*قراءة في «فن* *الحرب*» _بين عصرين_ _500_ _ق.م __ _600_ _م:بقلم أحمد الشين الحاج

ماسة نيوز

_

*الحكيم صون تزو شارحا و* *معلقا على غزوات الرسول!*

*بقلم* _أحمد الشين الوالي_

_الحلقة الأولى :_ *[سيرة ذاتية*]

مهما ثار الجدل ، و اصطرع الناس أو اصطلحوا ، حول حقيقة وجود شخصية مؤلف كتاب «فن الحرب» إلا أن مؤلف «الحكيم صون تزو» تأكد وجوده خلال القرن الخامس قبل ميلاد المسيح عيسى ابن مريم ، عليهما السلام .
و من الناس من يؤرخ لميلاد «صون تزو» بحوالي 544 ق.م . و في توريخ المؤرخ الصيني سيما كيان [Sima Quan] ، الذي عاش في القرن الأول الميلادي ، أن صاحب كتاب فن الحرب في أصله من بلدة [كي Qi] أو شاندونغ [Shandong] الصينية الحالية ، ثم انتقل منها إلى مملكة وو [Wu] ، أو زهجيان [Zheian] الحالية شرق الصين ، و غرب شنغهاي الحالية . و هناك عمل جنديا في جيش ملكها [هو لو Hu lo] .
و «صون تزو» عاش معاصرا لتحول المجتمع الصيني من مجتمع للرق و الاسترقاق إلى مجتمع اقطاعي عاش حروبا مطاولة متجددة عرفت ب «حروب الصيف و الشتاء» . و كثرة الحروب و التنازع أدت لاندماج 150 مملكة صغيرة متحاربة في خمس ممالك قوية تتنازع السلطة و الحكم .
و بمشاركته في تلك الحروب الضارية المتناسلة مرات ، و مراقبتها و سماع أخبارها مرات و مرات ، استفاد «صون تزو» خبرة و دراية حتى صار حكيما مذكورا في الأولين و الآخرين .
و في مملكة وو [Wu] ، و خلال 515 _ 512 ق.م كتب «صون تزو» كتابه «بنغ فا» و الذي يعني [فن الحرب] . و في عام 512 ق.م تقدم «صون تزو» بكتابه للملك هو لو ملك وو . و لقيمة ذلك السفر أصبح صون وو قائدا عاما لجيش الملك في مملكته .
و «صون تزو» قاتل جنديا في الجيش ، و قائدا عاما للجيش فبرع في سياسة الحرب و القتال . و المخطوطات الصينية تروى كيف انتصر «صون تزو» بجيش قوامه 30 ألف جندي على عدوه المؤلف من 200 ألف جندي [1: +6] ، لأن عدوه كان *لا يفقه* عنصر التنظيم و الإدارة .
و بعد وفاة «صون تزو» طارت شهرة كتابه و عمت سمعته الآفاق ، و تحولت تسميته الرجل من «صون وو» إلى «صون تزو» ، و لفظة تزو [Tzu] الصينية تعني الأستاذ ، أو المعلم ، الذي بلغ المراتب العليا في العلم و العمل العسكري فهو «صون الحكيم» . و تلك التسمية أطلقت على المفكر المعلم بعد مماته : «و كل نفس ذآئقة الموت» .
و «الحكيم» صاحب الحكمة . قال الله تعالى : (يؤتى الحكمة من يشاء و من يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) 2 : 269 .
و الحكمة من الله ، سبحانه ، هي معرفة الأشياء و إيجادها على غاية الإحكام ، و من الإنسان هي معرفة الموجودات ، و فعل الخيرات . و لا يقال لشخص حكيم ما لم يكن عالما عاملا .
و كتاب صون تزو المشتهر «بنغ فا» أو [الفن الحرب] حاز على عدة تسميات تبجله منها (أول كتاب عسكري في العالم القديم) ، و (الكتاب المقدس للدراسات العسكرية) . و ترجم كتاب «بنغ فا» إلى 29 لغة من لغات العالم ، و فيها أكثر من ترجمة عربية . و أنا آخذ عن ترجمة الدكتور عمر حليق _ طبعة مؤسسة الحياة للنشر ، بيروت في عام 1969م .
و الأفكار الواردة في كتاب (فن الحرب) استفيد منها في المجالات العسكرية و السياسية و الاقتصادية ، و غيرها .
و الكتاب ، و المنظرون ، يرون أن كتاب صون تزو «بنغ فا» أثر على قادة جيوش كبار من مشاهير العالم منهم : نابليون الفرنسي في حروبه ، و المنظر الألماني كلاوتز ڤيتز في كتابه (في الحرب) ، و المنظر البريطاني ليدل هارت في كتابه (الاستراتيجية) ، و الأمريكي الفرد ماهان في كتابه (تأثير القوى البحرية في التاريخ) ، و ماك آرثر ، و بيتر رايت في كتابه (صانعو الاستراتيجيات الحديثة) ، و ماو تسي تونغ في حرب العصابات (الغوريلا) الصينية ، و القائد جياب في حرب التحرير الڤيتنامية ، و حتى في حرب العدوان الدولي ، عام 1991م ، المسماة (عاصفة الصحراء) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .
إن «صون تزو» يستشهد في كتابه بعدد كبير من الصينيين قادة جيوش ، و منظرين ، و مؤرخين أبرزهم : المعلم الأكبر وانغ ، و مو _ تو ، و شان _ يو ، و ماي _ ياو _ تشان ، و لي _ شوان ، و تو _ مو ، و تو _ يو ، و هاو _ يا _ هسي ، و شيا _ لين ، و وانغ _ سي ، و القائد تساو _ تساو ، و تشين _ هاو ، و وانغ _ هسي ، و شانغ _ لو ، و شانغ _ لي ، و تسو _ تسو ، و غيرهم كثر . و في الكتاب ضخامة القوات الصينية المتقاتلة في الدويلات المتحاربة . و «صون تزو» ، و من قبله كل من «المعلم الأكبر وانغ» و «القائد مو _ تو» يتحدثون عن « *أمير الحرب* *الأول*» دون أن يقولوا لنا من هو أمير الحرب الأول!
و صاحب كتاب فن الحرب «بنغ فا» يبدو في كتابه مؤمنا بالله تعالى عميق الالتزام بعقيدته التي تدعو إلى مكارم الأخلاق في ميدان القتال ، فهو يكثر من ذكر «الشورى في المعبد الديني» ، و يكرر مرارا أن «كل الحرب تعتمد على الخدعة» ، و أن «جميع أنواع الحروب تستند إلى الخدعة» .
• • •
و «صون تزو» في (فن الحرب) يتحدث عن فكره العسكري ، و ممارسته في الميدان ، كأنه يفسر تجربة النبي الخاتم محمد ، صل الله عليه و سلم ، في غزواته ، أو كأنهما يأخذان من منبع واحد!
فهل كان الحكيم «صون تزو» رسولا مبعوثا في الصين ، و الصين ليست بدعا من الأمم : ( _و لكل أمة_ _رسول_) 10 : 46 . و هل هو من ضمن أولئك الرسل الذين قال الله فيهم : ( _و رسلا لم نقصصهم_ _عليك_) 4 : 164 .
أم أنه مجاهد كريم تابع لرسول مجاهد كريم؟ ألا تراه كيف يجزم القول المطمئن يقول : «القائد الذي يصغي إلى نصائحي و يعمل بها سيفوز ، . . . و أما القائد الذي لا ينصت لنصائحي و لا يعمل بها سيواجه الفشل . . . و طالما أنك تضع الانتفاع بنصائحي في المقدمة ، فهذا لا يمنع استفادتك من أي حالة أو ظرف مساعد يتفوق على القواعد العادية ، و حسب الظروف يجب على الشخص أن يعدل خططه»!
و عقيدة «صون تزو» العسكرية تبرز في ما خطه في كتابه «بنغ فا» كتابة :
• «عندما يجرى التجنيد العسكري لتأديب العابثين بحرمات البلد و الأمة فإن اهل الحل و الربط في ساعات البت العسكري ، لحاجات الدفاع أو حاجات الردع للعدو ، يجتمعون في المعبد من أجل الشورى ، و البحث في صلاح الحكم القائم في البلد أو عدم صلاحه ، و مدى ثقة الأمة بذلك العهد الحاكم» . ص 77 .
• و ظروف الحرب «كان يجرى بحثها في المعبد الديني قبل بدء العمل الحربي . . . فبدون الدرس الصحيح و الاجتهاد الدقيق و المشاورة الصريحة لا تتم المسؤولية العسكرية ، و لا يصح الاجتهاد و لا تتوفر القيادة الناجحة ، و لا يتحقق النفع القومي من الحرب : فالشورى في المعبد الديني مسؤولية أساسية في العمل العسكري ، و من أجل تنمية الفكر و الثقافة العسكرية و المسؤولية السياسية بين الدولة و الأمة» . ص87 .
• «و مهمة الحرب مهمة مقدسة إذا كانت مقاصدها مقدسة ترضى عنها السماء» . ص 158 .
• «العادة في التدبير للحملة العسكرية أن يقوم عاهل الدولة بتعيين قائد للجيش ، و بتجنيد الموارد البشرية و المادية اللازمة لذلك ، . . قال لي _ شوان : “يتولى القائد وظيفته في إمارة الحملة العسكرية ، بتكليف من عاهل الدولة ، و بعد التشاور في المعبد الديني . و هذا التكليف ، يتخذ صفة الأمر بتأديب الأعداء ، أمر أقرته السماء”» . ص 139 .
• «ليست صنعة الحرب أن تنسف قوانين السماء ، أو أن تعبث في الأرض فسادا ، أو التحكم في رقاب العباد من الجنود في القوات المسلحة الذين يتولى القائد إمرتهم أو من السكان العزل الذين يتولى الدفاع عنهم . حتى الحرب تضبطها قوانين و عرف و شرائع . فمقاصد القتال العسكري هي صيانة النظام و القانون لا الفتك بالشرائع . فالجيش الذي لا يتحلى قواده و جنوده بالوازع الوجداني و الإنساني و ما تفرضه الشرائع و القوانين من حلال و حرام سيجلب على نفسه الهزيمة عاجلا أو آجلا ، و إن حقق لنفسه انتصارات هنا أو هناك . فصنعة القتال العسكري ليست وحشية لا تعرف سوى البطش و الأذى بل هي تضحية فردية و جماعية تتوخى صيانة الشرائع و ضبط الأمن و القانون . لذلك ، فأصول الحرب لا تستند إلى البطش بل إلى قواعد من الحذق و الاقتصاد في الخسائر ، ليستعيد الجيش حقوق الأمة في أقصر وقت ، و في أقل الخسائر» . ص 115 .
• «إن العامل الأخلاقي الذي أعنيه هو ذلك الذي يضبط علاقة الأمة بالمسؤولين عن الحكم ، و مدى الانسجام بين الطرفين حتى يصح للشعب أن يرافق المسؤولية الحكومية و يؤيدها في الحياة ، و في التضحية بالنفس بدون أدنى تردد أو خوف أو إرهاب أو نفاق» . ص 77 .
• «من حيث المبدأ ، فإن القيادة و السيطرة على أعداد كبيرة من الاتباع شأنها شأن السيطرة على عدد صغير ، فالأمر هو في توزيع الأعداد ليس إلا .
إذا أظهر القائد ثقته برجاله ، و أحسن معاملتهم ، و أصر في الوقت نفسه على إطاعة أوامره ، فسيكون ذلك من صالح الجانبين .
أنظر إلى اتباعك گأنهم أبناؤك _ ستراهم يتبعونك إلى أقاصي الدنيا ، و اعتبرهم أولادك الأحباء ، فستراهم يقفون إلى جوارك في أحلك الظروف . القائد الماهر هو الذي يقود اتباعه و گأنه يقود رجلا واحدا في يده» .
• «لقد سعدت ، في حملاتي العسكرية ، بأن كان معي ضباط لم يسعوا وراء الثروة ، لا لأنهم يكرهون المال ، و لكن لأنهم يفضلون عليه الواجب . و لا يكترثون بالموت ، لا لأنهم يكرهون الحياة ، و لكن لأنهم يبتغون مرضاة السماء . قال وانغ _ هسي : “إذا كانت مقاصد الجند و الضباط هي المغانم و الأسلاب و العلاوات و الترفيه فقط ، فلن ينفعوا لحاجات الدفاع عن الوطن . و ستكون أهدافهم الاحتفاظ بأرواحهم لا سحق أخطار العدو” . في اليوم الذي يصدر النفير فيه لزحف الجيش ، فإن بعض الدمع يسيل على الخدود . قال مو _ تو : “و ذلك ، لأن الجميع عقدوا ميثاقا مع الموت ، فإما أن يقهروا العدو و إما أن يقهرهم العدو و يجعل من أجسادهم سمادا للزرع أو طعاما للطير الجارح”» . ص 195_196 .
• «على القائد أن يكافح الخرافات بين الجند ليزيل نزعات الشك في قلوبهم و طباعهم ، فالموت حق . و أمام الموت تزول كل الخرافات ، و تبقى العلاقة مقصورة بين بين الرجل المقاتل و السماء» . ص 197 .
• • •
إن الحكيم «صون تزو» نقل لنا صورة قيمة عن المجتمع ، و العصر ، الذي عاش فيه . فهو مجتمع الدين و الإيمان اشبه بما جاء به خاتم الأنبياء و المرسلين من القرآن الحكيم .
• بدأ التجنيد لجيش النبي ، صل الله عليه و سلم ، من يوم مبعثه ببناء الإنسان المسلم المجاهد قائدا و جنديا ، و لم يبدأ التطبيق العملي إلا بعد عشرة سنوات بعد الهجرة التي كانت عسكريا تعني حشد المقاتلين في قلعة أمينة .
• كان المسجد الثكنة الأولى لجيش الرسول . كان القادر و غير القادر على الجهاد من المسلمين في المسجد يحقنون بمصل الجهاد _ المادي و المعنوي . إن المسجد في الأرض ، و لكن السماء فيه . و كل مسجد معمل يفرخ المجاهدين الصادقين . و كل مسجد أسس على التقوى ثكنة و مدرسة .
• كان خلق الرسول القرآن ، فهو لا يأمر بشئ إلا طبقه على نفسه أقوى التطبيق ، و يبتعد عما نهى عنه أشد الابتعاد . كان الرسول مثالا نادرا للشجاعة و الإقدام .
• كان النبي يختار الرجل المناسب للعمل المناسب ، و يحذر يقول : (من ولي من أمر المسلمين شيئا ، فولى رجلا و هو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله و رسوله) . و قال : («إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة» . قيل : يا رسول الله ، و ما إضاعتها؟ قال : «إذا وسد الأمر لغير أهله ، فانتظروا الساعة») . و الأمانة تعني أكثر من مجرد قول الصدق بل تعني فعل الشئ الصواب .
• • •
رحم الله صون تزو ، رحمة واسعة ، فقد بلغ الرسالة ، و لو عاصر نبينا صاحب الرسالة الخاتمة لسمع من أقواله ، صل الله عليه و سلم :
• (نصرت بالرعب ، مسيرة شهر) .
• (و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا) .
• (و أوتيت جوامع الكلم) .
و بعد 1100 سنة من ميلاد المفكر المنظر «صون تزو» تنزل الوحي الرباني في مكة يقول للمسلمين : (و أمرهم شورى بينهم) في سورة الشورى . و في اعقاب معركة أحد بعد القتل و الجراح جاء الأمر الرباني يقول للرسول القائد : (و شاورهم في الأمر) 3 : 159 .

التعليقات مغلقة.