الفريق أول حميدتي وتوت رسل سلام
المتطوع لنشر ثقافة السلام ورتق النسيج الاجتماعي / الشيخ الله جابو سرور
رغم التحديات الكثيرة التي واجهت الفريق أول/ محمد حمدان دقلو رئيس وفد التفاوض من جانب الحكومة ومستشار الشئون الأمنية من دولة جنوب السودان توت قلواك في جمع الحركات المسلحة للتفاوض بشأن إحلال السلام في البلاد، إلا أنهم تخطوا تلك العتبات بالصبر والمثابرة والثبات في مواجهة الأزمات واستطاعوا بحكمة موضوعية أن يجمعوهم حول مائدة التفاوض بعد أن وفروا قدراً من الثقة المفرطة والاحترام المتبادل من كل طرف للآخر.
بعد محادثات مضنية وشائكة توصلوا إلى صيغة اتفاق مشهود من جانب الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة والأسرة الدولية ممثلة في منظمة الوحدة الأفريقية وأصدقاء دول الإيقاد وجامعة الدول العربية وتم التوقيع على إتفاقية سلام جوبا بالأحرف الأبجدية وقضت على حرب دامت ربع قرن من الزمان بالأحتكام الي صوت العقل الرصين في حل المشاكل محل الخلاف ما بين الحكومة الانتقالية والحركات المناوئة لها بالمجادلة والموعظة الحسنة وتم ذلك في محادثات جوبا للسلام تحت رعاية واشراف رئيس دولة جنوب السودان الفريق أول/ سلفاكير ميارديت.
فبموجب تنفيذ بنود هذه الإتفاقية وصل قادة الحركات المسلحة الي الخرطوم العاصمة القومية للبلاد، كل من الدكتور/ جبريل ابراهيم ومني أركو مناوي ومالك عقار والتوم هجو والهادي ادريس وياسر عرمان وخميس جلاب، فقابلهم الشعب السوداني بالحفاوة والتقدير. وبوصول هؤلاء الصفوة من رجال الحركات المسلحة انطوت صفحة الحرب في البلاد للأبد ما لم تحدث أمور أخري تقلل من شأن تلك الاتفاقية بنقد العهود والمواثيق بين الطرفين. فأصبحت من هذا المنظور واقع معاش وأمر ملزم للتنفيذ لكل من الحكومة الانتقالية والحركات الموقعة عليها بتطبيق التعهدات والمواثيق التي قطعوها علي نفسهم أمام الرأي العام العالمي والمحلي.
فالسؤال الذي يفرض نفسه في جوهر ومضمون موضوع السلام في السودان، كيف تمكن دقلو من الوصول الي تلك الدرجة المرموقة ليصبح آمراً وناهياً والرجل الثاني في تكوين الهيكل الهرمي لسدة فوهة السلطة في الدولة، وقائداً عاماً لأكبر قوة مسلحة تقاتل الي جانب قوات الشعب المسلحة باسم (حركي) قوات الدعم السريع.
الجواب: أن الفريق أول محمد حمدان دقلو في سالف العهد والآوان كان مواطن عادي لاحول ولا قوة له، يرجع فضل تقوية ساعده لدرجة أن بلغ هذا المرام العالي هو الرئيس المخلوع عمر حسن أحمد البشير ولا أحد سواه ، فانطبق على (الريس) مقولة (علمته الرماية فلما اشتد ساعده رماني، وعلمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني) أو اذا صح التعبير طبق حميدتي في المخلوع مضرب المثل العامي السوداني (الحوار الغلب شيخه). ولم لا؟
تمكن الرئيس المخلوع من الإمساك بيد المواطن أعلاه ليصبح قائداً علي رأس قوة احتياطية ضاربة تقاتل الي جانب قوات الشعب المسلحة للقضاء علي المتمردين في الإقليم الغربي وعددها بالعدة والعتاد الحربي والآليات ورواتب مجزية للمقاتلين واستطاع دقلو تنفيذ جميع الأوامر الصادرة اليه من الرئيس حينها علي الرحبة والسعة فقضى علي التمرد في غرب البلاد قضاءً مبرماً، ومن ثم اتجه الي تطبيق الإجراءات الأمنية الأخري ونهى بؤر التفلتات التي تحدث ما بين الحين والآخر، كالنهب والسرقة والسطو علي الأمكنة ليلاً ولم يكتف بهذا القدر، بل جمع الأسلحة غير المرخصة من أيدي المواطنين فأحكم سيطرته على الاقليم وبسط هيبة الدولة فيه، فعظم شأنه في عين الرئيس المخلوع ووجد إهتماماً منقطع النظير ورفع في مكانة عالية بالرغم من تحذيرات كهنة النظام وعرافيه الذين أوجسوا خوفاً من عدم ولاء حميدتي المطلق مستقبلاً، إلا أن (الريس المخلوع) بدد تلك الشكوك ولم يعرها اهتماماً يذكر وجعلها كطنين بعوضة في اذن فيل أو اضغاث أحلام مؤولين وما دقلو إلا كوكبا يدور في فلكه ويسبح بحمده وإنه بمثابة الكابح لجماح معارضيه، والضامن في استدامة حكمه للبلاد والعباد.
فلما فار التنور واندلعت الثورة ضد نظام المخلوع استدعى قوات الدعم السريع لتحضر الي الخرطوم، لكي تقمع الثوار بشتي الوسائل حتي ولو أدى ذلك الي قتل ثلث الشباب المعتصمين في بوابة القيادة العامة.
أخيراً: لما آل الأمر الي حميدتي خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى، ورفض تنفيذ التعليمات الصادرة اليه من القائد الأعلى وانحاز الي جانب الأصوات التي تنادي بتنحية المخلوع من السلطة وبارك الإتفاق الذي تم بموجبه تقدير هذا الموقف مع الأجهزة الأمنية الأخري، فجنب بذلك الدولة شر كارثة كانت محتملة تقضي علي الأخضر واليابس بعدم الوقوف الي جانب الرئيس المخلوع ليضمن له البقاء في السلطة باستعمال القوة المسلحة لفرضها عنوة بالقوة.
ولكن وقفته الجريئة لخيار الشعب في اقالة النظام المباد جعلت منه حجر زاوية وخط أحمر لا يتخطى في الحكومة الانتقالية فتمت ترقيته الي رتبة الفريق أول في الجيش السوداني ونائباً لرئيس مجلس السيادة.
أما توت قلواك مستشار رئيس دولة جنوب السودان للشئون الأمنية هذا الرجل مشهود له بعمل الخير والبر والإحسان وكان بمثابة الدينمو المحرك والرأس المدبر ممثلاً في الذراع السياسي لقوات (الأنانيا تو) تحت قيادة الراحل الفريق / فاولينو متيب نيال، كذلك كان يحظي بتقدير فائق ونظرة اعتبارية من جانب الرئيس المخلوع البشير، وكان محل تقدير وإحترام جميع رجال القصر مسموع الكلمة ومهاب الجانب وقوي الأرادة ولولاه لما تمت إتفاقية جوبا للسلام لأنه استطاع بحنكة تفاوضية مرنة أن يجمع ما بين حميدتي ورؤساء الحركات المسلحة باقليم دارفور والحركة الشعبية قطاع الشمال فصيل مالك عقار ليجلسوا للتفاوض تحت سقف واحد لوقف تلك الحرب اللعينة التي قتلت العباد وخربت الاقتصاد ويستمع كل واحد منهم للآخر، إلي أن وصلو الي صيغة سلام توقف القتال بين أبناء الوطن الواحد.
بالطبع هذا مجهود كبير وحدث مثير وسوف يحفظه لهم التاريخ. فأصبح كل من حميدتي وتوت رسل ودنياهم سلام، هذا ما لزم توضيحه بايجاز
التعليقات مغلقة.