(العدل والمساواة) … جدلية الوسطية ..؟! بقلم : إبراهيم عربي
لازالت وسطية حركة العدل والمساواة السودانية تثير جدلا كثيفا وسط الساحة السياسية السودانية ، حيث إتهما البعض بالإنتماء للحركة الإسلامية وللمؤتمر الشعبي خاصة وبالتالي تعتبر حركة يمينية ، فيما دافع عنها الدكتور الطاهر الفكي رئيس مجلسها التشريعي بشدة لدي مخاطبته مؤتمرا صحفيا أمس الإثنين 12 إكتوبر 2020 بسونا لأول مرة منذ أكثر من (20) عاما ، قائلا (أنا علماني) ولكنني ملتزم بخط الحركة وإنتهاجها الوسطية مشروعا لتربية الإنسان أينما كان.
ولكن لا ينفي ذلك أيضا إنتماء كثر من قياداتها للحركة الإسلامية مثلما قالها رئيسها الدكتور جبريل إبراهيم في وقت سابق (نحن حركة إسلامية) ، لا سيما وأن قائدها ومؤسسها الشهيد الدكتور خليل إبراهيم كان عضوا في التنظيم الإسلامي ومن كتائب المجاهدين مع آخرين كثر من قياداتها .
غير أن عملية إغتيال الدكتور خليل في منطقة ود بندة بكردفان ديسمبر 2011 بذاتها ظلت تثير العديد من التساؤلات ، حيث كشف الدكتور الطاهر الفكي أن الشهيد خليل أغتيل عبر تقنية متطورة لا تملكها الحكومة السودانية ، إستخدمت فيها وطائرتين رغم التأمين العالي ، مبرئا بذلك ساحة الحكومة السابقة ، مما رفع سقف الإتهامات لجهات خارجية ، وقالت الحركة وقتها أن قائدها الدكتور خليل أغتيل بمؤامرة من قبل المؤتمر الوطني شاركت فيها دول بالمحيط الإقليمي لم تسمها .
ولكن لا أعتقد أن إسلاموية الحركة أو علمانيتها أو وسطيتها (مشكلة أو مسبة او كارثة) ، فحالها حال رصفائها من حركات الكفاح المسلح والقوي السياسية السودانية والتي إنقسمت مابين اليسار واليمين (المعتدل والمتطرف) وبعضها إنتهج الوسطية مثلما ذهبت حركة العدل والمساواة السودانية .
غير ان تميز بالسودانية التي خصت بها إسمها أيضا أثار تساؤلا ، إعتقد جاء للفصل بينها وحركة العدل والمساواة التي إنشقت عنها ووقعت علي إتفاق سلام دارفور مع الحكومة السودانية بالعاصمة القطرية الدوحة ، والتي أغتيل بسببها قائدها محمد بشر ورفيقه أركو ضحية في حادثة مؤسفة في منطقة (بامنا) بوادي هور قرب الحدود (التشادية – السودانية) في مايو 2013 وتم أسر (20) من أتباعهم قبل إطلاق سراحهم علي دفعات وبذاتها تظل من التحديات والعقبات التي تواجه رتق فتق حركة العدل والمساواة ووحدتها .
لا أحد يستطيع أن يقلل من أهمية حركة العدل والمساواة أو ينكر دورها أومساهمتها الكبيرة في إسقاط الحكومة السابقة لاسيما وأنها الحركة المسلحة الوحيدة التي تمكنت من دخول العاصمة السودانية عسكريا 2008 في خطوة فقدت فيها ابرز قياداتها (جمالي) وآخرين وأسر بعض منسوبيها تم إطلاق سراحهم علي مراحل ومن بينهم الدكتور عبد العزيز نور عشر الأخ غير الشقيق للشهيد خليل إبراهيم والدكتور جبريل قائد ورئيس الحركة ، وقد نال عشر درجة الدكتور وهو سجينا وتؤكد بذاتها قوة العزيمة والشكيمة .
ولكن تظل مخاطرة الحركة ودخولها أم درمان نهارا ، خطوة لها مكانتها وتأثيراتها علي المشهد والأوضاع السياسية والأمنية بالبلاد ، وقد أحدثت هزة كبيرة وسط الأجهزة الأمنية ، ولكنها كذلك أكسبت الحركة ثقة المواطنين وإحترامهم لها لا سيما في طريقة تعاملها مع المجتمع دون إعتداء علي أموالهم وممتلكاتهم ، كما أن أحداث قوز دونقو الشهيرة ستظل محطة مهمة في مسيرة الحركة وتحركاتها حيث تعرضت فيها الحركة لمآمرة وإختراق أفقدتها قوتها الضاربة وبالتالي خفضت من فعاليتها .
وليس ذلك فحسب بل لحركة العدل والمساواة دور بارز وسط المجتمع ووجود سياسي فاعل لعب فيه بعض قياداتها بالداخل أدوارا معتبرة ، وقد ظلت تحتفظ بعضويتها الكبيرة سرا ، ويتوقع لها مستقبلا سياسيا مشرفا تقلب به الطاولة علي المشهد ، وربما ستشهد الساحة أيضا تحالفات وليس مستبعدا ان تكون الحركة عنصرا أساسيا فاعلا فيها ، وقد تكللت خطواتها تلك بفتح أول مكاتبها في ربك حاضرة النيل الابيض عقب توقيعها علي السلام وقطعا ستعقبها إفتتاح مكاتب لها بولايات السودان المحتلفة لممارسة نشاطها السياسي .
من الواضح ان حركة العدل والمساواة السودانية ستواجهها مع رفاقها في الجبهة الثورية مشكلة إنسجام مع شريكهم الحرية والتغيير (قحت) ، وبالتالي ستصبح هنالك مشكلة في تطبيق بنود إتفاقية السلام واقعا ويتوقع لها ألا تتجاوز نسبة نجاحها 40% بسبب المضايقات والتشاكس والمعاكسات والتي بدأت تطل برأسها بين الشركاء .
وقد حملت الحركة (قحت) أسباب الفشل ، وعزا الجنرال سليمان صندل أسباب الأزمة وعدم توفير السلع والخدمات والضائقة الإقتصادية لسوء إدارة الحرية والتغيير (قحت) للحكم وتكالبها علي المحاصصات وإقصاءها لشركاءها في الكفاح المسلح ، وقال إنها أخرت العملية السلمية وحولتها من مشاورات إلي مفاوضات ، وتمسكت الحركة بالفدرالية وقالت ان هنالك تداخلا في السلطات مابين المركز والولايات ، وتدخلات من قبل بعض الوزراء في قضايا ليست من اختصاصاتهم .
ولكن يبدو أن حركة العدل والمساواة ستواجهها كذلك عدة تحديات سويا مع شركاءها ، في ظل أزمة إقتصاديه خانقة إرتفع فيها التضخم 200% وقد إرتفعت أسعار السوق بنسبة تجاوزت 500% ويعاني المواطنين عجزا كبيرا في الحصول علي الرغيف والذي كان سببا في إسقاط الحكومة السابقة ، فضلا عن نقص كبير في الجازولين والبنزين والغاز وتذبذب في خدمات الكهرباء والمياه وربما تقود جميعها لإنفراط عقد الأمن .
ومن التحديات الكبرى التي تواجه شركاء السلام تلويح الحكومة برفع الدعم عن السلع والخدمات تجاوبا مع سياسة صندوق النقد الدولي في وقت بدأت فيه عمليات تنفيذ مصفوفة السلام والتي يتوقع ان يتم إدراجهت اليوم الثلاثاء 13 إكتوبر بالوثيقة الدستورية ويتوقع مراقبون ان تقلب بذاتها الطاولة علي الوثيقة الدستورية وربما تجعلها غير قادرة علي الصمود .
عمود الرادار … الثلاثاء 13 إكتوبر 2020 .
التعليقات مغلقة.