الاستسلام د. أحمد عيسى محمود

ماسة نيوز

٠١٢١٠٨٠٠٩٩
سلام جوبا رحبنا به بالرغم من سلبياته الكثيرة. وصدقا لما قلناه وقتها. فهو الآن أشبه بطفل الشوارع متشردا بلا مأوى. نجد الدولة الراعية له فقيرة ماليا وعاجزة سياسيا. والدولة الأم أفقر من الراعية (دولة نشطاء). والحركات الموقعة تطالب بالمستحيل بالرغم من علمها (بالبير وغطاها). والشارع غير متحمس لمثل تلك الإتفاقيات والمقبلة كذلك (لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين). لأنه في السابق قد وقع مع الحلو وعقار وعرمان ومناوي. واليوم هي ذات الوجوه (التي أدمنت التمرد وكأنها لا تعيش في الدنيا إلا متمردة) وبنفس الطريقة الماضية متحدثين باسم الهامش والمهمشين كذبا وزورا. والظلم الواقع على أجزاء من الوطن (الوسط والشمال والشرق) المضمن في سلام جوبا لإرضاء مناطق أخرى على حساب تلك المناطق. واللغة التخويفية لغالبية قيادات الحركات الموقعة وتوعدها للوسط والشمال. وكأن الوسط والشمال هو من أشعل نيران تلك الحروب بمناطقهم. ونسي هؤلاء أنه حتى اليوم يموت الآلاف بمناطقهم بسبب (غنماية فلان أكلت بطيخة علان) لتفشي العنصرية القبلية. ولا ننسى أن العلاقة بين تلك الحركات بعضها البعض تسودها رائحة البارود والدم حتى اليوم لغياب روح الوعي عند كثير من القادة. وإن كان قادة الحركات رجال دولة لوضعوا حدا لمثل تلك التصريحات الهوجاء التي خصمت منهم كثيرا (جاء يكحلها عماها). وأبانوا طريقة مقدمهم للمدن عامة والخرطوم خاصة عبر ورقة تفاوض (انتصار سلام) وليس عبر طلقة بندقية (انتصار حرب). أي بمعنى أنهم أتوا للسلام مقتنعين بعد توديعهم للحرب بلا رجعة. وكما أشرنا من قبل أن السلام جاء للدنيا خداج. وهو الآن مات سريريا. والحال هكذا أكاد أجزم أنه لا أمل في حياته أصلا. ونظرتنا التشاؤومية هذه مبنية على حالة عدم اتزان (الهضربة) لراعي السلام (حميدتي) هذه الأيام. فقد نجح اليسار في شيطنته أمام الشارع والمجتمع الدولي. والمتابع لتصريحات الرجل يرى اللغة الاستعطافية واضحة. ليته يعي أن السياسة لا تعرف العاطفة بقدر ما تعرف المصالح. وليته يعي أن شهر عسله مع اليسار قد انتهى بعد أن أخذوا الذي يريدونه منه. وليته يعرف أن لغته هذه معناه الحب من طرف واحد. وليته تيقن أن حبل اليسار قاب قوسين أو أدنى من رقبته. عليه لطالما هذا هو واقع حال راعي السلام فإن إنزاله على أرض الواقع يصبح مرهونا بوجود الغول والعنقاء والخل الوفي. وخلاصة الأمر نتوقع أن تسود لغة الغابة عما قريب في السودان لغياب صوت العقل والحكمة. لأننا أوكلنا الأمر للروبيضات. ثم بعدها يكون هناك استسلام للواقع بعد خراب سوبا. وحاكم المستقبل (إن كان هناك وطن) من يكسب بصندوق الذخيرة. لأن صندوق الناخب لا يعرف مكانه وأهميته إلا متصالح مع نفسه مؤمنا باحترام دولة القانون. وهذا غير موجود في سودان الفترة الإنتقامية.
الأحد ٢٠٢١/٦/٦

التعليقات مغلقة.