راي في محاكمة عمر البشير واعوانه!
في مقال سطره قلم استاذنا القانوني الضليع المستشار عبدالرحمن حسين دوسة تناول فيه القضية التي تنظرها المحكمة الخاصة والمعروفة بمحاكمة مدبري انقلاب الثلاثين من يونيو 1989،،،ونحسب ان المقال سوف يفتح شهية القانونين للنقاش ،ذلك لما اشتمل عليه من رؤي قانونية حول مسائل تباينت حولها اراء القانونين،،وسوف نحاول ان نرمي بسهمنا مع ارباب القانون وسدنته مع اننا لم نعض بعد علي علم القانون بضرس قاطع ولم ترسخ قدمنا بصدق،،وحسبنا اننا من خدام القانون،،ومع اثارة المقال لنقاط قانونية تحتمل الخطا او الصواب،،الا ان هنالك ما اثار دهشتنافي قول المستشار في مفتتح المقال(بان اكثر المتفائلين واكبرهم عشما ممن دبروا انقلاب يونيو 1989لم يكن ليحلم بان يظل علي قيد الحياة لاكثر من شهر بعد سقوط النظام)كان يمكن ان تزول دهشتنا لو ان المستشار يعني ان يؤخذ المتهمون الي الدروة ليطلق عليهم الرصاص هكذا بدون محاكمات ، عادلة او غير عادلة ولا يحزنون اخذا بالشرعية الثورية شنقا للاعداء وسحلا للانقلابين،،،اما وقد تم رسم وثيقة سميت بالدستورية تحكم الفترة الانتقالية واحسن ما فيها من احكام هي الخاصة بوثيقة الحقوق والحريات،،،بجانب ان القضية اصبحت امام العدالة فمن غير المستساغ الحديث عن سرعة جز الرقاب،،والذي يجعلنا في حالة الاندهاش ان يصدر مثل هذا القول من مستشار في قامة اخونا عبد الرحمن حسين،،الشئي الاخر ماخذا عليه وصفه لاداء هيئة الاتهام وهيئات الدفاع بالضعف والجهل فيه قدر من الاستخفاف بزملاء المهنة وفيهم من هو اكثر خبرة منه واكبر سنا،ورغما عن ذلك لا تثريب عليه،،ولكن نعته لمحامي الدفاع بتجاوز اداب المرافعة والخروج عن اصول المحاكمات وان تقديم طلباتهم واعتراضاتهم اتسمت بالهزلية والاستعراضية،،يعد تجنيا وتجاوز لادب الاختلاف ورميا بالبهتان،،ومن ناحية اخري ان صح هذا الوصف فانه يتعدي الي المحكمة نفسها التي سمحت بل قبلت تلك الطلبات بالطريقة الهزلية التي لم تراعي قدسية محراب العدالة،لو تجاوزنا هاتين الملاحظتين فان جل المقال يستحق المناقشة والرد،،،
تاخرت هذه الدعوي باكثر مما يلزم فمنذ تقديم العريضة بواسطة الاساتذة علي محمود حسنين وكمال الجزولي وتاج السر الحبر ومحمد الحافظ محمود بتاريخ9/5/2019ظلت تراوح مكانها لدي النيابة العامة ولم تكتمل الاجراءات الا بتاريخ 20/6/2020هذا التطاول ليس له ما يبرره مع وضوح الجريمة وتوافر البينات،،ونزيد من الشعر بيتا ان المتهمين الاساسيين الفاعلين الاصلين معترفين بالجرم المشهود ولا اعتقد ان للدفاع دور في هذا التاخير لا سيما اننا في هيئة الدفاع عن قيادات المؤتمر الشعبي ظللنا نستعجل النيابة العامة في احالة البلاغ للمحكمة المختصة،،،
اما الاجراءات التي تمت امام المحكمة فكانت في اطار ما يسمح به القانون وكل الطلبات التي قدمت من هيئات الدفاع وهيئة الاتهام كانت موضوعية وقانونية بدليل ان المحكمة قبلتها وفصلت فيها وعلي سبيل المثال،،
الطلب المتعلق بعدم اختصاص المحكمة في نظر الدعوي كونها محكمة جنائية خاصة وليست محكمة طبيعية عادية وان تشكيلها يخالف احكام الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية التي توجب المساواة امام القانون كنص المادة(48)الناس متساوون امام القانون،ولهم الحق في التمتع بحماية القانون دون تمييز بينهم بسبب الاثنية او اللون او النوع او اللغة او العقيدة الدينية او الراي السياسي او الاصل العرقي او الاثني او اي سبب آخر)وهذا مبدا راسخ في العهود والمواثيق الدولية باعتبار ان الناس سواء امام القضاء ،كما وان من اساسيات المحاكمة العادلة ان تتم محاكمة اي شخص ارتكب فعل مجرم امام قاضيه الطبيعي وان يمثل جميع الافراد الي محكمة واحدة دون تمييز وتفرقة،وهذه المحكمة الخاصة انشات خصيصا لمحاكمة مدبري انقلاب الثلاثين من يونيو 1989،والمادة(52)من الوثيقة تحت عنوان المحاكمة العادلة نصت علي الاتي(يكون لاي شخص تتخذ ضده اجراءات مدنية او جنائية الحق في سماع عادل وعلني امام محكمة عادية مختصة وفقا للاجراءات التي يحددها القانون)وهذا المبدا يقرر ان المحاكم من حيث المبدا يجب ان تكون محاكم عادية وطبيعية لانها صاحبة الولاية وان لكل فرد الحق في ان يحاكم امام المحاكم العادية ولا يجوز انشاء محاكم خاصة،،وان القانون الدولي يحظر انشاء اي محاكم جنائية تقوم علي اساس تمييزي،،،،العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966،،،،اضف الي ما ذكرناه فان تجربة المحاكم الخاصة في ظل النظام البائد كانت بائسة واستغلت للتنكيل بالخصوم السياسين ومن العجب ان تعود تلك المحاكم الي ساحة العدالة بعد الثورة!!!
لماذا اللجوء الي المحاكم الخاصة؟التي يتم اختيار قضاتها بواسطة رئيسة القضاء،،كان يمكن ان يكون القضاة من دائرة الاختصاص المكاني،،،هذا الامرمن الخطورة بمكان والاخطر عدم الاعتراض محامي الثورة عليها والادهي والامر ان قطاعا واسعا منهم ايدوا الفكرة بلا تحفظ حتي،،،وبعضهم اثر الصمت والسكوت،،،،والسكوت في معرض الحاجة الي بيان رضا. ،فاين يقف المستشار عبد الرحمن حسين دوسة؟
هذا الطعن الذي اسهبنا في توضيحه يصعب ادراجه تحت التهمة انه قدم من اجل اهدار الوقت،،وان المحاكم التي نظرته كانت تعبث ايضا،،،هنالك ايضا طعنا دستوريا امام المحكمة الدستورية المغيبة مؤسس علي عدم دستورية النص الذي يبيح لرئيس القضاء انشاء محاكم جنائية خاصة،،وحماية حق موكلينا في محاكمة عادلة،،
الطلب الاخر متعلق بالضمان،،،فقد طلبنا من المحكمة اطلاق سراح موكلينا بالضمانة العادية وذلك بالاستناد الي احكام المادة(106)من قانون الاجراءات الجنائية ونصها كالاتي(لا يجوز الافراج عن المقبوض عليه في جريمة عقوبتها الاعدام او القطع من خلاف)واسسنا فهمنا علي انه لا يجوز الافراج اذا كانت العقوية هي الاعدام وحدها او القطع،،وبما ان التهمة الموجهة لموكلينا تحت المادة 96/ا/ج من القانون الجنائي لسنة 1983وعقوبتها هي الاعدام او السجن المؤبد او السجن لمدة اقل مع جواز التجريد من جميع الاموال،،،وبالتالي وارد ان تكون العقوبة هي السجن هذا من ناحية ومن ناحية اخري فان موكلينا الثلاث تجاوزوا سن السبعين ولا يجوز الحكم عليهم في حالة الادانة بالاعدام او حتي السجن وتبعا لذلك طلبنا اطلاق سراحهم بالضمانة اسوة بعدد من المتهمين من العسكريين في ذات التهمة والمحاكمة،،وقد رفضت المحكمة الطلب وايدتها المحاكم الاعلي،،ولم تقل اي من المحاكم ان الطلب قصد به شراء الوقت او تشتيت الانتباه او بقصد افقاد الثقة في القضاة،،،،
والثالث متعلق برد احد قضاة المحكمة طعنا في حياديته كونه يحمل رايا مسبقا في المتهمين وقد صرح بذلك،،ومن حق الخصوم رد القاضي عندما يكون هناك ما يؤثر في حياده من خلال علاقة مودة او خصومة مع احد الخصوم،،،ومعلوم سعي القضاة لتنبيه انفسهم ولتحييد اي اعتبارات خارجية قد تؤثر علي احكامهم وفي حالة كونهم علي دراية بالتحيز او بمسائل قد ينشا عنها مظهر للتحيز فان عليهم اعفاء انفسهم من اصدار الحكم المعني،،وعطفا علي هذا طلبنا بكل ادب واحترام من القاضي المعني بالتنحي كون ان المتهمين يشعرون بانه متحيز ضدهم،هذا الطلب اخذ دورته لدي المحاكم ولم تقل اي منها ان فيه خروج علي اداب المرافعات،،،
الخلاصةانه ليس صحيحا القول با ن الدفاع درج علي تقديم طلبات واعتراضات من اجل اطالة امد التقاضي هذه الفرية لا تقف علي ساقين سليمتين،،،هذه المحاكمة يشاهدها الملايين داخل البلاد وخارجها وهي فرصة لتقديم الوجه المشرق للقضاء وانه قادر وراغب في القيام بواجباته في محاكمة اي شخص مهما علا كعبه وفق المعايير الدولية للمحاكمات العادلة،،،اما المتعجلون في رؤية المشانق وهي تتدلي انتقاما وتشفيا ولايهمهم العدالة فهم والنظام البائد سيان،،،ثلاثون ضابطا يغتالون في يوم واحد بحكم اصدرته محكمة صورية وبعد ثلاثين عاما يعاد فتح الملف لانهم لم ينالوا محاكمة عادلة ايريدنا البعض ان نعيد الكرة،،،اليس فيهم رجل رشيد!!
في المقال القادم سوف نتطرق الي ان هذه القضية علي اهميتها ليست اولوية في سلم القضايا التي ارتكبها النظام السابق او الحالي،،،بجانب تناولنا لمعايير المحاكمات العادلة،،،
التعليقات مغلقة.