز العذید من المهام الاستشارية الضروریة التی تقتضي وجود مستشار سیاسی یدعم رٸیس الوزراء والمجلس قاطبة فی عملیة اتخاذ القرارات ذات الصبغة السیاسیة لا سیما مع التخبط الذی نشهده فی هذا المجال ، ویکفی لنا ان نستشهد بسوء تعامل حمدوک مع ادارة ازمة شرق السودان التی افردنا لها بالامس مقالاً متکاملاً یبین ما اکتنفها من مظاهر الخلل والعوار .
ودعونا نمضي في استعراض بقية الوظائف الاستشارية التي تم الاعلان عنها وفي هذا نتفق مع قول من قال بأن مهام  مستشار الجندر  أو (النوع) إنما هي من صميم أطر إختصاص (Mandate) وزارة التنمية الاجتماعية التي تحتضن في تكوينها ادارة قائمة بذاتها تعني بشئون (المراة والاسرة) وهي الادارة العامة للمراة والاسرة التي يتطلب الوضع القائم تمكينها ودعمها بالمعينات والخبرات الاستشارية لا تعيين مستشار بمجلس الوزراء يعمل بمعزل عن ولايتها في مجال الجندر ، باعتبار ان تعيين الاستاذة عائشة حمد مستشار للجندر لا يعد تداخلاً في  الاختصاصات مع وزارة التنمیة الاجتماعیة وانما من شأنه أن يفضی الی تضارب الصلاحیات مع الوزارة المعنیة بامر الجندر ویسحب البساط من تحت أقدامها ما لم یتم التوافق علی صدور قرار یقضی بنقل الاشراف علی الجندر الی مجلس الوزراء وهنا یصبح الموضوع متسقا والقرار مبررا ومقبولا وبخلاف ذلک لا ننصح بانفاذه علی الاطلاق۰
لقد برز توجه أولي في مطلع الفترة الانتقالية ينادي بتطوير الادارة العامة للمراة والاسرة الي مفوضية للمراة بينما اقترح العاملون بالادارة في حقبة سابقة انشاء مجلس قومي للمراة علي غرار التجربة المصرية غير ان هذه المقترحات لم تجد حظها من النفاذ في العهد السابق نسبة للاعتراضات القوية التي ووجه بها من بعض المتنفذات في الاتحاد العام للمراة السودانية ظنأ منهم أن قيام مفوضية او مجلس للمراة سيعد خصماً علي الاتحاد العام للمراة وهم يغفلون حقيقة كون الاتحاد مجرد مؤسسة مجتمع مدني لا تغني عن المؤسسات القومية المرتبطة بالحكم. والخلاصة بأنه لم يكن هنالك ما يمنع من تضافر المجلس الاعلی المقترح للمراه والاتحاد العام للمراه السودانیه مع ما یجمع بینهما من اهتمام مشترک بقضیة تنمیة المراه مما يسمح بالتآزر بينهما علي نحو استراتیجی لخدمة قضایا المراه غیر أن الاثره المتولدة لدي بعض النسوة ، هدانا الله وإياهم، والرغبه فی الاستحواذ والنزوع نحو الاحتکار وشيوع آفة التنازع بین المجموعات النسویة فی عهد الانقاذ اعاق قیام العدید من المبادرات والاجهزة التی کان من شانها، حال قيامها، تقديم مساهمة حقيقية فی صیاغة واقع جدید للمراه السودانیة.
إن ما قیل فی موضوع مستشار الجندر ینسحب بالطببع علی تعیین بقیة المستشارین ویصبح من بداٸه الاشیاء القول بان تعیین الاستاذ حسان نصرالله علي كرار مستشارا للسلام فی ظل وجود مستشاریه للسلام ومجلس اعلی للسلام يصبح ضرباً من الفوضي لا يليق في حق دولة تزعم بانها دولة للمؤسسات. كما أن تعیین الاستاذ جماع عبدالله مستشارا للحوكمة والإصلاح المؤسسي فی ظل وجود دیوان للحکم الاتحادی ووزارة للعمل والاصلاح الاداري یصبح ضرباً من ضروب الاتجاهات الضارة فی نسق ادارة الدولة لا يقل عواراً عن ما سبقه من تعيينات.
أما علي مستوي رصد ردود الافعال فقد رصدنا ایراد مانشیتات وعناوین بواسطه بعض الوکالات تحتفي بقرار حمدوک صبيحة صدور القرار مما لا يمكن تصنيفه الا في اطار الامور المضللة الموغلة في المداهنة والتضليل حيث درجت بعض الوكالات الاعلامية علي الترويج لهكذا قرارات بلا وعي ولا تثبت الا الايغال في الاماني وهي لا تتقي الله في حق هذه الامة ، فمتی یا تری تم اخذ قیاس لرای اهل شرق السودان علي سبيل المثال للوقوف علی مدی ارتیاحهم او سخطهم علي قرار حمدوك القاضي بتعيين الاستاذة عائشة حمد محمد مستشارا لشؤون النوع الاجتماعي والقرار لم یمض علی صدوره سوی مجرد سویعات قلیله ؟!.
ونحن اذ نصعد من وتيرة اعتراضنا علي قرار حمدوك استناداً الي الحيثيات الواردة باعلاه فاننا  نخلص الي جملة من التوصيات فيما يلي لعلها تسهم في ترميم قرار السيد حمدوك مما يسهم في ضع الامور في نصابها الصحيح:
أولاً: بما أن هنالك لجنة برئاسة الاستاذ القدير محجوب محمد صالح تعكف حالياً علي صوغ نسق استشاري متكامل تحتكم اليه الدولة في مختلف مناحيها فلم نستبق اعمال هذه اللجنة الفنية الرفيعة بالمضي في مزيد من التعيينات علي غير هدي ولا نترك المجال لهذه اللجنة لانجاز تقريرها والدفع بتوصياتها حتي يتسني لمتخذي القرار تأسيس المجالس والحوزات الاستشارية في مختلف المجالات علي هدي وبصيره عوضاً عن هذا التخبط الحادث الان .
ثانياً: إلحاق منسوبي مكتب حمدوك بالامانة العامة لمجلس الوزراء مع تطوير الامانة العامة ودعمها بالمعينات اللازمة حتي تصبح آلية فاعلة تخدم مجلس الوزراء بأكمله فضلاً عن تقديم العون الفني والاداري لمكتب السيد رئيس الوزراء.
ثالثاً: دعم وتفعيل المركز القومي للمعلومات واعادة تاثيثه علي احدث طراز علي أن يتم انشاء مركز رديف لدعم اتخاذ القرار مع دراسة التجارب النظيرة ومن ضمنها التجربة المصرية والاستفادة منها في تراث ادارة الحكم والدولة فضلاً عن تطوير المجلس القومي للمستشارين التابع لمجلس الوزراء وجعله موئلاً نشطاً للمستشارين مع ربطه مع مركز دعم اتخاذ القرار .
رابعاً: إحياء مركز الدراسات الاستراتيجية ودعمة بالخبرات والامكانات اللازمة التي تعيينه علي انجاز المهام الاستراتيجية التي تصب في مصلحة السودان ومن ضمنها التقرير الاستراتيجي مع اخلائه من القوات التي تشغله حاليا علاوة علي تخصيص مقار بديله لهذه القوات.
خامساً: الاستفادة من الامكانات التي تذخر بها اكاديمية الامن بسوبا واتاحتها لمختلف اجهزة الدولة تحت مظلة مجلس الوزراء حتي يتسني الاستفادة منها لمصلحة أهل السودان قاطبة.
سادساً: فليسمح لنا السید عرمان نفسه بمطالبته ، قبل غیره من المسٸولین، ، بان يتولي زمام المبادرة لتبیان العوار الکامن فی قرار تعیینات المستشارین ، فضلا عن المسارعة فی تقدیم النصح لحمدوک بالعدول عن مثل هکذا قرارات غیر مدروسة والتراجع عنها فی الحال والا فاننا سوف نکون موعودین بمزید من التخبط والفوضی والامعان فی الفشل
سابعاً: الشروع في عملية البناء المؤسسي وتأكيد إطار اختصاص الوزارات والمؤسسات ذات الصلة بالاستشارات التي اعلن عنها مؤخرا عطفاً علي المنطق القائل بانه واذا ما کان یتم تجاهل الوزراء المعنيين بالجندر في اطار وزارة التنمية الاجتماعية ، والحوكمة والاصلاح الاداراي في وزارة لعمل والاصلاح الاداري ، والسلام في المجلس الاعلي للسلام ومفوضية السلام ولا یستانس برایهم فی قضیه تعیین مستشار ين يجري تعيينهم بواسطة رئيس الوزراء مع الحاقهم بمكتبه مباشره مع كون اطر اختصاصهم تتداخل بشكل وثيق مع الاختصاصات والمهام التي يضطلع بها هؤلاء الوزراء دون التشاور معهم حول جدوي هكذا تعيينات ، اذا فما الداعی اذا لوجود وزارات أو مؤسسات تتولي تصريف هذه الشئون ؟!! وما الداعی لتکلیف وزراء علي المستوي الاتحادي بانجاز المهام المذكورة بعاليه مع استقلال رئيس الوزراء بادارتها عبر مكتبه مباشرة مستعينا بمستشارين في مختلف مجالات الاختصاص مما يجعله في غني عن مجلس الوزراء ؟؟!! لا يمكننا القول بازاء هذه الظاهرة العجيبة سوي ان جل ما یجری فی هذا الشان لا يمكن تصنيفه الا في مجال (لزوم ما لا یلزم).
ثامناً: تكليف المستشارين الذين تم تعيينهم مؤخرا بتسليم انفسهم للوزارات والمؤسسات المعنية التي تقع في اطار اختصاصهم والاجتهاد في انجاز مهامهم عبرها بالتنسيق مع السادة الوزراء والمسئولين مع ابداء الاستعداد لتلبية نداء مجلس لوزراء او رئيسه حالما تتم دعوتهم للمساعدة في انجاز اي مهمة من المهام يطلب منهم العمل عليها وهذا الامر يتطلب رضاء السادة الوزراء المعنيين وموافقتهم علي استضافة المستشارين وتهيئة الظروف الملائمة لهم للعمل والانجاز وذلك لان تعيين هؤلاء المستشارين قد تم ابتداء بدون التشاور مع الوزراء المعنيين مما لا يحسن معه الافتراض بانه انما تم فرضهم فرضا علي الوزارات المعنية.
تاسعاً : الاستفادة من العون الذي تقدمت به المعونة الامريكية (USAID) في مجال التطوير المؤسسي من أجل الارتقاء بالعديد من المؤسسات وفي مقدمتها (مركز تطوير الادارة) و (اكاديمية السودان للعلوم الادارية) وما سواها من الوزارات والمؤسسات.
عاشراً: الاسراع في تشكيل المفوضية القومية للسلام والتعجيل بتعيين المفوض العام للسلام وبقية الكادر العامل مع رصد المقومات والامكانات اللازمة التي تضمن نجاح المفوضية في رعاية وانفاذ اتفاقيات السلام القائمة والمحتملة في مقبل الايام.
حادي عشر: مهما كان الامر فدعونا نامل بان تجد مقالتنا هذه طريقها الي مكتب حمدوك مع تقديرنا لعظم انشغاله لسماع الراي الاخر ناهيك ان يسعفه الجهد والوقت للاصغاء بتؤدة لهذا الكم من المستشارين فضلا عن الانتفاع باستشاراتهم في دعم صناعة القرار ، ذلك أن التراجع عن القرارات المعيبة وتصويبها لا يعتبر عيبا لا بل ينطوي علي شجاعة عظمي سيما اذ كانت القرارات تنطوي علي خلل واضح يجعل ضررها اكبر من نفعها. ثم ان الدعوة لإلغاء قرارات حمدوك أو بالاحري ترميمها انما تصدر لوجه الله بلا مقابل من قبل مستشارين تتالف منهم المجموعة السودانية للدفاع عن حقوق الانسان ، ولا تستهدف مبادرتهم شيئ سوي تحقيق المصلحه القومية وتقويم مسار الفترة الانتقالية والله المستعان..
في المختتم نجد أنفسنا في حاجة للجوء لتفسیر الطبری خاصة وأنه ربما يستشكل فهم العنوان الوارد في صدر المقال ، فحسب تفسير الطبري الاية 71 من سورة البقرة فإن (لا شیة فیها) أصلها من ” وشي الثوب “, وهو تحسين عيوبه التي تكون فيه، بضروب مختلفة من ألوان سداه ولحمته, ای مسلمة من العيوب حيث ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (مسلمة لا شية فيها)، أي مسلمة من العيوب. وإذاً فإن المقصود لدینا في عنوان المقال هو نشدان نظام استشاری مسلم من العیوب. إنجاز مهمة جليلة كهذه ليس بالامر العسير سيما وأن هذه الامة تذخر بالعديد من الكفاءات مما يفتخر به من امثال الدكتور عثمان الزبير ومن سواه من علماء التطوير المؤسسي ، فهل هنالك مجال لاستصحابهم والاستعانة بهم في إنفاذ الحكم الرشيد خلال الفترة الانتقالية؟!!.
الخرطوم في 28 يوليو 2021 م

Fath Elrahman Elgadi

TEL: +249912219666
E – Mail: elgadi100@gmail.com

التعليقات مغلقة.