عثمان جلال يكتب/ الهوية السودانية وحدتنا في تنوعنا(1)
(بل نحن عرب العرب، جمعنا خير ما في العرب من نبل وكرم، وخير ما في الزنج من شدة وحمية)
صلاح أحمد ابراهيم ثمة ثلاث مدارس سبرت غور مسألة الهوية السودانية، المدرسة الأحادية وهي العروبة والأفريقانية ومدرسة الغابة والصحراء والتي ترى أن الشخصية السودانية نتاج لقاح ثنائية الغاب والدغل الأفريقي والصحراء العربية يقول النور عثمان أبكر الأب المؤسس لهذه المدرسة (الغاب والصحراء في عمرنا هي لونية السماحة في علاقاتنا مع اخواننا العرب والزنوج. في قاعة الجامعة العربية يلهج الابن بعروبته وفي كوناكري يصر على افريقيته لا يستطيع أن يؤدي فريضة الصلاة كاملة اللفظ والحركة، هذه المستورة تخرج لدق الريحة واغنيات السيرة والحنة بالشتم والغصن الاخضر)، ومدرسة الوحدة في التنوع
تتسم المدرسة الأحادية الاسلامية العروبية وفي طليعتها جماعة الأحياء في الأدب السوداني (العباسي، البناء، التحاني)، والمدرسة الافريقانية بنسق رؤية مثالية للشخصية السودانية وهي هيمنة وسيادة الثقافة الأحادية سواء كانت عروبية أو افريقانية، وهي رؤية مثالية تنزع إلى السيادة الثقافية والسياسية والاقتصادية المطلقة، وإلغاء الثقافات الأخرى، مما يعني انتفاء ظاهرة التنوع والمغايرة الثقافية بل يغدو التنوع والتعدد مجرد (دغمسة)، والثنائية والتنوع عناصر ثراء وتطور وتوازن للقوى حيث حفظت الذاكرة التاريخية ثنائية الفراعنة في وادي النيل، والجبابرة في وادي الفرات، ثم فارس والرومان، وإنجلترا وفرنسا، وامريكا والاتحاد السوفيتي، وامريكا والصين، في الاقتصاد برزت ثنائية المدرسة الاشتراكية والرأسمالية، والرأسمالية مرت بأطوار مدرسة التغيير الذاتي واليد الخفية بقيادة آدم سميث، ومدرسة تدخل الدولة عند الازمات الاقتصادية بقيادة جون مينارد كينز، والمدرسة الليبرالية الفريدمانية.
ان المدرسة الأحادية ترى ان اشكالية الهوية السودانية تحل بإلغاء التباين والتنوع الثقافي الذي ماز المجتمعات السودانية عبر اطوارها التاريخية، فالسودان في مخيلة هذه المدرسة اما بلدا عربيا محضا أو بلدا افريقيا محضا، ونتج عن ذلك صراع الهويات الثقافية القاتلة في السودان باسم المركز والهامش على النحو الذي تعلمون.
ان المدرسة الأحادية من خلال رؤيتها للهوية السودانية تنفي الوجود السوداني الموضوعي والعيني بكل موروثه الثقافي والتاريخي وترتقي بالهوية السودانية الى مفهوم مثالي مجرد لأنها ترى أن الثقافات السودانية الأخرى عقبة أمام حركة الحتمية التاريخية، وان المجتمع السوداني بتنوعه وتباينه الثقافي محض موجة بشرية سالبة، وان التاريخ التأسيسي للدولة السودانية وانسانها ينبغي يبدأ بدخول هذه الهوية الأحادية وانسانها.
ان سيادة ثقافة أحادية سواء كانت عروبية أو أفريقية فيه تكريس للمركزية الاثنية، والعرقية والدينية، والمنهجية الانتقائية، والغائية التاريخية وانعدام للحس التاريخي، وتغدو الغاية الوحيدة إلغاء الآخر ثقافيا وسياسيا واجتماعيا ، وهنا يرى بعض المثقفين ان الثقافة الإسلامية العروبية بحكم بنيتها اقل ميلا للتوافق مع الثقافات الاخرى، فهي تنظر للثقافات والهويات الاخرى مجرد مشاريع يمكن استيعابها في بنية الثقافة العروبية الإسلامية.
نتناول في الجزء الثاني بإذن الله مفهوم الوحدة في التنوع
التعليقات مغلقة.