(محاكمة الإنقاذ) … قضية أم دورور …! بقلم : إبراهيم عربي

وقع خبر تنحية قاضي محاكمة الإنقاذ ، خبرا صادما علي القحاتة في وقت تتابعت فيه الضربات الموجعة علي الحرية والتغيير (قحت) سقطت مؤلمة علي رأس كبيرهم الذي علمهم السحر (الحزب الشيوعي) وأتباعه من الرفاق ، وقد قلناها في مقالنا السابق ، إنها لم ولن تتوقف عند حرق الثوار علم الحزب الشيوعي والهتاف ضده علنا في مواكب الذكري الثانية لثورة ديمسبر 2018 المختطفة .
بلا شك أن خبر تنحية مولانا عصام الدين إبراهيم من رئاسة محاكمة رموز مدبري إنقلاب الثلاثين من يونيو 1989م ، كأول قاضي لها ، مثل صدمة كبرى وبل ضربة قاضية وموجعة للقحاتة ، قال القاضي إنه تقدم بطلب بذلك  لرئيس القضاء بسبب ظروفه الصحية المتمثلة في إرتفاع ضغط الدم مما يستدعي إبتعاده عن كل مايثير الإنفعال ، (نسأل الله له الشفاء والعافية) ، وبالطبع إنها أسباب موضوعية ومقبولة ولكنها أيضا خطوة لها أسبابها وتبعاتها وتوقعاتها .
المحاكمة بذاتها سابقة فريدة في تاريخ السياسة والقضاء السوداني ، واعتقد إنها الأقرب للقضاء العسكري  كما إنها قضية سياسية وذات طابع سياسي وليست قضية قانونية قضائية مدنية عادلة ليكون مكانها ساحة المحاكم السودانية ، وقد تجاوزت مدة وقوعها (الثلاثين) عاما وبذلك قد تجاوزت كافة القواعد والأطر القانونية .
عامان من (السلفكة) ولا زال رموز الإنقاذ في محبسهم بسجن كوبر في قضية لازالت المغلطات تدور بشأنها لتحديد المتهم الأول ، في مشهد مضحك ومبكي معا ، وقد تأسف له البشير المهتم ثانيا في وقت علت فيه التكبيرات قاعة المحكمة ، لا أدري كيف يكون الحال وتكون ردود الأفعال إن لم تمنع إحترازات الكورونا الصحية المتهمين من الحضور لمواصلة القضية ، التي جعلت القاضي يكتفي بوجود هيئة الدفاع فقط .
بالطبع جاءت ثورة ديسمبر (هجين) ، إذ لم تكن ثورة مكتملة الأركان كما يتمناها البعض لتتم محاكمة رموز الإنقاذ وتصفية المؤتمر الوطني ومحاكمته (سمبلة) مثلما تمت محاكمة البعث في العراق بسقوط البطل صدام حسين الذي غدر به الخونة والعملاء ، رغم أن (حزب الركشة) بذاته من ضمن تحالف (الخزي والعار) بالسودان .
ولم تكن الثورة إنقلابا عسكريا مكتملا لتتم محاكمة الإنقاذ ورموزها في (الدروة) مثلما حدث في كوبا وبوركينا فاسو ويوغندا وبعض البلدان ذات الإنقلابات العسكرية الدموية ، ولم تكن مثل إنقلاب مايو (الحزب الشيوعي) الذي  أحال البلاد إلي دماء عسكرية ومدنية وكان يفترض محاكمته قبل الإنقاذ ومن قبلها محاكمة ثورة نوفمبر بقيادة الجنرال عبود .
بل جاءت ثورة ديسمبر هجين ، ضاعت مع خطل الوثيقة الدستورية (المضروبة) والتي فشلت في تحقيق شعارها (حرية ، سلام وعدالة) ولذلك من الطبيعي أن تفشل في محاكمة قضية مثل محاكمة رموذ الإنقاذ والتي لها حجها ودفوعاتها ونجاحاتها وإخفاقاتها رغم أن الأوضاع قد إرتدت عقب سقوطها لأسوأ حالاتها مما جعل بعض الثوار يهتفون بعودة البشير إلي سدة الحكم ، علي كل لا أعتقد توجد قضية أصلا لمواصلة الحكم وإلا فإن أي حكم لم يصمد أمام محكمة الإستئناف أو المحكمة الدستورية تنفيذا لشعار الثورة (حرية ، سلام وعدالة) .
بلا شك أن مولانا عصام الدين من القضاة الذين نشهد لهم بالمهنية والأمانة والنزاهة والكفاءة ، ولذلك من الطبيعي طلب تنحيه عن قضية تبدو خاسرة منذ بداية إجراءات التقاضي فيها ، حيث فشلت خلالها الجهات من تقديم حيثيات مقبولة تحقق الخوض في مثل هذه القضايا والتي لم تتجاوز حتي الآنةعتبة الخروقات والتجاوزات وبالتالي أخفقت في تثبيت ركن الإتهام ، وقد جاءت الجلسة الأخيرة في ظل ملابسات أدت لغياب المتحري وكيل النيابة أحمد الحلا عن الجلسة وقد أثارت بذاتها جدلا بين المحكمة وهيئة الدفاع ، فضلا عن خلو المحكمة من المتهمين حسب قرار سابق من القاضي كما ذكرنا آنفا .
المتابع لحيثيات محاكمة رموز الإنقاذ أمام تلكم المحكمة المدنية لقضية تقدمت بها مجموعة من السياسيين القانونيين بقيادة الراحل علي محمود حسنين بشأن تقويض النظام الدستوري في البلاد ، يجدها المتابع محكمة مهزلة ليست مقنعة الحيثيات وربما واجه فيها القاضي ضغوطا جعلته لا يستطيع المواصلة في ظل ظروفه الصحية الضاغطة لقضية (أم دورور) لا نهاية لها ، وربما تأتي خصما علي تاريخ القاضي مولانا عصام الدين الناصع البياض وبالطبع إنها خطوة لها ما بعدها .
عمود الرادار … الثلاثاء 22 ديسمبر 2020 .

التعليقات مغلقة.